السبت، 4 ديسمبر 2010

الصحراء الغربية


الصحراء الغربية

  • أسئلة كثيرة تتصارع في أذهاننا حول قضية الصحراء الغربية، والإجابة عليها تكشف لنا بوضوح أبعاد الموقف الذي نعيشه الآن.
  • في هذه المحاضرة نعيش أبعاد القضية وتفاصيلها وتطور أحداثها إلى أن وصلت إلى المأزق الحالي.
  • إن قضية الصحراء المغربية قضية معقَّدة وشائكة، وذلك لأسباب عدة، لعل من أبرزها غياب المعلومة الصحيحة المؤكدة التي يمكن أن نرجع إليها ونتفق عليها، ويزيد المشكلة تعقيدًا تعددُ أطراف الصراع، وبالتالي وجهات النظر. كما أن القوى الاستعمارية قد حرصت قبل خروجها من العالم الإسلامي أن تترك أمورًا مبهمة تدفع إلى تصارع داخلي في الأمة الإسلامية، وليس هذا فقط بل قد اكتشفنا أن القوى الاستعمارية ما خرجت حقيقةً من بلادنا، إنما بقي من زعمائنا من يدين لها بالولاء، ومِن ثَمَّ فهو يوجِّه دفة الأحداث نحو ما يريده طرف قد لا نراه ظاهرًا، وفوق كل ذلك فإنَّ القوى العالمية الحديثة كأمريكا وروسيا أدخلت أنفها كذلك في هذه الأحداث، فزادتها تعقيدًا وتشابكًا.
  • وحتى نفهم القصة لا بد من العودة إلى الجذور؛ حتى يتضح الحق من الباطل، وتظهر الحقيقة.
  • تبدأ قصة الصحراء الغربية في سنة 1884م في أخريات القرن التاسع عشر عندما عقدت الدول الاستعمارية الكبرى، وفي مقدمتها بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا والبرتغال، مؤتمرًا في برلين بألمانيا، حيث قاموا بتقسيم إفريقيا بكاملها على الدول الاستعمارية الستة، وقد تم الاتفاق في هذا المؤتمر على أن تتقاسم فرنسا وإسبانيا مملكة المغرب، مع الأخذ في الاعتبار أن فرنسا كانت تحتل بالفعل الجزائر بدءًا من عام 1830م، وكذلك تونس بدءًا من عام 1881م، وقد اعترض إمبراطور ألمانيا على هذه التقسيمة؛ لأنه يطمع في طنجة المغربية، فقامت فرنسا بترضيته عن طريق إعطائه الكونغو بدلاً من طنجة!!
  • إنهم يقسِّمون البلاد كما يقسِّم أيُّ مجموعة من اللصوص أموالاً سرقوها، والأغرب أن هذا التقسيم كان قبل السرقة الفعلية، ولقد تمت معظم توصيات مؤتمر برلين بشكل مذهل، ودفعت إفريقيا الثمن باهظًا، وما زالت تدفعه إلى الآن.
  • وكانت المغرب في وقت مؤتمر برلين الاستعماري (1884م) تحت حكم السلطان الحسن الأول بن محمد (1874- 1894م)، وفي عهده ازداد النفوذ الأجنبي جدًّا، وكانت طنجة تُحكم بمجلس يتناوب على رئاسته الفرنسيون والأسبان، ثم ما لبثت فرنسا أن احتلت تونس سنة 1881م، إضافةً إلى الجزائر المحتلة من سنة 1830م، وبالتالي فزع السلطان المغربي لأنّه علم أن الدور عليه، وأن فرنسا لن تترك بلاده، فما كان منه إلا أن لجأ إلى بريطانيا لتحميه من فرنسا، ولكن بريطانيا وفرنسا اتفقتا معًا على أن تُطلق بريطانيا يدَ الفرنسيين في المغرب على أن تغضَّ فرنسا الطرف عن احتلال بريطانيا لمصر! وبالفعل احتلت بريطانيا مصر سنة 1882م، وأصبح الطريق مفتوحًا لفرنسا لكي تحتل المغرب. وأثناء المؤتمر حدث نزاع بين فرنسا وإسبانيا على المغرب، واتفقا داخل المؤتمر على تقسيم المغرب بينهما.
