عندما فكرت في كتابة بحث موثق وجدي عن الغجر في الوطن العربي ، واجهت صعوبات كثيرة في الحصول على المعلومات التاريخية الكافية والموقنعة قبل محاولة الاقتراب من واقعهم المعاصر.. فرغم انتشار هذه الفئة العرقية في ارجاء العالم المعاصر ،إلا انها لازالت محتفظة باسرار نشاتها وحياتها ماضيا وحاضرا، مع الامتناع عن التحدث عن انفسهم مع اي باحث او منقب ، رغم كل المحاولات التي تبذل لإقناعهم بان المعلومات التي يدلون بها لن تضرهم في شيء، وان الهدف هو التعريف بهم وبحياتهم وبكل ما يمت إليهم بصلة، ناهيك عن ندرة المصادر والمراجع ، التي تتحدث عن الغجر , وهذا المقال هو جزء من كتاب طور الاعداد عن اصول المصريين وتاريخهم ، ولكننا سوف نتحدث عن الغجر في الوطن العربي فقط في هذا المقال رغم وجودهم في معظم بلاد العالم .
ان تاريخ هذه القبائل يعود إلى ما قبل ثلاثة آلاف سنة . فقد تجمعت آنذاك على شواطئ الهندوس قبيلة يتقن افرادها صنع المعادن ، ويعرفون اسرار البرونز .
تلك الاسرار التي اطلعوا عليها شعوباً اخرى لاحقا، عندما بداو بالهجرة حوالي سنة 1000 ق.م ، و كان سبب هجرتهم من الهند نحو الغرب هي الغزوات البربرية انذاك.
وهم من الشعوب القوقازية السمراء من حيث التصنيف العرقي.
وقد شق الغجر طريقهم الى الحياة عبر عشرة قرون في اربعين بلدا وسارت قوافلهم محملة بالحرير والشاي والافكار والتقاليد والعادات وتوجهوا نحو آسيا الصغرى .
ومن هناك تفرقوا إلى قوافل وفروع ،فاتجهت قافلة الي جزيرة كريت وبلاد البلقان ، وتقدمت اخرى نحو مصر وافريقيا الشمالية لتصل اخيراً إلى اسبانيا .
وتفرع عنها قسم اجتاز شبه الجزيرة الإيطالية ، وعبر منها إلى سويسرا وفرنسا والمانيا وبلجيكا، ومن هناك إلى انكلترا ، ثم انطلقت فروع في اتجاهات عدة فبلغت اوروبا الشمالية والدانمارك والسويد ، وهنا يجب لفت النظر الي انة ليس كل دولة بها غجر هي دولة من اصول غجرية بل انها كانت هدفا لموجة هجرة الغجر الكبرى القادمة كما اسلفنا من الهند في الشرق ، ولا ننسي في معرض الحديث عن اصل الغجر ان ندون ماقالة بعضهم عن اصلهم حيث اكدو انهم اولاد قابيل ابن ادم علية السلام والذي كتب علية الترحال بعد قتلة اخية هابيل ودعاء ادم علية بالشتات والترحال وعدم الاستقرار، فتراث هذا الشعب الرّحّال ، تراث شفهي كله ، ينتقل من الام إلى ابنتها ، ولا يمكن معرفة شيء عنه ، سوى ما يقبل الغجر بكشفه.
ومن الجديربذكر انه قد تردد الحديث عن إنشاء دولة مستقلة للغجر في الستينات ،ولكن لم يسفر عن اية نتيجة رغم تدخل الامم المتحدة والسبب اغرب من ان يصدق وهو ان عشرات الالوف من الغجر عارضوا هذا المشروع.
إن الغجر يعتبرون انفسهم «اولاد الطرقات ، وشهود الزمان ، ابناء الرياح … الشعب المختار»و يقول مثل غجري «إذا قطعت غجرياً إلى عشرة اقسام ، فلا تظن انك قتلته وإنما انت في الحقيقة قد صنعت منه عشرة غجريين» وهناك مقولة عمرها نصف قرن تقول ان الغجر ، حين تحين ساعتهم ، وينتهي الناس البلهاء من إفناء بعضهم بعضاً ، بإطلاقهم قوى عشواء ، ينزلون من جبال تيبت ، ويصبحون ينبوع حياة جديدة على الارض.
