- في أواسط القرن السادس الهجري شهدت دولة الإسلام في الأندلس صحوة طارئة تمثلت في تصديها للحملات المتتالية التي شنها نصارى إسبانيا والبرتغال من شمال وغرب الأندلس، وقد حقق الموحدون الذين خلفوا المرابطين في حكم الأندلس عدة انتصارات هامة على الصليبيين دفعتهم لطلب الصلح من أمير الموحدين أبي يعقوب يوسف بن عبد المؤمن، وبالفعل تم عقد الهدنة مع الإسبان وزعيمهم ألفونسو الثامن، ومع البرتغاليين وزعيمهم ألفونسو هنريكيز وذلك سنة 568هـ.
لم يكن في نية النصارى سواءً من الإسبان أو البرتغاليين الوفاء بعهدهم فهم لا يرقبون في مؤمن إلاً ولا ذمة، ولا عهد لهم ولا ذمام، وما كان عهدهم إلا من باب التربص وإعادة تنظيم الصفوف، وبالفعل انتهز الإسبان فرصة رجوع أمير الموحدين أبي يعقوب إلى عدوة المغرب سنة 571هـ بعد أن رتب أوضاع الأندلس وجمع ألفونسو الثامن ملك قشتالة جيوشه واصطلح مع خصمه اللدود ملك أراجون الذي خرج بقواته للاشتراك مع قوات ألفونسو الثامن في محاربة المسلمين.
كان هدف الصليبيين هذه المرة مدينة [قونقة] وهي تقع فوق ربوة عالية صعبة المنال في شمال شرقي الأندلس، وهي من خطوط الدفاع المتقدمة والمنيعة لولاية بلنسية حاضرة الشرق الأندلسي، فلما تراءت الجيوش الصليبية أرسل أهل قونقة إلى أبي يعقوب بمراكش في طلب النجدة والغوث وذلك سنة 572هـ، فكلف أبو يعقوب ولديه الحسين والي إشبيلية، وعلي والي قرطبة بنجدة أهل قونقة، وكانت الخطة أن يهجما بقواتهما على طليطلة عاصمة قشتالة حتى يرغموا الإسبان على رفع الحصار على قونقة.
غير أن هذه التحركات الموحدية والغارات القوية على طليطلة لم تؤت ثمارها في إنجاد قونقة، إذ اقتصرت على نظام الغارات الخاطفة والكر والفر، فواصل الإسبان حصارهم لقونقة، ولم تصدهم قسوة الشتاء، ولا مناعة المدينة وقوة حاميتها، عن غايتهم في الاستيلاء عليها، وشدد الإسبان الحصار وأرهقوا أهلها جوعًا وعطشًا، وطال الحصار حتى أشرف على السنة، ونفدت دفاعات المدينة، وفني المدافعون عنها جوعًا ومرضًا واضطرت المدينة للتسليم في أواسط سنة 573هـ.
وكان سقوط قونقة ثغرة خطيرة في خط الدفاع الشمالي الشرقي الأندلسي، وكان تقاعس الموحدين أو تقصيرهم عن نجدتها ينطوي على خطأ عسكري خطير دفع الموحدون بعده ثمنًا باهظًا.
الجمعة، 4 سبتمبر 2009
حصار قونقة 573هـ ( حصار الامة )
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
السلام عليكم ضع تعليقك وأترك بصمتك علي الموضوع مع خالص أحترامي وتقديري