الاثنين، 25 مايو 2009

ما هو الاسلام


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، المحمود بكل حال، الموصوف بصفات الجلال والكمال، والصلاة والسلام على النبي المختار، من خير بيتٍ وأشرف نسب وآل، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد،
1ـ فإن الإسلام دين الله، الذي خلق السموات والأرض وما بينهما، نزل به جبريل عليه السلام، على نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، لإخراج الناس من ظلمات الشرك والجهل، ولإحلال الأمن في المجتمعات، وللارتقاء بالبشرية إلى مستوى الإنسان، الذي يتميز عن غيره من المخلوقات بمجموعة المبادئ والقيم التي يحملها، وهذه المبادئ والقيم هي بمجموعها تسمى ( الدين ).
2ـ والإسلام دين شامل فهو عقيدة تُفسر الوجود، وتعرف الإنسان بخالقه سبحانه، وتقطع الوساوس والشكوك، فلا مجال للحيرة أن تتسرب إلى بني الإنسان في الإسلام، فهو يعرف من هو، ومن أين أتى، ولماذا أتى، وماذا بعد الوجود وأين المصير، بخلاف بعض الذين انتحلوا مذاهب غير إسلامية، عاشوا في حيرة دائمة، وشك مستمر، لايعرف أحدهم من أين جاء، ولا لماذا جاء، ولا ماذا بعد الوجود، فكانوا مجموعة من الارتياب والوساوس، وكتلةً من الحيرة والوهم، أدى بهم ذلك إلى اليأس بل ربما الانتحار .
3ـ والإسلام عبادة، تربط المخلوق الضعيف، بخالقه القوي، وتغذي الإيمان، وتعرج بالإنسان من عالم الأرض وتطلعات الأرض، إلى الاتصال بالخالق الذي تذل وتخضع لعظمته المخلوقات، كما أنها تحقق التقوى في القلوب فتثمر عند الإنسان خوفاً من الله ينعكس إيجاباً على المجتمع بتحقيق الأمن، برقابةٍ ذاتية، دون تكلف أجهزة أو جهود، ومهما بذلت المجتمعات من جهودٍ لإحلال الأمن، لن تستطيع تحقيق ذلك، بالقدر الذي يحققه الإسلام، لأن الرقيب في الإسلام هو الله، والله عز وجل قيوم لا يغيب ولا ينام، والأجهزة تغيب وتنام.
4ـ والإسلام تشريع مدني ينظم شؤون الحياة، ويلبي حاجة المجتمعات ويحقق المعاصرة في كل زمن، لأنه من حكيم خبير ) ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير (فنصوص الإسلام التشريعية مرنة، وكثير منها نصوص عامة، يندرج تحتها كثير من المسائل والأمور والنوازل، إلى قيام الساعة، كما أنه اعتبر في تشريعاته العرف والعادة، الأمر الذي يجعله صالحاً للتطبيق في كل المجتمعات والعصور، مهما اختلفت العادات والأعراف، فيعمل كل قومٍ على عادتهم وأعرافهم فيما لم يرد فيه تحديد من الشرع الحنيف .
5ـ والإسلام يحقق التواصل بين المجتمع، فيأمر بصلة الأرحام، وإعطاء حق القريب، ورعاية حقوق الجار، فقد قال الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام : » ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه « . كما أن الإسلام يحقق التعاون بين أبناء المجتمع بإيجاب الزكاة في أنواع المال، كإيجاب الزكاة في الذهب والفضة، والنقود عموماً، وعروض التجارة، والمستغلات، والأنعام، والزروع، والثمار، وجعل الإسلام هذه الزكاة حقاً للفقير، والمسكين، والغارم المدين، وابن السبيل المنقطع في غير بلده، وغيرهم من الأصناف الثمانية التي نصَّ عليها القرآن الكريم .
وكما أوجب الزكاة فقد حث على الصدقة، قال تعالى: ) مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم ( [ البقرة / 261 ] . وحثّ على القرض الحسن، فقال تعالى: )من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له ( [ الحديد/ 11] وقال الرسولعليه الصلاة والسلام : » من أقرض ورِقاً مرتين كان كصدقة مرة « [ البيهقي، انظر صحيح الجامع 6080 ] وهذا يدل على أن الإسلام بلغ من السمو في ارتقائه بالإنسان إلى المستوى الذي ينبغي أن ترتقي إليه معنى الإنسانية، حيث لا استغلال لحاجة الإنسان إلى المال، بزيادة الربا عليه، فتصبح الكوارث التي يقع فيها الإنسان، والمشاكل التي يحتاج فيها إلى المال، موضع استغلال من أصحاب وأرباب الأموال .
