تحدثنا عن مقدمات الغزوة العظيمة، غزو بدر، وذكرنا فروقًا هائلة بين صفات الجيش الذي ينصره رب العالمين، والجيش الذي يفتقر إلى أي تأييد...الجيش المنصور جيش يؤمن بالله ويعمل له بكل ذرة في كيانه.والجيش المهزوم جيش كافر أو فاسق أو منافق أو عاصٍ لا يعمل إلا لمصالحه الذاتية وأهوائه الشخصية، لا يهمه إلا صورته أمام الناس.الجيش المنصور جيش متفائل يوقن بنصر الله له.والجيش المهزوم جيش محبط فاقد للأمل.الجيش المنصور جيش حاسم غير متردد.والجيش المهزوم جيش متردد جبان لا يقوى على أخذ قرار.الجيش المنصور يطبق الشورى فيما لا نص فيه.والجيش المهزوم جيش يطبق الديكتاتورية لا يهتم إلا برأي الزعيم، لا ينظر إلى القادة أو الشعب.في موقعة بدر، كانت صفات الجيش المنصور موجودة بكاملها في جيش المدينة المؤمن.وكانت صفات الجيش المهزوم موجودة بكاملها في جيش مكة الكافر.ولم تكن هذه فقط هي صفات الجيوش المنتصرة والمهزومة، فما زال هناك صفات أخرى كثيرة سنتعرف عليها من خلال الحديث عن يوم الفرقان.
الجيشان يقتربان من موقع المعركة ودور الاستخبارات
اقترب الجيش المكي وعسكر في منطقة العدوة القصوى جنوب وادي بدر، وتقدم الجيش المسلم أيضًا من بدر في منطقة شمال بدر تسمى بالعدوة الدنيا.وأراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يتيقن من أعداد الكفار وهيئتهم ومكانهم وقادتهم، فقام بعملية استكشافية هو وأبو بكر الصديق، واستطاعوا بالفعل أن يعرفوا مكان جيش مكة، لكنه لم يستطع أن يعرف أعداد القوم وقادتهم، فأرسل فرقة استكشافية أخرى فيها علي بن أبي طالب والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهم.أمسكت الفرقة باثنين من الغلمان للجيش المشرك وأحضروهم للرسول صلى الله عليه وسلم، والرسول صلى الله عليه وسلم بدأ في استجوابهم:قال صلى الله عليه وسلم: أَخْبِرَانِي عَنْ قُرَيْشٍ.قالا: هم وراء هذا الكثيب الذي ترى بالعدوة القصوى..
قال: كَمِ الْقَوْمُ؟
قالا: كثير.قال: مَا عِدَّتُهُمْ؟قالا: لا ندري.قال: كَمْ يَنْحَرُونَ كُلَّ يَوْمٍ؟قالا: يومًا تسعًا ويومًا عشرًا.قال صلى الله عليه وسلم: الْقَوْمُ فِيمَا بَيْنَ التِّسْعِمِائَةِ وَالْأَلْفِ.
ثم قال: فَمَنْ فِيهِمْ مِنْ أَشْرَافِ قُرَيْشٍ
قالا:عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وأبو البختري بن هشام، وحكيم بن حزام، ونوفل بن خويلد، والحارث بن عامر، وطعيمة بن عدي، والنضر بن الحارث، وزمعة بن الأسود، وأبو جهل بن هشام، وأمية بن خلف، والوليد بن المغيرة، وعقبة بن أبي معيط، وعمارة بن الوليد.
فأقبل صلى الله عليه وسلم على المؤمنين وقال: هَذِهِ مَكَةُ قَدْ أَلْقَتْ إِلَيْكُمْ أَفْلَاذَ كَبِدِهَا.
وهكذا استطاع الرسول صلى الله عليه وسلم أن يعرف ما يريد من معلومات عن الجيش المكي.
استخدام المعلومات في الميدان
وتُرجمت هذه المعلومات إلى تحركات سريعة ؛ فأخذ الرسول صلى الله عليه وسلم جيشه، واتجه إلى أرض بدر قبل عدوه؛ ليختار الأرض التي ستتم عليها الموقعة، وليضع جيشه في مواقع إستراتيجية داخل أرض الموقعة.
واختار الرسول صلى الله عليه وسلم مكانًا للنزول فيه في أرض بدر.
واستقر رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا المكان وكان ذلك ليلة بدر.
رأي الحباب بن المنذر
جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحابي الجليل الحباب بن المنذر الأنصاري. وهو من الخبراء العسكريين المعروفين بدقة الرأي وعمق النظرة، سأل الحباب رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم سؤالا يعبر عن مدى فقهه لمبدأ الشورى.
قال: يا رسول الله، أرأيت هذا المنزل، أمنزلا أنزلكه الله، ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه؟ أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟
فقال صلى الله عليه وسلم: بَلْ هُوَ الرَّأْيُ وَالْحَرْبُ وَالْمَكِيدَةُ.
قال: يا رسول الله فإن هذا ليس بمنزل.
هذا ليس مناسبا، هكذا بوضوح دون خجل ولا مواربة.
الأمر خطير، والنصيحة مسئولية.
إذن ما الرأي؟
قال الحباب: فانهض حتى نأتي أدنى ماء من القوم - قريش - فننزله ونغوِّر - أي نخرب - ما وراءه من القلب - جمع قليب، أي آبار بدر - ثم نبني عليه حوضًا فنملأه ماء، ثم نقاتل القوم؛ فنشرب ولا يشربون.
فقال الرسول صلى الله عليه وسلم دون تردد: لَقَدْ أَشَرْتَ بِالرَّأْيِ.
وبالفعل غير مكانه الأول ونزل في المكان الذي أشار به الحباب رضي الله عنه.
ولنا وقفة مهمة مع إيجابية الحباب رضي الله عنه.
من الممكن أن نتخيل أن الصحابي عندما يرى الرسول صلى الله عليه وسلم فعل شيئا، أي شيء، أنه لن يفكر في أن يقول رأيه؛ لأنه من المحتمل أن يكون وحيا، وحتى لو لم يكن وحيا فمن الممكن أن يقول: إن الرسول صلى الله عليه وسلم أحكم البشر، وأفضل العالمين ومن المؤكد أن رأيه البشرى أحسن من رأيي، لكن هذا التصور عن الصحابة ليس صحيحا.
