الاثنين، 1 يونيو 2009

التوكل عل الله

أمثلة على التوكل الحقيقي:
ومن أجمل الأمثلة وأوضحها في التوكل على الله عند الأولين، توكل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ثم الصحابة رضوان الله عليهم ومنهم:
إبراهيم عليه الصلاة والسلام، لما أُلقي في النار، توكل على الله وقال: (( حسبنا الله ونِعم الوكيل )) فقال الله عز وجل للنار: ) قلنا يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم وأرادوا به كيداً فجعلناهم الأخسرين ( الأنبياء / 69 ـ 70 .
2ـ توكل أم موسى رضي الله عنها، عندما أمرها الله عز وجل أن تضع ولدها في الصندوق وتلقيه في اليم، قال تعالى: وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه، فإذا خفت عليه فألقيه في اليمّ ولا تخافي ولا تحزني إنا رادّوه إليكِ وجاعِلوه من المرسلين [ القصص/7] .
فتوكلت على الله رب العالمين، وألقته في اليمّ، فأيُّ ثقةٍ تعدل هذه الثقة ؟ وأي توكلٍ هذا ؟ إنه توكل الصادقين .
ويقع الطفل الرسول في يد آل فرعون فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدواً وحَزَناً إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين . وقالت امرأة فرعون قرّة عين لي ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولداً وهم لا يشعرون . وأصبح فؤاد أم موسى فارغاً إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين[ القصص/ 8 ـ 10 ] .
وجمعوا له المراضع، ولكن الله تبارك وتعالى لا يخيّب الآمال، آمال المتوكلين الصادقين، فعطّل الأسباب التي تحول بين الطفل وأمه، ) وحرَّمنا عليه المراضع من قبلُ ( [ القصص/12 ] فجاءت أخته وقالت: )هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه وهم له ناصحون فرددناه إلى أمه كي تقر عينها ولا تحزن ولتعلم أن وعد الله حق ولكن أكثرهم لا يعلمون( [ القصص / 12 ـ 13 ] .
3ـ وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما عرضوا عليه العروض مقابل أن يتنازل عن دعوته، وأن يسكت عن تسفيه آلهتهم، قال بلهجة الواثق بالله المعتمد على الله، المتوكل عليه: (( أترون هذه الشمس؟ )) قالوا: نعم، قال: (( ما أنا بأقدر على أن أدع ذلك منكم على أن تستشعلوا منها شعلة))
.
ولما توعد المشركون بالجموع، وخوّفوه بكثرة الأعداء، لم يكترث لذلك، بل توكل على الله واستعان بالله، كما قال تعالى: ) الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم
إيماناً وقالوا حسبنا الله ونِعم الوكيل ( [ آل عمران / 173 ] .
وهذا الصّدّيق رضي الله عنه عندما قدَّم كلَّ ما يملك في سبيل الله، سأله الرسول عليه الصلاة والسلام: (( وماذا أبقيت لعيالك )) فيقول بلهجة الواثق بالله المتوكل عليه: (( أبقيت لهم الله ورسوله))
(2) .
وهذا عمر رضي الله عنه، يضرب في التوكل على الله أروع الأمثلة، وهو في موقع المسؤولية العظمى، يبرز هذا التوكل على الله والاستسلام له في نومه تحت الشجرة في الطريق، وهذا ليس تواكلاً، لأنه حقق الأسباب وقام بها ، ولا أقصد بالأسباب أنه أقام سوراً من الجند والحرس، ثم نام تحت ظل شجرة بحراسة الجند، بل إن الأسباب التي حققها عمر رضي الله عنه هي العدل بين الرعية، والسهر على حقوقهم ومصالحهم، حتى كسب ودهم وودادهم، وتوكل على الله .
وهذا المشهد لم يتكرر في التاريخ، ولذلك لما رآه صاحب كسرى دُهِش، وأنشد قائلاً:

وراع صاحب كسرى أن رأى عمراً بيــن الرعيــــــة عطـــلاً وهو راعيهــا
تحت ظل الــدوح مشتملاً ببــردةٍ كـــــاد طــــــــول العهــــد يبليهــــا
وعهده بمـلـوك الفــرس أنَّ لهـــا سوراً من الجنــد والحـراس يحميهــــا
أمِنت لما أقمت العـــدل بينهـــم فنمــــت نــــوم قريــر العيــن هانيهـا
قــد كــنت أعـــدى أعــاديهــــا فأصبحت بفضل ربك حصناً من أعاديها

6ـ وهذا خالد بن الوليد رضي الله عنه، يضرب أروع الأمثلة في الشجاعة والبسالة، والإقدام، والجرأة، حيث كان يدخل في صفوف جيش الأعداء فيشقه نصفين، وذلك لعلمه واعتقاده أنه ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وهذه مرتبة رفيعة في التوكل .
ولما حوصر المسلمون في منطقة جواثا في البحرين، في حروب الردة، وقد ارتد من ارتد من المسلمين بعد وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام، ولم يكن يُسجد لله في الأرض إلا في ثلاثة مساجد: مكة، والمدينة، ومسجد عبد القيس بجواثا البحرين، أنشد رجل من أهل جواثا ـ البحرين ـ يستنجد أبا بكر رضي الله عنه، مبيناً صبرهم وتوكلهم على الله، فقال:
ألا أبلغ أبا بكر رســولاً وفتيان المدينــة أجمعينـــا
فهل لكم إلى قوم كــرامٍ قعودٍ في جـــواثا محصَّرينا
كأنّ دماءهم في كل فــجٍ دماء البدن تغشى الناظرينا
توكلنا على الرحمن أنّــا وجـــدنا النصر للمتوكلينا
1


خاتمــة
إن التوكل على الله عز وجل عبادة قلبية، ترتبط باعتقاد المسلمين، أنه ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، فلا يرجون إلا إياه، ولا يطلبون الحوائج إلا منه، مع اتخاذهم الأسباب لا على أنها هي التي تنشئ النتائج، ولكن لاعتقادهم أنّ الله تعبدهم باتخاذها، وليس من سبيل المسلمين من يركن إلى الأسباب فلا يتحرك إلا من خلال المادة والمحسوسات، وينسى أن الله إذا شاء عطّل الأسباب وأوقف الحياة، فمن يمدهم ويمنحهم الحياة ؟
كما أنه ليس من سبيل المسلمين من يفرّط في الأسباب فيعطلها، ثم يزعم أنه متوكل، وهو في حقيقته متواكل كسول .
ويوم أن نعود إلى الله ونتوكل عليه حق التوكل مع اتخاذ الأسباب تعبداً، سيرزقنا الله من حيث لا نحتسب ويبدل ذلنا عزاً، وضعفنا قوةً، ويكفي أن يكون الله حسبنا ووكلينا، فنعم المولى ونعم الوكيل .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

السلام عليكم ضع تعليقك وأترك بصمتك علي الموضوع مع خالص أحترامي وتقديري