الاثنين، 8 يونيو 2009

أهمية الصبر في حياة الدعوة والداعية

أهمية الصبر في حياة الدعوة والداعية

فإن الدعوة إلى الله تبارك وتعالى عمل الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، فقد حكى الله تعالى ذلك عن نوح فقال : ) ولقد أرسلنا نوحاً إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون ( [ المؤمنون / 23 ] .
وقال عن موسى: ) ثمَّ أرسلنا موسى وأخاه هارون بآياتنا وسلطان مبين * إلى فرعون وملأِه فاستكبروا وكانوا قوماً عالين ( [ المؤمنون 45/46 ] .
وقال عن هود عليه السلام:) وإلى عاد أخاهم هوداً قال يا قوم اعبدوا الله ( [ الأعراف / 65 ] .
وقال عن صالح عليه السلام:) وإلى ثمود أخاهم صالحاً قال يا قوم اعبدوا الله ( [ الأعراف/73].
وقال عن إبراهيم عليه السلام: ) واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقاً نبياً * إذ قال لأبيه يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئاً *يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطاً سوياً ( [ مريم / 41 ـ 42 ـ 43] .
وقال عن نبينا e: ) يا أيها المدثر * قم فأنذر * وربك فكبر * وثيابك فطهر * والرُجز فاهجر ولا تمنن تستكثر ولربك فاصبر ( [ المدثر/ 1 - 7 ] .
ـ لذلك كان مقام الدعوة مقاماً رفيعاً، لا يتأهل له إلا من أكرمه الله تعالى لذلك، لأنه عمل الأنبياء، فإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهما وإنما ورَّثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر .
إلا أن الدعوة إلى الله لا يمكن أن تؤتي أكلها وتنتشر أغصانها وتمتد عروقها إلا إذا أخذ الدعاة إلى الله تعالى بأسباب القوة والرفعة والعلو والتمكين، ومن أهم هذه الأسباب: الصبر، قال تعالى:
) وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لمَّا صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون ( [ السجدة / 24 ] .
ولذلك قال العلامة ابن القيم رحمه الله، يحكي عن شيخه ابن تيمية رحمه الله أنه كان يقول: ( بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين ) .
ـ لذلك كان على الدعاة أن يتحلوا بالصبر في كل مرحلة من مراحل الدعوة، حيث أنه لا بد لكل دعوة من مراحل تسير على وفقها، هذه سنة الله، فما من شيءٍ مطلوب أن يتكوّن تحت قدرة العبد إلا وينشأ شيئاً فشيئاً، لأن مسألة كن فيكون من خصائص الله تبارك وتعالى .
ومراحل الدعوة التي تمر فيها:
أ ـ مرحلة التعريف والدعاية .
ب ـ مرحلة التربية والتعليم .
ج ـ مرحلة الدعوة إلى الإسلام، والدفاع عنه، والصبر على الأذى فيه .
المرحلة الأولى:
فأما المرحلة الأولى: التعريف بالدعوة والدعايةُ لها فنحن مقصرون فيها تقصيراً كبيراً، لأننا قوم مستعجلون، نريد أن نبدأ من حيث انتهى نوح عليه السلام ) انصرني بما كذبون ( ونسينا أن نوحاً عليه السلام صبر على قومه وهو يدعوهم ألف سنة إلا خمسين عاماً . ) ولقد أرسلنا نوحاً إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً ([ العنكبوت 14] .
هل عرَّفنا الناس بحقيقة الدعوة الإسلامية؟ هل فهم الناس أن الدعوة الإسلامية ليست حزباً جديداً من الأحزاب التي كفر بها الناس ؟ أم أن الناس فهموا أن الدعوة الإسلامية حزب من الأحزاب وجماعة من الجماعات ؟ وليس المطلوب أن نقول ذلك بلسان المقال بل بلسان الحال، لأن الناس ينظرون إلى التصرفات والأفعال فيحكمون علينا من خلال ذلك .
الصبر في هذه المرحلة :
ومن الصبر في هذه المرحلة أن نصبر على أذى المدعوين، فقد أوذي رسول الله e وهو يدعو قومه، فلم يكن منه إلا أن قال: (( اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون )) .
