الأربعاء، 12 أغسطس 2009

قصة الإسلام في اليمن ) 1 (





  • قصة الإسلام في اليمن


  • نشأت باليمن حضارات منها حضارة سبأ والدولة المَعِينِيَّة فبنَوْا سدَّ مأرب، ثم ظهرت الدولة الحميرية، وتميزت بالاضطرابات، فدخلها الرومان، والأحباش، ووقع السيل فخرب العِمران، ودخلها الأحباش مرة أخرى بقيادة أبرهة الأشرم، فكانت واقعة الفيل، ثم احتلها الفرس، وكان آخر ولاتهم (باذان) فاعتنق الإسلام.
    وكان اليمن مقسمًا بين حمير، وحضرموت، وكندة، وهَمْدان، وبين حُكْمٍ فارسي في صنعاء وعدن وما حولها، وبين جَيْبٍ في نجران للنفوذ الروماني الحبشي، فأسلم أبو موسى الأشعريِّ في الأشاعرة، والطفيل بن عمرو في دَوْس، وقيس بن نمط في هَمْدَان، فنشروا الإسلام في قبائلهم، وبعث النبي صلى الله عليه وسلم رسالة إلى باذان فأسلم، أما نصارى نجران، فقَدِمَ وفدهم المدينة فقَبِلُوا أن يَفْرض عليهم مال الصلح، واشترط عليهم شروطًا أَدْرَج ضمنها يهود نجران، أما حمير فأرسل إليها عدة رسل فأسلم ملوكها.
    وأرسل النبي إلى اليمن بعض الصحابة مثل علي بن أبي طالب وغيره، ثم تنبأ الأسود العنسي، وبموت النبي ارتدَّ كثير من أهل اليمن، فكانت، فأرسل أبو بكر الصديق ثلاثة جيوش؛ فعادوا إلى الإسلام، فجاهدوا مع الجيوش الإسلامية، ففي الأندلس قلاع بأسمائهم، كقلعة هَمْدَان بغرناطة، ومنهم العلماء كمالك بن أنس الأَصْبَحِيّ إمام السنة، وعبد الرحمن الغَافِقِيّ.
    وفي زمن الفتنة اضطربت الأمور وشاع القتل بين أتباع علي بن أبي طالب وأتباع معاوية، وفي أواخر الدولة الأُموية غلب الخوارج، فدخلوا مكة والمدينة، واتَّجهوا نحو الشام فتصدى لهم الخليفة مروان بن محمد، ثم انفصلت اليمن عن الدولة العباسية، ونشأت بها دويلات مستقلَّة، فقامت دولة بني زياد ومركزها (زبيد) بِتِهَامة، وحَكَم بنو يَعْفُر صنعاء، وسيطر القرامطة على اليمن ونهبوا مدنها، وسيطر بنو صُلَيْح على صنعاء، أما صَعْدة فكانت تحت حكم دولة (بني رسّ) الشيعية، وقد ظلَّت الأوضاع تلك على حالها حتى مجيء الأيوبيين؛ إذ جمعوا أمر عدد من الإمارات، ثم قامت الدولة الرسولية، وتميَّز حُكمها بالتقدم العلمي، ثم قامت الدولة الطاهرية، ثم استولى البرتغاليون على بعض سواحل اليمن، فاستطاع المماليك طردهم فدخلوا اليمن، ثم هزمهم العثمانيون في بلاد الشام ومصر، فانسحبوا من صنعاء، وصاروا تحت السيادة العثمانية، وظهرت الدولة الزيدية بزعامة يحيى بن الحسين الرسي، فثار الأئمة الزيديون ضدَّ العثمانيين، ثم ضعفوا، واستقلت القبائل والمدن عنهم، ثم عاد النفوذ العثماني.
    واحتل الإنجليز عدن وعسير بعد هزيمة محمد علي في الشام، وعقده معاهدة لندن التي حدَّدت نفوذه في مصر فقط، وضعف أمر الأئمة وبدأ الخلاف بينهم، وقامت ثورة في ربيع الثاني عام 1367هـ = 1948م أطاحت بالحكم، واشترك فيها عبد الله بن أحمد الوزير، ثم أعلن عبد الله السلال نهاية حكم الإمامة وقيام الجمهورية اليمنية، قامت ضده انقلابات فاسْتَنْجَدَ السلال بمصر، فوقع في اليمن صراع طويل ومرير بين أنصار الإمام أو مَنْ يُعرفون بأنصار المَلَكِيَّة اليمنية وأنصار الجمهورية، وقد انسحبت القوات المصرية من اليمن عام 1387هـ = 1967م، كما قررت بريطانيا الانسحاب من جنوب اليمن المحتل عام 1388هـ / 1968م، ثم قام انقلاب تزعمه علي عبد الله صالح وتم توحيد اليمن.