وتقول ايضا موروثاتهم الشعبية عندما سئل الغجر لماذا يسرقون ؟ اجابوـ إننا كنا عند صلب المسيح فسرق جدنا الاكبر احد المسامير التي كان يجب ان تدق في جسد المسيح، فخففنا عنه الالم، ومن يومها ونحن نسرق،وقد جاء في العهد القديم (التوراة) عن سلالة الغجر انهم سلالة قابيل عامل المعدن في اللغات السامية حيث انهم السلالة الملعونة وورد في الاصحاح الرابع عدد 12 (متى عملت الارض لا تعيد تعطيك قوتها تائها هاربا تكون في الارض) الاصحاح الرابع عدد 15 (وجعل الرب لقابين علامة كي لا يقتله كل من وجده) وهي علامة (T) وهي يقال ان الغجر يضعون علامة التمييز لشخص بانه ينتمي الى عشيرة معينة ويعتبر الثار من العقائد الثابتة عند الغجر ، وقد حدد الاصحاح الرابع العدد 19-22 مهنة الغجر (المفروض على ابناء قابيل) والنص هو (واتخذ لامك لنفسه امراتين اسم واحدة عاده واسم الاخرى صله فولدت عادة يابال الذي كان ابا لساكني الخيام ورعاة المواشي. واسم اخيه يوبال وكان ابا لكل ضارب عود ومزمار، وولدت صلة توبال قابين الضارب كل آلة من نحاس او حديد).
اسماء عديدة اطلقها العرب قديماً على الغجر ومنها الدوم والزط والسبابجة و القرباط و الغجار بينما يطلق عليهم في العراق الكاولية وفي بلاد الشام النوّر وفي بعض مناطق الخليج الصلبي ، والسبابجة صفة اطلقت على الزط كلهم في اول الامر او على مجموعة منهم بسبب لون بشرتهم الاسمر الداكن، والفرد من هذه الجماعة يقال له (سبيجي او سابج) ، وهم يستاجرون ليكونوا مقاتلين مرتزقة ، فهم يتقنون فنون قتال الهند التي لا يعرفها العرب، وقد اشتغلوا في البصرة كشرطة وحراس سجون ، ولغتهم من لغات الهند ، اختصوا ايضا بالعمل في الملاحة البحرية، وقد استقر بعض السبابجة مع ذراريهم في البصرة حتى ان احد احيائها حمل اسمهم ، فيما قطن الزط اهوار العراق ليعملوا في الزراعة الرعوية.ويعرف العرب لغتهم على انها اللغة العصفورية.
ولغتهم هي الدوماري ، وهي لغة شفهية غير مكتوبة ، يتكلم بها كبار السن من الغجر وتبدو كانها خليط من الفارسية والتركية والهندية والعربية ، وهي لغة تكاد تندثر ، والغجر عادة يتحدثون بلغات ولهجات الشعوب التي يعيشون بالقرب منها .وبعد الهجرات والحروب المتعاقبة للغجر في بلاد العرب بقي منهم عدد قليل في بلاد العرب ، والتجمعات الاكبر منهم الان في الاردن و سوريا والعراق.
