الجمعة، 4 سبتمبر 2009

حصار شلب 585هـ ( حصار الامة )

  • أمة تحت الحصار
    حصار شلب 585هـ
    كان لظهور مملكة البرتغال في غرب الأندلس في أواسط القرن السادس الهجري أثر كبير على دولة الإسلام في الأندلس، إذ أخذت هذه المملكة في الاستيلاء على مدن غرب الأندلس الواحدة تلو الأخرى، مما حدا بالموحدين لئن يستعدوا للقاء حاسم مع البرتغاليين، وكانت معركة شنترين في أقصى غرب الأندلس سنة 580هـ والتي انتهت بكارثة مروعة للموحدين أسفرت عن مقتل سلطان الموحدين أبو يعقوب يوسف بن عبد المؤمن هزيمة فاضحة أضرت بسمعة الموحدين في الأندلس، وفتحت الباب أمام الأطماع البرتغالية في انتهاب ما تبقى من مدن المسلمين في غرب الأندلس.
    وقعت اضطرابات خطيرة في عدوة المغرب، واشتعلت الحرب الداخلية بين الموحدين وخصومهم من بني غانية أولياء المرابطين، هذه الأحداث شغلت الدولة الموحدية عن نجدة الأندلس من الغارات المرهقة للبرتغاليين والإسبان، وكان الحامية الموحدية بالأندلس قليلة العدد والعتاد لا تستطيع أن تدفع التهديدات الصليبية المتتالية، وقد ساعدت الظروف الدولية وقتها البرتغاليين على تحقيق طموحاتهم، ذلك أن الأساطيل الفرنجية الصليبية قد تحركت بأعداد ضخمة لنجدة بيت المقدس الذي حرره صلاح الدين الأيوبي رحمه الله سنة 583هـ، وكانت هذه الإمدادات الصليبية تتقاطر إلى الشام من ناحية المحيط، وكانت عادة ما تتوقف في سواحل الأندلس الغربية للتزود بالمؤن فانتهز ملك البرتغال سانشو الأول الفرصة وعرض على الأساطيل الصليبية المارة بسواحل الأندلس مساعدته في محاربة المسلمين نظير جزء من الغنائم.
    وفي أوائل سنة 585هـ ـ 1189م رسى أسطول إنجليزي ضخم في مياه أشبونة فعرض سانشو الأول عليهم خطة الهجوم على مدينة «شلب» الحصينة، فوافقوا عليها لأنها كانت قاعدة المسلمين في غرب الأندلس، ومنها ينطلقون للغزو البحري والإغارة على الجزر والثغور الأوروبية، فاتفقت الرغبات البرتغالية والأوروبية على محاربة مدينة «شلب» والتي أيضًا كانت تمثل آخر معاقل المسلمين في غرب الأندلس.
    زحفت القوات البرتغالية برًا والإنجليزية بحرًا لاقتحام مدينة شلب، وحاول سانشو الأول حسم المعركة مبكرًا بتكثيف الهجوم البري عليها، ولكنه واجه مقاومة عنيفة عجز معها على اقتحام المدينة الحصينة، فاكتفى بنهب ما حولها من الأرباض والحقول، ثم طلب إمدادات جديدة وبدأ في ضرب الحصار المحكم على المدينة في ربيع الآخر سنة 585هـ، وضرب أسوارها بالمجانيق ضربًا شديدًا لم يؤثر فيها شيئًا، وحاول الجند الإنجليز ومعهم الهولنديون حفر أنفاق تحت الأسوار للتسلل داخل المدينة، ولكن أهل شلب أحبطوا كل هذه المحاولات.
    بدا للعيان أن أهل المدينة سيصمدوا طويلاً ولن تنهار مقاومتهم بسهولة أمام الحصار الإنجليزي البرتغالي المشترك، لولا أن سانشو الأول عرف عن طريق الخيانة بمصدر إمدادات المدينة المحاصرة بالمياه، وكان بئر «القراجة» هو المصدر الرئيسي لمياه المدينة وقد بنى عليه المسلمون برجًا قويًا للحراسة، فهاجم الصليبيون ذلك البرج فلما أحس المسلمون بذلك خرجوا من مدينتهم للدفاع عنه ومنع الصليبيين من السيطرة على مصدر المياه، ودارت معركة دموية انتهت بهزيمة المسلمين واستيلاء النصارى على البئر، وقطع المياه عن المدينة.
    شعر أهل المدينة أن لا فائدة من مواصلة الدفاع، إذ لا قبل لأحد من البشر أن يتحدى العطش، فعرضوا التسليم نظير الخروج بأموالهم وعيالهم، وكان رأي الإنجليز والهولنديين أن يقتل أهل المدينة جميعًا، وهي عادتهم المتبعة في حروبهم الصليبية بالشام، ولكن سانشو الأول أقنعهم بالاكتفاء بالأسلاب، وهو الرأي الذي انتهى التفاوض عنده، إذ خرج أهل المدينة بأنفسهم فقط لا غير وتركوا ثرواتهم غنيمة للصليبيين، ودخل البرتغاليون وحلفاؤهم المدينة في رجب سنة 58
    5هـ.
    وكان سقوط شلب على هذا النحو ضربة قاصمة لدولة الإسلام في الأندلس، إذ فقدت قواعدها جميعًا في ولاية الغرب، وغدا وسط الأندلس وغربه بالكامل تحت السيطرة الصليبية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

السلام عليكم ضع تعليقك وأترك بصمتك علي الموضوع مع خالص أحترامي وتقديري