  • حضارات عتيقة ذكرها القرآن
    صفحة رائعة من صفحات المجد والعروبة والإسلام، وقلعة شامخة من قلاع النضال والثورة، إنها اليمن العربية السعيدة، صاحبة الجنان والسدود العظام، والتي استحقَّت الذكر في كتاب الله العزيز في أكثر من مناسبة!!
    وإن نازع الناس في سبب تسميتها؛ فإن الراجح أنها من اليُمن وهي البركة
    ، وتُعرف اليوم رسميًّا باسم "الجمهورية اليمنية"، وعاصمتها صنعاء، وهي تلك البقعة التي تقع في الجزء الجنوبي الغربي من شبه الجزيرة العربية، أي في جنوب غرب آسيا، يحدُّها من الشمال المملكة العربية السعودية، ومن الجنوب خليج عدن وبحر العرب، ومن الشرق سلطنة عُمَان، ومن الغرب البحر الأحمر، وتُشرف على مضيق باب المندب الذي يُعَدُّ من أهمِّ الممرَّات المائية في العالم، وهو يربط البحر العربي بالبحر الأحمر.

    وهذه الحدود السياسية المعاصرة لم تكن تعرفها اليمن في تاريخها القديم؛ إذ جاء تاريخ شبه الجزيرة العربية - بما فيها اليمن وحضارتها القديمة - على أنها وَحْدَة جغرافيَّة مترابطة؛ فقد "كانت كل شبه الجزيرة مسرحًا لأحداث تاريخيَّة متنوِّعة؛ فقامت الممالك والحضارات، واتَّسعت بذاتها أو نفوذها داخل شبه الجزيرة، طالما توفَّرت لها القوَّة والنفوذ داخل شبه جزيرة العرب"
    .
    ومن هذه الحضارات حضارة سبأ، وسبأ هو اسم أَبي اليمن
    ؛ وقوم سبأ من أقدم الشعوب التي عُرفت باليمن، وهم من العرب العاربة، وقد عُثِر على ذكرهم في حفريَّات "أور" والتي تُؤَرَّخ بخمسة وعشرين قرنًا قبل الميلاد، ويبدأ ازدهار حضارتهم ونفوذ سلطانهم وبسط سيطرتهم بأحدَ عشرَ قرنًا قبل الميلاد .

    قوم سبأ
    وقد مرَّ قوم سبأ في تاريخهم بعدَّة أدوار؛ فعُرِفت الفترة ما بين (1300 إلى 620 ق.م) بالدولة المَعِينِيَّة، وظهرت في الجَوْف؛ أي السهل الواقع بين نجران وحضرموت، ثم أخذَتْ تنمو وتتَّسع وتُسيطر وتزدهر، حتى بلغ نفوذها السياسيُّ إلى العُلا ومَعَان من شمالي الحجاز، ويقال: إن مستعمراتها وصلت إلى خارج بلاد العرب، وهم الذين بنَوْا سدَّ مأرب، وهو سدٌّ له شأن كبير في تاريخ اليمن، وهو الذي وفَّر لهم معظم خيرات الأرض، وفي الفترة ما بين (620 ق.م إلى 115 ق.م) عُرفت دولتهم بدولة سبأ
    .

    سيل العرم

    ومنذ سنة (115 ق.م إلى 300م) غلبت قبيلة حِمْيَر، واستقلَّت بمملكة سبأ، فعُرفت دولتهم بالدولة الحميرية الأولى، وفي هذا العهد بدأ فيهم السقوط والانحدار، والذي تزايد وكثُرت معه الحروب والاضطرابات في الدولة الحميرية الثانية، والتي امتدت منذ (300م إلى أن دخل الإسلام اليمن)، فجعل دولتهم عُرضة للأجانب؛ إذ دخلها الرومان، ثم احتلَّتها الأحباش لأوَّل مرَّة سنة 340م، ثم استقلَّت، ولكن وقع السيل العظيم الذي ذكره القرآن بسَيْل الْعَرِمِ في سنة 451م، وكانت حادثة كبرى، أدَّت إلى خراب العِمران وتَشَتُّت الشعوب
    .