  • كانت مملكة المغرب آنذاك مملكة كبيرة تمتد من البحر الأبيض المتوسط شمالاً إلى السنغال جنوبًا، وهي بذلك تشمل في داخل أراضيها مملكة المغرب الحالية، وأرض الصحراء الغربية المتنازَع عليها، وكذلك دولة موريتانيا بكاملها، ولكن واقع الأمر أن السلطان المغربي لم يكن له هيمنة حقيقية على المناطق الصحراوية الجنوبية (الصحراء الغربية وموريتانيا)؛ حيث هي مناطق وعرة للغاية، وتعيش فيها القبائل الحياةَ الرعويَّة، وتطبَّق فيها نظام القبائل لا نظام المدن والدول، وهذا ما دفع إسبانيا أن تطلق كلمتها المشهورة: "إن الصحراء الغربية أرض بلا مالك". ومن هنا فإن هذه الأرض وإن كانت داخل حدود المملكة المغربية آنذاك إلا أن هذا لم يكن يعني التزامًا معينًا من السلطان المغربي ناحية هذه الأراضي، خاصةً أن الحكم الملكي في هذا الوقت كان في غاية الضعف.
  • في ذلك الوقت زحفت الأساطيل الإسبانية لترسو على ساحل منطقة الصحراء الغربية في وسط المغرب آنذاك، وقامت باحتلاله، وذلك في سنة 1884م، وبذلك فَصَلتْ بين شمال المغرب الواقع تحت سيطرة السلطان الحسن الأول، وبين جنوبه الذي سمِّي بعد ذلك بموريتانيا.. وهذا هو الاحتلال الذي سيبقى 91 سنة متصلة (من 1884 إلى 1975م).
  • حدث أن دار صراع دبلوماسي بين فرنسا وإسبانيا ظل 16 سنة حول قضية الصحراء الغربية؛ لأن فرنسا ترى فيها حقًّا لا تتنازل عنه، فتدخل في مفاوضات دبلوماسية كثيرة مع إسبانيا بُغية الحد من توسعها، إلا أنها اضطُّرت في سنة 1900م إلى الاعتراف لإسبانيا بملكيتها لمنطقة الصحراء الغربية.
  • وحدث أن فرنسا الاستعمارية لم تقبل بهذا الوضع، ومن ثَمَّ جهزت نفسها لتحتل الجزء الجنوبي من بلاد المغرب (جنوب الصحراء الغربية المحتلة من قِبل الأسبان)، وهي المنطقة التي عُرفت بعد ذلك بموريتانيا (مورو تانيا أي أرض المسلمين في اللغة الإسبانية)، ونزلت بالفعل الأساطيل الفرنسية في أرض موريتانيا سنة 1902م لتحتلها بكاملها على الرغم من المقاومة الشعبية التي تزعمها الشيخ ماء العينين أحد علماء المغرب، الذي أنهك القوات الإسبانية، إلا أنه اضطر إلى بناء مدينة (سمارة) لجلب المجاهدين. وجد الشيخ ماء العينين نفسه مضطرًّا لحرب الأسبان والفرنسيين في آنٍ واحد، فذهب لطلب النجدة من السلطان المغربي، وكان السلطان في ذلك الوقت هو السلطان عبد العزيز بن الحسن الأول، الذي تولى الأمور بعد وفاة أبيه سنة 1894م، ولقد أمدَّه في البداية ببعض القوات إلا أنه تلقى تحذيرًا مباشرًا من فرنسا، فاضطُّر إلى وقف المساعدة! بل أكثر من ذلك لقد كوَّن في سنة 1903م مجلسًا عجيبًا لإدارة مدينة طنجة الاستراتيجية، فقد كان هذا المجلس مكونًا من ستة وعشرين عضوًا تَرك تعيين اثنين وعشرين منهم للقناصل الأجانب (الأسبان والفرنسيين)، وواحدًا يعينه الحاخام اليهودي، بينما يتولى المسلمون تعيين ثلاثة فقط!!
  • حدث أن ثار الشعب المغربي على سلطانه، فوجدت فرنسا هذه فرصة للتدخُّل في شئون المغرب، فاحتلَّتْ مدينة وَجْدة في أقصى شرق المغرب قرب الحدود الجزائرية، وكذلك مدينة الدار البيضاء على الأطلسي، وكان ذلك في عام 1906م، وفي نفس الوقت دخلت القوات الإسبانية لتحتل منطقة الريف في شمال المغرب.
