ابني لا يصادق أحدًا..!
في الوقت الذي تتزايد فيه عوامل الخوف على الأبناء، والتي يتصدرها رفقاء السوء، يرى بعض الآباء أن الحل السليم هو إلغاء بند الصداقة من حياة الأبناء، ويرون أنهم يستطيعون كفاية أبنائهم عن الحاجة للأصدقاء، إنهم يريدون حبسهم في قفص بدعوى الخوف والحماية، حتى أننا قد نسمع أحدهم يقول مفتخرًا: "الحمد لله لقد عودت أبنائي ألا يكون لهم أصدقاء، فأنا ووالدتهم كل شيء بالنسبة لهم"
فهل هم محقون في هذا الأسلوب، أم جانبهم الصواب؟ أم أن هناك طريقًا وسطًا يصل بأبنائنا إلى حامل المسك ؟؟
عزيزي المربي..
خلق الله تعالى الإنسان اجتماعي بفطرته، مهيئًا للعيش في جماعة، يميل بطبعه إلى مخالطة الناس والتعرف عليهم، قال تعالى:
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: 13] ولم يزل الإنسان محتاجًا إلى جماعة من الرفاق تجمعه بهم علاقة حميمة اسمها الصداقة، يستشعر فيها معاني الود والتفاهم والراحة النفسية، وغالبًا ما تجمع الصداقة بين أناس يتفقون في مشاربهم وأهدافهم ورؤاهم للحياة التي يعيشونها، ومن ثمَّ كان التفاعل والتاثير المتبادل واضح وشديد بين جماعة الأصدقاء، فكل صديق يدل بالضرورة على صديقه، لتلازم الشبه بينهم في السمت والخُلق:
عن المرء لا تسل وسل عن قرينه فكل قرين بالمقارن يقتدي
ولذلك أرشدنا الله عز وجل إلى أهمية اختيار الأصدقاء والرفاق الصالحين ولزومهم:
{وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} [الكهف: 28]
وبين لنا عاقبة هذا الإختيار في الدار الآخرة،قال تعالى:
{الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف: 67]
وقال e مبينًا تأثير الصديق في صديقه: (إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء،كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يُحذيك وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحًا طيبة، ونافخ الكير، إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحًا خبيثة) [رواه مسلم] ففي كلا الحالين يتأثر الجليس بجليسه، إما بالسوء، وحرق الثياب، وأقله الريح الخبيثة، وإما بالخير والفائدة والعطر الحسن.
(وهذا التأثير يكون على مستوى الأطفال بعضهم في بعض أكثر تحققًا ومضاءً، إذ تعتبر جماعات الرفاق من أشد الجماعات تأثيرًا على تكوين أنماط السلوك الأساسية لدى الطفل.
(والطفل - في حاجته للرفاق- كالكبير تمامًا، لا يستطيع العيش منعزلًا، فلجماعة الرفاق أهمية كبيرة بالنسبة له، ووجود الطفل في محيط من الأطفال يعد من العوامل الأساسية والهامة في التربية). [فينيكس فيليب، فلسفة التربية]
التربية السهلة:
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: 13] ولم يزل الإنسان محتاجًا إلى جماعة من الرفاق تجمعه بهم علاقة حميمة اسمها الصداقة، يستشعر فيها معاني الود والتفاهم والراحة النفسية، وغالبًا ما تجمع الصداقة بين أناس يتفقون في مشاربهم وأهدافهم ورؤاهم للحياة التي يعيشونها، ومن ثمَّ كان التفاعل والتاثير المتبادل واضح وشديد بين جماعة الأصدقاء، فكل صديق يدل بالضرورة على صديقه، لتلازم الشبه بينهم في السمت والخُلق:
عن المرء لا تسل وسل عن قرينه فكل قرين بالمقارن يقتدي
ولذلك أرشدنا الله عز وجل إلى أهمية اختيار الأصدقاء والرفاق الصالحين ولزومهم:
{وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} [الكهف: 28]
وبين لنا عاقبة هذا الإختيار في الدار الآخرة،قال تعالى:
{الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف: 67]
وقال e مبينًا تأثير الصديق في صديقه: (إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء،كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يُحذيك وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحًا طيبة، ونافخ الكير، إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحًا خبيثة) [رواه مسلم] ففي كلا الحالين يتأثر الجليس بجليسه، إما بالسوء، وحرق الثياب، وأقله الريح الخبيثة، وإما بالخير والفائدة والعطر الحسن.
(وهذا التأثير يكون على مستوى الأطفال بعضهم في بعض أكثر تحققًا ومضاءً، إذ تعتبر جماعات الرفاق من أشد الجماعات تأثيرًا على تكوين أنماط السلوك الأساسية لدى الطفل.