كيف جاء الغجر الي بلاد العرب :
الغجر قبائل هندية الاصل وبالتحديد من حوض نهر السند، و كانوا يعرفون بـزنوج الهند بسبب بشرتهم السمراء، وكانت لهم حلاقة وازياء خاصة ودخلت المجتمع العربي عن طريق بلاد فارس . فيحكى ان الملك الفارسي بهرام جور كان لديه مجلس يزخر بالمتع ، ولكن بلا موسيقى ، فارسل يطلب من ملك الهند (ثانغول) بعض الموسيقيين ، فارسل إليه اثني عشر الف موسيقي من الرجال والنساء ، فاعطاهم بهرام بقرا وقمحا ، وبعد ان نفد ما لديهم، شرعوا يتنقلون في البلاد يرقصون في النهار لكسب الرزق ، وفي الليل يسرقون بمساعدة حيواناتهم المدربة , وحين نزلو بلاد العربية اختاروا بطائح جنوب العراق ومستنقعاته وهذا يؤيد انهم قدمو من بلاد فارس اولا كما اسلفنا وانتشروا نحو الغرب حتى وصلوا بادية الشام ليعيشوا حياة بداوة الصحراء ، فاخذوا يربّون سلالات من الحمير وكلاب الصيد السلوقية ، وقد عرف العرب الزط قبل الإسلام إذ اختلطت قبيلة تميم بهم وجاورتهم قبيلة عبدالقيس في جنوب العراق ، وبعد مجيء الإسلام وانتشاره
عشيرة الصُليب في الشام والعراق ونجد:
و تناقل الناس رواية فحواها ان عشيرة منهم بدوية تتجول في بوادي الشام والعراق ونجد ، وهذه العشيرة عرفت بالصُليب ، وافرادها كالبدو في هيئتهم ولباسهم وبعض طرائق حياتهم ، ولكنهم لا يتزوجون ولا يزوّجون إلا من عشيرتهم ، وهم يسالمون الجميع ويمتازون بالبساطة والنشاط ، ويعتمدون في معيشتهم على الصيد ويربّون قطعان الحمير البيضاء ليتاجروا بها ويتاجروا بالملح ايضا وهم اطباء البادية ، ثيابهم زاهية وحفلاتهم الراقصة كثيرة، نساؤهم يرقصن ويغنين في حضرة الغرباء على نقرات الإيقاع باصابع ذويهم ، وقد اشتهروا بقرض الشعر مديحاً وغزلاً برفقة آلة الربابة ، ويقولون إنهم من المسلمين ولا يؤدون شعائر المسلمين ، زعيمهم الكبير كان في النصف الاول من القرن العشرين في بادية العراق معروفاً بالشيخ معيذف الملقب بـ(تل اللحم) لكرمه، ولغتهم عربية خليطة بكلمات تركية وفارسية وسنسكريتية , والتكوين الجسدي لصُلَيبيون انهم نحيفو الاجسام وسيطو القامة ، شديدو السمرة، شعرهم اسود ، تغيرت حياتهم الآن بسبب انعدام الصيد وسنوات الجفاف المتوالية ، فلجاوا إلى القرى والمدن وقد امتهن معظمهم البيع.
الغجر في بلاد الشام :
الغجر في سورية يشكل مجموعة بشرية متجانسة ، يتوزعون في المحافظات الداخلية السورية والحدود اللبنانية ـ السورية ، ويسمون بالقرباط والنور ، فيما يطلق عليهم في الساحل السوري «المطاربة»، ومن المدن ، التي ينتشرون فيها دير الزور، حمص ، حماة ، وحلب ، ففي محافظة الحسكة التي تقع في اقصى الشمال الشرقي ، بجوار الحدود العراقية - التركية يعيش ما بين 2000 و 3000 عائلة غجرية ، وفي محافظة دير الزور التي تجاور الحدود العراقية تعيش نحو 1700 عائلة ، وفي محافظة الرقة يرتفع العدد إلى الضعف تقريبا ، ومثله في محافظة حلب ، إلا ان عددهم يزداد بكثرة ملحوظة في باديتى حمص وحماه ، ففي حماه يصل عددهم إلى 4000 عائلة وربما اكثر وفي محافظة حمص وتحديدا في جورة العرايس ، ينتشرون بكثرة ، ولهم ايضا وجود في منطقة تدمر الاثرية التابعة لمحافظة حمص ، وتنتشر اعداد قليلة منهم في بقية المحافظات والمناطق .
و يسكن الغجر في الغالب بجوار المدن ، لان عدد السكان يكون اكثر ، مما يدر عليهم ربحا اكبر ، خاصة لمن يمتهن التسول في الشوارع وامام المساجد ودور العبادة وفي الساحات وعند المفارق والجسور وفي الاحياء وعلى ابواب المنازل .
