الخميس، 13 أغسطس 2009

العفو

  • رابع عشر: العفو
    قال المأمون لعمه إبراهيم بن المهدي، وكان مع أخيه عليه: إني شاورت في أمرك فأشاروا عليَّ بقتلك، إلاَّ أني وجدت قدرك فوق ذنبك، فكرهت القتل لألزم حرمتك. فقال: يا أمير المؤمنين، إن المشير أشار بما جَرَتْ به العادة في السياسة، إلا أنك أبيتَ أن تطلب النصر إلا من حيث عودته من العفو، فإن عاقبت فلك نظيرٌ، وإن عفوت فلا نظير لك. وأنشأ يقول:
    البرُّ منك وَطَيُّ العذر عندك لي
    فيما فعلتُ فَلَمْ تَعْذِلْ ولم تَلُمِ
    وقام عِلْمُكَ بي فاحتجَّ عندك لي
    مقامَ شاهدِ عدلٍ غير مُتَّهَمِ
    [1]
    [1] الأبيات من البسيط، انظر: الطرطوشي: سراج الملوك 1/177.
    خامس عشر: المروءة
    لما حضرتْ سعيدَ بن العاص الوفاةُ قال: يا بَنِيَّ، لا تفقدوا إخواني مني عندكم عين وجهي، أَجْرُوا عليهم ما كنتُ أُجْرِي، واصنعوا بهم ما كنت أصنع، ولا تُلْجِئُوهم للطلب؛ فإن الرجل إذا طلب الحاجة اضطربت أركانه، وارتعدت فرائصه، وَكَلَّ لسانه، وبدا الكلام في وجهه، اكفوهم مئونة الطلب بالعطية قبل المسألة؛ فإني لا أجد لوجه الرجل يأتي يتقلقل على فراشه ذاكرًا موضعًا لحاجته فعدا بها عليكم لا أرى قضى حاجته عوضًا من بذل وجهه، فبادروهم بقضاء حوائجهم قبل أن يسبقوكم إليها بالمسألة[1].

    - قال عبيد الله بن محمدٍ التيمي: سمعت ذا النُّون يقول بمصر: من أراد أن يتعلَّم المروءة والظرف فعليه بسقاة الماء ببغداد.
    قيل له: وكيف ذلك؟ قال: لمَّا حُمِلْتُ إلى بغداد رُمي بي على باب السلطان مقيَّدًا، فمرَّ بي رجلٌ متَّزرٌ بمنديل مصري، معتمٌّ بمنديل دَبِيقِيٍّ، بيده كيزان خزفٍ رقاقٍ وزجاج مخروط، فسألت: هذا ساقي السلطان؟ فقيل لي: لا، هذا ساقي العامة. فأومأت إليه: اسقني. فتقدَّم وسقاني، فشممت من الكوز رائحة المسك، فقلت لمن معي: ادفع إليه دينارًا. فأعطاه الدينار، فأبى وقال: لست آخذ شيئًا. فقلت له: ولم؟ فقال: أنت أسيرٌ، وليس من المروءة أن آخذ منك شيئًا. فقلت: كَمُلَ الظرف في هذا
    [2].
    [1] ابن أبي الدنيا: الإخوان ص223.
    [2] ابن الجوزي: أخبار الظراف والمتماجنين ص68.
    سادس عشر: الفطنة
    غضب المأمون على طاهر بن عبد الله، فأراد طاهرٌ أن يقصده، فورد كتابٌ له من صديقٍ له ليس فيه إلا السلام، وفي حاشيته يا موسى، فجعل يتأمَّله ولا يعلم معنى ذلك، وكانت له جارية فطنةٌ، فقالت: إنه يقول: "يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ[1]". فتثبط عن قصد المأمون[2].

    - قال أبو بكر بن عيَّاش: كان بالكوفة رجلٌ قد ضاق معاشه، فسافر وكسب ثلاثمائة درهم، فاشترى بها ناقةً فارهةً وكانت زعرةً، فأضجرته واغتاظ منها، فحلف بالطلاق ليبيعنَّها يوم يدخل الكوفة بدرهم، ثمَّ ندم، فأخبر زوجته بالحال، فعمدت إلى سنَّور فعلَّقتها في عنق النَّاقة، وقالت: نادِ عليها مَنْ يشتري هذا السنور بثلاثمائة درهم والنَّاقة بدرهم، ولا أفرق بينهما. ففعل، فجاء أعرابيٌّ فقال: ما أحسنكِ!! لولا هذا البتيارك الذي في عنقك
    [3].

