مفاهيم خاطئة عن التوكل:
وقد أخطأ قوم طريق التوكل، فظنوا أن التوكل معناه: ترك العمل والتكسب، فتركوا الأخذ بالأسباب، وهذا ظن الجهال، فالعاقل لا يطلب الشبع من غير طعام ثم يقول: أنا متوكل !!!
ولا يطلب الولد من غير زواجٍ ووِقاع ثم يقول: أنا متوكل !!
فهؤلاء أُخذوا من جهلهم بحقيقة التوكل، فالتوكل على الله لا ينافي اتخاذ السبب، فالمؤمن يتخذ الأسباب من باب التعبد باتخاذها، ولكنه لا يجعل السبب هو الذي يحقق النتيجة، إن الذي يحقق النتائج هو الله .
يقول ابن القيم رحمه الله: فمن أنكر الأسباب لم يستقم منه التوكل، ولكن من تمام التوكل، عدم الركون إلى الأسباب
فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان من أكثر الناس توكلاً على الله، ومع ذلك لم يُخل بشيءٍ من الأسباب، فقد استأجر دليلاً مشركاً يدله على الطريق في الهجرة إلى المدينة، وكان يدَّخر لأهله قوت سنتهم، وكان إذا سافر في جهادٍ أو حجٍ أو عمرةٍ حمل الزاد وهو سيد المتوكلين عليه الصلاة والسلام .
وفي مقابل هذه الطائفة، طائفة اعتمدوا على الأسباب وتركوا التوكل على الله رب العالمين . والفرق بين الطائفتين:
أن الذين اعتمدوا على الله وتوكلوا عليه بقلوبهم، ولم يباشروا الأسباب، كان حالهم كحال الذي جلس في بيته وأغلق عليه بابه وفمه وقال:
إن قُدِّر لي الشبع فسوف أشبع وأحيا، واستمر على ذلك اليومين والثلاثة حتى مات متواكلاً جاهلاً عاصياً .
وأما الذين اعتمدوا على الأسباب، وتعلقت قلوبهم بها، وركنوا لها، وتركوا التوكل، كان حالهم كحال الذين ذهبوا ليقطفوا ثمار زرعهم، فأرسل الله عليها ريحاً دمَّرتها، قال تعالى: ) فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون . فأصبحت كالصريم ([ القلم/9ـ20 ] .
فهؤلاء اتخذوا الأسباب من الحرث والبذر والسقاية والعناية، لكنهم ظنوا أن الأسباب وحدها تنشئ النتائج، ونسوا قدرة الله سبحانه، فلم يتوكلوا عليه، ولم يراعوا حقه، فأرسل على نتاجهم وثمارهم ما يحبطها ويبطلها ويجعلها كأنها لم تكن .
تبيين الطائفتين:
فالطائفة الأولى: جماعة من الذين سلكوا طريق الزهد بجهلٍ، وجعلوا الدين عبارةً عن رياضات بدنيةٍ وترَّهاتٍ صوفية، فأضروا أنفسهم، وأساؤا إلى الإسلام، ثم اتخذ الماديّون من هذه الطائفة مثالاً عقيماً عن الإسلام ودندنوا به في صفوف المثقفين .
والطائفة الثانية: جماعة من الماديين الذين أبهرتهم الصناعة الشرقية، والتكنولوجيا الغربية، فاستسلموا لها، وصار اعتمادهم على المادة والمحسوسات .
وقفة تأمل وسؤال:
ولا يسعنا في هذا المقام، إلا أن نسأل الذين أبهرتهم ضخامة الآلة والتكنولوجيا الحديثة المعاصرة المتقدمة:
ماذا أعدّ أصحاب الآلة لحماية آلاتهم من الصواعق والزوابع والرياح والزلازل التي يرسلها رب العالمين ؟
لماذا عجزت الآلة عن إيجاد حلٍ لرقع الخرق الذي حلَّ بطبقة الأوزون ؟
لماذا عجزت الآلات الإلكترونية والكهربائة الحديثة عن إيجاد علاجٍ لمرض فقدان المناعة " الأيدز " ؟
كل الذي توصلوا إليه الآن، ما هو إلا الوقاية، أما العلاج، فهم عاجزون، ولا يملكون جواباً لسبب هذا العجز .
أما نحن المسلمون، الآخذون بالأسباب، المتوكلون على الله في تحقيق النتائج، فجوابنا: أن مرض فقدان المناعة " الأيدز " عقوبة حلت بسبب، وهو الخروج عن القانون الإلهي في العلاقة بين الذكر والأنثى، واستبدال العلاقة الشرعية بالعلاقة المحرمة ( الزنا )، ومن المسلَّم به أنَّ ما نزل بسبب لا يرتفع إلا بارتفاع السبب .
ومن هنا تظهر عظمة الإسلام، فالإسلام عندما حرّم الزنا، إنما حرّمه لأن مفسدته راجحة، فالإسلام لا يأمر إلا بما فيه مصلحة خالصة أو راجحة، ولا ينهى إلا عما فيه مفسدة خالصة أو راجحة .
نعم .. ليس للبشرية قاطبةً غنىً عن التوكل على الله رب العالمين، وهذا هو اعتقاد المسلمين، لكن من المسلمين من يقول إنه متوكل على الله ثم إذا حلَّت به مصيبة رجا غيره، فهذا لم يستقم منه التوكل، وإنما كان توكلاً نظرياً فحسب .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
السلام عليكم ضع تعليقك وأترك بصمتك علي الموضوع مع خالص أحترامي وتقديري