الجمعة، 7 يناير 2011

ارتفاع الأسعار يلهب الشارع الجزائري

جانب من مواجهات بين الشرطة والمحتجين بالجزائر


قضى سكان أحياء مختلفة من العاصمة الجزائر ليلة ساهرة بعد تطور مظاهرات "احتجاجية على غلاء المعيشة" إلى صدامات مع قوات مكافحة الشغب. يأتي ذلك وسط جدل بين الحكومة والمضاربين بالأسعار، قبل صدور قانون يضع سقفا للأسعار ويحدد هامش الربح.

وانتفض شباب أحياء باب الوادي وبلكور وباش جراح، وغيرها من الأحياء الشعبية بالعاصمة ليلة الخميس ضد ما سموه "الارتفاع الفاحش لأسعار المواد الاستهلاكية".

وقد سبقت هذه الأحياء بلدات أخرى في مناطق مختلفة مثل وهران (500 كلم غرب العاصمة) والجلفة (400 كلم جنوبا) وتيبازة (50 كلم غربا) التي عرفت صدامات هي الأخرى مع الشرطة، للأسباب نفسها.

وأحرق المتظاهرون إطارات السيارات وقطعوا عدة طرق رئيسية، كما حملوا قضبانا حديدية ورشقوا الشرطة بالحجارة خلال الاشتباكات.

وأظهرت مقاطع فيديو وضعت حديثا على موقع اليوتيوب حجم الصدامات التي عاشتها هذه المناطق، وشوهدت ألسنة لهب الإطارات المطاطية وأعمدة دخان تقطع طرقا مختلفة.

عاصمة ملتهبة
في حي بلكور الشعبي بالعاصمة، قال شاهد عيان إن "متظاهرين قطعوا الطريق الرابط بين ساحة أول مايو والحي، ورشقوا الشرطة بالحجارة بعد إضرام النار في المطاط والورق وفي كل ما هو قابل للاشتعال".

أما في حي باش جراح، وهو حي شعبي بإحدى ضواحي العاصمة، فقد تعرض مركز البريد للتخريب، وكسرت بعض محلات المركز التجاري بالمدينة ليلة الخميس، وقال شهود حضروا المواجهات إنهم سمعوا تكبيرات بالمنطقة وأكدوا أن "الشرطة كانت موجودة بقوة".

الحضور الأمني قوي في الشارع بالجزائر

وفي باب الوادي، وهو حي شعبي بقلب العاصمة الجزائر، حاول الشباب الغاضب اقتحام مقر محافظة الشرطة الخامسة، ونقل موقع إخباري عن مصدر أمني قوله إن "متظاهرين يحملون قضبانا حديدية وحجارة قد حاولوا اقتحام المحافظة، إلا أن الشرطة ردت بإطلاق أعيرة نارية في الهواء لتفريقهم".

وقال مواطن يقطن بالعمارة المطلة على مكان الاشتباكات إنه "لم يتمكن من متابعة الأحداث إلى نهايتها من فرط الغازات المسيلة للدموع التي أطلقتها الشرطة، وعمت المكان كله مما اضطرني إلى إغلاق كل منافذ البيت".

وأضاف "أخشى ما أخشاه أن تتجدد المواجهات في الليل، بعد الإشاعات التي صرنا نسمعها".

وقال شاب يدعي المشاركة في الأحداث، إنه "توقع أن يحدث ما حدث وما سيحدث"، موضحا أن "سعر خمس ليترات من الزيت بلغ ألف دينار (حوالي 13 دولارا) وكيلوغرام من السكر بلغ 150 دينارا (دولاران)، وكيلوغرام القهوة بلغ 300 دينار (4 دولارات).

وتساءل "ماذا ينتظرون منا؟"، مضيفا أن "ما يؤسف له هو أن الأموال موجودة وخزينة الدولة مملوءة".

وكانت الجزائر قد أعلنت أن ميزانها التجاري قد حقق خلال الـ11 شهرا الأخيرة فائضا بلغ 14.83 مليار دولار أميركي مقابل 4.68 مليارات دولار في المدة نفسها من العام الماضي.

ويبلغ الراتب الأدنى للحد المضمون بالجزائر 15 ألف دينار (200 دولار) بالنسبة للموظفين، في حين ينام البلد على احتياطي صرف يقدر بـ155 مليار دولار، حسب تصريحات مسؤولين حكوميين.

