الأربعاء، 29 يوليو 2009

الأصولية اليهودية في إسرائيل

  • يقول المؤلفان إن الكتب والدراسات حول الأصولية الإسلامية كثيرة جدا, ولكن القليل جدا خارج إسرائيل يعرف عن الأصولية اليهودية, برغم أنها لا تختلف عن غيرها من الأصوليات في سماتها العلمية والاجتماعية, وبرغم خطورتها ونفوذها في إسرائيل والولايات المتحدة، وقد وصلت خطورتها إلى درجة اغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحق رابين.
    غلاف الكتاب-اسم الكتاب:الأصولية اليهودية في إسرائيل-المؤلف:إسرائيل شاحاك ونورتون متسفينسكي ترجمة: ناصر عفيفي-الطبعة: الأولى 2001
    -الناشر: روز اليوسف - مصروالمؤلفان يهوديان أحدهما إسرائيلي وكان يعمل أستاذا في الجامعة العبرية (توفي العام الماضي) والآخر أميركي، ويعتقدان أن الأصولية اليهودية هي أكثر الاتجاهات تأثيرا وخطورة في إسرائيل، وأن هذه القضية تعتبر من أكثر القضايا خطورة في إسرائيل.
    والكتاب كما يصفه المؤلفان سياسي تحليلي يشتمل على بعض البحوث الأصيلة لكنه يعتمد إلى حد بعيد على بحوث الآخرين، ويورد الكثير من الاقتباسات الوفيرة من الصحف الإسرائيلية الناطقة بالعبرية، كما يقتبس من النسخة العبرية من التلمود بعض الفقرات التي تتضمن مواقف متطرفة في عنصريتها تجاه الآخرين (الأغيار) أو الغوييم كما يسميهم اليهود، وقد اختار المؤلفان الاقتباس من النسخة العبرية لأن نسخته الإنجليزية لا تحتوي على تلك العبارات المتطرفة.
    ويتعامل الكتاب أساسا مع الأصولية الحديثة لكنه يتتبع جذورها في التاريخ، ويعرض مراجعة شاملة موجزة للتاريخ اليهودي، ويبرر المؤلفان منهجهما هذا لأن الأصولية في كل الأديان في رأيهما ترغب في العودة بالمجتمع إلى الأزمنة القديمة الطيبة الخالية من الشرور والآثام الحديثة.
    التاريخ اليهودي يقسم الكتاب التاريخ اليهودي إلى أربعة أقسام رئيسية هي الحقبة البابلية: والتي شهدت كتابة معظم الكتاب المقدس عند اليهود (العهد القديم
    ) واستمرت هذه الفترة حتى القرن الخامس قبل الميلاد.
    أما القسم الثاني من ذلك التاريخ فهو حقبة "الهيكل الثاني": وتمتد من القرن الخامس قبل الميلاد وحتى عام 70م, وهي الفترة الرسمية لليهود بكل خصائصها اللاحقة، وشهدت هذه الفترة تكريس مصطلحي "يهود" الذي يشير إلى الشعب الذي يتبع الديانة اليهودية، و"يهودا" الذي يشير إلى الأرض التي سكن فيها اليهود.
    كما شهدت هذه الحقبة انغلاق المجتمع اليهودي وانفصال اليهود عن الأمم الأخرى، وفيها أيضا احتل الإسكندر الأكبر فلسطين التي خضعت للنفوذ الهليني ما يقرب من ألف عام، وقد أثرت الفترة الهلينية على اللغة العبرية والمجتمعات اليهودية حتى أن اليهود كانوا يتحدثون ويصلون باللغة اليونانية.
    وتبدأ الحقبة الثالثة من عام 70م, ولكن بعض المؤرخين يعتقد أنها تبدأ من عام 135م حينما انتهى آخر تمرد يهودي ضد الإمبراطورية الرومانية، لكن المؤرخين الذين اختلفوا في بدايتها يتفقون على أنه ليس لهذه الفترة نهاية واحدة وإنما تختلف نهايتها من بلد إلى آخر لأنها مرتبطة بنشوء الدول القومية الحديثة، وانتهاء نفوذ الحاخامات على المجتمع الداخلي لليهود وتحولهم إلى مواطنين مدنيين مثل سائر المواطنين، فقد حدث ذلك في الولايات المتحدة وفرنسا في القرن الثامن عشر وتأخر في روسيا إلى عام 1917 وفي اليمن إلى منتصف القرن العشرين، وفي هذه الفترة أيضا تزايدت أهمية الدياسبورا (يهود الشتات) وتناقصت إلى حد التلاشي أهمية يهود فلسطين، وقد ساهم الحكم الذاتي الذي كان يعطى لليهود في نشوء الأصولية الحديثة، ونشأت الفلسفة اليهودية والشعر والعلوم، ويعتقد الكاتبان أن الحقبة (الثالثة) هي الفترة الذهبية لليهود وبخاصة الفترة بين منتصف القرن السادس عشر ومنتصف القرن الثامن عشر.
