تسلط دراسة حديثة نشرها المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السّياسات الضّوء على الانتفاضة الشّعبيّة التي شهدها العراق مؤخّرا، وذلك بالغوص عميقا في طبيعة تلك الاحتجاجات وإبراز جوانبها ودوافعها.
وتشير الدراسة -التي حملت عنوان: "النّظام السياسي في العراق: بين الإصلاح والشرعية"- إلى أنّ المنطقة العربيّة تشهد موجة مظاهرات انتهت إلى مآلات متباينة، وكانت مسبّباتها تقترب في نقاط عدّة وتختلف في أخرى.
وتمضي للقول إنّ العراق شهد بدوره بع المظاهرات خلال شهريْ فبراير/شباط ومارس/آذار 2011 واستمرّت بشكل متقطّع بعد ذلك، مستمدّة إلهامها من المظاهرات التّونسيّة والمصريّة, بيد أنّ أهدافها كانت محدّدة في طلب الخدمات، والحدّ من الفساد، وتعزيز مستويات المعيشة.
وتؤكّد الدراسة أنّ مرجع طلباتها القصور في الأداء الحكومي وفي أداء الأجهزة التّنفيذيّة، وحتّى في أداء السّلطة التّشريعيّة لأسباب عديدة، أهمّها الفساد والمحاصّة السّياسيّة, إضافة إلى معاناة المواطنين اليوميّة, ولئن انتهت المظاهرات إلى تبنّي الحكومة عدّة خطوات وإجراءات للتّعامل مع المطالب، فإنّها لم تحقّق استجابات تامّة لها.
ويحاول الباحث خضر عبّاس عطوان -من خلال دراسته- التّأكيد على أنّ معدّلات الوعي المجتمعيّ لتغيير الواقع السّياسيّ والاقتصاديّ والخدميّ لا تزال محدودة ومحدّدة في قوى المجتمع المدنيّ، وهذه القوى تعاني الضّعف وعدم القدرة على تحريك الشّارع بزخمٍ قادرٍ على تغيير الواقع.
كما أنّ قوى السّلطة تلجأ إلى تبرير القمع والقسر بمكافحة الإرهاب، وتجد شرائح مجتمعيّة داعمة لهذا الخطاب، كما تدعم مرجعيّات عديدة العمليّة السّياسيّة بوصفها بيئة حاضنة تتناغم وما تطمح إليه من تأثير في الشّارع العراقيّ.
وقاد هذا التّحوّل إلى حدوث إرباكٍ في المشهد السّياسيّ الذي ساد بعد عام 2009 (انتخابات مجالس المحافظات والانتخابات البرلمانيّة)، وظهرت فيه معضلات سيادة لغة المصالح الحزبيّة وغلبة السّياسة واعتباراتها على الكفاءة، بمعنى غلبة "طلاب السّلطة" على "رجالات الدّولة".
أمّا "الفوضى الخلاقة" فهي قائمة على السّماح بحدوث حراك بين شعوب المنطقة بكلّ ما يتضمّنه ذلك من سماحٍ بحدوث صراع داخليّ أو إقليميّ، تسود من بعده قوّة واحدة في كلّ بلد لتتدخّل بعدها الولايات المتّحدة وتتعامل مع تلك القوى بوصفها الأقدر على تمثيل شعوب المنطقة من خلال حكم أكثر استقرارا.
وبسبب تداعيات وضع العراق خلال تلك الفترة، والخشية من اتّساع الرّفض للمشروع الأميركيّ, جمّدت الولايات المتّحدة أطروحاتها، لكونها غير متطابقة مع المرحلة التي طرحت فيها, أمّا اليوم فإنّ ما طُرح وجد له استجابة لدى قوى داخليّة في كلّ بلد، لعدّة أسباب بعضها خارجيّ.
وتوصّل الباحث في دراسته إلى عدّة نتائج كان من أهمّها، أنّ النّظام السّياسيّ العراقيّ في حاجة إلى الإصلاح، ليستجيب إلى الحراك الاجتماعيّ الاقتصاديّ والسّياسيّ الذي حصل خلال السّنوات الأخيرة، وليستجيب ويعالج القصور الذي شاب عمليّة تشكّل النّظام السّياسيّ أثناء إقرار الدّستور عام 2005.
كما أنّ معدّلات الوعي لدى المجتمع، وانقسامه، وتزاوج المرجعيّة الدّينيّة مع السّلطة الحاكمة، وضعف المجتمع المدنيّ، لا تسمح بالقول أو بالتّعويل على المظاهرات في إحداث نتائج حاسمة على صعيد العراق.
وإذا كانت الحكومة العراقية اليوم غير جادّة في تحقيق ذلك، فإنّها ستغامر بمستقبلها -وربّما بمستقبل العراق ككلّ- إن استمرّ هذا التجاهل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
السلام عليكم ضع تعليقك وأترك بصمتك علي الموضوع مع خالص أحترامي وتقديري