    - انفرد الحجَّاج يومًا عن عسكرهِ، فلقي أعرابيًّا، فقال له: كيف الحجَّاج؟
    قال: ظالمٌ غاشم. قال: فهلا شكوتموه إلى عبد الملك.
    قال: هو أظلم وأغشم. فأحاط به العسكر، قال: أركبوا البدوي. فلما ركب سأل عنه، فقيل له: هذا الحجَّاج. فركض خلفه وقال: يا حجَّاج.
    قال: ما لك؟ قال: السرُّ الذي بيني وبينك لا يطَّلع عليه أحد. فضحك منه وأطلقه
    [4].

    - رأى المعتصم أسدًا، فقال لرجلٍ قد أعجبه قوامه وسلاحه: أفيك خيرٌ؟ فعلم أنَّه يريد أن يقدِّمه إلى الأسد، فقال: لا يا أمير المؤمنين. فضحك
    [5].

    -وقف المهديُّ على عجوزٍ من العرب، فقال: ممَّن أنتِ؟
    قالت: من طيِّئ.
    قال: ما منع طيِّئًا أن يكون فيهم مثل حاتم؟
    فقالت: الذي منع الملوك أن يكون فيهم مثلك. فعجب من جوابها ووصلها
    [6].

    - أراد شعيب بن حربٍ أن يتزوَّج امرأةً، فقال لها: إني سيِّئ الخُلُقِ. فقالت: أسوأ خُلُقًا منك مَنْ يحوجك إلى أن تكون سيِّئ الخلق
    [7].

    -قال أبو عاصم النبيل: رأيت أبا حنيفة في المسجد الحرام يُفْتِي وقد اجتمع النَّاس عليه وآذَوْه، فقال: ما هاهنا أحدٌ يأتينا بشرطيٍّ؟ فقلت: يا أبا حنيفة، تريد شرطيًّا؟ قال: نعم. فقلت: اقرأ عليَّ هذه الأحاديث التي معي. فقرأها، فقمتُ عنه، ووقفتُ بحذائه، فقال لي: أين الشرطيُّ؟ فقلت له: إنَّما قلتُ تريد، لم أقل لك أجيء به!! فقال: انظروا، أنا أحتال للنَّاس منذ كذا وكذا، وقد احتال عليَّ هذا الصبيُّ
    [8].

    -قال الأصمعي: بينا أنا في بعض البوادي إذا أنا بصبي - أو قال: صبيةٍ - معه قربةٌ قد غلبته، فيها ماء، وهو ينادي: يا أبةِ، أدرك فاها، غلبني فوها، لا طاقة لي بفيها. قال: فوالله قد جمع العربية في ثلاث
    [9].

    - قال الحميدي: كنا عند سفيان بن عيينة فحدَّثنا بحديث زمزم؛ أنه لما شرب له فقام رجلٌ من المجلس، ثمَّ عاد، فقال له: يا أبا محمدٍ، أليس الحديث الذي حدثتنا في زمزم صحيحًا؟ فقال: نعم. قال: فإني قد شربت الآن دلوًا من زمزم على أنك تحدثني بمائة حديثٍ. فقال سفيان: اقعد. فحدَّثه بمائة حديثٍ
    [10].

    - قال عيسى بن عمر: ولي أعرابيٌ البحرين، فجمع يهودها، فقال: ما تقولون في عيسى ابن مريم؟ قالوا: نحن قتلناه وصلبناه. قال: فوالله لا تخرجون حتى تُؤَدُّوا ديته. فأخذها منهم
    [11].

    - عن الرشيد أنه كان في داره حزمة خيزران، فقال لوزيره الفضل بن الربيع: ما هذه؟ فقال: عروق الرماح يا أمير المؤمنين. ولم يُرِدْ أن يقول الخيزران، لموافقته اسم أُمِّ الرشيد
    [12].

    - قال المبرِّد: قال رجلٌ لهشام بن عمروٍ الفوطي: كم تعدّ؟
    قال: من واحدٍ إلى ألف ألف.
    قال: لم أُرِدْ هذا.
    قال: فما أردتَ؟
    قال: كم تعدّ من السِّنِّ؟
    قال: اثنان وثلاثون؛ ستة عشر من أعلى، وستة عشر من أسفل.
    قال: لم أُرِدْ هذا.
    قال: فما أردتَ؟
    قال: كم لك من السنين؟
    قال: ما لي منها شيءٌ، كلها لله.
    قال: فما سنُّك؟
    قال: عظمٌ.
    قال: فابن كم أنتَ؟
    قال: ابن اثنين أب وأمّ.
    قال: فكم أتى عليك؟
    قال: لو أتى عليٌ شيءٌ لقتلني.
    قال: فكيف أقول؟
    قال: قُلْ: كم مضى من عمرك؟
    [13].