ويتكلمون إضافة للعربية «لغة العصفورة» الخاصة بهم ، وفي لبنان يتوزع الغجر حول حزام المدن ، ولهم تسميات شبيهة بتسميات غجر سورية ، وتعود اصول شريحة واسعة منهم إلى غجر فلسطين ، الذين نزحوا عام 1948م بعد النكبة ، ورغم ان الغالبية العظمى منهم الآن مواطنون سوريون يحملون بطاقات هوية مع هذا بقي الغجر حتى الآن يعيشون في مجتمع خاص بهم ، منغلق عليهم لم ينسلخوا عن عاداتهم وطرق معيشتهم التي ورثوها عن اجدادهم انسلاخا تاما.
تاريخ الغجر في بلاد العرب :
ان الغجرلم يساهموا في صنع التاريخ العربي كباقي الفئات والقوميات التي عاشت في الارض العربية لانهم قوم عابرون في المكان والتاريخ ، غير انهم سببو بعض المتاعب و القلاقل في بلاد العرب كعادتهم إينما حلو ، ففي حروب الردّة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ارتدّ من بني قيس بن ثعلبة الحطم بن ضبيعة ومن اتبعه من بكر بن وائل ، واستمال إليه الزط والسبابجة في جنوب العراق ، واثناء وقعة الجمل برزت فرقة الزط والسبابجة كإحدى الفرق الموالية للإمام علي كرّم الله وجهه ، وكانت بقيادة دنور بن علي ، واستغلهم الخليفة الاموي معاوية بن ابي سفيان فدعم بهم ثغور الشام البحرية لما عرفوا به من جلد وتمرّس في القتال البحري .
وفي البطيحة جنوب العراق يقف التاريخ مسجلاً للزط صفة غريبة حين ثاروا على الخليفة العباسي المامون عام 201 هـ وقطعوا الطرقات ونهبوا الغلال من الضواحي ، والاكثر غرابة ان احد قادة المامون كان زطياً وهو السري بن الحكم بن يوسف الزطي ، وقد دخل مصر مع الجند الخراسانيين المرافقين لليث بن الفضل عامل الرشيد عام 182هـ ، وحين نشبت الفتنة بين الامين والمامون تزعم الزطي الجند الخراسانية ودعا للمامون واستولى على غرب الدلتا وصعيد مصر ، وبعد موت السري خلفه ابن ابو نصر محمد الذي مات عام 206هـ واعقبه اخوه عبيدالله بن السري فاستولى على مصر كلها بعد حروب دامية، ولما اراد المامون ان يقره واليا اعلن العصيان واستقل بملكه، وفي سنة 221 هـ، وجه المامون عبدالله بن طاهر إلى مصر فهزم الزطي الذي طلب الامان ثم رحل إلى العراق ليقضي نحبه في سامراء عام 251 هـ.
ثورة الزط عام 205هـ :
لما تعاظمت ثورة الزط عام 205هـ وتحكموا في منطقة جنوب العراق بكاملها ، اضطر الخليفة المامون لتوجيه جيوش لحرب الزط بعد ان قطعوا الطريق بين وسط العراق وجنوبه ، وقد اثرت ثورة الزط في هيبة الخليفة وهيبة الدولة بشكل كبير بسبب عجزها عن إخماد الثورة رغم قدرتها على إخضاع العديد من الثورات، وتوفي الخليفة المامون وفي قلبه حسرة ، وجاء المعتصم وهو قائد عسكري ، فتفرّغ لإنهاء مشكلات الدولة العسكرية الداخلية منها والخارجية ، وكان الزط في مقدمة اهتماماته.
ومع مجيء سنة 219هـ ارسل المعتصم احد اشهر قواد الدولة وهو عجيف بن عنبسة لحربهم وكان القائد المناسب في الوقت المناسب لذلك حيث جمع كل اخبارهم واماكن تحرّكاتهم وعرف الكثير عن قواتهم ثم عمل على سد نهري بردودا والعروس حتى انقطع ماؤهما وسد كل الانهار المتفرعة عنهما حتى جفّت مياههما بعد ان عرف كيف يتجمع الزط حولهما ، ثم هاجم مواضع الزط فاسر منهم من اسر وقتل الكثيرين ولم يتوقف، ثم تابع عجيف حصاره لمناطق الزط ومهاجمة مواقعهم حتى ظفر بهم.
