تجلس إيمان وسط العديد من ألواح الورق المقوى والبلاستيك، تقص وتلصق لتصنع فانوساً، ضمن ورشة عمل نظمتها مبادرة "أدوار" الشبابية بإحدى حدائق محافظة الإسكندرية لتصنيع الفوانيس بأيادي مصرية شبابية.
وتقول إيمان لدويتشه فيله إنها تعرفت على المشروع من خلال مجموعات شبابية على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، وإنها أعجبت بالفكرة لأنها تتيح فرصة تعلم حرفة يدوية في وقت يعاني فيه الكثيرون من الفراغ والبطالة، لاسيما أنها لم تجد عملاً منذ تخرجها العام الماضي من الجامعة. وتضيف إيمان أن فوانيس رمضان تشيع في حد ذاتها جواً من البهجة والسعادة، لذلك فإن فكرة تصنيعها تثير حماس الكثيرين.
كما تتيح هذه الورشات أيضاً التدريب على تصنيع منتجات للزينة والإكسسوارات الرمضانية، مثل المسبحات والحقائب وعمل تصميمات رمضانية للتي شيرت باستخدام الجلد والقماش. وتعبر إيمان عن سعادتها بوجود إقبال كبير على منتجاتهم عبر الإنترنت، الأمر الذي يساهم في دعمها مادياً، إذ يباع الفانوس بعشرين جنيهاً مصرياً (حوالي 2 يورو).
فوانيس صينية عن روح الثورة
من جهته يؤكد محمد، أحد المشاركين في الورشة، أن مبادرة "أدوار" قدمت هذا المشروع في وقت هام وضروري، لأنه يشعر بالخزي عندما يرى أن كل الفوانيس التي تباع حالياً في الأسواق مستوردة من الصين. ويتابع بالقول إن "الفوانيس هذا العام تتخذ شكل الدبابة وملونة بألوان العلم المصري لتعبر عن روح الثورة، وللأسف ليست صناعة مصرية".
وتوضح إنجي عبد العزيز، منسق عام في مبادرة "أدوار" الشبابية، لدويتشه فيله أن فكرة مشروع "فانوس رمضان" جاءت لتحفيز الشباب المصري على تعلم حرف يستخدمون فيها أيديهم، وبمواد بسيطة من منازلهم، وحتى يكونوا منتجين في شهر رمضان، الذي عادة ما يتراجع فيه الإنتاج ويقضي معظم الشباب وقتهم خلاله في النوم. وتعتبر عبد العزيز أيضاً أن شكل الفانوس المتعارف عليه في التراث المصري بدأ بالاندثار في السنوات الماضية بصورة كبيرة، واستبدل بفوانيس لا تعبر عن روح رمضان، بل تتخذ أشكال بعض الشخصيات المشهورة في المسلسلات أو الأفلام.
مزج بين الشكل التقليدي والمعاصر
وتؤكد المنسقة في مبادرة "أدوار" أن المشروع يعمل على إحياء التراث ومواجهة انقراض صناعة الفوانيس في مصر، من خلال تقليل الاعتماد على استيرادها من الصين. هذا بدوره يساهم في دعم الاقتصاد المصري وتشجيع المنتج المحلي والأعمال الخاصة، مشيرة إلى أن الجديد في هذه الفوانيس أنها تمزج بين الشكل التراثي والمعاصر. وترى إنجي عبد العزيز أن هناك إقبالاً كبيراً، خاصة من الشابات، على ورشات العمل التي أعلن عنها عبر صفحة "أدوار" على موقع "فيسبوك". وحتى الآن تم تنظيم ثلاث ورشات عمل شارك في كل منها حوالي 15 شخصاً. وأكدت عبد العزيز أنه سيتم تنظيم المزيد من هذه الورشات في الأيام القليلة المقبلة.