فالصحابة رضي الله عنهم كان لديهم إيجابية رائعة، لو رأى أحدهم شيئا يعتقد أن هناك ما هو أولى منه أسرع مباشرة للإدلاء برأيه حتى لو لم يُطلب منه ذلك. وهو يدرك أن الرسول صلى الله عليه وسلم بشر، ويجري عليه في الأمور التي ليس فيها وحي ما يجري على عامة البشر من اختيار صحيح في مرة وخطأ في مرة أخرى، أو على الأقل قد يختار خلاف الأَوْلى في أمر من الأمور، ويدرك الحباب أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو القائل لهم قبل ذلك: أَنْتُمُ الْأَعْلَمْ بِأُمُورِ دُنْيَاكُمْ. وبذلك يفتح المجال الواسع لكل فكر ولكل إبداع ولكل إضافة.
وبذلك تعمل كل عقول المسلمين لخدمة الأمة الإسلامية.
ولو حدث وكان رأي الحباب خطأً فإن الرسول صلى الله عليه وسلم سيعرفه الصواب، ويكون قد تعلم شيئا، أو على الأقل قاتَلَ وهو مقتنع بوجهة النظر الأخرى، وهذا يعود بنا لنقطة الشورى من جديد.
هكذا يرينا مبدأ الشورى كيف يمكن أن نستفيد من طاقات المجتمع.
كيف يمكن أن نستغل المواهب الهائلة التي وزعها ربنا سبحانه وتعالى على خلقه بحكمة عجيبة.
لو هناك كبت لآراء الشعب ما كان الرسول صلى الله عليه وسلم قد عرف أين ينزل في بدر، ومن المؤكد أن هذا سيكون به ضرر، ليس فقط على الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن على الأمة كلها.
الشورى أمر حتمي لأمة تريد أن تنهض.
بعد النزول في المكان الذي حدده الحباب قام الصحابة بالإشارة على رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمر اختلف الرواة في صحته، وهو بناء العريش أو مقر القيادة.
وسواء تم بناء هذا العريش أو لم يتم، فإن الثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينعزل عن جيشه، ولكنه قاتل معهم بنفسه بل كان أقربهم إلى العدو كما يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه كما في رواية أحمد: لما حضر البأس يوم بدر اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان من أشد الناس، ما كان- أو لم يكن- أحدٌ أقرب إلى المشركين منه.
نزول السكينة من الله
وفي ليلة بدر أيضًا حدث أمران مهمان وهما النعاس الذي غلب المسلمين في ليلة بدر، والمطر الذي نزل في نفس الليلة.
أما النعاس فعجيب، سبحان الله، المسلمون على بعد خطوات من الجيش المكي الكبير، ومع ذلك يصلون إلى حالة من السكينة وهدوء الأعصاب التي تجعلهم ينامون في هدوء.
عندما يكون الإنسان مشغولا بشيء مهم فإنه لا يعرف النوم - وهو في بيته في منتهى الأمان- فما بالك بإنسان نائم في أرض المعركة، ومشغول بمعركة من الممكن أن تكون فيها نهايته؟!
هدوء أعصابٍ عجيب. لا يفكر في عدد أعدائه، ولا يفكر في طريقة القتال، ولا يفكر فيما سوف يجري في هذه المعركة الرهيبة، ولا يفكر في تجارته، ولا يفكر حتى في أولاده وزوجته، ولا يفكر حتى في نفسه. نائم في منتهى الراحة.
[إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ] {الأنفال:11}.
في هذه الليلة نام الجميع اطمئنانًا والوحيد الذي لم ينم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد ظل طوال الليل يدعو ويناجي ربه.
على الجانب الآخر كان جيش مكة لا يعرف للنوم سبيلا، قَلِق، حيران، فغدًا موقعة مرعبة بالنسبة له.
ثم هو غير مقتنع بالحرب أصلا، ولماذا أحارب؟ من أجل هبل واللات والعُزَّى، أم من أجل القائد الزعيم أبي جهل، أم من أجل القافلة؟ القافلة قد عبر بها أبو سفيان إلى بر الأمان، فلماذا القتال ومن المحتمل أن أموت، أنفس مضطربة خائفة تعيش حالة من الفزع والرعب والخوف قال الله تعالى: [وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ] {الحج:31}.
المطر- أيضا- في ليلة بدر كان عجيبا.
منطقة بدر كلها منطقة صغيرة جدًا، وادي صغير.
سحابة واحدة صغيرة من الممكن أن تغطي الوادي كله.
ونزل المطر في ليلة بدر على أرض بدر، في هذه المساحة الصغيرة، ولعله من سحابة واحدة. ولكنه، ويا سبحان الله نزل هينًا لطيفًا خفيفًا على المسلمين، ونزل وابلاً شديدًا معوقًا على الكافرين.
شرب المسلمون واغتسلوا وتماسك الرمل في معسكرهم فثبتت أقدامهم، وذهبت عنهم وساوس الشيطان والتي كانت قد أتت إلى بعضهم بسبب الجنابة وقلة الماء، ولم تكن آية التميم قد نزلت بعد.
[وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ] {الأنفال:11}.
أما الكفار فقد كوَّن المطر عندهم مخاضة كبيرة منعت تقدمهم وأعاقت حركتهم. ليس لأحد بحرب الله طاقة.
صباح يوم بدر
الرسول يجأر إلى الله بالدعاء:
أول كلمات الرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك اليوم كانت دعاءً لرب العالمين.
دعا أمام الناس جميعًا ليذكرهم بالله عز وجل الذي بيده النصر والتمكين.
قال صلى الله عليه وسلم: اللَّهُمَّ هَذِهِ قُرَيْشٌ قَدْ أَقْبَلَتْ بِخَيْلَائِهَا وَفَخْرِهَا، تُحَادِكَ وَتُكَذِّبُ رَسُولَكَ، اللَّهُمَّ فَنَصْرُكَ الَّذِي وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ أَحْنِهِمُ الْغَدَاةَ.
هذا الدعاء ظل معنا طوال رحلة بدر..
والرسول صلى الله عليه وسلم خارج من المدينة لبدر كان يدعو لجنوده من المؤمنين يقول كما روى أبو داود عن عبد الله بن عمرو: اللَّهُمَّ إِنَّهُمْ حُفَاةٌ فَاحْمِلْهُمْ، اللَّهُمَّ إِنَّهُمْ عُرَاةٌ فَاكْسُهُمْ، اللَّهُمَّ إِنَّهُمْ جِيَاعٌ فَأَشْبِعْهُمْ.
وقبل القتال كان يقول الدعاء الذي ذكرناه منذ قليل.