وتقول منظمات غير حكومية إن أكثر من ثلثي الجزائريين يعيشون تحت مستوى خط الفقر، وهو ما تكذبه الحكومة وتقول إن نسبة البطالة لا تتعدى 11%.

سجال
من جهة أخرى قال يسعد ربراب الرئيس المدير العام لمجمع سيفيتال -وهو المجمع الذي يتهمه المواطنون باحتكار إنتاج واستيراد مادة الزيت- إن أسعار السكر والزيت ستستمر في الارتفاع.

سيارة محترقة في مدخل شركة رينو الفرنسية

وعزا ذلك إلى "ارتفاع سعر هذه المواد في السوق الدولية، وهو ما سيؤثر عليها في السوق الداخلية ويجعلها مرشحة للارتفاع أكثر" حسب ما نقلت عنه صحيفة النهار الجديد.

ويعتقد ربراب أن "الأسواق الدولية هي المحرك الوحيد للأسعار"، إلا أن وزير التجارة مصطفى بن بادة نفى ذلك، بل اتهم المتعامل المتحكم في سوق السكر والزيت بالتسبب في ارتفاع الأسعار.

وقال الوزير خلال ندوة صحفية إن "هذا المتعامل رفع سعر السكر في أقل من يومين بعشرين دينارا للمؤسسات العاملة في صناعة الحلويات والبسكويت، فمر السعر من سبعين إلى تسعين دينارا في أقل من يومين".

واعتبر الوزير أن "ارتفاع الأسعار في الأسواق الدولية يفسر الزيادة في السوق الداخلية، لكنه ليس التفسير الوحيد للارتفاع الذي عرفته مادة الزيت والسكر"، في إشارة على ما يبدو إلى المضاربين بالسوق.

وأعلن مصطفى بن بادة أن الحكومة ستعقد اجتماعا خاصا الأسبوع المقبل، لتسريع صدور النصوص المتعلقة بوضع سقف وتحديد


للأسعار، وهو النص الذي ما زال مثار جدل بين الحكومة والمتعاملين الاقتصاديين.

خلط الأوراق
ويرى الكاتب مراد أوعباس أن هذه الاحتجاجات "كانت متوقعة بالنظر إلى أن الأزمة الاجتماعية قد بلغت مداها بحكم انخفاض القدرة الشرائية للمواطن العادي".

وأضاف أن "البلد قد سجل منذ أكثر من ثلاثة أشهر ندرة في مختلف المواد، ابتداء بالسيولة النقدية قبيل عيد الأضحى، ثم ندرة أكياس الحليب، ثم جاء الارتفاع المفاجئ في أسعار المواد الاستهلاكية في السوق الدولية مما أثر على السوق المحلية".

الاضطرابات المفاجئة تثير جدلا بين الحكومة والاقتصاديين

وقال أوعباس إن "المطالب اجتماعية بحتة ولا علاقة لها بالسياسة، بدليل أنه لا وجود لأي حزب سياسي في هذه الاحتجاجات، وباعتراف وزير التجارة بأن هذه الزيادة في الأسعار غير معقولة".

ودعا أوعباس الحكومة إلى الإسراع في الإفراج عن قانون تسقيف وتحديد الأسعار لمنع المضاربة بالمواد الأساسية في استهلاك المواطنين.

ولئن اتفق المحلل السياسي عبد العالي رزاقي مع هذا التحليل من حيث إن المطالب اجتماعية فقط، فإنه يرى أن "محركها أطراف أخرى غير اجتماعية" حسب تعبيره.

وأضاف "يبدو أن تحقيقات الأمن العسكري في ملفات فُتحت لأول مرة، وتنصيب مرصد وطني لمكافحة الرشوة والفساد، وكذا تعيينات جديدة في مؤسسات حساسة في الدولة قد حفزت جهات في السلطة (لم يسمها) إلى تحريك الشارع لمحاولة خلط الأوراق".

وتابع "إذا حاولنا متابعة هذه الاحتجاجات فإننا نرى أنها تقع في الليل، وأنها تتحرك تقريبا في وقت واحد، مما يجعلنا نستنتج أنها غير عفوية البتة، مع تأكيد أن مطالب المتظاهرين شرعية لا غبار عليها".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

السلام عليكم ضع تعليقك وأترك بصمتك علي الموضوع مع خالص أحترامي وتقديري