6ـ تحقيق الأمن العائلي: ويحقق الإسلام الأمن العائلي، وذلك بتحميل الزوج مسؤولية الإنفاق، وتحميل الزوجة مسؤولية الرضاع والتربية، بل جعل الإسلام الزوجين مسؤولين مسؤولية تامَّة عن الأسرة، فقال عليه الصلاة والسلام: » كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته. . « [متفق عليه] وقال: » إن الله سائل كل راع عما استرعاه أحفظ ذلك أم ضيعه حتى يسأل الرجل عن أهل بيته « [ النسائي، انظر صحيح الجامع 1774] .
والإسلام يحقق الحياة الصحية الطيبة، فيحرم كل ما يضر بالإنسان في بدنه وأعضائه، فقد حرّم الإسلام الخمر، لأنها تغيّب العقول التي هي أساس فهم الإنسان وتدبُّرِهِ، بل ربما يؤدي إدمان الخمر إلى أمراضٍ في الكبد، فضلاً عن فقده حسن التصرفات والتي ينتقل بسبب ذلك من عالم الآدميين العقلاء إلى عالم غير العقلاء، بل ربما غير الآدميين .
وحرّم المخدرات التي توهن البدن، وتذهب بالإنسان من عالم الحقيقة والوجود إلى عالم النسيان والهروب، وبالعموم حرّم الإسلام كل ما يضر، قال تعالى: ) ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ( [ الأعراف / 157 ] .
8ـ ويحقق الإسلام الأمن الاقتصادي، بتحريمه الربا، والميسر، وفي ذلك حفاظ على أموال الناس أن تخرج من أيديهم بالمخاطرة والمغامرة، كما حرّم بيوع الغرر والغبن التي توغر صدور الناس، وتوقع بينهم العداوة والبغضاء، وحرّم الغش والتدليس، ونهى عن جهالة الثمن، وجهالة المبيع ـ السلعة ـ، واشترط لصحة العقود الرضى، والعقل، والبلوغ، أو إذن الولي أو الوصي لصحة عقد البنت
والصبي المميزين، وجعل العاقدين بالخيار في إمضاء البيع أو فسخه ما داما في مجلس العقد ليتمكنا من الرجوع عن العقد إذا كانا متسارعين، وفي ذلك ضمان لإنفاذ العقود بالرضى التام وعدم الندم والحسرة . كما يحرم الإسلام أكل أموال الناس بالباطل عموماً .
9ـ والإسلام يحقق الأمن الاجتماعي، بتحريمه الاعتداء على الآخرين، سواء كان اعتداءً على الأموال، أم على الأبدان، ومن صور تحقيق الأمن الاجتماعي:
تحريمه للزنا ووسائله الموصلة إليه، حفاظاً على الأعراض، وحمايةً للأنساب من أن تختلط، وسداً لباب العقوبات المترتبة عليه، كتفشي الأمراض كالأيدز وغيره .
10ـ ويكفل الإسلام للبشرية الأمن الغذائي، فيأمر بإيكاء الأسقية وتغطية الآنية، ونهى عن إضاعة المال ـ والطعام مال ـ وعن إدخال الطعام على الطعام، بل جاء الإسلام بالعلاج الوقائي حيث قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: » ما ملأ آدمي وعاءً شراً من بطن، حسب الآدمي لقيمات يُقمن صلبه، فإن غلبت الآدمي نفسه، فثلث لطعام، وثلث للشراب، وثلث للنفس « [ ابن ماجه 3349 وهو صحيح ] .
11ـ وحرّم الإسلام احتكار الطعام، ونهى عن الإسراف في استعمال المطعومات المشروبات،ومنها المياه، بل إن الإسلام يضمن الأمن المائي، بنهيه عن الإسراف أولاً وبأمره ببذل الماء لطالبه ومحتاجه بعد الاستغناء عنه، وفي الحديث: » لا يُمنع فضل الماء ليُمنع به الكلأ « [متفق عليه]
بل جعل الإسلام الناس شركاء في ثلاث: » الماء، والنار، والكلأ « [ ابن ماجه 2473 وهو صحيح ] .