مرحلة التربية والتعليم:
وأما مرحلة التربية والتعليم، فهي المرحلة الثانية من مراحل الدعوة إلى الله تعالى، وهي مرحلة مهمة، لأنها المرحلة التي نربي فيها من استجاب للدعوة .
والصبر في هذه المرحلة مطلوب من الداعي والمدعو، أن نصبر على هذه المرحلة فلا نتجاوزها حتى تنجح العملية التربوية وتؤتي أكلها .
وميدان العملية التربوية: التكليف والعبادة، ولذلك قال تعالى: ) رب السموات والأرض وما بينهما فاعبده واصطبر لعبادته ( .
والصبر على العبادة أعظم من الصبر عن المعصية،
لأن الإنسان قد يتشاغل عن المعاصي بالمباحات، أو بالابتعاد عن أسبابها، أما الطاعة فهي تكليف وفيها مشقة الفعل، والشيطان يجتهد ليصرفك عنها، والنفس غير المعتادة تملُّ منها، ولذلك جعل الله تبارك وتعالى العبادات متنوعةً، صلاة، صيام، صدقة، ثم جعل العبادة الواحدة متنوعة: فالصلاة: تكبير، تسبيح، قيام، ركوع، سجود، وفي كل منها أذكار مختلفة .
ـ ويجب على الداعي أن يوصي أتباعه بالصبر، بل يجعل الصبر على المرحلة شرطاً في التعاون والسير في القافلة، كما شرط الخضر على موسى عليه السلام فقال: ) هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشداً . قال إنك لن تستطيع معي صبراً . وكيف تصبر على ما لم تحط به خبراً . قال ستجدني إن شاء الله صابراً ولا أعصي لك أمراً ( . ثم كان يذكره بالشرط كلما نسي فيقول: ) ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبراً ( فلما لم يصبر حرم الصحبة وقطع على نفسه تحقيق المطلوب . ولذلك قال رسول الله e : (( رحم الله موسى لو صبر حتى يقص الله علينا من أخبارهم )) . لذلك كان الاستعجال وعدم الصبر مفوتاً لتحقيق الأهداف، ونحن نعيش حوادث مُرةً في عالمنا الإسلامي بسبب الاستعجال والتسرع وعدم التحلي بالصبر، وعدم السير في مراحل مدروسة، وإنما هو الحماس المجرد عن العلم والفهم، ومما يؤسف له أن بعض من نصَّبوا أنفسهم قادة على بعض الأعمال الإسلامية يغترون بكثرة الرعاع والغوغائيين فيستعجلون المواجهة فتكون النتيجة مؤسفة، فلا الأهداف حققوا ولا على المبادئ ثبتوا .
أذكر لكم حقيقة شاهدناها، فقد شاهدنا "فيلم فيديو" بعد انتخابات البلدية في الجزائر يوم أن فازت جبهة الإنقاذ بنسبة 75% في البلديات، أقاموا مهرجاناً ضخماً في الملعب البلدي حضره عشرات الآلاف من الشباب، وبدأ القادة بالخطابات الحماسية، ماذا تتوقعون من الحضور؟ صارت مدرجات الملعب شبيهة بمدرجات كرة القدم، كل خمس دقائق أو أقل يقوم الجمهور وترتفع الأصوات: الله أكبر ولله الحمد الله أكبر الله أكبر.. حماس، تحريك للعواطف، قبل التأهل، ثم بعد ذلك النكسة والمذابح .

أيها الإخوة:
إن منهج التهييج السياسي منهج بدعي متأثر بمنهج الخوارج إلى حدٍ بعيد، ولذلك يتمنى القادة بعد كل نكسة أن لو كانوا في أول الطريق ليصوِّبوا ويسددوا .
أيها الإخوة:
إن مرحلة التربية والتعليم من أهم المراحل في حياة الدعوات، ولذلك صبر عليها رسول الله e ثلاث عشرة سنة يوصي أصحابه بالصبر، وهو القائل لآل ياسر وهم في أشد حالات القهر والتعذيب: (( صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة )) لم يهيجهم على الرد ولم يقم بعمليات انتقامية، بل لم يهدم صنماً مع أنه أرسل لهدم الأصنام وتحقيق التوحيد .
