عنوان هذة المقالة هو جزء من الآية 94 من سورة النساء (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا
ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَىٰ إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ
مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ، كَذَٰلِكَ كُنتُم مِّن
قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا. إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا). وسبب نزول
الآية أن سريّة من المسلمين لقيت رجلا معه غنم له. فقال لهم: السلام
عليكم. فظن أحدهم أنه من المحاربين وأنه سلّم عليهم لينجو بنفسه،
فقتله. فنزلت هذه الآية تحرّم مثل هذا التصرف، الذي تشوبه شائبة الطمع
في الغنيمة، أو تشوبه ظاهرة التسرّع في الأحكام. فعَرَضُ الحياة الدنيا لا
يجوز أن يدخل في حساب من يخرج للجهاد في سبيل الله، ولا ينبغي
التسرّع بإصدار الأحكام وإهدار الدماء قبل التثبت من المعلومات.
ومن جميل اللفتات القرآنية في الآية الكريمة أن الباري سبحانه وتعالى
ذكّرهم بجاهليتهم القريبة، التي كانوا عليها قبل أن يسلموا، وكيف كانوا
سيتصرفون لو كانوا مكان هذا الرجل، وأنّ عليهم أن يتذكروا أنّ الله مَنَّ
عليهم فأسلموا فتطهرت نفوسهم وارتفعت أهدافهم، وصار لهم شرع
واضح ونظام محدد، فلا تدخل العواطف ولا الظنون في الحكم على
الآخرين، كما كانوا يفعلون قبل إسلامهم.
وربما أشارت الآية إلى أنهم كانوا من قبلُ يخفون إسلامهم خوفاً من
قومهم أن يفتنوهم، وربما كان ذاك الرجل مثلهم، يخفي إسلامه عن
قومه، فلما لقي المسلمين أظهر لهم إسلامه وأقرأهم سلام المسلمين.
وهكذا تلمس الآية قلوب المسلمين ليتذكروا نعمة الله عليهم بأن هداهم
إلى الحق، وجعلهم من خير أمة أخرجت للناس، ليجدوا العذر للآخرين،
وليشعروا تجاههم بالرأفة، وليستشعروا مهمتهم في هدايتهم ودلالتهم
على الطريق القويم.
في حياتنا اليومية نلتقي بأناس ليس عندهم من العلم الذي عندنا،
وليس لديهم من التفكير الذي وهبنا الله إياه، وبعضهم لم يهتدِ للدِّين الذي
أكرمنا الله بالانتساب إليه، فماذا يجب علينا نحوهم؟.
إن الواجب علينا أن ننظر إليهم بعين العطف والرحمة، وأن نسعى
لتعليمهم أو تثقيفهم أو هدايتهم ضمن الأساليب المشروعة في الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر.
ومن يعمل في التعليم مطلوب منه بشكل خاص أن يدرك أنْ لو كان لدى
طلابه ما عنده من العلم لما جاؤوا إلى المدرسة أو الجامعة، وعليه أن
يتذكر أنه كان طالباً مثلهم، وأنه كان يود أنْ لو كان بعض أساتذته أفضل
مما كانوا عليه سواء في طريقة الشرح أو في المعاملة، فيكون عند حسن
ظن طلابه به.
ومن المسرحيات الطلابية التي حضرتها مرة أن والداً سأل ولده عن نتائج
امتحاناته فأجاب بأنها ممتازة. فقال الأب: لقد اشتريت آلة تكشف الكذب
وسأرى إن كنت صادقاً أم لا. فأوقفه أمام الآلة وراح يسأله: كم أخذت في
مادة كذا؟ فإن ذكر درجة مرتفعة امتدت يد من الآلة وضربت الولد، فيكرر
عليه السؤال حتى يقول الدرجة الحقيقية التي أخذها. وكرر ذلك مع كل
المواد. فصرخ الأب: ما هذا الجيل؟ عندما كنت مثلك كنت أحصل على مائة
في المائة في كل مادة، فامتدت يد من الآلة وضربت الأب!
مازلت أذكر كيف أن ولدي الأكبر عندما كان في السابعة من عمره وبدأ
يصلي نَهَرَ يوماً إخوته الأصغر منه لأنهم كانوا يلعبون وهم يظنون أنهم
يصلّون. فما كان مني إلا أن أتيت بصورة التقطتها له عندما كان في مثل
عمرهم وأريته كيف كان يصلي. فضحك كثيراً من نفسه. لقد أردت أن أقول
له: كذلك كنت من قبلُ، فمنَّ الله عليك!
ومن الطرائف التي وصلتني مؤخراً عبر الواتس أب، أن مدرِّساً دخل أحد
الفصول، فقال له الطلاب: لقد دخلت هنا بالخطأ، فدرسك الآن في الفصل
المجاور، فقال: إن البقر تشابه علينا! فصرخ طالب من آخر الفصل: كذلك
كنتم من قبل!
نعم كما تدين تدان! وقد تعلمنا من جيل آبائنا أن (مرحباً) جوابها (أهلا
وسهلاً)، أما جواب (تَبَّاً لك) فهو (سُحقاً لك).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
السلام عليكم ضع تعليقك وأترك بصمتك علي الموضوع مع خالص أحترامي وتقديري