موقف أهل الكتاب من النبي محمد :
نستطيع أن نقسِّم أهل الكتاب في موقفهم من النبي محمد إلى ثلاثة أقسام:
عقلاء، وسذج، وحاقدين .
موقف العقلاء من أهل الكتاب تجاه النبي :
لقد علم العقلاء والمخلصون من أهل الكتاب أن نبي الله محمداً e سيخرج في الزمن الذي سيخرج فيه، وقد كانوا قرأوا ذلك في كتبهم، ومن هؤلاء العقلاء الذين ذكرتهم كتب السنن والسِيَر:
1ــ بحيرا الراهب: الذي قال لأبي طالب وأشياخٍ من قريش عندما نزلوا قريباً منه أثناء رحلتهم إلى الشام ـــ وكان معهم النبي محمد ـــ: هذا سيد العالمين، هذا رسول رب العالمين، يبعثه الله رحمةً للعالمين، فقال له أشياخ من قريش: ما علمك ؟ فقال: إنكم حين أشرفتم من العقبة، لم يبقَ حجر ولا شجر إلا خرَّ ساجداً، ولا يسجدان إلا لنبي، وإني أعرفه بخاتم النبوة، أسفل من غضروف كتفه مثل التفاحة.
وفي السيرة النبوية لابن هشام: أن الراهب بحيرا لما فرغ، أقبل على عمه أبي طالب فقال له: ما هذا الغلام منك ؟ قال: ابني، قال له بحيرا: ما هو بابنك وما ينبغي لهذا الغلام أن يكون أبوه حياً، قال: فإنه ابن أخي، قال: فما فعل أبوه ؟ قال: مات وأمه حبلى به، قال: صدقت، فارجع بابن أخيك إلى بلده واحذر عليه يهود .
2ــ ورقة بن نوفل: وكان رجلاً تنصَّر ولقي من بقي من الرهبان على دين عيسى عليه السلام ولم يُبدِّل، فلما نزل الوحي على رسول الله ورجع إلى خديجة رضي الله عنها وهو يقول: (( زملوني زملوني ))، وأخبرها الخبر، وقال: (( لقد خشيت على نفسي ))،. . . فذهبت به خديجة إلى ابن عمها ورقة بن نوفل، وكان امرءاً تنصَّر في الجاهلية، وكان يكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب، فقالت له خديجة: يا ابن عم اسمع من ابن أخيك، فقال له ورقة: يا ابن أخي ماذا ترى ؟ فأخبره رسول الله خبر ما رأى، فقال له ورقة: هذا الناموس الذي نزَّل الله على موسى، يا ليتني فيها جذعاً، ليتني أكون حياً إذ يخرجك قومك، فقال رسول اللة : أو مخرجي هم ؟ قال: نعم، لم يأتِ رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصراً مؤزراً، ثم لم يلبث ورقة أن توفي.
3ــ النجاشي: لما هاجر الصحابة رضي الله عنهم إلى الحبشة وعاشوا فيها بأمان، فلما بلغ ذلك قريشاً، أرسلوا إلى النجاشي يطلبون منه أن يسلِّمهم المسلمين، وحرَّضوه عليهم، فلما استوثق النجاشي من المسلمين وسألهم عن دينهم وما يقولون في عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام، قال لهم: اذهبوا فأنتم شيوم بأرضي، ــ والشيوم: الآمنون ــ من سبّكم غرم، ما أحب أنَّ لي دَبراً من ذهب وأني آذيت رجلاً منكم . والدَبر بلسان الحبشة: الجبل.
موقف السذج من أهل الكتاب تجاه النبي محمد :
ومن هؤلاء السذج: هرقل ملك الروم، فبالرغم من أنه رجل حزّاء ينظر في النجوم، وكان ذكياً، وقد علم حقاً بصدق نبوة محمد ولذلك سأل أبا سفيان بن حرب عن النبي وأحواله وأتباعه، ولمَّا أجابه أبو سفيان وتطابق الخبر مع ما عنده من علمٍ عن هذا النبي، قال له: إن كان ما تقول حقاً فسيملك موضع قدميَّ هاتين، وقد كنت أعلم أنه خارج، لم أكن أظن أنه منكم، فلو أَني أعلم أني أخلص إليه لتجشَّمتُ لقاءَه، ولو كنت عنده لغسلت عن قدمه.