وأثناء القتال كان شديد الابتهال إلى ربه، كان يرفع يده إلى السماء ويستقبل القبلة ويقول: اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ آتِ مَا وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ لَا تُعْبَدُ فِي الْأَرْضِ.
واستمر في دعائه وهو رافع يده حتى سقط رداؤه من على كتفيه، حتى أتاه الصديق رضي الله عنه فرفع الرداء من على الأرض، وألقاه على كتف الرسول صلى الله عليه وسلم وقال له برقة، وهو يمسك بكتفيه صلى الله عليه وسلم:
يا نبي الله، كفاك مناشدتك ربّك، فإنه سينجز لك ما وعدك.
انظر وتخيل طول الدعاء وطريقة الدعاء التي تجعل أبا بكر يشفق على الرسول صلى الله علي وسلم من كثرة الدعاء ويقول له: كفى.
الدعاء المستمر لم يكن من الرسول صلى الله عليه وسلم فقط، بل كان من الجيش كله، الجيش كله كان شديد الصلة بالله سبحانه وتعالى.
لذلك يقول ربنا: [إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ] {الأنفال:9}.
الاستغاثة بالله كانت من الجميع، وكل هذا يؤكد على أهم صفة من صفات الجيش المنصور، والتي تكلمنا عنها، وسنتكلم عنها في كل موقعة انتصر فيها المسلمون.
وهي صفة الإيمان بالله سبحانه وتعالى، والاعتقاد الذي لا ريب فيه أنه هو الذي ينصر وَيُمَكّن ويعز ويرفع [مَنْ كَانَ يُرِيدُ العِزَّةَ فَللهِ العِزَّةُ جَمِيعً] {فاطر:10}.
كان هذا دعاء الفريق المؤمن...
وأبو جهل يدعو أيضًا!!
لكن الغريب فعلاً أن الكفار أيضا كانوا يدعون، وعلى رأس الذين كانوا يرفعون أيديهم بالدعاء كان أبو جهل.
في الحقيقة كنت أتعجب كثيرا عندما أقرأ دعاء أبي جهل يوم بدر؛ فقد كان يقول: اللهم أقطعَنا للرحم، وآتانا بما لا نعرفه، فأحنه الغداة، اللهم أينا كان أحبَّ إليك، وأرضى عندك فانصره اليوم.
الحقيقة كنت أتعجب؛ لأن كتب السيرة تنقل إلينا أكثر من مرة مواقف في فترة مكة تثبت أن أبا جهل كان يعرف أن القرآن معجز، ويعرف أن الملائكة تحرس النبي صلى الله عليه وسلم.
يعرف كل ذلك بوضوح، ومع ذلك فهو الآن يدعو وبصوت يسمعه الجميع أن ينصر اللهُ الأحبَّ إليه.
شيء عجيب.
تفسير هذا الدعاء من أبي جهل يحتمل أمرين في رأيي:
الأمر الأول: أنه يصنع نوعا من التحفيز المعنوي لجنوده.
كثيرون من جنود الباطل يشعرون بالضعف؛ لتفاهة قضيتهم، وشعورهم المستمر أن المسلمين معهم قوة أكبر من قوى البشر.
فيأتي القائد لهم زعيمهم في الضلال، ويوهمهم أنهم على حق، وأن مهمتهم سامية، وأنهم يعملون لخير المجتمع والوطن، بل العالم، بل وقد يقنعهم كما يفعل الآن أبو جهل أن ما يقومون به من قتال الآن هو جزء من الدين، وأنهم متدينون مخلصون متبعون لإله.
كما يقول ربنا في حق فرعون: [وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى] {طه:79}.
وكما قال فرعون نفسه: [قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ] {غافر:29}.
يحاول أن يقنعهم أن كل الإجرام الذي يقوم به هو والطواغيت من أمثاله ما هو إلا خير وهدى ورشاد وإصلاح.
وهذا الكلام نراه كثيرا سواء في طواغيت الماضي، أو طواغيت الحاضر، كلهم يقولون إنهم مصلحون.
إذن هذا هو الأمر الأول: خداع الناس بأنهم على خير ودين.
الأمر الثاني: وهو أن الطاغية بعد أن يظل يقنع الناس يوما واثنين وعشرة، وسنة واثنتين وعشرة أنه مصلح ومتدين وأخلاقه عالية، يصدق نفسه، والبطانة التي حوله تقنعه أنه فعلا متدين وعبقري ومصلح ومؤدب وخيّر وطيب ورحيم.
يصدق الطاغية نفسه، ويصدق من حوله من أعوانه، فيصير مقتنعا فعلا أنه على صواب.
وهذه مرحلة في منتهى الخطورة.
هذه مرحلة العمى، عمى البصيرة، لا يرى فعلا الحق من الباطل.
لا يستطيع أن يميز الصواب من الخطأ.
في المرحلة الأولى كان يميز الصواب من الخطأ، لكنه كان يفعل الخطأ لهوى في نفسه، أو لمصلحة، أو لهدف.
الآن لم يعد قادرا على الرؤية [وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ] {الأعراف:198}.
على العيون غشاوة تحجب الرؤية تماًما [وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ] {البقرة:7}.
وفي الآذان عازل يمنع السمع كلية [إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ المَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ] {النمل:80}.
وعلى قلوبهم أغلفة سميكة تمنع وصول أي موعظة أو عبرة [وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آَذَانِهِمْ وَقْرً] {الإسراء:46}.
إذن فالطواغيت والمجرمون يمرون بمرحلتين:
المرحلة الأولى: مرحلة خداع الآخرين لأجل تحقيق مصلحة معينة، وفيها يستطيع أن يميز الحق من الباطل، لكنه يختار الباطل؛ لهوًى في نفسه.
المرحلة الثانية: هي مرحلة الطمس على البصيرة، وفيها لا يستطيع أن يميز الحق من الباطل؛ وبالتالي يفتقد أي إمكانية للهداية.
وبديهي أن الذي يدخل في هذه المرحلة الثانية لا يكون إلا من عتاة الإجرام، وأصحاب التاريخ الطويل في الصدِّ عن سبيل الله.
وهذا التحليل أعتقد أنه يفسر لنا كلماتٍ كثيرة جدًا نسمعها من طواغيت ومجرمين، ومعذبين لغيرهم، وناهبين للمال، وهاتكين للأعراض، ومستبيحين للحرمات، ومع ذلك يتكلمون عن الفضيلة والشرف والأمانة والإصلاح.
