السبت، 4 أغسطس 2012

كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ


مع تتابع الأحداث في بلاد الشام جال في خاطري كيف يمكن أن ينتصر هؤلاء الثائرون وهم في ضعف واضح في العدد والعتاد؟ فتذكرت هذا الجزء من الآية الكريمة .
والآية تأتي في سياق عدة آيات تتحدث عن ملأ من بني إسرائيل طلبوا من نبي لهم أن يبعث لهم ملكاً ليقاتلوا في سبيل الله ويستردوا ديارهم ويعودوا إلى أبنائهم، فاستجاب الله بأن بعث لهم طالوت ملكاً، وهو الذي زاده الله بسطة في العلم والجسم। ولم يقبلوا به إلا بعد أن حدثت البشارات التي أخبرهم بها نبيهم.

ويبدأ ذلك الملك عمله في ظروف صعبة، إذ يقود جيشاً من شعب مغلوب ليواجه جيشاً لشعب غالب। فكيف يستطيع المواجهة؟ وهنا تتجلى الحكمة الإلهية في اختياره قائداً لهم। فبالإضافة إلى اتصافه بالقوة فهو يتصف بالحنكة. ففي معركة غير متكافئة لابد من أن يتصف أفراد الجيش بإرادة قوية، تضبط التصرفات، وتصمد أمام المشاق، وتتعالى على الحاجات، وتصبر على الابتلاء، وتكون جاهزة لإطاعة الأوامر. فما هو السبيل لاختبار أفراد الجيش ومعرفة من يتصف بهذه الصفات؟ لقد أخبرهم بأنهم سيمرون على نهر، لكنهم ممنوعون من الشرب منه، إلا بمقدار ما يغترف المرء بيده، فمن شرب فلن يُسمح له بمتابعة الطريق مع الجيش! إنه امتحان صعب، لكنه ضروري لمعرفة من سيصمد في المعركة غير المتكافئة. يقول الله تعالى واصفاً المشهد: (فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ، فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي، وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي، إِلا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ. فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلا قَلِيلا مِّنْهُمْ. فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ. قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاقُو اللَّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ. وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ).

وهكذا فمن شرب وارتوى كان عليه أن ينفصل عن الجيش لأنه لا يصلح للمهمة الصعبة، فهو عنصر ضعيف الإرادة ومن المحتمل أن يوهن عزيمة غيره من الجنود. فالمعركة لا تحتاج أعداداً ضخمة من الجند، بقدر ما تحتاج جنوداً ذوي إرادة قوية صامدة وإيمان بما يقومون به.

ويسير الجيش بما بقي فيه من الجنود أصحاب الإرادة الصلبة، حتى إذا وصلوا ساحة المعركة ورأوا جيش العدو يقوده جالوت إذا ببعضهم يعبّر عما في نفسه من رهبة الموقف بأنهم لن يستطيعوا المواجهة। وهنا قال الذين هم أشد إيماناً من الآخرين: (كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ)। فهؤلاء أدركوا أن الأمر ليس بالعَدد ولا بالعُدد، بل لابد من الالتجاء إلى قوة الله العزيز الجبار، ليستمدوا منها القوة التي تؤهلهم لخوض تلك المعركة. وهكذا أطلقوها قاعدة عامة للبشرية، ولم يتحدثوا عن موقعتهم تلك، بل قالوا (كم من فئة) مما يوحي بكثرة ما يقع من تلك الصورة، التي لا يدركها إلا الذين توجهت قلوبهم إلى الله القادر، الغالب على أمره، الذي يأخذ الظالمين أخذ عزيز مقتدر، ولذا فإنهم في مقولتهم عللوا النصر بأنه (بإذن الله).

وعندما احتدمت المعركة ما كان من هؤلاء الواثقين بالله إلا أن توجّهوا إليه يطلبون منه أن يغمرهم بالصبر وأن يثبتهم وأن ينزل عليهم النصر (
قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ). وهكذا كانت النتيجة (فَهَزَمُوهُم) مع التأكيد الرباني بأن ذلك (بِإِذْنِ اللَّهِ)، ليزداد الناس إيماناً بهذه الحقيقة، ولتكون النتيجة استحقاقاً للإخلاص في العمل.

وإمعاناً في هزيمة العدو فإن الله أخبرنا بأن جالوت، ذلك القائد الذي يخافه الناس، قتله الشاب داود، ليقول للناس بأن الجبابرة
الذين ترهبونهم ضعاف عند الله، ويغلبهم الفتية حين يأذن الله. ويشاء الله أن يكون داود هو الملك بعد طالوت، فالتمكين يكون للصالحين.

ويختم القرآن القصة بذكر حقائق مهمة (وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ)
فالناس في تدافع وتسابق إلى الغايات، بسبب تعارض مصالحهم، ولا يدوم شيء على ما هو عليه حتى لا تفسد الأرض، ومن وراء ذلك كله تدبير الله الذي يعطي النصر لمن يستحقه.

هناك تعليقان (2):

  1. فقصة مبشرة وذات بشارة حق فالتاريخ يعيد نفسه والمفسدون في الأرض عمرهم قصير لظلمهم تحياتي زميلي العزيز

    ردحذف
  2. مساء الخير زميلتي العزيزة / السيدة كريمة

    فرجة قريب بأذن الله علي أهلنا في الشام !!

    ودي واحترامي

    ردحذف

السلام عليكم ضع تعليقك وأترك بصمتك علي الموضوع مع خالص أحترامي وتقديري