السبت، 22 سبتمبر 2012

الإعجاز النبوي... في الإخبار عن الأمم السابقة

أشار القرآن الكريم في أكثر من موضع إلى جانب من جوانب الإعجاز في حياة النبي – صلى الله عليه وسلم -، وهو الإخبار عن قصصٍ ومشاهد تفصيلية لحضارات سادت ثم اندثرت، والحديث عن مواقف غيبيّة وقعت في أمم سابقة لم يكن لهاالتسمياتاتصالٌ مباشرٌ بأهل الجزيرة العربية، وذلك في قوله سبحانه: {ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون}.. (آل عمران: 44)، وقوله سبحانه: {ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون}.. (يوسف: 102) .
ووجه الإعجاز في ذكر تلك القصص، هو أن البيئة العربية لم تكن على علمٍ بها، سوى ما ورد ذكره من إشاراتٍ مجملة، أتت من قبيل ضرب الأمثال، كقولهم: (أحلام عاد)، وقولهم: (كانَتْ عَلَيْهُمْ كَرَاغِيةِ البَكْرِ) والمقصود به ناقة صالح عليه السلام، وأما تفاصيل تلك القصص فلم يكونوا على علمٍ بتلك الأخبار التفصيليّة، وهذا يُثبت أنه عليه الصلاة والسلام علم بها من مصدر آخر، ويشير القرآن إلى ذلك بقوله تعالى: {تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا}.. (هود: 49).
أما أهل الكتاب فلم تكن تلك الأخبار الدقيقة معلومة سوى عند الأكابر من أحبارهم، الذين أفنوا أعمارهم في دراستها وتعلّمها، في الوقت الذي لم يثبت فيه أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قد تلقّى عنهم تلك العلوم لا في مكّة ولا في غيرها، ومع علمنا بشدّة حرصهم على تكذيبه وإبطال دعوته فلم يدّع أحدٌ منهم قيامه بتعليمه أياً من تلك العلوم .
وإذا أضفنا إلى ذلك أن النبي – صلى الله عليه وسلم – كان أمّياً لا يُحسن القراءة ولا الكتابة، فلم يكن من المتصوّر أن يتلقّى مثل هذه الأخبار عن كتب أهل الكتاب، وبالتالي لا سبيل إلى معرفة تلك التفاصيل إلا عن طريق الوحي، ولهذا المعنى أقرّ بعض الأحبار بصدق النبي – صلى الله عليه وسلم – في نبوّته، فحين أتى وفدٌ من علماء اليهود إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم – وقالوا له: (يا أبا القاسم، حدّثنا عن أمورٍ نسألك عنها، لا يعلمهنّ إلا نبي)... فكان فيما سألوه: (أيّ الطعام حرّم إسرائيل على نفسه قبل أن تُنزّل التوراة؟)، فقال لهم: (أنشدكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى هل تعلمون أن إسرائيل مرض مرضاً شديداً فطال سقمه، فنذر لله نذراً لئن شفاه الله من سقمه ليُحرّمنّ أحب الشراب إليه، وأحب الطعام إليه، فكان أحب الطعام إليه لحمان الإبل، وأحب الشراب إليه ألبانها؟)، فقالوا: (اللهم نعم) رواه أحمد .
ونصوص القرآن والسنّة مليئةٌ بقصص الأمم الماضية وما فيها من أحداث وعبر بأحسن أسلوب وألطف عبارة، ابتداءً بقصّة آدم عليه السلام ومراحل تكوينه ونفخ الروح فيه، ثم أمر الله تعالى للملائكة بالسجود له وعصيان إبليس لربّه، ثم خروج آدم عليه السلام من الجنّة واستقراره في الأرض حتى توفّاه الله تعالى، ومروراً بقصص أولي العزم من الرسل والابتلاءات التي لحقتهم في سبيل دعوتهم، والمعجزات التي أيّدهم الله بها، وموقف أقوامهم منها، وما تخلّل ذلك من مواقف تربويّةٍ ومواعظ جليلة، وعاقبة الذين آمنوا بهم في الدنيا والآخرة، والعقاب الإلهيّ الذي حلّ بالمعرضين عن قبول دعوتهم والإيمان بها .
كما وردت في نصوص الوحيين أخبارٌ كثيرة عن الصالحين، وما جرى لهم من أحداث، كقصّة أصحاب الكهف، وخبر موسى مع الخضر، ويوسف وإخوته، وتمكين ذي القرنين، ووصايا لقمان، وتفاصيل ما حدث للعبد الصالح الذي أماته الله مائة عام، ثم بعثه ليوقفه على حقيقة البعث والنشور .
ومن ذلك أيضاً: قصّة البغيّ التي سقت كلباً فغفر الله لها، وقصّة التاجر الذي كان يتسامح مع الدائنين، فنال بذلك المغفرة من الله، وقصّة قاتل التسعة والتسعين نفساً، وقصّة الغلام المؤمن والساحر، وقصّة أصحاب الغار والصخرة التي سدّت عليهم بابها .
فهذه وغيرها من الأخبار التي وقعت في الأمم السابقة، وأخبر عنها النبي - صلى الله عليه وسلم – تضيف بُعداً جديداً للدلائل الكثيرة على صدق نبوّته – صلى الله عليه وسلم -، وأحقّية رسالته. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

السلام عليكم ضع تعليقك وأترك بصمتك علي الموضوع مع خالص أحترامي وتقديري