توجيهات الرسول صلى الله عليه وسلم للمقاتلين
الرسول صلى الله عليه وسلم بدأ يصف الصفوف، وكانت هذه أول مرة يحارب فيها العرب في صفوف، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم حريصًا على جعل الصفوف متساوية ومتراصة بنظام ودقة عالية.
وبدأ صلى الله عليه وسلم يلقي على جيشه بعض الأوامر العسكرية لتنظيم العملية الحربية، ففي سنن أبي داود عن أبي أسيد الساعدي رضي الله عنه قال: إِذَا أَكْثَبُوكُمْ يَعْنِي إِذَا غَشُوكُمْ فَارْمُوهُمْ بِالنَّبْلِ وَاسْتَبْقُوا نَبْلَكُمْ.
وذلك لكي لا يطلق المسلمون السهام والكفار ما زالوا بعيدين، فلا تصل إليهم السهام، فأحيانا يكون المقاتل في حالة عصبية فيطلق السهام دون تركيز في أي اتجاه وهذا يضيع الذخيرة على الجيش.
هذا الكلام يحتاج منا وقفة لكي نعرف صفة مهمة من صفات الجيش المنصور.
من الواضح الإعداد الجيد، والأخذ بكل أسباب النصر المادية، والعمل بكل ما هو متاح في اليد لتحقيق النصر.
من أهم صفات الجيش المنتصر:
- رأينا المخابرات الإسلامية وكيف وصلت لأخبار جيش مكة.
- رأينا التكتم الذي قام به الرسول صلى الله عليه وسلم.
- رأيناالموقع العسكري المتميز.
- رأينا التوجيهات العسكرية الحكيمة.
- رأينا الصفوف والترتيب.
- وسنرى مهارة القتال وقوة الضربات، والشجاعة والإقدام والاحترافية الحقيقية في الحرب، لقد كان إعدادًا في منتهى القوة...
ومع أن العدة معه صلى الله عليه وسلم لم تكن سوى فرسين وسبعين من الجمال وكل منهم معه عدة المسافر لا عدة المقاتل إلا أن هذا ما كان في الاستطاعة.
لذلك ليس غريبا أن تجد في سورة الأنفال السورة التي تتكلم عن بدر الآية الكريمة الجامعة:
[وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ] {الأنفال:60}.
تلاحم القائد مع شعبه
هناك أيضًا موقف مهم وعجيب حدث أثناء تسوية صفوف المقاتلين المسلمين، ويعرفنا على صفة مهمة من صفات الجيش المنصور.
أثناء تسوية الصف وجد الرسول صلى الله عليه وسلم أحد الصحابة متقدما عن غيره من الصحابة في الصف، غير مستوٍ في مكانه، فجاء إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يمسك بيده قدحًا - القدح هو السهم بدون نصل، أي: عصا، ليسوي بها الصف - فلما وصل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصحابي وكان اسمه سواد بن غزية رضي الله عنه ضربه بالقدح ضربة خفيفة في بطنه وقال له: استوِ يا سواد.
لكن العجيب في الموقف هو رد فعل سواد رضي الله عنه.
فاجأ سواد الجميع بقوله: يا رسول الله أوجعتني، فأقدني.
أي أن الضربة آلمتني فأريد منك القصاص، ضربة بضربة.
يريد أن يضرب مَنْ؟ يريد أن يضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
يريد أن يضرب قائد الجيش بل قائد الدولة الإسلامية.
موقف عجيب جدًا.
لكن الأعجب هو رد فعل الرسول صلى الله عليه وسلم.
لقد استجاب في منتهى السرعة ودون أي جدل لطلب سواد، ليس هذا فقط،فقد كانت بطن سواد عارية، والضربة جاءت على بطنه مباشرة، فكشف صلى الله عليه وسلم عن بطنه ليضربه سواد ضربة مماثلة تمامًا على البطن مباشرة، ودون ثياب.
هل تتخيل الموقف؟
أريدك أن تتخيل هذا الموقف يحدث في الجيش الآن بين جندي وعقيد أو حتى رائد أو نقيب، لن أقول لواء أو مشيرًا.
هل من الممكن أن يحدث؟
نعم. حدث هذا مع قائد الدولة بكاملها.
كشف رسول الله صلى الله عليه وسلم بطنه، وقال في بساطة: استقد - اضرب - لكن سوادا بمجرد أن رأى بطن الرسول صلى الله عليه وسلم اعتنقه وقبَّل بطنه.
الرسول صلى الله عليه وسلم قال له: ما حملك على هذا يا سواد؟ قال: يا رسول الله قد حضر ما ترى - أمر الحرب والقتال - فأردت أن يكون آخر العهد بك أن يمس جلدي جلدك.
يعني هناك احتمال أن أموت في المعركة، فرجوت أن يكون آخر ما مسست هو جسمك.
فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وللعلم سواد رضي الله عنه لم يمت في بدر، لكنه لفت نظرنا إلى صفة أصيلة من صفات الجيش المنصور، وهي تلاحم القائد مع شعبه، انصهار القائد تمامًا في شعبه.
- الجيش المنصور لا فرق فيه بين قائد وجندي كما أن الأمة المنصورة لا فرق فيها بين حاكم ومحكوم.
كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم للأنصار في بيعة العقبة الثانية: أَنَا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مِنِّي.
رأينا هذا الكلام قبل ذلك في مكة، ورأيناه في قصة بناء المسجد النبوي، ورأيناه في كل خطوات بدر.
من أول لحظات الخروج من المدينة، والرسول صلى الله عليه وسلم يعيش مع شعبه الصحابة؛ فكانوا يتناوبون على الإبل، الإبل قليلة وعدد الجيش كبير نسبيًا.
الرسول صلى الله عليه وسلم قائد المسلمين كان يتناوب في الركوب مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه ومرثد بن أبي مرثد رضي الله عنه، وفي رواية أنه كان يتعاقب الركوب مع علي وأبي لبابة.
فقال الصحابيان لرسول الله صلى الله عليه وسلم: نحن نمشي عنك.
أنت لست فقط الرسول، بل أنت القائد أيضا.
انظر ردَّ الرسول صلى الله عليه وسلم: قال: مَا أَنْتُمَا بِأَقْوَى مِنِّي، وَلَا أَنَا بِأَغْنَى عَنِ الْأَجْرِ مِنْكُمَا.
الرسول صلى الله عليه وسلم المعصوم، يقول: ولا أنا بأغنى عن الأجر منكما.
كيف تكون حماسة الجندي عندما يجد القائد معه في كل خطوة، يحيا مشاكله، يتعب معه، يفرح معه، يحزن معه.
ليس هناك ترفع، ليس هناك كبر، ليس هناك ظلم، ليس هناك كراهية.