    أما الحقبة الرابعة والأخيرة فهي الفترة المعاصرة القائمة والتي تختلف بداياتها من بلد إلى آخر بالنسبة لليهود.
    ”التمييز العرقي والاضطهاد دفعا اليهود الشرقيين لتنظيم صفوفهم، والتحول إلى قوة سياسية ودينية يحسب لها حساب، لكن محاولات العلمانيين الشرقيين باءت بالفشل
    في اجتذاب أنصار لمحاولاتهم تشكيل قوة سياسية شرقية”التقسيم الديني والسياسي للأصوليينينقسم اليهود من حيث علاقتهم بالدين إلى ثلاثة أقسام: العلمانيون ويشكلون ما بين 25 و30% من اليهود، والتقليديون ويشكلون 50 – 55% من المجتمع، والمتدينون ويشكلون حوالي 20% من السكان، وينقسم المتدينون إلى قسمين: المتطرفون الحريديم (والحريديم هي جمع حريدي وتعني التقي) ويمتاز هؤلاء بارتداء القبعات السوداء غير المشغولة والملابس السوداء، أما القسم الثاني من المتطرفين اليهود فهم المتدينون القوميون، وهم ذوو الطواقي المشغولة.
    ويتوزع تأييد الحريديم السياسي على حزبين رئيسيين هما يهدوت هاتوراه (يهودية التوراة وهو حزب الحريديم الأشكناز القادمين من أوروبا الشرقية، أما الحزب الثاني فهو حزب السفارديم (حراس التوراة) الشهير باسم شاس, وهو حزب الحريديم الشرقيين أو السفارديم الذين قدموا إلى فلسطين من الدول العربية.
    أما المتدينون القوميون فينتظمهم بشكل أساسي الحزب الديني القومي (المفدال)، وهو الحزب الأنشط في مجال الاستيطان اليهودي في الضفة الغربية.
    صعود الحريديمأدى النجاح السياسي المدوي للحريديم في انتخابات عام 1988 إلى ظهور هؤلاء باعتبارهم قوة سياسية تأكدت وترسخت في التسعينيات بسبب نجاحاتهم المتواصلة في الانتخابات، ولفت ذلك الانتباه إليهم وبخاصة في الولايات المتحدة، ونشرت عنهم الكثير من الكتب والدراسات باللغة الإنجليزية.ويتساءل الكاتبان: كيف حصلت الأحزاب الحريدية على نفوذها السياسي؟ وما هو البناء التنظيمي الذي استخدمه الحريديم من أجل تحقيق نجاحهم السياسي؟.
    ”التعليم شكل الركيزة الأساسية لنمو وصعود التيارات الدينية على المسرح السياسي”وهما يعتقدان أن الاهتمام بالتعليم يقدم الإجابة على السؤالين السابقين، فقد سيطر الحريديم مباشرة أو على نحو غير مباشر على شبكات تعليمية كبيرة في إسرائيل، مما مكنهم من الانتقال من الهامش السياسي إلى قلب الحلبة، وتجدر الملاحظة هنا إلى أن الثقل السياسي للحريديم يتركز في اليهود الشرقيين.
    فقد كان اليهود المتدينون حتى عام 1948 يعتبرون الصهيونية وهجرة اليهود إلى فلسطين بدعة أشكنازية، ولذلك فإن مؤسسي إسرائيل هم من الأشكناز العلمانيين أو التقليديين، ويلاحظ كذلك أن التدين والفقر والتهميش كانت من السمات الغالبة على اليهود الشرقيين في مرحلة التأسيس، بينما هيمنت العلمانية على الأشكناز الذين شكلوا الطبقة الحاكمة والغنية والمتنفذة في الدولة الناشئة.