    - عن مجاهد، عن عبد الله بن عباس، قال: لما تزوَّج داود بتلك المرأة، وولدت له سليمان بن داود بعدما تاب الله عليه، غلامًا طاهرًا نقيًّا، فَهِمًا، عاقلاً، عالمًا، وكان من أجمل الناس وأعظمه وأطوله، فبلغ مع أبيه حتى كان يشاوره في أموره، ويُدْخِله في حُكْمِه، فكان أول ما عَرَف داودُ من حكمته وتفرَّس فيه النبوة أن امرأة كانت كُسِيَتْ جمالاً، فجاءت إلى القاضي تخاصم عنده، فأعجبته، فأرسل إليها يخطبها، فقالت: ما أريد النكاح. فراودها على القبيح، فقالت: أنا عن القبيح أبعد. فانقلبت منه إلى صاحب الشرطة، فأصابها منه مثل الذي أصابها من القاضي، فانقلبت إلى صاحب السوق فكان منه مثل ذلك، فانقلبت منه إلى حاجب داود فأصابها منه ما أصابها من القوم، فرفضت حقَّها ولزمت بيتها.
    فبينا القاضي، وصاحب الشرطة، وصاحب السوق، والحاجب، جلوس يتحدَّثون فوقع ذِكْرُهَا، فتصادق القوم بينهم، وشكا كل واحد منهم إلى صاحبه ما أصابه من العجب بها، قال بعضهم: وما يمنعكم وأنتم ولاة الأمر أن تتلطفوا بها حتى تستريحوا منها، فاجتمع رأي القوم على أن يشهدوا أن لها كلبًا وأنها تضطجع فترسله على نفسها حتى ينال منها ما ينال الرجل من المرأة، فدخلوا على داود، فذكروا له أن امرأة لها كلب تسمنه وترسله على نفسها حتى يفعل بها ما يفعل الرجل بالمرأة، فكرهنا أن نرفع أمرها إليك حتى تتحقَّق، فمشينا حتى دخلنا منزلاً قريبًا منها في الساعة التي بلغنا أنها تفعل ذلك، فنظرنا إليها كيف حلَّته من رباطه، ثم اضطجعت له حتى نال منها ما ينال الرجل من المرأة، ونظرنا إلى المِيلِ يدخل في المُكْحُلَةِ ويخرج منها، فبعث داود فأتى بها فرجمها.
    فخرج سليمان يومئذ وهو غلام حين ترعرع ومعه الغلمان ومعه حصانه يلعب، فجعل منهم صبيًّا قاضيًّا، وآخر على الشرطة، وآخر على السوق، وآخر حاجبًا، وآخر كالمرأة، ثم جاءوا يشهدون عند سليمان مثل ما شهد أولئك عند داود ، يريدون رجم ذلك الصبي كما رجمت المرأة، قال سليمان عند شهادتهم: فَرِّقُوا بينهم. ثم دعا بالصبي الذي جعله قاضيًّا، فقال: أيقنت الشهادة؟ قال: نعم. قال: فما كان لون الكلب؟ قال: أسود. قال: نَحُّوه. ونادى بالذي جعل على الشرطة، فقال له: أيقنت الشهادة؟ قال: نعم. قال: فما كان لون الكلب؟ قال: أحمر. قال: نَحُّوه. ثم دعا بصاحب السوق، فقال: أيقنت الشهادة؟ قال: نعم. قال: فما كان لون الكلب؟ قال: أبيض. قال: نَحُّوه. ثم دعا بالذي جعله حاجبًا، فقال: أيقنت الشهادة؟ قال: نعم. قال: فما كان لون الكلب؟ قال: أغبش
    [14]. قال: أردتم أن تغشُّوني حتى أرجم امرأة من المسلمين. فقال للصبيان: ارجموهم. وخلَّى سبيل الصبي الذي جعله امرأة ورجع إلى حصانه.
    فدخلوا على داود فأخبروه الخبر، فقال داود: عليَّ بالشهود الساعةَ واحدًا واحدًا. فأُتِيَ بهم، فسألَ القاضيَ: ما كان لون الكلب؟ قال: أسود. ثم أتى بصاحب الشرطة، فسأله، فقال: أبيض. ثم أتى بصاحب السوق، فسأله، فقال: كان أحمر. ثم أتى بالحاجب، فسأله، فقال: كان أغبش. فأمر بهم داود فقُتِلُوا مكان المرأة، فكان هذا أول ما استبان لداود u من فهم سليمان
    15].