واستسلم الزط فنقلهم عجيف من مناطقهم بزوارق إلى بغداد وعددهم اثنا عشر الف مقاتل وخمس عشرة الف امراة وطفل ، وكانت الزوارق تمر بموكب لثلاثة ايام وهم ينفخون بابواقهم ، ومن بغداد نقلوهم إلى مواجهة الروم امام بوابات الاناضول، ولكن حين هاجم الروم الدولة العباسية عام 241هـ، استاقوا الزط قاطبة مع ممتلكاتهم إلى داخل بلاد الروم، لم يفلت منهم احد لتبدا رحلة الشتات الكبرى للزط في اوربا ، فبعد وصول الزط إلى القسطنطينية وإقامتهم حولها ، تحرّكوا غرباً متفرّقين إلى جماعات قليلة العدد ودخلوا اوربا كرحّالة مسالمين ، ولم يرحل كل الزط من العراق بل بقي قلة ومنهم رجلا يدعى ابا حاتم الزطي خرج عام 295هـ من زط السواد (جنوب العراق) والتحق ببقايا القرامطة بعد هزيمتهم وتزعمهم ، ويحكى انه حرّم عليهم الثوم والبصل والفجل والكراث ، كما حرّم عليهم إراقة دماء الحيوانات،
الغجر في عهد الدولة العثمانية :
عرف الغجر في ظل الدولة العثمانية الحياة الحرة غير ان السلطان سليم في عام 1530م اصدر فرماناً يضبط فيه بقاء الغجر في عدد محدد من مقاطعات الإمبراطورية، واعفى ابنه السلطان سليم الثاني الغجر العاملين في مناجم البوسنة من الضرائب، ولكن مع تراجع موارد الدولة العثمانية في اواخر القرن السابع عشر ازدادت الضرائب عليهم حتى اثقلتهم ، إلا ان حياتهم بقيت في ترحال مستمر وتعددت اعمالهم وتحوّلت من الصناعات التعدينية إلى صناعة المكانس وتنظيف مداخن المنازل ، كما عملوا موسيقيين وراقصين ومدربي دببة وحدّادين .
وفي البلاد العربية اعفاهم العثمانيون من الضرائب والتجنيد ، وعاشوا كما يشاءون يمارس بعضهم التسوّل ويحتالون على الناس بالتنجيم والشعوذة ويقيمون الحفلات الساهرة في بلادهم ، ويصنعون الطبول والغرابيل ، ويصنعون الخناجر والمقصات ويعالجون الاسنان .
وقد تاثر بحياتهم بعض الشعراء، وابرزهم الشاعر الاردني مصطفى وهبي التل المعروف بعرار وهو اشهر مَن وصف حياة النَّوَر وخاصة بعدما اغرم بسلمى الراقصة الغجرية الممشوقة القد والقوام حتى قال:
ليت الوقوف بوادي السير إجباري وليت جارك يا وادي الشتا جاريولا ابالي إذا لاحت مضاربهم مقالة السوء في تاويل مشواريبين الخرابيش لا عبد ولا امة ولا ارقاء في ازياء احرارِالكل زط مساواة محققة تنفي الفوارق بين الجار والجاروقد تعدد الشعراء الذين مدحوا النَّور لكنهم لم يصرّحوا باسمائهم خجلاً او خشية الاضطهادات رغم مسالمتهم الدائمة في كل رحلاتهم.
الغجر في فلسطين :
الغجر كانوا يمرون في ارض الجولان ومنها إلى فلسطين، وقد كانوا يجوبون المدن الفلسطينية حتى استقر عدد كبير منهم في نابلس ، القدس وغزة. وبعد نكبة عام 1948 تهجّر الغجر كباقي ابناء الشعب الفلسطيني ، واستقر معظمهم في الاردن وتحديدًا في ضواحي عمان ، والقسم الآخر اتجه نحو مخيم جباليا في غزة. ولا يزال عدد من الغجر يعيشون حتى الآن في ضواحي القدس وفي مدينة نابلس ، ويمكن تمييزهم من خلال ملامحهم الخاصة التي لا تشبه العرب.
