مَنْ وراء الليبرالية ؟
كتاب " استراتيجيات غربية لاحتواء الإسلام " قراءة في تقرير راند 2007 .
هذا الكتاب من إصدارات مجلة البيان، وإن كان موضوع الكتاب تحدث به مجموعة من المفكرين سابقا، وأُشبع بحثا وطرحا إلاّ أنني رأيتُ من واجبي التذكير به هذه الأيام للأسباب التالية:
الأول: كي لا يُغفل عنه ويتم نسيانه لكثرة الأحداث المتلاحقة.
والثاني: كي نأخذ الحيطة والحذر ممن يسوّق لفكر ومبدأ الليبرالية في مجتمعنا.
والثالث: ظهور بعض الأفكار الواردة بالتقرير على السطح والمناداة بها عبر الصحف والحوارات الفكرية.
والرابع: ما لوحظ من ردود الفعل لكثير من كتاب الصحف عندما أفصح الدكتور الغذامي عن حقيقة الليبرالية السعودية، واستماتتهم في الدفاع عنها.
والكتاب ذو قيمة علمية عالية، يتحدث عن ما قامت به مؤسسة راند الأمريكية من إصدار تقرير بعنوان " بناء شبكات مسلمة معتدلة " يقدّم للحكومة الأمريكية أفكارا وتوصيات وآليات عملية مبنية على خبرات سابقة لاحتواء الإسلام.
ومؤسسة راند هي من أكبر المراكز الفكرية في العالم تأثيرا على القرارات الأمريكية، وعند صدور هذا التقرير أثار ضجة عالمية داخل أوساط المفكرين والمصلحين من المسلمين، لاحتوائه على معلومات خطيرة تكشف الخطط الأمريكية القادمة في كيفية التعامل مع المسلمين بالشرق الأوسط، ولأهميته تمت ترجمة التقرير والكتابة عنه من قبل نخبة من المثقفين المسلمين للتحذير من عواقبه، كما قام الباحث: صالح بن عبدالله الغامدي ـ جزاه الله خيرا ـ في رسالته للماجستير بجامعة أم القرى بدراسة تحليلية عن تقرير مؤسسة راند، تهدف إلى زيادة وعي المسلمين بما يُكتب عنهم، وبما يُحاك ضدهم.
ومن أخطر ما ورد بالتقرير والتي كان من أهمها على سبيل المثال لا الحصر( كل المعلومات التالية نقلا من كتاب استراتيجيات غربية لاحتواء الإسلام للدكتور: باسم خفاجي):
1. تركيز التقرير على إيجاد تعريف واضح ومحدد للاعتدال الإسلامي، بحيث يصاغ هذا التعريف من قبل أمريكا والغرب كي يصبح أداة ووسيلة لتحديد المعتدلين في العالم الإسلامي، ومن ثمّ يجب دعمهم أفرادا ومؤسسات.
2. يوصي التقرير أن تهتم أمريكا بصناعة ودعم شبكة من التيار العلماني والليبرالي والعصراني ممن تنطبق عليهم شروط الاعتدال بالمفهوم الأمريكي، وأن تستخدم هذه الشبكة في مواجهة التيار الإسلامي.
3. يؤكد التقرير على أهمية التعاون مع العلمانيين الليبراليين فهم الأفضل في نظر التقرير وخير من يدعم توجهاتهم وينفذ خططهم.
4. يؤكد التقرير على ضرورة إيجاد أرضية تفاهم مع التيار الصوفي من أجل التصدي للتيار الإسلامي.