    - قال ثمامة: دخلت إلى صديق أعوده، وتركتُ حماري على الباب، ولم يكن معي غلامٌ يحفظه، ثم خرجت، وإذا فوقه صبيٌّ، فقلتُ: أركبتَ حماري بغير إذني؟ قال: خفت أن يذهب فحفظته لك. قلت: لو ذهب كان أحب لي من بقائه. قال: إن كان هذا رأيك فيه، فاعمل على أنه قد ذهب، وهبه لي، واربح شكري. فلم أَدْرِ ما أقول
    [16].

    - قال الأصمعي: وقلت لغلامٍ حدثٍ من أولاد العرب: أَيَسُرُّك أن يكون لك مائة ألف درهم وأنك أحمقٌ؟! قال: لا والله. قلت: لِمَ؟ قال: أخاف أن يجني عليَّ حمقي جنايةً تذهب مالي، وتبقي عليَّ حمقي
    [17].

    - كان لشاعرٍ عدوٌّ، فبينما هو سائر ذات يوم في بعض الطرق إذا هو بِعَدُوِّه، فعلم الشاعر أن عدوَّه قاتله لا محالة، فقال له: يا هذا، أنا أعلم أن المنيَّة قد حضرت، ولكن سألتك الله إذا أنت قتلتني أن امضِ إلى داري، وقف بالباب، وقُلْ:
    أَلا أَيُّهَا الْبِنْتَانِ إِنَّ أَبَاكُمَا
    فقال: سمعًا وطاعة. ثم إنه قتله، فلما فرغ من قتله أتى إلى داره، ووقف بالباب، وقال: "ألا أيتها البنتان أن أباكما". وكان للشاعر ابنتان، فلما سمعا قول الرجل: "ألا أيتها البنتان أن أباكما". أجابتاه بفم واحد:
    قَتِيلٌ خُذَا بِالثَّأْرِ ممَّن أَتَاكُمَا
    ثم تعلَّقتا بالرجل، ورفعتاه إلى الحاكم فاستقْرَرَهُ، فأقرَّ بقتله، فقتله
    [18].

    - رُوِيَ أنَّ رجلاً خطب امرأة، وتحته أخرى، فقالوا: لا نزوِّجك حتى تطلِّق. فقال: اشهدوا أني قد طلقتُ ثلاثًا. فزوَّجُوه، فأقام على امرأته، فادَّعى القوم الطلاق، فقال: أما تعلمون أنه كانت تحتي فلانةٌ بنت فلانٍ فطلَّقْتُها؟ قالوا: بلى. وكانت تحتي فلانةٌ بنت فلانٍ فطلَّقْتُها؟ قالوا: بلى. وكانت تحتي فلانةٌ فطلَّقْتُها؟ قالوا: بلى. قال: فقد طلَّقْتُ ثلاثًا. فبلغ إلى عثمان فجعلها نيِّته
    [19].

    - قال المبرِّد: سأل المأمونُ يحيى بن المبارك عن شيءٍ، فقال: لا، وجعلني الله فداك يا أمير المؤمنين. فقال: لله دَرُّك، ما وُضِعَتْ واوٌ قطُّ وضعًا أحسن منها في هذا الموضع. ووصله وحمله
    [20].