ولما أرسل إليه النبي خطاباً يدعوه فيه ومن معه إلى الإسلام، جمع هرقل عظماء الروم يستشيرهم في الدخول بالدين الجديد، فإن وافقوه دخل معهم في الدين الجديد وسَلِم له ملكه بإسلامهم، فجمعهم في مكانٍ لهم بحمص، ثم أمر بالأبواب فغُلِّقت، ثم قال: يا معشر الروم، هل لكم في الفلاح والرشد وأن يثبت ملككم فتبايعوا هذا النبي؟ فحاصوا حيصة حُمُر الوحش إلى الأبواب فوجدوها قد غُلِّقت، فلما رأى هرقل نفرتهم، وأيس من الإيمان، قال: ردوهم عليّ، وقال: إني قلت مقالتي آنفاً أختبر بها شدتكم على دينكم، فقد رأيت، فسجدوا له ورضوا عنه.
موقف الحاقدين من أهل الكتاب تجاه النبي محمد:
من أكثر الحاقدين على الإسلام ونبيه، اليهود، فقد كانوا منذ العهد الأول للنبي محمد وهم يجاهرون بالحقد والعداوة، ويختارون أنواعاً من الحيل لقتل الرسول محمد مع ما كان بينهم وبينه من عهود ومواثيق، ويوم أن ذهب إليهم رسول الله e وكلمهم أن يعينوه في دفع دية رجلين ــ وكان ذلك يجب عليهم حسب بنود المعاهدة ــ، اغتنموها فرصةً لقتله، وقالوا له: اجلس هاهنا حتى نقضي حاجتك، وأجلسوه إلى جنب جدار، وخلا اليهود بعضهم إلى بعض، وتآمروا بقتله، وقالوا: أيكم يأخذ هذه الرحى، ويصعد فيلقيها على رأسه يشدخه بها ؟ فانبرى له أشقاهم عمرو بن جحاش، ولما عزموا على تنفيذ خطتهم، نزل جبريل من عند رب العالمين على رسوله يخبره بما هموا به، فقام مسرعاً وتوجه إلى المدينة، وكان ذلك نقضاً للعهد.
موقف الحاقدين في العصر الحديث:
لم يكتفِ أعداء الإسلام، والحاقدون على النبي محمد ودينه في العصر الحديث، بأن يتهموا الإسلام والمسلمين بالإرهاب، والسخرية بالدين الإسلامي وتعاليمه السمحة، بل ذهب سفهاؤهم إلى النيل من الرسول القدوة والرحمة المهداة، ضاربين عرض الحائط بكل القيم والاعتبارات، حيث قامت بعض الصحف الدانماركية بنشر صورٍ ورسوم زعموا أنها للرسول محمد، يصفونه فيها تارةً بأنه إرهابي يحمل في عمامته قنبلة، وتارة على هيئة شاب مخنَّث، وقد كتبوا تحت الصورة عبارة: ( من يستطيع أن يُثبت أن محمداً ليس امرأة ؟ ) . وغير ذلك من الرسوم التي لا تليق بأراذل الناس فضلاً عن عظمائهم ورسل ربهم .
حكم السخرية في الإسلام:
لقد حرَّم الإسلام السخرية بالآخرين، لأن السخرية خلق ذميم، ونقص في شعور وخُلُق الذام اللئيم، قال تعالى: ) لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ( [ الحجرات: 11 ] .
ولو كانوا أهل حق لقابلوا الحجة بالحجة، والدليل بالدليل، ولكنه أسلوب المفاليس .
حكم سب الرسول والتنقص منه في الإسلام:
أخرج أبو داود في سننه في كتاب الحدود (باب الحكم فيمن سب رسول الله ) عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن أعمى كانت له أم ولد كانت تشتم النبي وتقع فيه، فينهاها فلا تنتهي، ويزجرها فلا تنزجر، قال: فلما كان ذات ليلةٍ جعلت تقع في النبي وتشتمه، فأخذ المعول فوضعه في بطنها واتكأ عليه فقتلها..، الحديث وفيه أن النبي e قال: (( ألا اشهدوا أنَّ دمها هدر ))(1).
واجب المسلمين تجاه نبيهم :
إن واجب المسلمين تجاه نبيهم أن ينصروه ويذبوا عنه، ويلتزموا بدينه، ويذبوا عن سنته، وإليكم بعض الأمور التي يمكننا من خلالها القيام بواجب حقه تجاه هذه الهجمة الشرسة عليه:
أ ــ على مستوى الأفراد:
1ــ تصديقه فيما أخبر، وطاعته فيما أمر، والانتهاء عما نهى عنه وزجر .
