الثلاثاء، 25 سبتمبر 2012

المثل الأعلى والأسوة الحسنة صلى الله عليه وسلم


ستظل سيرة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على مدى الأجيال والقرون، وحتى يرث الله الأرض ومن عليها نبراساً للمسلمين، يضيء لهم حياتهم وأعمالهم، فقد كانت تطبيقاً كريماً لمنهج الله الذي جاء به القرآن الكريم، ونوراً هادياً لكل أمة تريد أن تصل إلى الحياة الكريمة على هذه الأرض.
فحيث نظرت في وقائع حياة الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ وسيرته، وتوجيهاته وتعاليمه، تجد المثل الأعلى والقدوة الحسنة، التي تضيء لك الطريق والحياة، وتأخذ بيدك إلى الطمأنينة والسعادة، وصدق الله تعالى حيث قال: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً}... (الأحزاب : 21).
قال ابن كثير: (هذه الآية الكريمة أصل كبير في التأسي برسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، في أقواله وأفعاله وأحواله).
لقد كانت حياة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حافلة بالبذل والعطاء، والدروس والعبر، ووصلت إلينا كاملة بأدق تفاصيلها، كأنما نرى الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ونسمعه في مختلف وقائع حياته، قائمًا ونائماً، وعابدًا وقائداً، وأباً وزوجا، ومربياً ومعلما.
فقد جمع الله له بين الدعوة والدولة، والرسالة والقيادة، والتبليغ والحكم، وهو ما لم يتحقق لنبي من قبل.
وقد أُعْطِىَ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ما لم يعط رسول سبقه، فجاء الأنبياء برسالتهم إلى قومهم، وبُعِث ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى الناس كافة، وختمت به رسالات السماء فلا نبي بعده، فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: (إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتا فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية، فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولون: هلا وُضِعت هذه اللبنة؟، قال: فأنا اللبنة، وأنا خاتم النبيين)... (البخاري).
وقد أُعْطِىَ الأنبياء معجزات حسية لعصرهم وبيئتهم، أما الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقد أعطى ـ بجانب المعجزات الحسية الكثيرة ـ القرآن الكريم، معجزة المعجزات الباقية الخالدة إلى يوم القيامة.
عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (ما من الأنبياء نبي إلا أعطي ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إليَّ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة)... (البخاري).
وَوَحْي وكتب الله للأنبياء السابقين وُكِلَ إليهم وإلى أتباعهم حفظها، فاختُلِف فيها وحُرِّفت، أما القرآن الكريم فقد تولى الله ـ سبحانه ـ حفظه، فقال الله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}... (الحجر : 9).
وكرَّم الله تبارك وتعالى أمة الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ فأحل لهم كثيراً مما شُدِّد على من قبلهم، ولم يجعل عليهم في الدين من حرج، ورفع عنهم المؤاخذة بالخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه، وحديث النفس، قال الله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}... (الحج : 78)، وقال: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}... (البقرة : 185)، وقال تعالى: {وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ}... (الأعراف : 157).
وعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)... (ابن ماجه).
وإذا ذهبنا ننظر ونقطف من بعض وصايا وشمائل الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأخلاقه العظيمة لوجدنا عجباً:
فكان الحلم والاحتمال، والعفو عند المقدرة، والصبر على المكاره، صفاتٌ أدبه الله بها.. وكل حليم قد عُرِفت منه زلة، وحفظت عنه هَفْوَة، ولكنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يزد مع كثرة الأذى إلا صبرا، وعلى إسراف الجاهل إلا حلما.
قالت عائشة ـ رضي الله عنها ـ: (ما خُيِّر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً، فإن كان إثما كان أبعد الناس عنه، وما انتقم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لنفسه في شيء قط، إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم بها لله).. (البخاري).
وكان أعدل الناس وأعفهم، وأصدقهم لهجة، وأعظمهم أمانة، اعترف له بذلك أصحابه وأعداؤه، وكان يسمي قبل نبوته "الصادق الأمين"، ويُتَحاكم إليه في الجاهلية قبل الإسلام.
وعن أنس ـ رضي الله عنه ـ: "كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أحسن الناس وأجود الناس وأشجع الناس، لقد فزع أهل المدينة ليلة فانطلق ناس قبل الصوت فتلقاهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ راجعا قد سبقهم إلى الصوت واستبرأ الخبر على فرس لأبي طلحة عرى، والسيف في عنقه وهو يقول: لن تراعوا، لن تراعوا".
