صورة بالأقمار الاصطناعية لمنطقة البحر الميت وهي أخفض منطقة على سطح الأرض، ويقول العلماء إن هذه المنطقة قد دارت فيها معركة عنيفة بين الروم والفرس وانتهت بهزيمة الروم، وكان هذا في القرن السابع الميلادي، أي زمن بعثة النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم.
معاني متعددة للكلمة
نعلم بأن الله تعالى قد خلق سبع سماوات طباقاً وسمى السماء السفلى أي أخفض سماء سمَّاها (السماء الدنيا)، فقال: (فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) [فصلت: 12]. وهنا كلمة (الدنيا) جاءت بمعنى الأقرب من الأرض، ولكن تتضمن معنى آخر وهو الطبقة السفلى بين طبقات السماء السبعة. وسُمِّيت بالدنيا لدنوِّها من الأرض [2].
ويقول أيضاً: (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [السجدة: 21]. ويفسر المفسرون كلمة (الأدنى) هنا بمصائب الدنيا وأمراضها. وهنا لا يمكن أن تكون (الأدنى) بمعنى الأقرب بل (الأصغر) لأن الله تعالى يقارن في هذه الآية بين نوعين من أنواع العذاب:
1- (الْعَذَابِ الْأَدْنَى)
2- (الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ)
إذن في هذه الآية نحن أمام مقياسين هما (الأدنى) و(الأكبر) أي الأصغر والأكبر، كما نعبر عنه في مصطلحاتنا اليوم بالحدّ الأدنى والحد الأعلى، ونقصد الأصغر والأكبر.
يقول تعالى: (مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا) [المجادلة: 7]. وهنا جاءت كلمة (أدنى) بمعنى أقلّ لأنها قد أُتبعت بكلمة (أكثر). ونرى أن كلمة أدنى تُستخدم هنا مع الأعداد.
كيف نفهم الآية؟
إذن من معاني كلمة (أدنى) لدينا: الأقل والأصغر والأقرب، فما هي المنطقة على سطح الكرة الأرضية والتي تتصف بهذه الصفات الثلاث؟ إنها منطقة البحر الميت، فهي:
1- الأقرب: حيث هي أقرب أرض للروم إلى أرض العرب.
2- الأصغر: فهذه المنطقة مساحتها صغيرة جداً ولا تتجاوز الكيلو مترات المعدودة، وذلك مقارنة بمساحة سطح الأرض والتي تزيد على ملايين الكيلو مترات المربعة.
3- الأقلّ: فهذه المنطقة هي الأقل ارتفاعاً على سطح اليابسة، فهي تنخفض عن سطح البحر بمقدار 400 متراً تقريباً، ولا يوجد في العالم كله أدنى من هذه النقطة إلا ما نجده في أعماق المحيطات.
ولكننا نجد المعاجم تورد معنى الأسفل أو الوادي ضمن معاني هذه الكلمة، فعلى سبيل المثال لدينا في القاموس المحيط في معنى كلمة (دنا): تقول العرب الأدنيان وهما واديان [3]. وفي لسان العرب : والأَدْنَى: السَّفِلُ، فالعرب لا تستغرب أن يكون ضمن معاني هذه الكلمة هو الأسفل أو الوادي [4].
إن هذه الدقة العلمية في استخدام الكلمات القرآنية هي ما نجده في قول الحق تبارك وتعالى: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا) [النساء: 82].
إن هذه الآية تقرر أننا إذا ما تدبرنا القرآن سوف لن نعثر فيه على أية تناقضات وهذا دليل كاف على أنه كتاب الله تعالى. إن كتب البشر نجدها تتحدث عن نظرية علمية ثم يأتي عصر يثبتُ فيه خطأ هذه النظرية ورفضها تماماً، بينما نجد القرآن صالحاً لكل زمان ومكان وميسّر الفهم.
إن ميزة القرآن الكريم أن البدوي في الصحراء كان لا يجد مشكلة في فهمه والتعامل مع كلماته ومعانيه، وعالم الذرة يفهمه أيضاً ولا يجد مشكلة في تدبره مهما تطور العلم، وعالم اللغة يفهم منه أشياء قد لا يفهمها غيره، وعالم الفلك قد يرى فيه حقائق لم يرها أحد من قبله، وهكذا هو كتاب شامل كامل لجميع البشر ولجميع العصور.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
السلام عليكم ضع تعليقك وأترك بصمتك علي الموضوع مع خالص أحترامي وتقديري