الجمعة، 17 مايو 2013

بين حيفا وعكا.. طفولة بطعم العلقم


إذا كانت المعاناة من نصيب كل الفلسطينيين في عام 1948، فإن معاناة الأطفال والنساء أشد مضاضة، كما تؤكد شهادات شفوية قدمتها بعض السيدات من حيفا وعكا عن طفولتهن في الذكرى الـ65 للنكبة، وذلك ضمن ندوة نظمها مركز "مدى الكرمل" للدراسات الاجتماعية التطبيقية في حيفا الليلة الماضية.
وكمعظم أبناء جيلها، ترى زهرة خمرة "أم ماهر" (78 عاما) أن عام 1948 كان مأساويا، كتب بالأحمر وقطع طفولتها. وتقول زهرة في شهادتها -في الندوة التي حضرتها البروفيسورة نادرة شلهوب كفوركيان مديرة برنامج الدراسات النسوية في "مدى الكرمل"- إن مشاهد الموت في شوارع سوريا اليوم تذكرها بنكبة حيفا.
ورغم أنها ظلت في وطنها، فإن أم ماهر ذاقت مرارة النزوح والعيش في خيم اللجوء في لبنان لمدة عامين قبل أن تعود إلى حيفا، وتبدو وهي تستعيد ذكريات النكبة المرّة كمن يغرف من بحر عكا المنقوشة بذهنها.
جمهور استمع لشهادات عن طفولة فلسطينية وقت النكبة 
وما زالت أم ماهر تذكر جيدا كيف أنجبت خالتها مولودها في الطريق ونهضت لتسير مع طوابير النازحين وهي تحمل رضيعها الذي لم يحتمل الظروف فمات عن عمر شهرين.
المية مية
وتتذكر أيضا كيف داهم جنود لبنانيون المخيم في المية مية في يوم كانت والدتها قد ذهبت لإحضار طعام، فأخذوا يحملون اللاجئين عنوة على شاحنات ويطردونهم إلى سوريا. وتتابع "استخدمت سلاح البكاء فصرت أبكي وأستجير حتى قبلوا بإبقائي وإخوتي الصغار".

لكن السلطات اللبنانية نقلتهم لمنطقة الجنوب وكادت العائلة تقضي جوعا لولا مساعدات مالية كان والدها يبعث بها من حيفا بواسطة راهبات يأتين إلى صيدا. وحينما عادت بواسطة معاملة لمّ شمل برعاية الصليب الأحمر وجدت عائلتُها أن اليهود أقاموا في منزلها فسكنت في بيت مهجور.
حزن وأمل
وبالنسبة للسيدة سهام جماّل منسي من عكا فذكرى النكبة ليست موعدا مع الحزن فحسب، بل مع الأمل أيضا، إذ لا يساورها شك في أن فلسطين ستلفظ يوما الصهيونية وتعود لأصحابها طالما أن النساء الفلسطينيات يواصلن الإنجاب.

وتروي سهام (75 عاما) الكثير لكن ما يهيمن على ذاكرتها هو ذلك اليوم الذي اكتظ فيه ميناء عكا بطوابير الناس المنتظرين لاعتلاء القوارب بحثا عن النجاة في لبنان.
وتضيف سهام أنها شاهدت بأم عينيها سيدة تلطم خديها نادبة حظها بعدما نسيت تصمت سهام هنيهة وتبعث بنظرات للماضي البعيد وتتابع "كأن الصورة أمامي الآن إذ كان مشهد الميناء في عكا صادما للغاية ويربط اللسان، فاللاجئون تدفقوا في ثياب النوم شبه عراة، أمهات تبحث عن أولادهن، وبكاء الأطفال يبلغ السماء". ابنها في الحمام داخل منزلها في حيفا.
وتكشف سهام أن الاحتلال صادر منزل أفراد العائلة بذريعة أنهم لم يوجدوا فيه يوم سقوط عكا، لكنها عادت واستردته باقتنائه بناء على وصية والدها. وتتحدث هذه السيدة باعتزاز قائلة "بعد سنوات من العمل تمكنت من اقتناء البيت مجددا وما زلت حتى اليوم أزور قبر والدي وبيدي أزهار وأغصان من أشجار حديقة البيت أضعها عليه وأنا أخاطبه: حررت البيت يا أبي".
طفولة مصعوقة
ولا تقل رواية نائلة نقارة (70 عاما) من حيفا مرارة عن زميلتيها، إذ قالت إنها تروي طفولتها المصعوقة في النكبة بشكل رسمي للمرة الأولى في حياتها.

نائلة نقارة عائلتها حرمت من العودة لبيتها في حيفا 
نائلة ابنة المحامي الوطني البارز حنا نقارة تستذكر أنها كانت برفقة أسرتها في عكا يوم سقطت حيفا بعد شهور من قصف العصابات الصهيونية للأحياء العربية وإشاعة أجواء من الرعب والترهيب.
وقالت إن ضباط الانتداب البريطاني منعوا عودة والديها إلى حيفا عبر قارب من عكا وهددوهما بالسلاح، وتتابع "منع والدي من العودة وقال لهما ضابط بريطاني في ميناء عكا إن التعليمات تقتضي بالسماح بمغادرة حيفا لا الرجوع لها".
وفي بيروت التي انتهى المطاف إليها، ذاقت نائلة مع عائلتها مرارة الذل والخوف، وحاول والدها الذي نفدت أمواله تنظيم مسيرة عودة للاجئين مع صديقه الشاعر عبد الكريم الكرمي (أبو سلمى).
عودة
كما يكتب هو في مذكراته "ذكريات محام فلسطيني"، تستذكر نائلة أن والدها عاد إلى حيفا بداية وحده، وبعد شهور عادت الأسرة عبر الجليل تسلّلا.

وتستذكر العودة من قرية رميش جنوب لبنان إلى قرية حرفيش شمال فلسطين، وتستعيد التنبيهات الصارمة على عدم التكلم أو إصدار أي صوت خلال المسير في الليل خشية إطلاق النار عليهم من قبل الجنود الإسرائيليين.
وتضيف نائلة "قبيل العودة صرت أتدرب على كيفية حبس أنفاسي قبل أن يضعوني على الحمار وكنت أرجف خوفا أنا وشقيقي طوني حتى وصلنا فجرا لفلسطين".
وفي حيفا حرمت العائلة من العودة لبيتها فعاشت في منزل صديق والدها وظلت السلطات الإسرائيلية تطاردهم باعتبارهم "متسللين" غير شرعيين حتى حازوا على بطاقات هوية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

السلام عليكم ضع تعليقك وأترك بصمتك علي الموضوع مع خالص أحترامي وتقديري