    أصحاب الفيل
    وقد دخل الأحباش اليمن مرَّة ثانية سنة 525م، وفي سنة 549م نصَّب أبرهة الأشرم نفسه حاكمًا عليها، وهو الذي أخذ في نشر الديانة النصرانية بأوفر نشاط
    ، حتى بنى كعبة باليمن وذَهَب لهدم الكعبة في مكَّة، فأخزاه الله وأهلكه عقب وقعة الفيل المشهورة، وقد خَلَفَه على اليمن اثنان من أبنائه، كانا شرًّا من أبيهما، وأخبث سيرة منه في اضطهاد أهل اليمن وقهرهم وإذلالهم؛ وهو ما جعل اليمنيُّون يستنجدون بالفُرس ويُقاومون الحبشة، حتى تمَّ إجلاؤهم عن البلاد سنة 575م، ولم تَطِبْ لهم الأيام؛ إذ أصبحت اليمن مستعمرة فارسية يتعاقب عليها ولاة من الفرس، كان آخرهم "باذان" الذي اعتنق الإسلام سنة 628م، وبإسلامه انتهى نفوذ فارس على بلاد اليمن.





  • الإسلام يدخل اليمن
    ولا ريبَ أن إسلام اليمنيين لم يأتِ بين عشية وضحاها؛ فلم يكن يخفى عليهم أمر البعثة النبوية (610م)، وذلك من خلال الرحلات التِّجارية التي كانت بين قريش واليمن، وما تلاها من دعوة سرية وجهرية، ثم مخاطبة الرسول الوافدين من القبائل المجاورة، وبعد ذلك هجرة بعض المسلمين إلى الحبشة، ثم إلى المدينة وبداية تكوين الدولة الإسلامية، والتي ظهرت مكانتها الخاصَّة بعد غزوة بدر الكبرى (2هـ - 623م)، لتُهَدِّد بعد ذلك دولة الروم في دومة الجندل (5هـ - 626م)، وتتوسَّع فيما حولها على حساب يهود بني قَيْنُقَاع وبني النضير وبني قُرَيْظة، ثم تُقِرُّ سلطانها بعد صلح الحديبية (6هـ - 627م) أمام زعيمة الجاهلية العربية قريش، فكان لكل هذه الأحداث المتلاحقة أثر كبير في أهل اليمن، فجاء تأثُّرهم بالإيجاب في ذلك إما رغبة أو رهبة.
    وقد كانت اليمن في تلك الأثناء منقسمة بين قوى قَبَلية هي: حمير، وحضرموت، وكندة، وهَمْدان، وبين حُكْمٍ فارسي في صنعاء وعدن وما حولها، وبين جَيْبٍ في نجران للنفوذ الروماني الحبشي، وهو الجَيْب الذي كان فيه نصارى نجران هناك.
    والحقيقة أن إسلام أهل اليمن لم يأتِ دَفْعة واحدة أو في زمن واحد أو بوسيلة واحدة، وإنما كان لكلٍّ قوَّة، ولكلِّ قبيلة في اليمن أسلوب انتهجه واتبعه معها رسول الله ,وكانت المقدِّمة حينما أسلم أفراد من قبائلَ مختلفة - كأبي موسى الأشعريِّ في الأشاعرة، والطفيل بن عمرو في دَوْس، وقيس بن نمط الهَمْدَاني في هَمْدَان - فأخذوا يَنْشَطون للدَّعوة في قبائلهم
    .
    أما بالنسبة إلى الأبناء
    بعث رسالة إلى باذان - حاكم اليمن من قِبَلِ الفُرس - دعاه فيها إلى الإسلام، فاستجاب باذان لدعوة الإسلام، وتَبِعَه في ذلك أتباعة على اليمن، فلم يزل عاملاً عليها حتى مات .: فإن الرسول ، وقد أقرَّه الرسول