(والطفل - في حاجته للرفاق- كالكبير تمامًا، لا يستطيع العيش منعزلًا، فلجماعة الرفاق أهمية كبيرة بالنسبة له، ووجود الطفل في محيط من الأطفال يعد من العوامل الأساسية والهامة في التربية). [فينيكس فيليب، فلسفة التربية]
التربية السهلة:
وفي جماعة الرفاق يتميز التأثير بأنه بطيء، طويل المدى ولكنه أكيد المفعول، الأمر الذي جعل خبراء التربية يطلقون على تلك العلاقة مصطلح "التربية السهلة"، إذ أنها توفر على الوالدين الكثير من التلقين، فقط، يكفي أن يرى الولد صديقه يصلي فيقلده بل يذهب معه إلى المسجد، وإن رآه يتنزه عن الكذب ويصدق في حديثه، فإنه يحب ألا يقل في مستواه الخلقي عن صديقه، فينتهج نهجه في الصدق، وهكذا.
وطبقًا لهذه القاعدة فإن الحذر من رفقاء السوء يساوي في المقدار والأهمية ضرورة تهيئة الصحبة الصالحة للأبناء، ولقد نبًه على ذلك كثير من العلماء المسلمين، موجهين خطابهم إلى الوالدين والمربين.
ينقل ابن الجوزي رحمه الله عن ابراهيم الحربي وهو من علماء التابعين رضى الله عنهم قوله: (أول فساد الصبيان بعضهم من بعض) [ذم الهوى، ابن الجوزي]
وكذلك أشار الإمام الغزالي رحمه الله إلى أن تكوين الأخلاق الحسنة يمكن أن يكون عن طريق مصاحبة الأخيار والصالحين،وكذلك الأخلاق السيئة،فقال رحمه الله: (الطبع يسرق من الطبع الشر والخير جميعًا). [إحياء علوم الدين، الغزالي]
فاصطفاء الرفيق للولد، يوفر له عامل هام من عوامل صلاحه واستقامته، وقد صدق من قال:
"قل لي من تصاحب،أقل لك من أنت!"
وماذا عن رفقاء الشارع والمدرسة؟
قد يختلط الطفل في الشارع أو المدرسة بمستويات أخلاقية متدنية، نعم هذه حقيقة، ولكن البديل المتمثل في تقييد الطفل في البيت أشد ضررًا من تعريضه لمخالطة تلك المستويات الدنيا من البشر، لأن هذا التقييد والحبس وعدم الاختلاط؛ سيعرض شخصية الطفل للضمور ثم الاضطراب والحيرة عند مخالطة المجتمع فيما بعد.
ولذلك نقول أن خسائر نزول الطفل إلى الشارع أقل بكثير من خسائر البقاء مقيدًا في قفص الحماية الزائدة داخل البيت..!
ومع قيام الأب والأم بعملية الغسيل اليومي لما أصاب الابن من قذر الطريق أو المدرسة؛ يتدرب على تكوين الصداقات الناجحة والتعرف على معاييرها منذ الصغر، لأن تكوين الصداقات يعد مهنة يصعب تعلمها بعد مرحلة الطفولة، فليس من الحرص على الأبناء أن نحجر على عليهم التحاور مع الآخرين، أو نفرض عليهم البقاء بلا أصدقاء بدعوى الخوف عليهم وحمايتهم من الضياع..!!
ولكن هل من الممكن حقًا أن أختار الأصدقاء لأبنائي؟
نعم عزيزي المربي..
بل عليك أن تبذل كل ما في وسعك لكى تساعد أبنائك وتهيئ لهم أجواءً اجتماعيةً صالحةً، يتعرفون فيها على الصحبة الصالحة وتنمو علاقتهم وتتوثق في ظلها، ففي استطاعة الأب المسلم أن يوفر تلك الأجواء داخل بيته، وينتقي كذلك من بيوت الصالحين من الأقارب والأصدقاء، والجيران، الذين يعرف تدينهم، واهتمامهم بتربية أبنائهم، فتتكون بذلك بيئة صالحة للأبناء يتحركون في محيطها، ويجدون فيها أقران ورفقاء صالحين لهم.
مع ملاحظة أن الأفضل هو البدء في الترتيب لذلك مبكرًا، والأبناء مازالوا صغارًا، أما إذا تأخر انتباه المربي لهذا الأسلوب، فعليه بانتهاجه أيضًا ولكن بأسلوب غير مباشر، فإنّ الطفل الكبير أو المراهق غالبًا يكون متحفزًا تجاه الأساليب المباشرة في النصح والتوجيه.
ولتكن الأسرة هي المظلة الواقية لهذه الصحبة:
وذلك حتى يظل البيت هو مرجعية الأبناء، ومحضنهم الدافئ، فيحث الأب ولده على دعوة أصدقائه إلى المنزل لتناول طعام العشاء مثلًا، ويظهر الابتهاج لحضورهم، وأنه سعيد بقدومهم، ويحسن ضيافتهم.
درِّبه على اختيار أفضل الأصدقاء !
لا يعني ذلك إجبار الابن على صديق بعينه لا يتقبل هو صداقته، ولكن وضّح له أهمية الدور الذي يلعبه الصديق في حياة الإنسان بالصورة التي تتناسب مع عمره..