2ــ الالتزام بأمر الله تعالى لنا بحبه ، بل تقديم محبته على النفس والمال والولد، لقوله : (( لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين )).
3ــ الانقياد لأمر الله تعالى بالدفاع عن النبي ، ومناصرته وحمايته من كل أذى يراد به، أو نقص يُنسب إليه، قال تعالى: ) لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه ( [ الفتح: 9 ] .
4ــ قراءة سيرته، وتعلم سنته، والحرص على الاقتداء به دون غيره .
5ــ الحذر والبعد عن الاستهزاء بشيء من سنته .
6ــ بغض أي منتقض للنبي أو لشيء من سنته .
7ــ محبة آل بيته، وأزواجه، وأصحابه، وذريته، والتقرب إلى الله بحبهم .
8ــ الحذر من الطعن بأحدٍ من آل بيته أو أزواجه أو أصحابه، مع بغض الطاعن والتحذير منه .
ب ــ على مستوى الأسرة والمجتمع:
1ــ تربية الأبناء على محبته والاقتداء به .
2ــ اقتداء الأزواج في معاملة أهل بيتهم بالرسول .
3ــ تشجيع الأبناء على حفظ الأذكار النبوية وتطبيقها في حياتهم .
4ــ تعريف الأسرة المسلمة بحياة الرسول .
5ــ تشجيع الأبناء على اقتطاع جزء من مصروفهم اليومي من أجل التطبيق العملي لبعض أحاديثه e مثل: كفالة اليتيم، إطعام الطعام، مساعدة المحتاج .
ج ــ على مستوى قطاع التعليم:
1ــ زرع محبته e والتأسي به، في نفوس الطلبة والطالبات .
2ــ حث مسؤولي قطاعات التعليم على إضافة مادة السيرة النبوية إلى مناهج التعليم .
3ــ تشجيع البحث العلمي في السيرة النبوية، وحث الباحثين على تصنيف الكتب في السيرة والشمائل والمغازي بأسلوب معاصر .
4ــ إقامة مسابقات سنوية للطلبة والطالبات في السيرة النبوية .
د ــ على مستوى العلماء وطلاب العلم:
1ــ العمل على إحياء السنة النبوية في نفوس الناس .
2ــ وجوب التمييز بين الأحاديث الصحيحة والضعيفة والموضوعة وبيانها للناس .
3ــ تحذير الناس من البدع في الدين، والمحدثات التي شوَّهت جمال الإسلام وحالت دون تقدمه .
4ــ التحذير من الغلو فيهe، أو إنزاله في منزلة الألوهية، وذلك بالتحذير من الغلو الذي حذَّر منه النبي في قوله: (( لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله )) .
5ــ دحض وتفنيد الشبهات والأباطيل التي تثار حول الرسول وسنته وسيرته .
هـ ــ على مستوى المفكرين والإعلاميين:
1ــ التصدي للإعلام الغربي واليهودي، والرد على ما يثيرونه من شبهات وأباطيل عن ديننا ونبينا محمد .
2ــ عقد الندوات والمنتديات الثقافية لإبراز منهجه وسيرته، ومواقفه في كافة القضايا .
3ــ تخصيص برامج معينة في الصحف والمجلات والإعلام المرئي والمسموع لبيان الآيات والأحاديث التي تدل على وجوب محبته، وإبراز هديه في كل قضية من قضايا الحياة للتأسي به .
4ــ إنشاء مواقع على الشبكة العنكبوتية ــ الإنترنت ــ لإبراز محاسن الدين، وإظهار سيرته والجانب العقدي والعملي من سنته واستخراج الحلول للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية مستقاة من سنته وهديه .
و ـــ على مستوى الأغنياء والحكومات في الدول العربية والإسلامية:
1ــ دعم النشاطات الدعوية والتعليمية والتربوية المتعلقة بالسنة والسيرة النبوية .
2ــ طباعة المطويات والملصقات التي تحمل بعض الأحاديث والمواعظ النبوية .
3ــ المساهمة في دعم الإعلام المقروء والمرئي والمسموع، الذي يتحدث عن سنته وهديه ويتبنى ذلك كقضية أساسية في عمله .
4ــ استئجار دقائق في الأقنية والإذاعات الأجنبية لعرض أطروحات عن الإسلام ونبيه .
5ــ مساعدة طلاب العلم والباحثين في السنة النبوية ليتمكنوا من تحقيق أهدافهم في الدعوة إلى السنة ونشرها والعمل بها .