وفيما يتعلق بالتمويل توضح المنسقة العامة لمبادرة "أدوار" أنه ذاتي ويأتي من أعضاء المبادرة وبمساهمات بسيطة من المشتركين، إذ طلبوا من كل متدرب أن يحضر الخامات بنفسه أو يشترك في ثمنها معهم. وأماكن التدريب لم تكلفهم شيئاً، حيث أقاموا إحدى الورشات في حديقة عامة، وأخرى في قاعة وفرها لهم معهد غوته الألماني في مقره بالإسكندرية كمساهمة منه في دعم المشروع.
إقبال كبير على الفوانيس المنتجة
الفوانيس الرمضانية التي يتم إنتاجها في هذه الورشات يتم تسويقها، بحسب إنجي عبد العزيز، عبر طريقين. الطريق الأول مباشر، عبر التسويق على مواقع تجارية في الإنترنت أو من خلال صفحة المبادرة على موقع "فيسبوك"، ومن خلال الاشتراك في معارض تقام في النوادي والمكتبات. أما الطريق الثاني فهو غير مباشر ويتم عن طريق الدعاية الشفهية التي يقوم بها المشاركون في ورشة العمل في المجتمع.
وتقول عبد العزيز إن "هناك إقبالاً كبيراً على هذه الفوانيس، لأنها أثارت إعجاب الكثيرين. حتى بعض التجار طلبوا بيعها في محلاتهم مع منتجات أخرى لنا مثل المسبحات والحقائب ذات الأنماط الرمضانية وغيرها. هذا شجعنا على أن نبدأ هذه الورشات العام المقبل في وقت مبكر، أي قبل رمضان بحوالي أربعة شهور، حتى يتسنى لنا التحرك بصورة أكبر في الأسواق لبيع الفوانيس، وبذلك نساهم في مواجهة البطالة بالأعمال الخاصة وعدم انتظار الوظائف الحكومية ودعم الاقتصاد بإنتاج فانوس مصري الصنع".
وتؤكد أن أرباح بيع الفوانيس تقسّم، بحيث يأخذ صانعها 60 بالمائة، والمدرب الذي يتابع المشروع 10 بالمائة، فيما يذهب الباقي للخامات المستخدمة ودعم مشاريع "أدوار" القادمة. وتطالب إنجي بضرورة تشجيع هذه المشاريع، التي تحتاج إلى جهات راعية تؤمن بأهمية إتاحة الفرصة للمشروعات الصغيرة.
يذكر أن مبادرة "أدوار" أنشئت عام 2005 من قبل مجموعة من الشباب المصري المنخرطين في جمعيات أهلية، تجمعوا بدعوة من معهد غوته في الإسكندرية للمشاركة في مشروع يحمل عنوان "مفهوم التقدم في الثقافات المختلفة".
مبادرات صغيرة ذات أثر كبير
من جهته يرى الخبير الاقتصادي فتحي أبو العلا، في حوار مع دويتشه فيله، أن هذه المبادرات – برغم حجمها الصغير – متميزة، و يمكن أن تسهم في دعم الاقتصاد المصري، مشيراً إلى أن الفانوس "الصيني" يسيطر على سوق الفوانيس في مصر منذ سنوات. ورغم أن الفانوس من العادات الموروثة في شهر رمضان الكريم عند المصريين بين الصغار والكبار على حد سواء، إلا أنه لا ينتج بأيادي مصرية برغم سهولة تصنيعه.
ويؤكد أبو العلا أن المبادرات الشبابية هي الأمل حالياً، في ظل ارتفاع نسبة البطالة بين الشباب في وقت يعزف فيه رجال الأعمال الكبار عن الاستثمار في مثل هذه المشروعات التي يصفونها بالموسمية ولا تدر أرباح كبيرة، ونظراً لظروف الاقتصاد المتعثرة بعد الثورة. ويقول الخبير الاقتصادي إن "هذه المبادرات الشبابية التي يتكاتف فيها المجتمع المدني هي الحل، خاصة بعد روح الثورة السائدة حالياً ورغبة الشباب في رؤية منتج مصري محلي الصنع تعزيزاً لشعورهم الوطني، وللمساهمة في تشكيل مستقبل اقتصادي أفضل".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
السلام عليكم ضع تعليقك وأترك بصمتك علي الموضوع مع خالص أحترامي وتقديري