ففي سن الثالثة إلى السابعة نحاول توفير أنشطة مشتركة بين أبنائنا وأقرانهم من الأطفال مثل اللعب الجماعي أو ألعاب الكمبيوتر على سبيل المثال.
وفي مرحلة السادسة إلى التاسعة فيتم تشجيع الابن على إقامة صداقات مع الآخرين، ودفعه إلى أن يقص عليك تجاربه في ذلك، وليكن التركيز في هذه المرحلة على الإصغاء الجيد لتجارب ولدك، بل وشكواه من أصدقائه، واحذر أن تنتقص من قدر مشاعره الإيجابية تجاه أصدقائه، وفي الوقت ذاته عليك مقاومة الميل لمشاركته شكواه منهم، فقط أصغِ السمع له..!
ثم أخيرًا تأتي مرحلة التاسعة إلى الثانية عشرة حيث يأتي دورك في حل المشكلات الناشئة عن صداقات أبنائك وفق خبراتك الخاصة التي ستمنحها لهم في نصائح غير مباشرة تبتعد تمامًا عن صيغة الأمر أو القرار.
علمه آداب الصحبة وحقوق الأخوة !
من خلال مخالطة الولد لرفاقه، سيمر بالعديد من المواقف، فتارة يتفق معهم، وتارة يختلفون، وأحيانا يتشاجرون ويتصارمون لعدة أيام، ثم لا يلبثوا أن يعودوا إلى الصفاء، ومن خلال تلك المواقف يتعلم الابن الكثير، يتعلم من خلال الجماعة كيف يعامل غيره، ويتدرب على تقديم التضحيات أحيانًا مسايرة لرغبة الجماعة،ليكون مقبولا عندها. [السلوك العدواني عند الأطفال، سليمان فياض]، ويتعلم كذلك أن للصحبة حقوقًا وآدابًا مثل:
-أدب السلام والمصافحة وتشميت العاطس وعيادة المريض منهم.
- يؤدب الأبناء على بذل النصيحة لأصدقائهم ودلالتهم على الخيرات، وأن يحبوا لهم ما يحبون لأنفسهم، فإن ذلك من علامات كمال الإيمان، لقوله e: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) [رواه البخاري]
- ألا يبخلوا عليهم بما عندهم، مع الترفع عن الأخذ منهم، كما نصح بذلك ابن الحاج رحمه الله حيث قال: (ويمنع أن يأخذ من الصبيان شيئًا بل يعلّم أن الرفعة في الإعطاء لا في الأخذ) [المدخل، ابن الحاج]
- يعلم الولد أدب المزاح مع أصحابه، وأن المزاح لا يعني أن يضرب أو يشتم أو يستهزىء بصديقه، ولا يكذب مازحًا ليضحكهم، ولا يأخذ متاع أحدهم بدعوى المزاح، ولا يروّع أحدًا منهم زاعمًا المزاح أيضًا.
- حث الولد على الكرم وتقديم الهدايا لأصدقائه، خاصة إذا حلت مناسبة تقتضي التهنئة والهدية، مثل النجاح والمرض والأعياد [مسئولية الأب المسلم في تربية الولد، عدنان حسن باحارث]
وماذا لو ظهر رفقاء السوء في حياة الولد؟
على الوالد أن ينهى ولده برفق، ويحذره ويبين له عاقبة مخالطة أصحاب السوء، وأنها تضره في دينه ودنياه، ويسوق له الأمثلة على ذلك، فإن لم يسمع الولد لنصحه، عمل الأب على تنفير الآخر بسوء استقباله وإظهار الإستياء لحضوره، وإن احتاج الأمر إلى إشعار أهله بذلك فحسن، إذ أنهم إن علموا بعدم رغبة الأب في مخالطة ولدهم لابنه أخذتهم العزة والأنفة، وحجزوا ولدهم ومنعوه عنه.
عزيزي المربي..
إنه لا يسعنا بعد أن أكدت لنا تجارب السابقين والمعاصرين، أنه ما انحرف حدثٌ ولا سلك سبيل الإجرام إلا بدلالة رفقاء السوء وتشحيعهم، إلا أن ندعو الله تعالى لأبنائنا أن يرزقهم الرفقة الصالحة وأن يجنّبهم ويقيهم من رفقاء السوء، وألا نقصر في دورنا التربوي حيال هذه المسألة، بدءًا من التهيئة المبكرة للصحبة الصالحة للأبناء، إلى توفير المناخ الأسري الدافىء الذي يسعهم هم وأصدقائهم، ليظلوا تحت مظلة الأسرة ورقابتها، حتى يشتد عودهم، وتقوى إرادتهم، ويملكوا القدرة على التمييز بين الصواب والخطأ والطيب والخبيث.
وبذلك نصل معك – عزيزي المربي- إلى الإجابة عن هذا السؤال:
هل تريد تربية سهلة لأبنائك..؟! إذن..هيئ لهم رفقاء صالحين.
حفظهم الله من كل سوء، وهداهم إلي كل ما يحبه ويرضاه، آمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
السلام عليكم ضع تعليقك وأترك بصمتك علي الموضوع مع خالص أحترامي وتقديري