    وشجع التمييز والإهمال اليهود الشرقيين على إنشاء مدارس دينية خاصة بهم شكلت فيما بعد قاعدة لحزب شاس الذي حصل على دعم مالي كبير استخدم في بناء المدارس، وتمويل المنقطعين للدراسات الدينية، وبناء مجموعات كبيرة من المؤيدين والمتطوعين في العمل السياسي لصالح الحزب، واستطاع شاس أن يكون الحزب السياسي الشرقي الوحيد في الوقت الذي فشلت فيه محاولات العلمانيين الشرقيين في الحصول على تأييد الإسرائيليين.
    ويعبر عن اليهود القوميين الأشكناز الحزب الديني القومي، وجماعة غوش إيمونيم الاستيطانية التي حصلت على دعم كبير من وزير الخارجية الإسرائيلي الحالي شمعون بيريز الذي كان يشغل منصب وزير الدفاع في حكومة إسحق رابين الأولى (1974- 1977) وتحولت الجماعة الاستيطانية إلى قوة سياسية واستيطانية كبيرة ومؤثرة.
    ”يعتقد الحاخام أفنيري أحد منظري القوميين المتدينين "أن قتل الطفل غير اليهودي الذي يلقي الحجارة على سيارة لليهود هو أمر ضروري لإنقاذ حياة يهودية" ”وتقوم فكرة الحزب على تعاليم القبالاة (الصوفية اليهودية) التي تبلورت بين اليهود الأشكناز في القرن السابع عشر الميلادي والتي تتضمن أفكارا مبالغا في عنصريتها تجاه غير اليهود.
    ومن أمثلة تلك التعاليم ما كتبه الحاخام غينسبرغ في صحيفة "Jewish week" التي تصدر في نيويورك باللغة الإنجليزية، فقد كتب ذلك الحاخام يقول "إذا كان هناك يهودي يحتاج إلى كبد فهل يمكنك أن تأخذ كبد شخص غير يهودي بريء يمر بالصدفة من أجل إنقاذه؟ إن التوراة تجيز ذلك، فالحياة اليهودية لا تقدر بثمن، إن هناك شيئا أكثر قداسة وتفردا بشأن الحياة اليهودية أكثر من الحياة غير اليهودية".
    أما الحاخام أفنيري أحد منظري هذه الحركة فيقول "إن قتل الطفل غير اليهودي الذي يلقي الحجارة على سيارة لليهود هو أمر ضروري لإنقاذ حياة يهودية" وفي مكان آخر من كتابه "ردود الانتفاضة" الذي نشر بالعبرية عام 1990 يقول "إن إنزال عقوبة الموت بالعرب الذين يلقون الحجارة ليس جائزا فقط ولكنه واجب".
    وعلى عكس جماعات اليهود الشرقيين المتدينين فإن الحزب القومي الديني وذراعه الاستيطانية غوش إيمونيم يشجعون منتسبيهم على الانخراط في الجيش،
    وكان ضباطهم وجنودهم الأكثر تميزا في القتال، وأقاموا جامعة بار إلان التي تدرس إضافة إلى التعليم التخصصات الأكاديمية الأخرى.الاستيطانتعتبر المستوطنات في الفكر الأصولي قلاعا للأيديولوجية اليهودية، ويمكن أن تكون نواة للمجتمع الإسرائيلي الذي يرغب القادة الأصوليون في بنائه في الضفة الغربية، وتؤيد الغالبية العظمى لأعضاء الكنيست
    الاحتفاظ بالمستوطنات، ففي أوائل عام 1999 صوت مائة عضو من بين 120 عضوا في الكنيست بمن فيهم أعضاء حزب العمل للاحتفاظ بالمستوطنات، فإذا استثني النواب العرب من العشرين عضوا المعارضين في الكنيست فإن عددا ضئيلا جدا من النواب الإسرائيليين يعارض المستوطنات.
    والواقع أن معظم المستوطنين (250 ألفا)
    يقيمون في القدس, وأما الجزء الباقي (مائة ألف) فإن عشرين ألفا منهم يقيمون في مستوطنتين هما أرييل قرب رام الله وكريات أربع القريبة من الخليل، وينتشر الباقون في مئات المستوطنات بمعدل 100 شخص لكل مستوطنة، فالغالبية العظمى من الإسرائيليين مازالت ترفض العيش في المستوطنات خارج القدس برغم الإنفاق الكبير والتسهيلات التي تقدمها الحكومة الإسرائيلية. ويعطي المستوطنون (عدا سكان القدس) أصواتهم في الانتخابات للأحزاب الدينية الأصولية.