12ـ ويضمن الإسلام الأمن على البهائم والحيوان، وقد بلغ الرفق بالحيوان في الإسلام أنه جعل في كل طعامٍ يُطعم للحيوان المحترم ـ غير المؤذي الضار ـ فيه أجر فقد قال الرسول عليه الصلاة والسلام: » في كل كبدٍ رطبةٍ أجر « [ متفق عليه، وانظر صحيح الترغيب 948
] وقد بلغ تحذير الإسلام من إيذاء الحيوان المحترم أن قال الرسول عليه الصلاة والسلام : » دخلت امرأةٌ النار في هرة، حبستها لا هي أطعمتها ولا تركتها تأكل من خشاش الأرض « [ متفق عليه، وانظر صحيح الجامع 3374] وأخبر عليه الصلاة والسلام » أن بغياً من بغايا بني إسرائيل دخلت الجنة في كلب رأته يأكل الثرى من العطش فخلعت خفها فسقته فشكر الله لها فدخلت الجنة« [ متفق عليه ]، وأمر الإسلام من يذبح الحيوان المأكول بالرفق والإحسان في إزهاق الروح، وأمر بحدِّ الشفرة وإراحة الذبيحة بما يزهق روحها ويخرج دمها بأسرع وقتٍ بلا تعذيب
(1). بل إن من عناية الإسلام بالحيوان والحفاظ على الثروة الحيوانية أنه حرّم قتل الحيوان بلا فائدة، فقال رسول الله عليه الصلاة والسلام : » لا تقتلوا العصفورة إلا بحقها « [ رواه أحمد والنسائي وانظر مشكاة المصابيح (4094) وفيه ضعف ] وحقها أن تؤكل . وقد بلغ من رأفة النبي عليه الصلاة والسلام بالحيوان أنه رأى عصفورة تحلِّق فوق عُشها، فقال: من فجع هذه بولدها، وأمر برد ولدها إلى مكانه .
بل أسمى من ذلك، حيث نهى عن إرهاب الحيوانات، فنهى عن صيد الطيور في أماكنها وأخذها من أماكنها لا سيما وقت مبيتها فقال الرسول عليه الصلاة والسلام: » أكنُّوا الطيور على مكناتها « [أحمد 6/ 381 ] أي أماكنها ولا تقتلوها في أماكنها أو تأخذوها ليلاً من بيوتها .
13ـ ويحقق الإسلام الأمن النفسي، فيحرم إرعاب الناس، وبناءً على ذلك حرّم العلماء المفرقعات التي يستعملها كثير من الناس في بعض الدول في بعض المناسبات، لأنها ترعب الأطفال، والنائمين، وربما تولّدُ عند كثير من الناس المخاوف والفزع، فضلاً عن إضرارها في كثير من الأحيان، أو كونها إتلاف مالٍ بلا فائدة تُرجى .
14ـ ويُحقق الإسلام المساواة في جميع المجالات:
أ ـ فيحقق المساواة بين الراعي والرعية في الحقوق والواجبات الشرعية، وسائر الأحكام، فيجب على الراعي والحاكم في الإسلام ما يجب على الرعية والشعب، ويحرم عليه ما يحرم عليهم، فيجب على الحاكم إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت، وإعطاء حق الزوجة، وهو مسؤول عن أولاده، ويحرم عليه ما يحرم على جميع الناس من أكل المال بالباطل، والاعتداء على الآخرين في أموالهم وأبدانهم، ولا يزيد الحاكم عن المحكوم في الإسلام إلا بزيادة واجباته من القيام على حقوق الرعية، ورعاية مصالحهم والسهر عليها، والحفاظ على المجتمع من الفساد والانحلال، وحفظ الدين والأرض والسيادة، ولأجل كثرة الأعباء على الحاكم حث الإسلام على الدعاء له بالإعانة والثبات .
ب ـ ويحقق المساواة بين الأفراد والمجتمعات، ولا تفاضل لأحدٍ على أحدٍ إلا عند الله، بالتقوى، والعمل الصالح، والسلوك المستقيم .