أحيانا في بعض البلاد الإسلامية يوجد ألف حاجز بينك وبين الزعيم لكي تصل إليه، وفي الغالب فإن الحواجز التسعمائة الأخيرة يكون من المستحيل أن تتجاوزها!!
هذه مشكلة لو وجدت في أمة لا يمكن معها أن يحدث نصر.
وعلينا ان نراجع سيرة زعماء الأمة الذين حدث في زمانهم نصر وتمكين وعزة، ستجد اختلاطا كاملا مع الشعب، صلاح الدين، قطز، عبد الرحمن الناصر، موسى بن نصير، يوسف بن تاشفين...راجعوا تاريخ الأمة فهذه الأمور واضحة وضوح الشمس.
وعلى النقيض تمامًا، كل لحظات الانهيار والتردي في حال الأمة تكون مصحوبة بعزلة الحاكم عن شعبه.
اقرأ هذا الحديث في سنن الترمذي وأبي داود عن أبي مريم الأزدي رضي الله عنه: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَنْ وَلَّاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ شَيْئًا مِنْ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ فَاحْتَجَبَ دُونَ حَاجَتِهِمْ وخَلَّتِهِمْ (الخَلَّة: الحاجة الشديدة) وَفَقْرِهِمْ، احْتَجَبَ اللَّهُ عَنْهُ دُونَ حَاجَتِهِ وَخَلَّتِهِ وَفَقْرِهِ.
في ميدان المعركة
الجيشان أمام بعضهما، إنها ساعة الصفر.
قام رجل من المشركين اسمه الأسود بن عبد الأسد المخزومي، وأقسم أن يشرب من حوض المسلمين أو ليموتن دونه.
انظر كيف يمكن أن يكون حجم الضلال، كفاح وتضحية واستعداد للموت من أجل قضية فاسدة [أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآَهُ حَسَنًا] {فاطر:8}.
وقام الرجل ليبر بقسمه، لكن قابله الأسد حمزة بن عبد المطلب وضربه ضربة قطعت ساقه، ومع ذلك سبحان الله فقد كان الرجل مصرًا على الوفاء بقسمه، وزحف على الأرض ليصل إلى ماء بدر لكن حمزة أدركه وقتله قبل أن يصل إلى مراده.
كانت هذه نقطة مهمة جدًا لصالح المسلمين، وليس المهم من هذا الشخص الذي قتل، ولكن المهم أن هذا حدث في أول دقيقة من المعركة، فكان هذا توفيقًا كبيرًا من رب العالمين، رفع معنويات المسلمين، وأحبط معنويات الكافرين.
وتحرك الغيظ في قلوب زعماء الكفر.
فنهض ثلاثة من الزعماء بأنفسهم يطلبون المبارزة مع ثلاثة من المسلمين وكانت هذه عادة في الحروب القديمة، أن يتبارز أفراد قلائل كنوع من الاستعراض، ثم يبدأ الهجوم العام الشامل بعد ذلك.
من الذي قام من الكفار؟ أمر عجيب.
لقد قام ثلاثة من عائلة واحدة.
قام عتبة بن ربيعة القائد القرشي الكبير، وقام أخوه شيبة بن ربيعة القائد القرشي الكبير كذلك، وقام ابنه الوليد بن عتبة أحد فرسان قريش المشهورين.
هذه مجموعة من أفضل فرسان مكة.
لكن العجيب الذي يلفت النظر هو قيام عتبة بن ربيعة.
عتبة بن ربيعة كان من الحكماء المعدودين في قريش، وكان من أصحاب الرأي السديد في أمور كثيرة، وكان يدعو قريشًا أن تخلي بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين العرب، ولا يقاتلوه، وكان يقول أن هذا الرجل ليس بشاعر ولا كاهن ولا ساحر ولا بكاذب، وكان يرفض فكرة القتال في بدر بعد إفلات القافلة، وكان إلى آخر لحظة يجادل المشركين في قضية القتال لدرجة أن الرسول صلى الله عليه وسلم نظر إليه من بعيد قبل بدء المعركة وكان عتبة يركب جملا أحمر، فقال صلى الله عليه وسلم لأصحابه: إِنْ يَكُنْ فِي أَحَدٍ مِنَ الْقَوْمِ خَيْرٌ، فَعِنْدَ صَاحِبِ الْجَمَلِ الْأَحْمَرِ، إِنْ يُطِيعُوهُ يَرْشُدُوا.
لكن القوم لم يطيعوه وأصروا على القتال.
وللأسف الشديد دخل عتبة معهم المعركة ولم يرجع كالأخنس بن شريق.
وللعجب الشديد خرج في أول من خرج للمبارزة والقتال.
لقد كان عتبة بن ربيعة مصابًا بمرض الإمعية.
حكيم في الرأي، ولكن يسير مع الناس، إذا أحسنوا أحسن، وإذا أساءوا أساء، ضعيف الشخصية، مهزوز، متردد.
وهذا الذي أَرْداه فأصبح من الخاسرين. وهذا النموذج نراه كثيرا: أشخاص ذوو رأي سديد، تُعقد عليهم الآمال في تغيير من حولهم، ولكنهم يخيبون تلك الآمال ويسيرون مع التيار؛ فيهلكون.
خرج الفرسان الثلاثة يطلبون القتال فخرج لهم ثلاثة من شباب الأنصار.
لكن الفرسان المشركون قالوا لا حاجة لنا بكم إنما نريد أبناء عمنا.
نريد قتالا قرشيا قرشيا.
فقال الرسول صلى الله عليه وسلم:
قم يا عبيدة بن الحارث(عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب ابن عمه).
قم يا حمزة (عمه).
قم يا علي بن أبي طالب(ابن عمه).
وانتبهوا لهذا الاختيار، كلهم من الأقربين، مع أن القتال خطير، لكن القائد وعائلته يعيشون حياة الناس تمامًا، ويتعرضون لكل مشاكل الأمة، وفي أوائل المضحين والمجاهدين.
وبدأت المبارزة.
يوجد اختلاف في الروايات حول من بارز من؟ لكن رواية أحمد وأبي داود تقول: إن علي بن أبي طالب بارز شيبة، وإن حمزة بارز عتبة، وإن عبيدة بن الحارث بارز الوليد بن عتبة.
والتقت السيوف واحتدم الصراع وارتفعت الآهات، ثم بدأت الدماء تسيل بل تتساقط الأشلاء.
دقائق معدودة وانتهت الجولة الأولى من الصراع ومرة ثانية لصالح المسلمين.