هذا، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
نستطيع أن نقسِّم أهل الكتاب في موقفهم من النبي محمد إلى ثلاثة أقسام:
عقلاء، وسذج، وحاقدين .
موقف العقلاء من أهل الكتاب تجاه النبي :
لقد علم العقلاء والمخلصون من أهل الكتاب أن نبي الله محمداً e سيخرج في الزمن الذي سيخرج فيه، وقد كانوا قرأوا ذلك في كتبهم، ومن هؤلاء العقلاء الذين ذكرتهم كتب السنن والسِيَر:
1ــ بحيرا الراهب: الذي قال لأبي طالب وأشياخٍ من قريش عندما نزلوا قريباً منه أثناء رحلتهم إلى الشام ـــ وكان معهم النبي محمد ـــ: هذا سيد العالمين، هذا رسول رب العالمين، يبعثه الله رحمةً للعالمين، فقال له أشياخ من قريش: ما علمك ؟ فقال: إنكم حين أشرفتم من العقبة، لم يبقَ حجر ولا شجر إلا خرَّ ساجداً، ولا يسجدان إلا لنبي، وإني أعرفه بخاتم النبوة، أسفل من غضروف كتفه مثل التفاحة.
وفي السيرة النبوية لابن هشام: أن الراهب بحيرا لما فرغ، أقبل على عمه أبي طالب فقال له: ما هذا الغلام منك ؟ قال: ابني، قال له بحيرا: ما هو بابنك وما ينبغي لهذا الغلام أن يكون أبوه حياً، قال: فإنه ابن أخي، قال: فما فعل أبوه ؟ قال: مات وأمه حبلى به، قال: صدقت، فارجع بابن أخيك إلى بلده واحذر عليه يهود .
2ــ ورقة بن نوفل: وكان رجلاً تنصَّر ولقي من بقي من الرهبان على دين عيسى عليه السلام ولم يُبدِّل، فلما نزل الوحي على رسول الله ورجع إلى خديجة رضي الله عنها وهو يقول: (( زملوني زملوني ))، وأخبرها الخبر، وقال: (( لقد خشيت على نفسي ))،. . . فذهبت به خديجة إلى ابن عمها ورقة بن نوفل، وكان امرءاً تنصَّر في الجاهلية، وكان يكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب، فقالت له خديجة: يا ابن عم اسمع من ابن أخيك، فقال له ورقة: يا ابن أخي ماذا ترى ؟ فأخبره رسول الله خبر ما رأى، فقال له ورقة: هذا الناموس الذي نزَّل الله على موسى، يا ليتني فيها جذعاً، ليتني أكون حياً إذ يخرجك قومك، فقال رسول اللة : أو مخرجي هم ؟ قال: نعم، لم يأتِ رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصراً مؤزراً، ثم لم يلبث ورقة أن توفي.
3ــ النجاشي: لما هاجر الصحابة رضي الله عنهم إلى الحبشة وعاشوا فيها بأمان، فلما بلغ ذلك قريشاً، أرسلوا إلى النجاشي يطلبون منه أن يسلِّمهم المسلمين، وحرَّضوه عليهم، فلما استوثق النجاشي من المسلمين وسألهم عن دينهم وما يقولون في عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام، قال لهم: اذهبوا فأنتم شيوم بأرضي، ــ والشيوم: الآمنون ــ من سبّكم غرم، ما أحب أنَّ لي دَبراً من ذهب وأني آذيت رجلاً منكم . والدَبر بلسان الحبشة: الجبل.
موقف السذج من أهل الكتاب تجاه النبي محمد :
ومن هؤلاء السذج: هرقل ملك الروم، فبالرغم من أنه رجل حزّاء ينظر في النجوم، وكان ذكياً، وقد علم حقاً بصدق نبوة محمد ولذلك سأل أبا سفيان بن حرب عن النبي وأحواله وأتباعه، ولمَّا أجابه أبو سفيان وتطابق الخبر مع ما عنده من علمٍ عن هذا النبي، قال له: إن كان ما تقول حقاً فسيملك موضع قدميَّ هاتين، وقد كنت أعلم أنه خارج، لم أكن أظن أنه منكم، فلو أَني أعلم أني أخلص إليه لتجشَّمتُ لقاءَه، ولو كنت عنده لغسلت عن قدمه.
