في القرآن الكريم قصة عن مجموعة من الإخوة ورثوا بستاناً عن أبيهم، وقد
أرادوا أن يستأثروا بثمره وأن يحرموا المساكين حظهم منه. فاستقر رأيهم على أن
يقطفوا الثمر في الصباح الباكر، دون أن يستثنوا منه شيئا للمساكين خلافاً لما كان
يفعله أبوهم الرجل الصالح. وأقسموا على هذا، وعقدوا النية عليه، وباتوا بهذا الشر.
لكن الله ساهر لا ينام، وهو يدبر غير ما يدبرون، فإذا بهم يواجهون مفاجأة في
الصباح، إذ أصاب بستانهم في بهمة الليل ما أصابه من أمر الله، فذهب بثمره كله وهم
نيام لا يشعرون. ويصف القرآن كيف صحوا مبكرين كما خططوا، ونادى بعضهم بعضا لينفذوا
ما عزموا عليه، فانطلقوا يتحدثون في خفوت، زيادة في إحكام الخطة، ليجنوا الثمر كله
لهم، ويحرموا منه المساكين! ظناً منهم أنهم قادرون على المنع والحرمان، ولكن
النتيجة كانت حرمان أنفسهم!
عندما وصلوا إلى بستانهم ورأوه بلا ثمر، قالوا ما هو بستاننا الذي
نعرفه، فهو موفور الثمر، فلعلنا ضللنا الطريق! لكنهم عندما تأكدوا منه أدركوا أنهم
محرومون!
ويبدو أن أوسطهم كان أعقلهم وأصلحهم فأخذ يذكِّرهم بما كان نصحهم به من
قبل، فقد كان مخالفاً لرأيهم، ولكنه تابعهم عندما خالفوه، ولم يصر على الحق الذي
رآه، فناله الحرمان كما نالهم. والآن وقد فات الأوان استمعوا إلى قوله، فراحوا
يسبِّحون ربهم.
عندما يتحقق النجاح يدّعي كل واحد أن النجاح تم بفضله أو بفضل عمله،
ولكن عندما تحدث النتيجة السيئة يتنصل كل واحد من التبعة، ويتوجه باللوم إلى
الآخرين. وما أهل ذلك البستان بمختلفين عن بقية الناس، فها هم أولاء يصفهم المولى
سبحانه وتعالى (فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ). لكن ماذا ينفع التلاوم بعد فوات الأوان؟ يخبرنا القرآن العظيم بأنهم
سرعان ما تركوا التلاوم ليعترفوا جميعا بالخطيئة أمام العاقبة السيئة، عسى أن يغفر
الله لهم، ويعوضهم عما ضاع منهم بسبب بطرهم ومنعهم الحق وكيدهم وسوء تخطيطهم،
فتوجهوا إلى الله ورغبوا فيما عنده.
ويأتي التعقيب القرآني في نهاية القصة (كَذَٰلِكَ الْعَذَابُ، وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ، لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ).
تذكرت هذا الدرس العظيم وأنا أتابع أحوال دول الربيع العربي،
سواءً ما انتهى منها إلى خَلْع حاكمها المستبد أو التي مازالت تصارع
الطُغاة في مواجهات وحشية شرسة، فوجدتها كلها تواجه ابتلاءات، ربما بسبب تصرفات بعض القائمين عليها
ومحاولة منع بعض الناس حقوقهم، فلعل مقالتي تصل إليهم ليعلم الذين تخلصوا ممن ظلمهم
أن النعمة التي أنعم الله بها عليهم، إنما هي ابتلاء من الله لهم لينظر كيف
سيتصرفون وكيف سيقومون بالأمر، وليحذر أولئك الذين مازالوا يحاربون المستبدين
أنهم في حاجة إلى استلهام الدروس والعبر، ليتكاتفوا ويقفوا صفاً واحداً،
فلعلهم يسدّدون مسيرتهم ويوجهون بوصلتهم في الاتجاه الصحيح، بدلاً من التلاوم،
فالتلاوم دليل على الإخفاق، أما النجاح فعنوانه واضح ولا يحتاج إلى
بيان. وليحذر الجميع بأن هناك ما هو أكبر من ابتلاء الدنيا؛ إنه عذاب الدنيا
والآخرة.
وهذا موقف من مواقف نبي الله موسى عليه السلام مع قومه وهم يشكون إليه
ما أصابهم قبل وبعد حراكهم (قَالُوا أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِيَنَا وَمِن بَعْدِ مَا
جِئْتَنَا. قَالَ عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ
فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ). أما هو عليه السلام فرجاؤه في ربه أن يهلك عدوهم، ويستخلفهم في الأرض، لكن ليمتحنهم كيف سيكون أمرهم، هل سيقومون
بالعدل ونصرة المظلوم، أم سيدّعي كل واحد منهم أن النجاح كان بسببه فهو أحق بالمكاسب؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
السلام عليكم ضع تعليقك وأترك بصمتك علي الموضوع مع خالص أحترامي وتقديري