الله أكبر ولله الحمد.
علي بن أبي طالب قتل شيبة.
وحمزة بن عبد المطلب قتل عتبة، لم تنفع عتبةَ حكمتُه.
وأصيب عبيدة والوليد بإصابات بالغة فانطلق علي وحمزة على الوليد بن عتبة فقتلاه، وحملا عبيدة إلى معسكر المسلمين.
في أول وقود للمعركة أربعة قتلى للمشركين.
واشتعلت أرض بدر بالقتال.
هجوم شامل كاسح في كل المواقع.
صيحات المسلمين ترتفع بشعارهم في ذلك اليوم: أَحَدٌ أَحَد.
صليل السيوف في كل مكان والغبار غطَّى كل شيء.
الصدام المروع الذي يحدث للمرة الأولى بين المسلمين والكافرين.
التربية بالجنة
ومع كل الحماسة التي كان المسلمون فيها إلا أنهم ما زالوا في حاجة للتشجيع والتحفيز أكثر وأكثر؛ لأن الموقف صعب، بل غاية في الصعوبة، هنا يأتي دور التحفيز بشيء ليس هناك مؤمن واعٍ فاهم يكسل أو يتعب عندما يسمعه...
جاء وقت التذكير بالجنة.
رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم صوته ليسمع الجميع: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا يُقَاتِلُهُمُ الْيَوْمَ رَجُلٌ،فَيُقْتَلُ صَابِرًا مُحْتَسِبًا مُقْبِلًا غَيْرَ مُدْبِرٍ إَلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ.
الكلام عجيب، هذا الكلام لا يمكن أن يفهمه علماني، ولا يمكن أن يفهمه كافر أو فاسق.
الكلام عجيب لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يحفز الناس على الدفاع عن حياتهم، بل حفزهم على فقد حياتهم.
يا الله، انتبه لهذا القول:لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابرًا محتسبًا.
من كان يعيش لدنيا، وقُتِل فَقَدَ كل شيء.
لكن من كان فاهما لمعني الجنة سيكون للقتل عنده معنى آخر ولكن الجنة ليست على الأرض.
الجنة تأتي بعد الموت، يعني الموت هو الحاجز الوحيد بين الشهيد الذي يقتل في أرض القتال وبين الجنة.
الموت هو الحاجز الوحيد لو عبرناه دخلنا الجنة.
الشهيد يدخل الجنة بغير حساب.
فلو جاء الموت صِرْنا من أهل الجنة. إذن يا ليت الموت يأتي.
سبحان الله.
الموت المكروه عند عامة البشر، يصبح أمنية بل أسمى الأماني لمن فقه حقيقة الجنة.
- إِنَّ فِي الْجَنَّةِ مِائَةُ دَرَجَةٍ، أَعَدَّهَا اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، مَا بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ. رواه البخاري عن أبي هريرة.
- وروى البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لَغَدْوَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ رَوْحَةٌ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَلَقَابُ قَوْسِ أَحَدِكُمْ أَوْ مَوْضِعُ قَدِّهِ (سوطه) فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ اطَّلَعَتْ عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ لَأَضَاءَتِ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَلَمَلَأَتْ مَا بَيْنَهُمَا رِيحًا (ما بين السماء والأرض أو ما بين المشرق والمغرب) وَلَنَصِيفُهَا (خمارها) عَلَى رَأْسِهَا خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا.
لا يمكن للإنسان أن يكون عنده يقين في هذا الكلام؛ ثم لا يشتاق إليه.
لذلك فالجيش المنصور جيش يحب الموت فعلا.
كلمة خالد بن الوليد المشهورة التي ذكرناكم بها قبل ذلك: جئتكم برجال يحبون الموت كما تحبون أنتم الحياة.
وعندما تكلم الرسول عن الأمة المهزومة ذكر من صفاتها الوَهْن.
فسُئل: وما الوهن؟
فقال: حب الدنيا وكراهية الموت.
فلو وُجِد هذا في نفوس الأمة هُزِمَت، ولو أحبت الأمة الموت وُهِبَت النصر، ووهبت الجنة.
إسحق رابين رئيس وزراء إسرائيل الراحل كان يقول تعليقًا على اتهام اليهود له بعدم القدرة على السيطرة على حماس والجهاد.
قال: أتحدى أي جهاز مخابرات في العالم يقاوم أناسا يريدون أن يموتوا.
كلام في منتهى الدقة.
حقًا من المستحيل أن تقاتل إنسانًًا يريد أن يموت.
بم ستخيفه؟ هل ستقول له: سأقتلك؟
هذا هو ما يريده. بل هو خائف ألا يموت.
هل منا من يريد أن يموت؟
يتمنى الموت؟
يبحث عن الموت؟
هل منا أحد جاهز للموت؟
كتب وصيته؟
يفكر في يوم يموت فيه في سبيل الله؟
لو أنك لا تتمناها ولا تبحث عنها، فأنت لا تعرف الجنة.
هذا الكلام ليس كئيبا ولا حزينا.
الكئيب فعلا أن تقف يوم القيامة تنتظر الحساب يوما واثنين، وسنة واثنتين، وأنت ترى الشهداء حولك يسرعون إلى الجنة من غير حساب.
ولا تقل: أين الجهاد؟ وأين القتال؟
المسألة مسألة صدق، ومسألة نية.
تريد أم لا تريد؟
لو أردت ستنال الأجر، وتدخل الجنة وإن مت على فراشك.
مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ بَلَّغَهُ اللَّهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ، وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ.
ولو لم تُرِدْ فلن تنال أجر الشهادة حتى لو فُتِحَ لك ألف باب للجهاد.
المسألة إنما هي صدق النية مع الله نعالى.
انظر ماذا فعلت الجنة في الصحابة في بدر.
عمير بن الحمام رضي الله عنه يقف بجانب الرسول صلى الله عليه وسلم، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: قُومُوا إِلَى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَواتُ وَالْأَرْضُ.
كم مرة سمعنا هذه الكلمات؟
كثيرا.
كم مرة عملنا لها؟
قليلًا.
عمير بن الحمام سمع هذه الكلمة.
فقال متعجبًا: عرضها السموات والأرض!!
الإنسان منا يكافح سنين طوالا لكي يصبح عنده شقة، أوسيارة، أو بعض الأموال، أو بعض السلطات.
كل هذا لا يمثل واحدا على مليون مليون من الأرض.
فكيف بالجنة التي عرضها السموات والأرض؟! ما شكله؟!