ولما أرسل إليه النبي خطاباً يدعوه فيه ومن معه إلى الإسلام، جمع هرقل عظماء الروم يستشيرهم في الدخول بالدين الجديد، فإن وافقوه دخل معهم في الدين الجديد وسَلِم له ملكه بإسلامهم، فجمعهم في مكانٍ لهم بحمص، ثم أمر بالأبواب فغُلِّقت، ثم قال: يا معشر الروم، هل لكم في الفلاح والرشد وأن يثبت ملككم فتبايعوا هذا النبي؟ فحاصوا حيصة حُمُر الوحش إلى الأبواب فوجدوها قد غُلِّقت، فلما رأى هرقل نفرتهم، وأيس من الإيمان، قال: ردوهم عليّ، وقال: إني قلت مقالتي آنفاً أختبر بها شدتكم على دينكم، فقد رأيت، فسجدوا له ورضوا عنه.
موقف الحاقدين من أهل الكتاب تجاه النبي محمد:
من أكثر الحاقدين على الإسلام ونبيه، اليهود، فقد كانوا منذ العهد الأول للنبي محمد وهم يجاهرون بالحقد والعداوة، ويختارون أنواعاً من الحيل لقتل الرسول محمد مع ما كان بينهم وبينه من عهود ومواثيق، ويوم أن ذهب إليهم رسول الله e وكلمهم أن يعينوه في دفع دية رجلين ــ وكان ذلك يجب عليهم حسب بنود المعاهدة ــ، اغتنموها فرصةً لقتله، وقالوا له: اجلس هاهنا حتى نقضي حاجتك، وأجلسوه إلى جنب جدار، وخلا اليهود بعضهم إلى بعض، وتآمروا بقتله، وقالوا: أيكم يأخذ هذه الرحى، ويصعد فيلقيها على رأسه يشدخه بها ؟ فانبرى له أشقاهم عمرو بن جحاش، ولما عزموا على تنفيذ خطتهم، نزل جبريل من عند رب العالمين على رسوله يخبره بما هموا به، فقام مسرعاً وتوجه إلى المدينة، وكان ذلك نقضاً للعهد.
موقف الحاقدين في العصر الحديث:
لم يكتفِ أعداء الإسلام، والحاقدون على النبي محمد ودينه في العصر الحديث، بأن يتهموا الإسلام والمسلمين بالإرهاب، والسخرية بالدين الإسلامي وتعاليمه السمحة، بل ذهب سفهاؤهم إلى النيل من الرسول القدوة والرحمة المهداة، ضاربين عرض الحائط بكل القيم والاعتبارات، حيث قامت بعض الصحف الدانماركية بنشر صورٍ ورسوم زعموا أنها للرسول محمد، يصفونه فيها تارةً بأنه إرهابي يحمل في عمامته قنبلة، وتارة على هيئة شاب مخنَّث، وقد كتبوا تحت الصورة عبارة: ( من يستطيع أن يُثبت أن محمداً ليس امرأة ؟ ) . وغير ذلك من الرسوم التي لا تليق بأراذل الناس فضلاً عن عظمائهم ورسل ربهم .
حكم السخرية في الإسلام:
لقد حرَّم الإسلام السخرية بالآخرين، لأن السخرية خلق ذميم، ونقص في شعور وخُلُق الذام اللئيم، قال تعالى: ) لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ( [ الحجرات: 11 ] .
ولو كانوا أهل حق لقابلوا الحجة بالحجة، والدليل بالدليل، ولكنه أسلوب المفاليس .
حكم سب الرسول والتنقص منه في الإسلام:
أخرج أبو داود في سننه في كتاب الحدود (باب الحكم فيمن سب رسول الله ) عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن أعمى كانت له أم ولد كانت تشتم النبي وتقع فيه، فينهاها فلا تنتهي، ويزجرها فلا تنزجر، قال: فلما كان ذات ليلةٍ جعلت تقع في النبي وتشتمه، فأخذ المعول فوضعه في بطنها واتكأ عليه فقتلها..، الحديث وفيه أن النبي e قال: (( ألا اشهدوا أنَّ دمها هدر ))(1).
واجب المسلمين تجاه نبيهم :
إن واجب المسلمين تجاه نبيهم أن ينصروه ويذبوا عنه، ويلتزموا بدينه، ويذبوا عن سنته، وإليكم بعض الأمور التي يمكننا من خلالها القيام بواجب حقه تجاه هذه الهجمة الشرسة عليه:
أ ــ على مستوى الأفراد:
1ــ تصديقه فيما أخبر، وطاعته فيما أمر، والانتهاء عما نهى عنه وزجر .
2ــ الالتزام بأمر الله تعالى لنا بحبه ، بل تقديم محبته على النفس والمال والولد، لقوله : (( لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين )).