إن الصبر من أهم ما تحتاج إليه الدعوات، وليس من الضروري أن يكون أمراً جبلياً، فلا نقبل إلا من كان مجبولاً على الصبر، بل إن أكثر الشباب جبلوا على التسرع والاستعجال ) خُلق الإنسان من عجل ( ولكن مهمة الداعية أن ينمي الصبر في نفوسهم بالتربية والاكتساب كما قال رسول الله e: (( ومن يتصبّر يصبّره الله وما أعطي أحد عطاءً خيراً وأوسع من الصبر )) [ متفق عليه ] .
فقد كان رسول الله e يربي أتباعه على الصبر، فعن أسامة بن زيد t قال: أرسلت بنت النبي e إن ابني احتُضر فاشهدنا، فأرسل يقرئ السلام ويقول: (( إن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمّى فلتصبر ولتحتسب )) [ متفق عليه ] .
وقد مرَّ النبي e بامرأة تبكي عند قبر فقال لها: (( اتقي الله واصبري )) فقالت إليك عني فإنك لم تُصب بمصيبتي، ولم تعرفه، فقيل لها: إنه النبي e، فأتت باب النبي e ولم تجد عنده بوابين فقالت: لم أعرفك، فقال: (( إنمـا الصبر عند الصدمة الأولى )) [ متفق عليه ] .
وقد جاءت امرأة إلى النبي
e فقالت : إني أصرع وإني أتكشّف فادع الله لي، قال: (( إن شئت صبرت ولك الجنة وإن شئت دعوت الله أن يعافيك ))، فقالت: أصبر، فقالت: إني أتكشف فادع الله أن لا أتكشف، فدعا لها . [ متفق عليه ] .
وعن أسيد بن حضير t أن رجلاً من الأنصار قال يا رسول الله ألا تستعملني كما استعملت فلاناً، فقال:
(( إنكم ستلقـون بعدي أثَرةً فاصبروا حتى تلقوني على الحوض )) [ متفق عليه ] .

وأما المرحلة الثالثة: مرحلة الدعوة إلى الإسلام والدفاع عنه والصبر على الأذى فيه:
وهذه المرحلة هي الجواب الحقيقي للسؤال الذي يطرحه المستعجلون القفّازون عندما يقولون إلى متى سنبقي نربي ونتعلم ؟
فالجواب سنبقى نتلقى التربية والتعليم حتى نتمكن من مشاركة الدعاة التربية والتعليم، وعندها يكثر عدد الدعاة وتتنشط الدعوة ويزداد الإنتاج .
والداعية في هذه المرحلة يحتاج إلى صبرٍ عالٍ جداً، لأنه مطلوب منه أن:
1ـ يصبر على أذى الكفار .
2ـ ويصبر على أذى الأتباع .
3ـ ويصبر على ثمرة الدعوة ولا يملّ .
فأما الصبر على أذى الكفار، فقد يكون تربى عليه عندما كان في مرحلة التربية والتعليم، إلا أنه في هذه المرحلة يجب أن يزداد صبره وعياً ونضوجاً وفهماً لمعاني الصبر وأبعاده . فعن خباب بن الأرت t قال شكونا إلى رسول الله e وهو متوسد بردةً في ظل الكعبة وقد لقينا من المشركين شدةً، فقلنا:
ألا تستنصر لنا ألا تدعو لنا ؟ فقال:
(( قد كان مَنْ قبلكم يُؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض
فيُجعل فيها ثم يؤتى بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين، ويُمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه ما يصده ذلك عن دينه، والله ليُتمنَّ الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضر موت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون )) [ رواه البخاري ] .