وقال على ـ رضي الله عنه ـ: كنا إذا حمى أو اشتد البأس، واحمرت الحدق، اتقينا برسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فما يكون أحد أقرب إلى العدو منه، ولقد رأيتني يوم بدر ونحن نلوذ برسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو أقربنا إلى العدو وكان من أشد الناس يومئذ بأسا.
وعندما وجد رجلا يرتعد بين يديه قال له ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (هون عليك، إنما أنا ابن امرأة كانت تأكل القديد بمكة)... (ابن ماجه).
وكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا أقبل جلس حيث ينتهي به المجلس، وكان يمد طرف رداءه لحليمة السعدية لتجلس عليه، ويضع وسادته لضيفه ويجلس هو على الأرض، وكان إذا لقيه أحد من أصحابه قام معه فلم ينصرف حتى يكون هو الذي ينصرف، وإذا ما لقيه أحد فتناول يده ناوله إياها، فلم ينزع يده حتى يكون الآخر هو الذي ينزعها.
وكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ أشد الناس تواضعاً، وأبعدهم عن الكبر، ونهى عن القيام له كما يقام للملوك.. يجالس الفقراء، ويجيب دعوة العبد، ويجلس في أصحابه كأحدهم ..
وعن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال: (خدمت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عشر سنين، فما قال لي أف قط، وما قال لشيء صنعتُه: لم صنعتَه؟ ولا لشيء تركتُه: لمَ تركتَه؟، وكان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من أحسن الناس خُلُقا، ولا مسست خزا قط، ولا حريرا، ولا شيئا كان ألين من كف رسول ـ الله صلى الله عليه وسلم ـ، ولا شممت مسكا قط، ولا عطرا، كان أطيب من عرق رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ)... (مسلم).
وكان أوفى الناس بالعهود، وأوصلهم للرحم، وأعظمهم شفقة ورأفة ورحمة بالناس..
أحسن الناس عشرة وأدباً، وأبعدهم من سيء الأخلاق، لم يكن فاحشاً ولا متفحشا، ولا لعاناً ولا صخابا، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح ..
يزور المريض، ويتبع الجنائز، ويجيب دعوة المملوك، ويقف للمرأة العجوز في الطريق ساعة تحدثه، وكان يساعد أهله ويؤانسهم، فإذا جاء موعد الصلاة أسرع إليها وقال: (أرحنا بها يا بلال)... (أحمد).
وكان يوجه أصحابه ويعلمهم، فيقول ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)... (ابن ماجه).. ويأمر الصغير باحترام وتوقير الكبير، والكبير برحمة الصغير، فيقول ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ويوقر كبيرنا)... (الترمذي).
وحفاظا على علاقة المسلم بأخيه، وعدم إيذائه، وتعاونه معه، والسعي في مساعدته، يقول ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (إذا كنتم ثلاثةً فلا يتناجى اثنان دون الآخر حتى تختلطوا بالناس، من أجل أن ذلك يحزنه)... (البخاري)، ويقول: (المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه، كان الله في حاجته، ومن فرَّج عن مسلم كربة، فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة)... (البخاري).
يغرس في أصحابه ـ والمسلمين من بعدهم ـ روح السماحة والعدل والمساواة، ويعلمهم أن قيمة الإنسان بدينه وعمله، وليس بحسبه ونسبه وجنسه، فيقول ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (رحم الله رجلا سمحًا إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى)... (البخاري)، ويقول: (يا أيها الناس إنما ضل من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق الشريف تركوه، وإذا سرق الضعيف فيهم أقاموا عليه الحد، وايم الله (أقسم بالله) لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها)... (البخاري).
ويقول ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (يا أيها الناس: إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}... (الحجرات : 13)، ألا هل بلغت؟، قالوا: بلى يا رسول الله، قال : فيبلغ الشاهد الغائب)... (أحمد).
وقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (من بطأ به عمله، لم يسرع به نسبه)... (مسلم).
لقد كانت وستظل حياة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وتعاليمه وهديه، منهجا ونبراسا للأمة الإسلامية، ومخرجاً لها من كل مؤامرات أعدائها، وسبيلا لسعادتها وأمنها، وطريقا لبناء المسلم السوي والمجتمع المثالي. 
  
ولئن انتقل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى جوار ربه، فإن الله قد حفظ لنا سنته، وبقيت سيرته خالدة شاهدة على سمو روحه، وكمال نفسه، ورفعة أخلاقه، فما على من أراد الاقتداء به إلا مطالعتها والعمل بما كان عليه ـ صلى الله عليه وسلم ـ، قال الله تعالى : {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً}... (الأحزاب : 21).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

السلام عليكم ضع تعليقك وأترك بصمتك علي الموضوع مع خالص أحترامي وتقديري