5. حدد التقرير خمس فئات هامة ينتمون للتيار العلماني الليبرالي يجب التركيز عليهم ودعمهم من أجل بناء شبكات مضادة للتيار الإسلامي وهم:
v التيار الأكاديمي الليبرالي والعلماني حيث توجد الأفكار الليبرالية التحررية بين الأكاديميين بشكل أكثر وضوحا.
v الدعاة المعتدلين الجدد حيث تم تسميتهم بالتقرير بـ" الدعاة المعتدلين الشباب" ويؤكد التقرير على أهمية هؤلاء الدعاة لاستخراج النصوص الشرعية من التراث الإسلامي لدعم وتحقيق لوائح حقوق الإنسان الدولية.
v جمعيات المرأة التي تتبنى الدفاع عن حقوق المرأة وتنادي بالمساواة بين الرجل والمرأة.
v الصحفيون والكتاب والإعلاميون.
6. يوصي التقرير أن تُستخدم النصوص الشرعية لمواجهة الإسلاميين، وأن يتم التنقيب في التراث الإسلامي عما يمكن أن يُستخدم لتبرير تغيير المواقف الإسلامية أو يساهم في تغيير الإسلام، وستقوم الإدارة الأمريكية ومن يحالفها في عالمنا الإسلامي بترويج تلك المعلومات والأفكار بكثافة في الفترة القادمة لزعزعة ثقة المسلمين فيما لديهم من حقائق ومعلومات.
7. اتهام كل من يخالف أو يعترض على الهيمنة الفكرية الأمريكية بأنه سلفي أو متشدد أو وهابي أو متطرف.
وبنظرة حول ما تم ذكره من آلية تنفيذ المخطط الأمريكي وما يدور هذه الأيام في الساحة الفكرية نلمس تطبيقا لكثير من الآليات والأفكار الواردة بالتقرير، خاصة في ما يتعلق بدعم الفكر الليبرالي والترويج له، حتى يتبادل إلى الذهن سؤال مفاده:
هل هذه الأحداث حصلت عن طريق الصدفة ؟ أم أنها تنفيذا لما ورد بالتقرير؟
وهل من صدرت منهم على علم بذلك؟ أم تم استخدامهم كأداة لتنفيذ آليات التقرير دون علمهم؟
وخذ على ذلك أمثلة:
· هل من باب الصدفة أن يطالب كاتب ليبرالي بمقال نشر بجريدة الجزيرة يوم الثلاثاء 18/9/1430هـ عدد 13494 عنونه بـ (تصحيح ليبرالي ) إلى ( تشكيل تيار ليبرالي من أجل فكرة التغيير ) في المجتمع السعودي، أم أنها مرحلة قادمة يسعى للتمهيد لها.
· وهل من باب الصدفة أن يتم السماح للكاتب الأردني: شاكر نابلسي بأن يكتب بجريدة الوطن بشكل دوري وينشر أفكاره وهو من الموقعين مع مجموعة من رفاقه العلمانيين الليبراليين على بيان يدعون فيه إلى نبذ الشريعة وعدم تحكيمها؟ ويؤيدون كل ما ورد بتقرير راند، ويكفي أنه من الليبراليين الجدد، ممن ينادي بضرورة إدخال الليبرالية ولو على ظهر دبابة أمريكية للعالم العربي، وهو صاحب مقال:( ما ثمن بقاء الزعيم على كرسيه مدى الحياة؟).
· وهل من باب الصدفة الإكثار من ترديد واستخدام كلمة " متشدد و متطرف " في معظم مقالات كتاب الصحف اليومية المعروف عنهم التوجه الليبرالي لكل من يحمل فكرا إسلاميا يخالف فكرهم، بل حتى علماء هذا البلد المبارك هناك من اتهمهم بالتشدد ولم يسلموا من هذه التهم والعبارات.
· وهل من باب الصدفة مقال إبراهيم طالع في جريدة الوطن يوم الخميس 29/5/1431هـ ( سلفي في مقام سِيْدِيْ عبدالرحمن) الذي يثني فيه على الصوفية بزياراتهم للقبور والأضرحة، ويقدح في السلفية.