بل إن رسول الله e صبر على أذى الكفار عندما أوذي في الله، ولم يقم بعملٍ ينافي المرحلة، ففي الحديث عن عبد الله بن مسعودٍ t:
أن النبي e كان يُصلي عند البيت، وأبو جهل وأصحاب له جلوس، إذ قال بعضهم لبعض: أيكم يجيء بسلى جزور بني فلان فيضعه على ظهر محمد إذا سجد، فانبعث أشقى القوم فجاء به، فنظر حتى سجد النبي e فوضعه على ظهره بين كتفيه، وأنا أنظر لا أغني شيئاً لو كان لي مَنَعةٌ، قال فجعلوا يضحكون ويحيل بعضهم على بعض، ورسول الله e ساجد لا يرفع رأسه، حتى جاءته فاطمة فطرحت عن ظهره، فرفع رسول الله e رأسه، ثم قال: (( اللهم عليك بقريش))، ثلاث مرات، فشق عليهم إذ دعا عليهم، قال: وكانوا يرون أن الدعوة في ذلك البلد مستجابة، ثمّ سمّى: (( اللهم عليك بأبي جهل، وعليك بعُتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، وأميَّة بن خلف، وعقبة بن أبي مُعيط ))، وعدّ السابع فلم يحفظ، قال: فوالذي نفسي بيده لقد رأيت الذين عدَّ رسول الله e صرعى في القليب، قليب بدر . [ رواه البخاري ]
وأما الصبر على أذى الأتباع فإنه أمر مفقود عند كثير من الدعاة فما يكاد يخطئ أخ من الإخوة إلا ويقابل بخطأ أكبر منه يؤدي إلى تفكك الصف وإعراض الإخوة عن الداعي، وتتحول الأخوَّة الدعوية إلى خصومة حادةٍ يريد كل أخ من الإخوة أن يجمع الزلات والأخطاء ويبرزها أمام الآخرين ليظهر بمظهر المظلوم المفترى عليه، وأن خصمه الذي كان يؤاكله ويشاربه ويؤازره في دعوته بالأمس، ظالماً كذاباً منافقاً على طريقة المنافقين .
وقد كان رسول الله t يصبر على أذى الأتباع، ولم يقابل السيئة بسيئةٍ مثلها، ولم يغضب لنفسه إلا إذا انتهكت حرمات الله فيغضب لله، وقد أوذي كثيراً فصبر، ويوم أن قال الرجل عندما قسم ذهيبةً: هذه قسمة لم يُرد بها وجه الله، فقال e : (( ومن يعدل إن لم
أعدل، ثم قال: لقد أوذي موسى أكثر من ذلك فصبر ))
ومن الصبر المطلوب في هذه المرحلة: أن يصبر على ظهور الثمرة ونتيجة الدعوة:
فقد يدعو ويُعلم ويُربي ولكن قد تتأخر النتيجة فيمل ويتعب، ويترك التعليم والتربية، وما أدراه أنه لو استمر وثابر قليلاً وثبت وصبر وصابر لخرجت الثمرة، كالفلاح يبذر البذر ويتعاهده بالسقي والعناية والرعاية، فلو استبطأ الثمرة وترك السقي والعناية لمات الزرع عند إرادة هبوبه وظهوره تحت التربة .
ومنها: أن يصبر على تحقيق الأهداف البعيدة، ولا يستعجل الخطوات فقد اعترض عمر t يوم الحديبية، وقال لرسول الله e: يا رسول الله ألسنا على الحق، أليسوا على الباطل، لم نعط الدنية في ديننا ؟ ألم تقل إننا داخلون مكة ؟ فقال له رسول الله e : (( هل قلت إننا داخلون هذا العام ؟ )) .
فالصبر من أهم العناصر وأعظم الأسباب المحققة لسلامة الدعوة وأن تؤتي أُكُلها، وتصل إلى مبتغاها، وبغير الصبر سيبقى الاستعجال، وتعثر الخطوات، ولن تسلم الدعوة من المنزلقات بل إن الدعاة الذين لا يتمتعون بالصبر، يسهل على الخصوم استدراجهم، وتُؤْتى الدعوة من قِبَلِهم .
ويوم أن نتحلى بالصبر في جميع المراحل، وكافة الخطوات، ونعطي كل مرحلةٍ حقها بلا قفزٍ ولا استعجال، سيستوي الأمر على سوقه ـ بإذن الله ـ، وحسبنا أن نأخذ بأسباب الرفعة والإمامة في الدين لترتفع دعوتنا، ونسود، كما قال تعالى: ) وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآيتنا يوقنون ( .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

السلام عليكم ضع تعليقك وأترك بصمتك علي الموضوع مع خالص أحترامي وتقديري