    نصارى نجران
    وأما نصارى نجران، فإن وَفْدَهم قَدِمَ المدينة ولم يكن مقصودهم الإسلام، وإنما الجدال والمفاخرة والملاعنة، وذلك بعد عرض الإسلام عليهم ومناقشتهم للرسول ’ولمَّا أخلفوا موعدهم في ذلك خيَّرهم الرسول بين الجزية والقتال، فرفضوا القتال، ورفضوا أيضًا (صورة الجزية)، ولكنهم قَبِلُوا أن يَفْرض عليهم شيئًا من المال كلَّ عام، عُرِف بمال الصلح، واشترط عليهم شروطًا أَدْرَج ضمنها يهود نجران
    .
    وأما قبيلة حمير، أعظم القوى القَبَلِية في اليمن وأعرقها، وصاحبة السيادة في تاريخ اليمن قبل الإسلام: فقد أرسل إليهم الرسول r أكثر من رسول، كان أوَّلهم المهاجر بن أبي أمية في السنة السابعة، وقد جاء بالبشرى بإسلام ملوك حمير مالك بن مرارة الرَّهَاوي، الذي أُرسل في السنة التاسعة للهجرة أو أواخر الثامنة
    مُعَاذ بن جبل إلى اليمن في أواخر السنة التاسعة للهجرة؛ ليتولَّى ليس القيادة الإدارية للمنطقة الجبلية كلها الممتدة من نجران شمالاً حتى عدن جنوبًا، وليس قبيلة حمير وحدها، وإنما لتكون جزءًا من وَحْدَة إدارية كبيرة عُرِفت بالمِخْلاَف الأعلى[7]. وبمثل ذلك جاءت وفود بقيَّة القبائل، مثل: كِنْدَة، وإقليم حضرموت، وتِهَامة اليمن .، وقد بعث الرسول

    كيف دخل اليمنيون الإسلام؟
    وإذا كان إسلام هذه القوى وتلك القبائل قد أخذ الطابع السِّلْميَّ، عن طريق استجابتهم لدعوة الإسلام دون حرب أو قتال، فقد انتهجت الدولة الإسلامية كذلك أسلوب البعوث والسرايا تجاه بعض القبائل اليمنية الأخرى التي لم تستجب لدعوة الإسلام، كان منها تلك التي أُرْسِلَت إلى قبيلة (دَوْس) بقيادة الطفيل بن عمرو على إِثْر غزوة حُنَيْن وقبل حصار الطائف
    .
    وعلى هذا فإن مجموع أهل اليمن يكون قد دخل الإسلام بين العام السادس للهجرة وعام الوفود في السنة العاشرة، وذلك باستثناء نصارى نجران
    ، وذلك إما عن رغبة في الدين الجديد، وإما رهبة من قوَّة المسلمين الجديدة النامية في المدينة، وقد جاء ذلك بطريقتين، الأولى: دَعَوِيَّة سلمية تَجَاوَبَ معها اليمنيُّون، وكانت في معظم جهات اليمن، والثانية: هي طريقة السرايا والبعوث العسكرية، وكان ذلك في الجهات الشمالية من تِهَامة، وتلك التي يقطنها البدو غير مستقرِّين.