· وهل خروج بعض الفتاوى الشاذة المخالفة للإجماع والتي تعتمد على بعض الأقوال والآثار كفتوى الاختلاط، وجواز كشف المرأة لوجهها والترويج لها عبر جميع وسائل الإعلام وأخذها وكأنها هي الحق المبين من باب الصدفة.
· وهل من باب الصدفة التسويق لمبدأ الليبرالية عبر المقالات المتتالية، كمقال "ذموا الليبراليين كما تحبون" لعبدالرحمن الراشد بجريدة الشرق الأوسط يوم الأحد 13/1/1432هـ عدد 11709 ومقال" هل حان وقت حرق الكتب يادكتور؟ " لعبدالعزيز السماري بجريدة الجزيرة عدد 13967 يوم السبت 19/1/1432هـ ، ومقال يوسف أبا الخيل " الغذامي والليبرالية الموشومة" يوم السبت 19/1/1432هـ عدد 15524 ومقال "الرعب من التصنيف" لعبدالرحمن الحبيب بجريدة الجزيرة الاثنين 20/9/1431هـ، وغيرها كثير تسعى للتهوين من أمر الليبرالية, وأنها أمر لامناص منه وضرورة من ضروريات الحياة، وأن المجتمع يتجه إليها، وأنها فكر لا علاقة له بالإسلام، وأن من الممكن أن يكون المرء مسلما ليبراليا، وأنها الحل الأمثل، والخيار الوحيد للخروج من الأزمات والمشكلات في المجتمع، والعلاج الناجح للتطور والرقي، مع الثناء والتمجيد لها وللمنتمين إليها حتى أصبح الأمر مألوفا ومعتادا، هل كل هذا من باب الصدفة!!
· وهل من باب الصدفة أن يكثر بعض كتّاب الصحف من الاستشهاد في كثير من مقالاتهم بأقوال المنظرين للفكر الليبرالي كأمثال: جون لوك وميلتون فريدمان وجيرمي بنتام وستيورت ميل وموريس فلامان.
· وهل من باب الصدفة القدح والتشكيك بالثوابت كالحديث عن دية المرأة، وميراثها، وقوامة الرجل عليها، وسفرها بمحرم، وضرورة مساواتها بالرجل مساواة كاملة دون تفريق.
وهل... وهل... أمورا كثيرة متلاحقة تحصل وتقع يوميا هل حدوثها من باب الصدفة، أم أنه الفكر والمبدأ الليبرالي الذي يراد تعميمه وجر المجتمع إليه!!!
وإنني بكلامي هذا أضع علامات استفهام لكل الأحداث التي وقعت وسوف تقع كي لا تمر علينا مرور الكرام، فلابد من وقفة تأمل وتدبر معها، ومن هذا المنطلق أحببت التذكير بهذا التقرير ـ وإن كنت مسبوقا إليه ـ كي نكون على بينة مما يدار حولنا، لا سيما وأن علماءنا وطلبة العلم والمفكرين عندما تحدّثوا عن هذا التقرير ببيان محتواه وخطورته، والكشف عن الأساليب المستخدمة فيه وكيفية تنفيذه، هبّ الليبراليون وشنوا حملة عبر مقالاتهم وحواراتهم للتهوين من شأن هذا التقرير، وأنه لا يعني لهم شيئا، واستخدموا أسلوب الهمز والغمز والسخرية بكل من حذّر منه.
لذا فمن الضروري أن نتذكر بين كل فينة وأخرى خطوات هذا التقرير، وننزلها على الواقع، فالمسلم ليس بالخب ولا الخب يخدعه، ومأمور بأخذ الحيطة والحذر، فما يحمله التقرير من مخاطر تهدد كيان الأمة بصفة عامة، وتهدد مجتمعنا بدينه وأمنه واستقراره بصفة خاصة حري أن يضرب له ألف حساب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
السلام عليكم ضع تعليقك وأترك بصمتك علي الموضوع مع خالص أحترامي وتقديري