  • وجد الشعب المغربي نفسه وحيدًا بلا نصير، فثاروا على سلطانهم الموالي للنصارى، وقاموا بخلعه في سنة 1907م، ونصَّبوا مكانه أخاه عبد الحفيظ بن الحسن الأول، وهرب عبد العزيز السلطان المخلوع إلى طنجة، ليكون تحت الحماية الدولية (فرنسا وإسبانيا).
  • لم يتحسن الوضع في ظل السلطان الجديد عبد الحفيظ بل ساء؛ حيث سعى إلى فرض ضرائب كثيرة بحُجَّة الإعداد لحملات عسكرية لإخراج فرنسا وإسبانيا من المغرب، فنَقَم عليه الشعب، وحاصره في مدينة فاس، فأرسلت فرنسا حملة عسكرية لنجدة السلطان عبد الحفيظ من شعبه، وذلك في سنة 1911م. وبالفعل جاءت فرنسا لتحتل فاس ومكناس والرباط، وعلى الرغم من المقاومة الشعبية المستميتة، وعلى الرغم من إبادة الحامية الفرنسية في فاس، إلا أن فرنسا عادت من جديد، واحتلت المدينة وأنقذت السلطان. غير أن ثورة الشعب لم تتوقف؛ مما أخاف السلطان عبد الحفيظ، فتنازل عن الحكم لأخيه يوسف بن الحسن الأول سنة 1912م، وهرب هو إلى مدينة طنجة لينعم بالحماية الدولية إلى جوار أخيه السلطان المخلوع عبد العزيز!
  • في هذه الأثناء قامت الحرب العالمية الأولى سنة 1914م - 1918م، ووجد الشعب المغربي أن عليه أن يعتمد على نفسه في المقاومة والجهاد، من ثَمَّ قامت حركة الأمير المجاهد العظيم عبد الكريم الخطابي في منطقة الريف في شمال المغرب، إلا أنه لم يلبث أن توفِّي سنة 1919م، ليخلفه ابنه القاضي المجاهد محمد بن عبد الكريم الخطابي، الذي ألحق خسائر فادحة بالجيش الإسباني، لكنه أُسر في النهاية في سنة 1925م، ليتم نفيه إلى جزيرة ريونيون.
  • وكانت المغرب مقسمة بطريقة عجيبة جدًّا؛ فالمنطقة الشمالية (منطقة الريف) احتلال إسباني، ثم المنطقة التي في جنوبها (وسط المغرب) احتلال فرنسي، ثم المنطقة التي في جنوبها (الصحراء الغربية) احتلال إسباني، ثم أقصى الجنوب (موريتانيا) احتلال فرنسي!! فهو تقطيع عجيب لم يخلق مأساة في المغرب فقط، إنما خلق جوًّا من التوتر كذلك بين الدولتيْن العدوتيْن إسبانيا وفرنسا، وهذا سيكون له آثار على تاريخ المنطقة.
  • وفي نفس الوقت نجح الشعب المسلم في منطقة الصحراء الغربية وموريتانيا في إلحاق الجيشيْن الإسباني والفرنسي عِدَّة خسائر، ودارت عدة معارك مع الجيوش المحتلة، كان من أهمها معركة أم التونسي قرب نواكشوط سنة 1932م.
  • إنها قصة مؤلمة في واقع الأمر رأينا فيها الكثير من المخالفات الشرعية؛ من ولاية الضعفاء، ومن عدم إعداد القوة اللازمة، ومن الفُرقة، ومن موالاة النصارى، وغير ذلك من كوارث، وليس من فراغ أن تُحتل بلاد العالم الإسلامي؛ فنحن لا نُهزم بقوة الأعداء، ولكن بضعفنا.
  • تُرى ماذا حدث في قصتنا من مفاجآت؟ وما هو مصير المغرب؟ وما هو مصير الصحراء الغربية؟ وما هو مصير موريتانيا؟ وماذا اكتشفت إسبانيا في الصحراء الغربية؟ ولماذا تعقدت مشكلة الصحراء الغربية بعد تحريرها؟ وما هي طرق الخروج من الأزمة؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

السلام عليكم ضع تعليقك وأترك بصمتك علي الموضوع مع خالص أحترامي وتقديري