ج ـ ويحقق المساواة بين الذكر والأنثى، فيجب على المرأة من العبادات والتكاليف الشرعية ما يجب على الرجل سواء، ويحرم عليها ما يحرم على الرجل سواء، وجعل الإسلام للمرأة حق التملك، وإنشاء العقود، وحرية اختيار الزوج، وترث من أبيها وأمها وأولادها، وزوجها، وسائر عصبتها، وتورِّث أيضاً، بل اتفق العلماء على أن كل ما جاء في القرآن والسنة من خطابٍ بصيغة المذكر فالمرأة داخلة فيه،
بل قد قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: » النساء شقائق الرجال « [ أبو داود وهو حسن ] ولذلك قال الفقهاء: ( ما ثبت في حق الرجل ثبت في حق المرأة إلا ما خصَّه الدليل وذلك أن الإسلام خص الرجل ببعض الخصائص نظراً لخِلْقته وبنيته التكوينية، كوجوب الجهاد للذب عن الدين والعرض والأرض والسيادة، والسعي للنفقة على الأهل والأولاد، على أن الإسلام لا يمنع المرأة من المساهمة في بعض هذه الأعمال بالشروط الشرعية المعتبرة، وضمن أخلاقيات الإسلام .
وكما خصّ الإسلام الرجل ببعض الأعمال خصّ المرأة ببعض ذلك، كتربية الأولاد من رضاع وحضانة، فهي الأم والمدرسة التي تهيء أجيال المستقبل، وهي الزوجة الحنون التي تهيء نفسها دائماً لتكون سكناً للزوج، وفي هذا التقسيم الرائع الذي يراعي ذكورة الرجل وخشونته وتحمُّله، ويراعي أنوثة المرأة وعاطفتها وحنانها، ينتظم المجتمع ويتكامل بلا تكذيب للحقائق، وتغيير للوقائع والثوابت، وإنما بتلاءم وواقعية وتناسب .
15ـ الإسلام وحرية المعتقد: ويضمن الإسلام حرية المعتقد ضمن حدود الإيمان بالله والكتب السماوية، فلا إكراه في الدين في المجتمع الإسلامي، فلكل أهل كتاب أن يقيموا دينهم في معابدهم ومجتمعاتهم من غير إضرار بالمجتمع الإسلامي في أحكامه وشعائره ومظاهره .
وكون الإسلام يكفل حرية المعتقد ضمن حدود الكتب السماوية، لأنه دين الله، والله لا يرضى الكفر به والتنكر لوجوده وربوبيته لهذا الكون، فكيف يُسمح للمتنكر لوجود الله أن يُظهر ذلك في أرض الله وخلافته على أرضه؟
مثال ذلك في العلاقات الإنسانية:
ومثال ذلك في العلاقات الإنسانية الإنسانية، أن الإنسان ـ أي إنسان ـ لا يرضى لمن يتنكر لوجوده، ومعروفه، وخدماته، أن يُظهر هذا التنكر في داره وملكه، ألا ترى أن الابن العاق لوالديه يُمنع من تحريض غيره على العقوق، ومتى ما فعل ذلك كان ظالماً باتفاق الأفهام والعقول، ويلزم من ذلك منعه من ممارسة العقوق والتحريض عليه وإلا كان المجتمع مشاركاً له مقراً على عقوقه وتحريضه .

(1) لقد ظنّ الغربيون، وكثير ممن يعيش في أوروبا، أن إزهاق روح الحيوان المأكول بهذه الطريقة وحشية، وتعذيب للحيوان، ولذلك فإنهم يستعملون الصعق الكهربائي، ويظنون أن هذه الطريقة تريح الحيوان ولا يكون فيها تعذيب . وهذا خطأ في التصور أدى إلى خطأ في الممارسة، وذلك أن الحيوان وإن مات بالصعق، فإنه يتألم بذلك ويعاني آلام الخنق والصعق، فضلاً عن بقاء الدم الفاسد محتقناً في جسد الحيوان الأمر الذي يؤدي إلى إضرار اللحم الذي يتوقع أن يضر الإنسان، ففي الطريقة الشرعية الإسلامية، إزهاق لروح الحيوان بما لا بدَّ منه وبأقل آلام ممكنة، وتحقيق مصلحة الإنسان بإخراج الدم الفاسد وبقاء سلامة اللحم للأكل .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

السلام عليكم ضع تعليقك وأترك بصمتك علي الموضوع مع خالص أحترامي وتقديري