الغجر في الاردن :
للغجر في الاردن وجهة نظر اخرى فهم يعتقدون ان اصولهم تعود إلى بني مره ، وانهم عرب اقحاح وينكرون اصلهم الهندي ، ويستندون في هذه الرواية إلى "حرب البسوس" وإلى "سيرة الزير سالم" الذي انتقم من بني مرة وامر بتشتيتهم في الارض وحكم عليهم ان لا يركبوا الخيل وان لا يذوقوا طعم الراحة والامن والاستقرار، فهربوا ناجين بارواحهم ، وهاموا في صحاري الجزيرة العربية.
الغجر في العراق :
يشكل الغجر في العراق اقلية عرقية حيث يتراوح عددهم بين 50 و200 الف نسمة، ينتشرون في جماعات صغيرة على عموم القطر العراقي ، ويسكنون في تجمعات قروية او بشرية عادة ماتكون منعزلة عند اطراف المدن او الاقضية ، حيث توجد تجمعاتهم في بغداد- ابي غريب والكمالية - والبصرة - شارع بشار وحي الطرب على طريق الزبير- والموصل في -هجيج والسحاجي- اضافة إلى بعض القرى في سهول جنوب العراق كالديوانية -قرية الفوارة- والمثنى ومنطقة -الفجر - في الناصرية.
ويعتقد العراقيون ان هذه الكلمة تعني -كابولي- اي قادم من كابول عاصمة افغانستان، وهذا الجواب يحمل شيئا من الحقيقة ، كما يقول اللغوي العراقي مصطفى جواد ، فالغجر اصلهم من الهند وافغانستان وخصوصا المناطق الجبلية في هذه المناطق، فبشرتهم ولون عيونهم وقوامهم تشبه سكان جبال الهند وافغانستان ، وقد بدا هؤلاء الاقوام يصعدون الى الشمال الغربي منذ الالف الثاني قبل الميلاد ، ودخلوا بلاد فارس ثم نزلوا السهل العراقي في الالف الاول ق.م.
وكانوا بدوا رحلا يعتاشون على منتجاتهم الحيوانية خصوصا الحليب وايضا امتهنوا مهنة الرقص والغناء الذي حملوه معهم من ديارهم ليمارسوه في افراح المناطق التي ينزلون جوارها.
وللغجر في العراق قصة ، وهي حديثة تحكي عن غزو الراقصات الغجريات للمسرح العراقي في التسعينات ، فخلال سنوات قليلة اقتحمت الغجريات خشبة المسرح العراقي التجاري ، واقتحمن خشبة المؤسسة الاعرق وهي الفرقة القومية للتمثيل ، وإذ بمسارح القطاع الخاص والعام على حد سواء تعج بالغجريات بوصفهن ممثلات ، مما اثار نقاد المسرح والصحافة العراقية.
الغجر في مصر :
في مصر يعود تاريخ الغجر، كما يروي المؤرخ «سفاتيك»، إلى قرون عديدة ، بعد قدومهم من القسطنطينية، وينقسم الغجر في مصر إلى اقسام عدة ، الغجر ، النور ، الحلب ، وارتبطوا كذلك في الموسيقى والغناء، فكانت منهم «العوالم ـ جمع عالمة وهي الراقصة» و«الغوازي» وهي تحمل الدلالة ذاتها.
وينتشر الغجر في مدن مصرية عدة اغلبها في الصعيد المصري ، ويتركزون فى بعض الاماكن اشهرها قرية طهواج بالوجه البحرى ويرتحلون خلف الموالد لكسب رزقهم .
والرجال بعد الزواج يجلسون فى المنازل ياكلون ويشربون ويدخنون والنساء تعمل وتاتى بالرزق وكثير منهم يحترفون السرقة وعاشروا اللصوص والمطاريد ، وحالياً يعمل الغجر في اٍلاساس في المزارع ورقص الغوازي وعلاج البهائم واصطياد الثعابين وتصليح الكوالين ، والتسول وقراءة الطالع ، وصناعة المراجيح وتجارة الخردة والعطارة ، والعاب السيرك مع حيواناتهم المدربة من قردة وكلاب وثعابين ، ولهم باع في خيال الظل والاراجوز والبيانولا .