    -قال إبراهيم بن المنذر الحزاميُّ: قدم أعرابيُّ من أهل البادية على رجلٍ من أهل الحضر، فأنزله، وكان عنده دجاجٌ كثيرٌ، وله امرأة وابنان وبنتان، قال: فقلت لامرأتي: اشوي دجاجةً، وقدميها إلينا؛ نتغدى بها. وجلسنا جميعًا ودفعنا إليه الدجاجة، فقلنا: اقسمها بيننا. نريد بذلك أن نضحك منه، قال: لا أُحْسِن القسمة، فإن رضيتم بقسمتي قسمت بينكم. قلنا: نرضى. فأخذ رأس الدجاجة فقطعه، فناولينه، وقال: الرأس للرئيس. ثم قطع الجناحين، وقال: الجناحان للابنين. ثم قطع الساقين، وقال: الساقان للابنتين. ثم قطع الزَّمِكَّى، وقال: العجز للعجوز. ثم قال: والزَّوْر للزائر. فلمَّا كان من الغد، قلت لامرأتي: اشوي لي خمس دجاجاتٍ. فلمَّا حضر الغداء، قلنا: اقسم بيننا. قال: شفعًا أو وترًا؟ قلنا: وترًا. قال: أنت وامرأتك ودجاجةٌ ثلاثةٌ. ثم رمى بدجاجةٍ، وقال: وابناك ودجاجةٌ ثلاثةٌ. ورمى إليهما بدجاجةٍ، وقال: وابنتاك ودجاجةٌ ثلاثةٌ. ثم قال: وأنا ودجاجتان ثلاثةٌ. فأخذ الدجاجتين، فرآنا ننظر إلى دجاجتيه، فقال: لعلَّكم كرهتم قسمتي الوتر. قلنا: اقسمها شفعًا. فقبضهن إليه، ثم قال: أنت وابناك ودجاجةٌ أربعةٌ. ورمى إلينا دجاجة، ثم قال: والعجوز وابنتاها ودجاجةٌ أربعة. ورمى إليهنَّ دجاجةٌ، ثم قال: وأنا وثلاث دجاجات أربعةٌ. وضمَّ ثلاث دجاجاتٍ، ثم رفع رأسه إلى السماء، وقال: الحمد لله أنت فهَّمْتَنِيهَا
    [21].
    سابع عشر: الإحسان
    كان للحسن جارٌ نصراني، وكان له كنيف على السطح، وقد نقب ذلك في بيته، وكان يتحلَّب منه البول في بيت الحسن، وكان الحسن أمر بإناء فوُضِعَ تحته، فكان يُخْرِجُ ما يجتمع منه ليلاً، ومضى على ذلك عشرون سنةً، فمرض الحسن ذات يومٍ فعاده النصراني، فرأى ذلك، فقال: يا أبا سعيد، مذ كم تحملون مني هذا الأذى? فقال: منذ عشرين سنةً. فقطع النصراني زناره[1] وأسلم[2].

    [1] الزُّنَّار: حزام يشده النصراني على وسطه، انظر: ابن منظور: اللسان، 4/330..
    [2] أبو حيان التوحيدي: الإمتاع والمؤانسة 1/261.
    ثامن عشر: الفراسة
    عن نافع أن عمر بن الخطاب t بعث سرية، فاستعمل عليهم رجلاً يقال له: سارية. فبينما عمر يخطب يوم الجمعة، فقال: "يا سارية، الجبل، يا سارية، الجبل". فوجدوا سارية قد أغار إلى الجبل في تلك الساعة يوم الجمعة، وبينهما مسيرة شهر[1].
    [1] الألباني: السلسلة الصحيحة (1110).
    تاسع عشر: الشجاعة
    مرَّ بابن الزبير عمرُ بن الخطاب، وهو يلعب مع الصبيان ففرُّوا ووقف، فقال له: ما لك لم تفرَّ مع أصحابك؟ قال: يا أمير المؤمنين، لم أجرم فأخاف، ولم يكن الطريق ضيِّقة فأوسع عليك!![1].
    [1] ابن الجوزي: أخبار الظراف والمتماجنين ص155.
    عشرون: الإخلاص
    حاصر مسلمة بن عبد الملك حصنًا، وأصابهم فيه جهد عظيم، فندب الناس إلى نقب منه، فما دخله أحد، فجاء رجل من الجند فدخله، ففتح الله عليهم، فنادى منادي مسلمة: أين صاحب النقب؟ فما جاء أحد حتى نادى مرتين أو ثلاثًا أو أربعًا، فجاء في الرابعة رجل، فقال: أنا أيها الأمير صاحب النقب، آخذ عهودًا ثلاثًا: لا تسوَّدوا اسمي في صحيفة، ولا تأمروا لي بشيء، ولا تشغلوني عن أمري. قال: فقال له مسلمة: قد فعلنا ذلك بك. قال: فغاب بعد ذلك فلم يُرَ. قال: فكان مسلمة بعد ذلك يقول في دبر صلاته: اللهم اجعلني مع صاحب النقب[1].
    [1] الدينوري المالكي: المجالسة وجواهر العلم ص295.
    قصص أخرى رائعة
    قال معاوية لعرابة الأوسي[1]: بِمَ سُدْتَ قومك؟ قال: كنت أعطي سائلهم، وأعفو عن جاهلهم، وأسعى في مصالحهم، فمن فعل مثل فعلي فهو مثلي، ومن زاد عليه فهو خيرٌ مني، ومن قصر عنه فأنا خير منه[2].
    [1] عرابة بن أوس بن قيظي الأوسي الحارثي الأنصاري: من سادات المدينة الأجواد المشهورين، أدرك حياة النبي r وأسلم صغيرًا، ووفد الشام في أيام معاوية، وله أخبار معه.
    [2] المعافى بن زكريا: الجليس الصالح والأنيس الناصح ص 198.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

السلام عليكم ضع تعليقك وأترك بصمتك علي الموضوع مع خالص أحترامي وتقديري