عمير يتعجب: عرضها السموات والأرض!
قال صلى الله عليه وسلم: نعم.
سبحان الله، هكذا في منتهى الإيجاز.
لا شرح ولا تفصيل.
وعمير بن الحمام رضي الله عنه يتلقى بمنتهى اليقين، لا جدال، لا محاورة.
قال عمير: بخ بخ (كلمة للتعجب).
قال له صلى الله عليه وسلم: مَا يَحْمِلُكَ عَلَى قَوْلِكَ بَخٍ بَخٍ؟
ممَّ تتعجب؟ أتشك في هذا الكلام؟
أسرع عمير يقول: لا، والله يا رسول الله، ما قلتها إلا رجاء أن أكون من أهلها.
قال صلى الله عليه وسلم: فَإِنَّكَ مِنْ أَهْلِهَا.
يا الله.
عمير يعلم أنه من أهل الجنة وهو ما زال يمشي على الأرض، أرض بدر.
بينه، وبين الجنة فقط أن يموت.
لم يعد قادرا أن يعيش لحظة واحدة على الأرض.
كان يمسك بيديه بعض تمرات يتقوى بها على القتال.
وبعدها فكر.
أي تمر هذا الذي أريد أن آكله؟!
أين ثمار الجنة، وطيور الجنة،وشراب الجنة، وحوض الرسول صلى الله عليه وسلم في الجنة؟
فألقى بالتمرات على الأرض وقال كلمة عجيبة:
قال: لئن أنا حييتُ حتى آكل تمراتي هذه، إنها لحياة طويلة.
أَكْلُ التمرات حياة طويلة.
هل سأنتظر ثلاث أو أربع دقائق آكل فيها التمر؟ هذا كثير.
ألقى بنفسه وسط الجموع الكافرة.
استشهد، دخل الجنة، هو يقينًا في الجنة.
أليس هذا كلام الرسول صلى الله عليه وسلم؟
لَا يُقَاتِلُهُمُ الْيَوْمَ رَجُلٌ؛ فَيُقْتَلُ صَابِرًا مُحْتَسِبًا مُقْبِلًا غَيْرَ مُدْبِرٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ.
ثم إنه قالها تصريحًا لعمير بن الحمام، قال: فَإِنَّكَ مِنْ أَهْلِهَا.
أهل الدنيا، طلاب الدنيا يظنون أن عميرا خسر، مات في عز شبابه كما يقولون، لم يستمتع بحياته، لكن المقاييس الصحيحة ليست هكذا:
روى الترمذي وقال حسن صحيح عن كعب بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
إِنَّ أَرْوَاحَ الشُّهَدَاءِ فِي أَجْوَافِ طَيْرٍ خُضْرٍ تَعْلَقُ مِنْ ثَمَرِ الْجَنَّةِ.
تعلق: أي ترعى.
- عمير بن أبي وقاص شاب لم يتجاوز السادسة عشرة من عمره، في تعريف منظمة الصحة العالمية طفل(الأطفال في تعريفهم أقل من 18 سنة).
وفي تعريف القيم والأخلاق والمبادئ والعقائد من سادة الرجال.
تقدم وهو في هذه السن الصغيرة ؛ ليجاهد مع المجاهدين في بدر، لكنه كان خائفا.
من أي شيء كان خائفا؟ هل يخاف أن يموت؟ لا، بل يخاف ألا يموت،
يخاف أن يرده الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنه ما زال صغيرا.
أخذ يتوارى بين القوم حتى لا يراه الرسول صلى الله عليه وسلم فيرده.
رآه أخوه المجاهد العظيم سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه.
فقال له: ما يحملك على هذا؟
قال: أخاف أن يراني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيستصغرني ويردني، وأنا أحب الخروج لعل الله أن يرزقني الشهادة.
رآه الرسول صلى الله عليه وسلم، فأشفق عليه من القتال، وردَّه.
بكى عمير رضي الله عنه، فستضيع عليه فرصة الموت في سبيل الله.
ولكن رقَّ له رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسمح له بالجهاد.
جاهد، اشتاق بصدق للشهادة، استشهد، دخل الجنة.
فهم عمير بن أبي وقاص وهو لم يُكَلَّفْ إلا منذ سنتين أو ثلاث وهو لم يبلغ السادسة عشرة من عمره ما يعجز عن فهمه أشياخ وحكماء وعباقرة.
الجنة.
منهج تربوي إصلاحي واقعي لا يرقى إليه أي منهج من مناهج الدنيا.
- عوف بن الحارث رضي الله عنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، ما يضحك الرب من عبده؟ قال: غمسه يده في العدو حاسرًا.
هنا ألقى عوف درعه وقاتل حاسرًا.
هذا الفعل يلقي الرعب في قلوب العدو؛ لأنه يعبر عن إنسان لا يهاب الموت بل يطلبه.
قاتل عوف وقاتل وقاتل، حتى قُتِل، اُسْتُشهد، دخل الجنة.
موضوع الجنة لم يغب أبدا عن أذهان الصحابة رضي الله عنهم؛ لذلك انتصروا.
من قبل أن يأتي الجيش بدرا وهو يبحث عن الجنة.
وفي أرض بدر يبحث عن الجنة.
وبعد بدر يسأل عن الجنة.
- قبل الخروج إلى بدر سعد بن خيثمة وأبوه خيثمة.
الاثنان يريدان أن يخرجا للجهاد في بدر، لكن عندهما بنات كثيرات، ولا بد أن يخرج أحدهما، بينما يبقى الآخر ليرعى البنات.
الاثنان يريدان أن يخرجا، الاثنان طالبان للجنة بصدق، لم يرض أحدهما بالتنازل، فقررا إجراء قرعة، فخرج سهم الابن سعد بن خيثمة، تحسَّر أبوه، تحسر حسرة حقيقية، فقال لابنه برجاء: يا بُنيَّ آثرني اليوم، دعني أخرج، فَضِّلني على نفسك، أنا أبوك. لكن سعدا رضي الله عنه ردَّ بجواب يفسر قصة الجيش المنصور، قال في أدب: يا أبتِ، لو كان غير الجنة فعلت.
أي شيء في الدنيا يمكن أن أتنازل عنه لك، إلا الجنة.
وإلا فلماذا أحيا أنا في هذه الدنيا لو لم يكن للحصول على الجنة؟
لا يمكن أن أضيع هذه الفرصة.
وخرج سعد بن خيثمة بهذه الروح وهذا الصدق.
وقاتل سعد بن خيثمة، واستشهد، ودخل الجنة التي يريد.