وهناك نظرية تقول إنّ الغجر هم انفسهم المصريّون الذين قاموا بمطاردة اليهود في الصحراء وتاهوا اثناء المطاردة وما زالوا تائهين الى الان… وغجريّ جاءت من كلمة: Egyptian اي مصريّ وكانت تُطلق قديماً على من هو منتم للبلاد الحارّة او على كلّ ما هو شرقيّ و بعض قبائل الغجر إستعملت فعلاً هذه التسمية Egyptisk اي مصري لتحديد هويّتها ، ففي مقدونيا اشترطت احدى المجموعات الغجرية قبل بضعة سنين تسجيل ابناءها باعتبارهم مصريين لتحديد هويّاتهم القومية في السجلاّت الحكومية.
وقد عرف المسوقيون الغجر في مصر عام 1175م عندما اصبح اسلوبهم المتطور شائعاً ، وفي عام 1553 وصلت اعداد كبيرة منهم إلى مصر وقد كتب المكتشف Belum ؛ وجدنا اعداداً كبيرة من الغجر بين ماتير والقاهرة وايضاً على طول نهر النيل يخيمون تحت اشجار النخيل ، وكان وليم شكسبير يعتقد ان الغجر من مصر، فجعل كليوباترا في مسرحيته عنها تتصرف مثلهم ، ذلك ان غجر بريطانيا زعموا ذلك ، بسبب تشابه الحروف الإنجليزية بين كلمتي غجريgypsi ومصرEgypt.. وكنا نسمع الكبار يحذرون من ضاربة الودع ، لان الغجرية تسرق الكحل من العين ، كناية عن خفة اليد!!.. لكن سرعان ما اندمج معظمهم في المجتمع ، وتعلموا وصاروا اطباء واساتذة جامعة ، ويفضلون إنكار اصلهم الغجري !
وتشير الإحصائيات إلى ان عدد الغجر الذين يقيمون في المناطق العشوائية كالمقطم ومنشية ناصر وغيرها يتراوح مابين 150 - 200 الف مواطن و هذه الارقام لا يتضمن الغجر الذين عاشوا في المدينة واختلطوا بالمجتمعات المدنية .
وكلمة " غجر " في مصر كلمة سب وتحقير فيقال " ناس غجر " اي سفلة وحثالة.. وقد استخدمت كلمتا غجر ونور في الامثال الشعبية ، فهناك مثل يقول " الغجرية ست جيرانها " وهو يعني ان المراة السفيهة سليطة اللسان يتقي جيرانها شرها فتصبح مهابة بينهم .
وقد ظهر الغجر في السينما المصرية ممثلين في الغوازي وضاربات الودع والقرادون كما صورت السينما اماكن إقامتهم وخيام الخيش التي يعيشون فيها، وقد انتجت افلام يظهر الغجر في عناوينها مثل فيلم " الغجرية " الذي انتج في مصر عام 1960 سيناريو وحوار وإخراج السيد زيادة تمثيل هدي سلطان وشكري سرحان وهناك ايضاً فيلم " غازية من سنباط " الذي انتج 1967 من إخراج السيد زيادة وتمثيل شريفة فاضل ومحمد عوض، والغازية هي الراقصة الغجرية ، وفي لبنان انتج فيلم " الغجرية والابطال " 1984 سيناريو وإخراج سمير الغصيني تمثيل محمد المولي ورولا عمارة.. وبالطبع فإن الغجر كانوا يظهرون كإحدى الطبقات المهمشة في المجتمع العربي .وكانت " عشش الترجمان " مستوطنة معروفة للغجر وعندما تم التفكير في إنشاء مبنى التلفزيون المصري اتخذ القرار بإزالة عشش الترجمان واحتل المبني ارضهم شامخاً يطل علي النيل من عل.. وعلي اية حال فإن الغجر كانوا يعملون ايضاً في مجال الترفيه كحواة وقرداتية وغوازي كما اسلفنا .
وقد احترفوا إنشاد الغناء الشعبي المصري فحافظوا عليه من الاندثار ، كما برعوا في الربابة والمزمار ، ومن النادر ان تجد عازف مزمار او راوي سيرة شعبية او مداحا ليس منهم ، ومن اكثرهم شهرة الريس متقال القناوي وابن عمه شمندي ، وسيد الضو وخضرة محمد خضر ، وعائلات كاملة اخرى.