    الردة بين قبائل اليمن
    ولعلَّ العامل الثاني في دخول أهل اليمن الإسلام هو الرهبة من الدولة الإسلامية الفتيَّة، كان أهم الأسباب في حدوث الردَّة التي وقعت بعد وفاة الرسول r في الجزيرة العربية، والتي لم تسلم منها قبائل اليمن.
    وقد كان من أول مظاهر الردَّة في اليمن ما ظهر من حركة عبهلة بن كعب الذي عُرِف بالأسود العَنْسِيِّ، وكان يتمتَّع ببنية قويَّة ومنطق معسول
    في اليمن .، فقد اعترف بنُبوَّةٍ مِن قريش، ونُبوَّة مِن ربيعة، ليُمَثِّل هو نبوَّة اليمن ؛ إذ الأمر لم يكن يَعْدُو عنده إلا مجرد منافسة قَبَلية، وقد حرص على جمع الزعامات الدينية حوله، لكنَّه لم يُفلِح إلا في نطاق ضيِّق وفي فترة قصيرة، ثم خسر الجولة في النهاية على يَدِ الحِلْفِ الموالي لسياسات الرسول
    وبموت الرسول r ارتدَّ كثير من أهل اليمن، وقد جاء التصدِّي لهذه الردَّة في اليمن في اتِّجاهين، تمثَّل الأوَّل في تصدِّي أولئك الذين ثبتوا على الإسلام من أبناء القبائل المرتدَّة نفسها، ومن أمثلة ذلك: مسعود الْعَكِّيُّ في وسط (عكٍّ والأشعريين)، وفروة بن مُسَيْك المُرَادِيُّ وغيره في مراد، وعمرو بن الحجاج الزُّبَيْدي في زُبَيْد، وعبد الله بن عبد المدان في بني الحارث.
    وأما الاتِّجاه الثاني فيتمثَّل في تصدِّي الدولة الإسلامية لهم، حيث أرسل الخليفة أبو بكر الصديق t ثلاثة جيوش إلى اليمن: الأول بقيادة سُوَيْد بن مُقَرِّنٍ المازِنِيِّ ووِجْهَتُه تِهَامَة، والثاني جيش عكرمة بن أبي جهل الذي انضمَّ إلى زياد بن لَبِيد الْبَيَاضِيِّ أمير إقليم حضرموت؛ وذلك لتشديد الخناق على كِنْدَة، أما الثالث فكان جيش المهاجر بن أبي أمية، وهو أكبر الجيوش المرسلة إلى اليمن، وكان يضمُّ عددًا من المهاجرين والأنصار، وكانت مهمَّته أوسع، وهو الذي تتبَّع مَن بقي من أتباع الأسود العَنْسي في مَذْحِج، ثم توجَّه إلى حضرموت وشارك في حصار كِنْدَة مع زياد بن لبيد الْبَيَاضِيِّ وعكرمة.

    دور اليمنيين في بناء الدولة الإسلامية
    وكانت النتيجة أن دخل أهلُ اليمن من جديد في الإسلام، بعد أن قُتِل من قُتِل، وعاد إلى الإسلام من كتب الله له الخير، ومِن بعدها أصبح اليمنيون يتجمَّعون حول مفهوم الأُمَّة وليس مفهوم القبيلة أو العشيرة
    ، وقد كانت لهم انطلاقاتهم فيما بَعْدُ في بناء الخلافة الإسلامية في كل بلاد الإسلام في الأزمان اللاحقة؛ فقد خرجوا مع الفتح الإسلامي في جيش عمرو بن العاص وغيره من الجيوش، واستقرَّ كثير منهم في بلاد الشام ومختلَف أقطار العالم الإسلامي.
    تشهد لهم في الأندلس تلك القلاع التي تُسَمَّى بأسمائهم، كقلعة هَمْدَان في غرناطة، وقلعة خَوْلان في إشبيلية، وقلعة يَحْصُب وغيرها، كما يَشْهد لهم نبوغ كثير منهم بالعراق والشام والأندلس، منهم جماعة من العلماء كالقاضي عامر بن شَرَاحِيل الشَّعْبِيِّ، ومَسْرُوق الهَمْدَاني، وطلحة بن معرق الهمداني الْيَامِيّ، وإبراهيم النخعي المَذْحِجِيِّ، والأشتر النَّخَعِيِّ وغيرهم، وأشهرهم في ذلك: مالك بن أنس الأَصْبَحِيُّ إمام السنة، والقاضي عياض الْيَحْصُبِيُّ، وعبد الرحمن الغَافِقِيُّ من الأمراء البارزِينَ، ومنصور بن أبي عامر المَعَافِرِيُّ صاحب الأندلس
    [15].

    اليمن في عهد الخلافة الراشدة
    وفي زمن الخلافة الراشدة كان اليمن بكُلِّ تقسيماته الإداريَّة ولايةً أو ولاياتٍ تابعة للخلافة الإسلامية، ولم يشهد أحداثًا جسامًا إلا ما كان في زمن الفتنة، والتي تمثَّلتْ في مقتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان t (35هـ)، ثم موقعة الجمل (35هـ)، وصفّين (37هـ) والنهروان (38هـ)، ثم مقتل الخليفة الرابع علي بن أبي طالب t (40هـ).
    ففي الصراع الذي نشب بين علِيٍّ ومعاوية بعد مقتل الخليفة عثمان y أجمعين وصل الوالي بسر بن أبى أرطاة إلى اليمن من قِبَل معاوية فتتبَّع شيعة علِيٍّ في اليمن بالقتل والمطاردة، ثم فرَّ أمام والي علي بن أبى طالب جارية بن قدامة السعدي الذي تتبَّع هو الآخر عثمانية اليمن وأعوان معاوية بالقتل والتشريد
    ، ثم غادر اليمن بعد سماعه بمقتل الخليفة علي بن أبي طالب، والذي تنازل بعده ابنه الحسن عن الخلافة لمعاوية، ليجتمع شمل الأمة عام 40 للهجرة، والذي عُرِف بـ"عام الجماعة" ، والذي مهَّد الطريق لبني أمية لإرساء خلافتهم وحكم المسلمين.