3ــ الانقياد لأمر الله تعالى بالدفاع عن النبي ، ومناصرته وحمايته من كل أذى يراد به، أو نقص يُنسب إليه، قال تعالى: ) لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه ( [ الفتح: 9 ] .
4ــ قراءة سيرته، وتعلم سنته، والحرص على الاقتداء به دون غيره .
5ــ الحذر والبعد عن الاستهزاء بشيء من سنته .
6ــ بغض أي منتقض للنبي أو لشيء من سنته .
7ــ محبة آل بيته، وأزواجه، وأصحابه، وذريته، والتقرب إلى الله بحبهم .
8ــ الحذر من الطعن بأحدٍ من آل بيته أو أزواجه أو أصحابه، مع بغض الطاعن والتحذير منه .
ب ــ على مستوى الأسرة والمجتمع:
1ــ تربية الأبناء على محبته والاقتداء به .
2ــ اقتداء الأزواج في معاملة أهل بيتهم بالرسول .
3ــ تشجيع الأبناء على حفظ الأذكار النبوية وتطبيقها في حياتهم .
4ــ تعريف الأسرة المسلمة بحياة الرسول .
5ــ تشجيع الأبناء على اقتطاع جزء من مصروفهم اليومي من أجل التطبيق العملي لبعض أحاديثه e مثل: كفالة اليتيم، إطعام الطعام، مساعدة المحتاج .
ج ــ على مستوى قطاع التعليم:
1ــ زرع محبته e والتأسي به، في نفوس الطلبة والطالبات .
2ــ حث مسؤولي قطاعات التعليم على إضافة مادة السيرة النبوية إلى مناهج التعليم .
3ــ تشجيع البحث العلمي في السيرة النبوية، وحث الباحثين على تصنيف الكتب في السيرة والشمائل والمغازي بأسلوب معاصر .
4ــ إقامة مسابقات سنوية للطلبة والطالبات في السيرة النبوية .
د ــ على مستوى العلماء وطلاب العلم:
1ــ العمل على إحياء السنة النبوية في نفوس الناس .
2ــ وجوب التمييز بين الأحاديث الصحيحة والضعيفة والموضوعة وبيانها للناس .
3ــ تحذير الناس من البدع في الدين، والمحدثات التي شوَّهت جمال الإسلام وحالت دون تقدمه .
4ــ التحذير من الغلو فيهe، أو إنزاله في منزلة الألوهية، وذلك بالتحذير من الغلو الذي حذَّر منه النبي في قوله: (( لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله )) .
5ــ دحض وتفنيد الشبهات والأباطيل التي تثار حول الرسول وسنته وسيرته .
هـ ــ على مستوى المفكرين والإعلاميين:
1ــ التصدي للإعلام الغربي واليهودي، والرد على ما يثيرونه من شبهات وأباطيل عن ديننا ونبينا محمد .
2ــ عقد الندوات والمنتديات الثقافية لإبراز منهجه وسيرته، ومواقفه في كافة القضايا .
3ــ تخصيص برامج معينة في الصحف والمجلات والإعلام المرئي والمسموع لبيان الآيات والأحاديث التي تدل على وجوب محبته، وإبراز هديه في كل قضية من قضايا الحياة للتأسي به .
4ــ إنشاء مواقع على الشبكة العنكبوتية ــ الإنترنت ــ لإبراز محاسن الدين، وإظهار سيرته والجانب العقدي والعملي من سنته واستخراج الحلول للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية مستقاة من سنته وهديه .
و ـــ على مستوى الأغنياء والحكومات في الدول العربية والإسلامية:
1ــ دعم النشاطات الدعوية والتعليمية والتربوية المتعلقة بالسنة والسيرة النبوية .
2ــ طباعة المطويات والملصقات التي تحمل بعض الأحاديث والمواعظ النبوية .
3ــ المساهمة في دعم الإعلام المقروء والمرئي والمسموع، الذي يتحدث عن سنته وهديه ويتبنى ذلك كقضية أساسية في عمله .
4ــ استئجار دقائق في الأقنية والإذاعات الأجنبية لعرض أطروحات عن الإسلام ونبيه .
5ــ مساعدة طلاب العلم والباحثين في السنة النبوية ليتمكنوا من تحقيق أهدافهم في الدعوة إلى السنة ونشرها والعمل بها .
هذا، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
السلام عليكم ضع تعليقك وأترك بصمتك علي الموضوع مع خالص أحترامي وتقديري