    ويقول الوزير العمالي السابق يوسي بيلين الذي يعد أكثر قادة إسرائيل اعتدالا "إن أسخف اتهام يوجه إلينا هو أننا تخلينا عن المستوطنات والمستوطنين، ف
    قد أجل اتفاق أوسلو عدة شهور من أجل ضمان أن كل المستوطنين لن يلحق بهم ضرر وأنهم سوف يتمتعون بأقصى درجات الأمن، وهذا يعني تقديم استثمار مالي ضخم لهم، والوضع في المستوطنات لم يكن أبدا أفضل مما هو عليه الآن بعد توقيع اتفاق أوسلو".
    ورغم هذه التأكيدات من أحد صناع اتفاق أوسلو إلا أن الأصوليين اليهود يعتبرون اتفاق أوسلو وقيام السلطة الفلسطينية كارثة حلت بإسرائيل جعلت لزاما عليهم أن يحاربوا بلا رحمة "الكيان الكنعاني الفلسطيني" الجديد، وتحولت معركتهم من صراع سافر مع العلمانيين إلى عمل هادئ صامت لاختراق المؤسسات الإسرائيلية العسكرية والقضائية والتعليمية وإعادة صياغة الدولة وتوجيهها.
    ”تحول باروخ غولدشتاين من جندي عاص للأوامر العسكرية إلى قديس بمجرد ارتكابه مذبحة المصلين في الحرم الإبراهيمي”
    غولدشتاين نموذجايمثل باروخ غولدشتاين نموذجا للتفكير والسلوك الأصولي اليهودي، فهذا اليهودي القادم من الولايات المتحدة اقتحم المسجد الإبراهيمي في الخليل عام 1994 وقتل 29 شخصا من بينهم أطفال أثناء أدائهم صلاة الفجر.
    وكان غولدشتاين طبيبا في الجيش الإسرائيلي، وقد رفض مرات عدة معالجة العرب حتى الذين يخدمون في الجيش الإسرائيلي، وقد فشلت محاولات محاكمته لرفضه الأوامر العسكرية مرات كثيرة, وبعد خلاف كبير مع المسؤول الطبي للجيش نقل للعمل في مستوطنة كريات أربع برغم أن سلوكه يعد تمردا وخيانة.
    وكان رغم عصيانه مرشحا للحصول على ترقية شرف من كابتن إلى ميجور، وكان مفترضا أن يمنحه رئيس إسرائيل الترقية في 14 أبريل/ نيسان 1994، ذكرى قيام إسرائيل، لكنه قتل بعد تنفيذه المذبحة على يد المصلين الذين اندفعوا لمنعه من مواصلة جريمته.
    ولم تعتذر الحكومة الإسرائيلية عن المذبحة، وجرى تبرير وقح لما قام به غولدشتاين مثل أنه تعرض لضغوط لا تحتمل وأن المسؤول عن المذبحة هم العرب!!.
    وقد رتبت جنازته بعناية فائقة لم يكن فيها إنكار للمذبحة، وغطيت جدران كثير من الأحياء بالملصقات التي تمجد غولدشتاين وتأسف لأنه لم يقتل المزيد من العرب، وكان الأطفال يرتدون قمصانا كتب عليها "غولدشتاين شفى أوجاع إسرائيل" وتحولت الكثير من الحفلات الموسيقية الدينية والمناسبات الأخرى إلى تظاهرة لتحية غولدشتاين, وسجلت الصحف العبرية هذه الاحتفالات بتفصيل ممل. وأعلن الكثير من المستوطنين والأعضاء في الحركات الأصولية تأييدهم لما فعله غولدشتاين في مقابلات صحفية وتلفزيونية, وأثنوا عليه كشهيد ورجل قديس. وقام الجيش بتوفير حرس شرف لقبره، وأصبح القبر مكانا يحج إليه الإسرائيليون من كل مكان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

السلام عليكم ضع تعليقك وأترك بصمتك علي الموضوع مع خالص أحترامي وتقديري