    اليمن في عهد الدولة الأموية
    وفي فترة الخلافة الأموية (41 - 132هـ) ولي اليمن أكثر من خمسة وعشرين واليًا، لعلَّ أطولهم مدَّة هو يوسف بن عمر الثقفي، الذي ولي اليمن ثلاثَ عشرةَ سنة، ابتداءً من خلافة هشام بن عبد الملك (105هـ)، وقد استأثر الثقفيون عامَّة بثقة بني أمية، فأكثروا من تَوْلِيَتهم ولايات مختلفة من بينها اليمن
    .
    وفي خلافة ابن الزبير (64 - 73هـ) تولَّى اليمن من قِبَلِه أكثرُ من عشرة وُلاة، حتى إن فترة بعضهم لم تتجاوز الشهور
    .
    وفي كثرة تغيير الولاة في فترة الخلافة الأموية لم نجد وقائع محدَّدة تكون مبررًا لذلك التغيير؛ ولعلَّه كان يجيء لحاجة دار الخلافة إلى تغيير الوالي لأمرٍ يراه الخليفة نفسه، وربما جاء استجابة لشكوى بأحد الولاة
    .
    وفي أواخر الدولة الأُموية غلب الخوارج على اليمن، وكان زعيمهم عبد الله بن يحيى الحضرمي الملقب بـ "طالب الحقِّ"، فقد ثار بحضرموت، وتمكَّن من دخول صنعاء، ثم زحف شمالاً باتِّجاه مكة فسقطت بأيديهم، ووليها أبو حمزة الخارجي نائب عبد الله بن يحيى الحضرمي، ثم استولى بعد ذلك على المدينة، وبعدها اتَّجهوا نحو الشام إلا أن مروان بن محمد - آخر خلفاء بني أمية - أعدَّ لهم جيشًا كبيرًا قابلهم بوادي القرى، وأخذ يُلْحِق بهم الهزائم ويطاردهم، حتى وصل إلى حضرموت مُنْطَلقهم الأوَّل، حيث كان آخرَ نفس لهم، إلا أن عبد الملك السعدي قائد قوات مروان بن محمد قُتل في الجوف في طريقه إلى مكة لرئاسة موسم الحجِّ، ومن بعده عيَّن مروانُ بن محمد واليًا جديدًا على اليمن هو الوليد بن عروة، والذي بقي في منصبه حتى اضمحلَّت دولة بني أمية
    .

    اليمن في عهد الدولة العباسية
    ومن بعدها دخلت اليمن في حوزة العباسيين، وقد ساروا فيها من جهة نظام الحكم سيرة الأمويين قبلهم، فأرسلوا الولاة إلى اليمن، والذين تمكَّنوا من ضرب الثورات التي قامت ضدَّهم، مثل التي قامت في حضرموت على يد الخوارج زمن الوالي معن بن زائدة الشيباني، الذي ولي اليمن لأبي جعفر المنصور
    ، وتلك التي قامت في جهات تِهَامة والساحل زمن الوالي حماد البربري، الذي ولي اليمن لهارون الرشيد، والذي عانى من ثورة قام بها الهيصم بن عبد الصمد الحميري استمرَّت فترة طويلة .
    إلا أن أمر العباسيين في اليمن لم يَدُمْ على القوَّة؛ وذلك لبُعْدِ اليمن عن مركز الحكم، ولطبيعتها الجبلية، ولوعورة أرضها، وللسبب نفسه كانت ملجأً لكثير من الفارِّين من الحكم أو الثائرين عليه؛ فانفصلت اليمن عن الدولة العباسية، ونشأ فيها الدُّويلات المستقلَّة، التي أَخذَت الطابع القبلي أحيانًا، والمذهبي (شيعي على وجه التحديد) أحيانًا كثيرة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

السلام عليكم ضع تعليقك وأترك بصمتك علي الموضوع مع خالص أحترامي وتقديري