اللطيف والجميل أن خيثمة أبوه، خرج في ( أُحُد ) بعد بدر بسنة، واستشهد أيضا، أترون الصدق؟
وحتى بعد بدر، كل الناس يسألون عن الجنة.
الشعب كله طالب الجنة.
- أم حارثة بن سراقة استشهد في بدر، شاب صغير مات مقتولا، في مثل هذا الموقف تطيش عقول، وتضطرب أفئدة، ويتزلزل رجال ونساء.
لكن أم حارثة جاءت تسأل عن شيء محدد.
يا رسول الله، قد عرفت منزلة حارثة مني، فإن يكن في الجنة أصبر وأحتسب، وإن تكن الأخرى تَرَ ما أصنع.
أهم أمر، بعد الموت: جنة أم نار؟ هذا هو المفروض أن يشغلنا.فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم:
يَا أُمَّ حَارِثَةَ، إِنَّهَا جِنَانٌ فِي الْجَنَّةِ، وَإِنَّ ابْنَكِ أَصَابَ الْفِرْدَوْسَ الْأَعْلَى.
الله أكبر، لماذا؟ لأنه مات صابرا محتسبا مقبلا غير مدبر.
استراحت أم حارثة، تقبلت أمر موت ابنها الشاب ببساطة وبصبر وباحتساب، بل بسعادة؛ لأن من يحب أحدا يحب له الخير. ولا خير أحسن من الجنة.
هؤلاء هم أهل بدر، صفاتهم الجميلة كثيرة، لكن أهمها أنهم جيش مؤمن فعلا، مؤمن بالله، ومؤمن بالرسول صلى الله عليه وسلم، ومؤمن بالجنة، ومن غير الإيمان مستحيل أن يكون هناك نصر.
حب الجنة منهج تربوي
هذا الكلام لا نقوله كنوع من الترف الفكري، أو القصص التاريخي الذي ليس له واقع في حياة الناس.
هذا الكلام نريد أن يصبح منهج حياتنا، منهج تربية الأطفال والرجال والنساء، منهج تربية الشعب كله.
وبدونه لا توجد فرصة إصلاح.
دعكم من مناهج الشرق والغرب ومناهج الإصلاح الوهمية المبنية في الأساس على طلب الدنيا وبأي وسيلة.
هذه المناهج لا تُورِث إلا كآبةً وتعاسةً في الدنيا، وشقاءً وذلا في الآخرة.
إياكم أن تظنوا أن الغرب والشرق من أصحاب المال والسلطة والجاه والملك يعيشون في سعادة.
أبدًا.
فمن يفقد منهم ماله ينتحر.
من يمت له ابن أو حبيب يكتئب وينعزل عن المجتمع.
من يتعرض لمصيبة تصبح نهاية العالم بالنسبة له، من وجد نفسه فقيرًا، أو من عائلة صغيرة أو في وضع اجتماعي متدنٍّ، فإنه يعيش معقدا حاقدا على المجتمع، حاسدا لكل الأغنياء، ومن الممكن أن يصير سارقا أو قاتلا أو مرتشيا أو فاسدا، ويعيش حياة الإجرام.
روى الحاكم عن أنس أن رجلا أسود أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله: إني رجل أسود، منتن الريح، قبيح الوجه، لا مال لي، فإن أنا قاتلت هؤلاء حتى أقتل، فأين أنا؟ قال: فِي الْجَنَّةِ. فقاتل الرجل حتى قُتِل، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: قَدْ بَيَّضَ اللَّهُ وَجْهَكَ، وَطَيَّبَ رِيحُكَ، وَأَكْثَرَ مَالَكَ. قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم.
أقل أهل الجنة ملكا له عشرة أمثال الدنيا، إذن لا مقارنة بين نعيم الجنة ومتاع الدنيا كلها.
الجنة فيها سلوى وتعويض لكل مؤمن فَقَدَ شيئا من الدنيا.
الجنة فيها جزاء لكل من تعب أو سهر أو بذل مجهودا في الإصلاح.
الجنة صبرَّت أم حارثة.
الجنة شجعت عمير بن الحمام وعمير بن أبي وقاص وسعد بن خيثمة وحارثة بن سراقة، الجنة جعلت الحباب بن المنذر يقول رأيه لكي يفيد المسلمين.
الجنة جعلتْ المكروه محبوبا، جعلتْ الموتَ مطلوبا.
انظر ماذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه ولنا:
أَلَا مُشَمِّرٌ لِلْجَنَّةِ؟
فَإِنَّ الْجَنَّةَ لَا خَطَرَ لَهَا( أي لا مثل لها) هِيَ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ، نُورٌ يَتَلَأْلَأُ، وَرَيْحَانَةٌ تَهْتَزُّ، وَقَصْرٌ مَشِيدٌ، وَنَهْرٌ مُطَّرِدٌ، وَفَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ نَضِيجَةٌ، وَزَوْجَةٌ حَسْنَاءُ جَمِيلَةٌ، وَحُلَلٌ كَثِيرَةٌ، فِي مَقَامٍ أَبَدًا، فِي حَبْرَةٍ ونَضْرَةٍ، فِي دُورٍ عَالِيَةٍ سَلِيمَةٍ بَهِيَّةٍ.
الصحابة رضي الله عنهم لم يعودوا قادرين على الصبر على فراق الجنة.
قالو: يا رسول الله نحن المشمرون لها.
قال: قُولُوا إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
ثم يقول الراوي أسامة بن زيد رضي الله عنهما: ثم ذكر الجهاد وحضَّ عليه.
إذًا أعطاهم الرسول صلى الله عليه وسلم شيئًا عمليًّا يدخلون به الجنة.
والحديث في صحيح ابن حبان وسنن ابن ماجه.
يوم تملأ الجنة علينا حياتنا بهذه الصورة.
يوم تصبح الجنة هدفا واضحا في تفكيرنا.
يوم تصبح الجنة في عقلنا عندما نأخذ قرارا، أو نعمل عملا، أو نقول كلمة، أو نضحك ضحكة، أو نسافر أو نقعد أو نحب أو نكره.
يوم تصبح الجنة محرّكا لكل حياتنا.
ساعتها سنرى نصرا كنصر بدر.
وساعتها سنرى تمكينا وعزة وسيادة، كما حدث بعد بدر.
ونسأل الله أن يفقهنا في سننه.
الاثنين، 7 سبتمبر 2009
يوم بدر
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
السلام عليكم ضع تعليقك وأترك بصمتك علي الموضوع مع خالص أحترامي وتقديري