- يوم السبت الماضى، انتهى عمرو بيه الضابط فى أمن الدولة من عمله مبكرا على غير العادة فعاد بسرعة إلى بيته. كان سعيدا لأنه سيتمكن من رؤية نورهان، ابنته الوحيدة التى تبلغ من العمر عشرة أعوام والتى نادرا ما يراها أثناء الأسبوع.. يعود من عمله بعد أن تنام ويستيقظ فتكون فى المدرسة. دخل عمرو بيه وحيا زوجته نادية التى كانت فى المطبخ ثم اتجه بسرعة إلى حجرة ابنته. فتح الباب فوجدها تستذكر دروسها. كانت ترتدى ملابس رياضية زرقاء وقد عقدت شعرها على هيئة ذيل حصان. قبلها عمرو بيه على جبينها وسألها إن كانت تعشت فقالت إنها ستتعشى بعد أن تنتهى من الواجب المدرسى. قال لها عمرو بيه إنه سيتعشى معها ثم مد يده اليمنى وربت على خدها. فجأة بان الفزع على وجه نورهان وصاحت:
ــ بابا.. فيه دم على إيدك..
تطلع عمرو بيه إلى كفه اليمنى فوجدها، للغرابة، مغطاة بالدم.. صرخت نورهان بفزع وهرعت أمها من المطبخ لتستطلع الأمر. تماسك عمرو بيه وحاول أن يهدئ من روع زوجته وابنته.. دخل إلى الحمام بسرعة وغسل يده عدة مرات بالماء الساخن والصابون حتى أزال آثار الدماء تماما ثم جففها بالفوطة وعندما خرج من الحمام وجد زوجته نادية تنتظره، قبلها على خدها وابتسم ليطمئنها. دخل الزوجان إلى حجرة النوم وبدأ عمرو بيه فى خلع بدلته ليرتدى البيجاما وينام.. لكنه لم يلبث أن نظر إلى يده وصاح:
ــ نادية..الدم رجع تانى.
هنا، لم يعد ممكنا تجاهل ما يحدث.. ارتدت نادية ملابسها على عجل واصطحبته فى سيارتها. جلس عمرو بيه بجوارها وشرع فى الاتصال بمدير مستشفى السلام الذى يعرفه جيدا. كان يستعمل تليفونه المحمول بيده اليسرى لأن يده اليمنى كانت مغطاة تماما بالدم.. فى الطريق إلى المستشفى أخذ عمرو بيه يتساءل: من أين أتى هذا الدم على كفه اليمنى؟!.. إنه لم يجرح نفسه ولا يذكر أن يده ارتطمت بشىء.. استرجع عمرو بيه كل ما فعله أثناء النهار.. لقد وصل إلى جهاز أمن الدولة فى الساعة الواحدة بعد الظهر وقبل أن يدخل إلى مكتبه قرر أن يمر على زميله تامر بيه ليطمئن منه على أنه حجز مصيف مرسى مطروح فى أول أغسطس حتى يقضيا فترة المصيف معا.. تامر بيه دفعته فى الكلية ومن أقرب أصدقائه. دخل عمرو بيه إلى مكتب تامر بيه فوجده منهمكا فى التحقيق مع بعض الإسلاميين من أعضاء تنظيم الوعد.. رأى رجلا ملتحيا معلقا من قدميه بالمقلوب فى وضع الذبيحة وكان المخبرون يصعقونه ما بين ساقيه بشحنات متتالية من الكهرباء فيطلق صرخات مروعة بينما صوت تامر بيه يجلجل فى الحجرة:
ــ تعرف يا روح أمك لو ما اعترفتش.. حاجيب مراتك بثينة وأقلعها ملط وأخلى العساكر يعملوا فيها قدام عينيك.
ما أن لمح تامر بيه صديقه عمرو بيه حتى تهللت أساريره وأسرع يصافحه ثم انتحى به وطمأنه إلى حجز المصيف. خرج عمرو بيه من مكتب تامر بيه وفكر فى أن يلقى تحية الصباح على زميله عبد الخالق بيه الذى كان يحقق مع عمال مصنع الأسمنت المضربين.. دخل عمرو بيه فرأى رجلا عاريا تماما إلا من ملابسه الداخلية وهو مصلوب من يديه وقدميه على خشبة يسمونها العروسة. امتلأ جسد الرجل بالكدمات والجروح وقد وقف خلفه مخبر يضربه بالكرباج بينما مخبرون آخرون منهمكون فى ضربه بعنف على رأسه ووجهه.. أخذ عبدالخالق بيه يصيح فيه:
ــ مش أنت عامل مناضل وبطل؟.. طيب يا روح أمك. وشرفى لأخليك تبوس جزم العساكر. أنا هاخليك تتمنى الموت وما تطولوش..
حيا عمرو بيه صديقه عبدالخالق بيه من بعيد وانصرف مسرعا لئلا يعطله عن عمله.. بعد ذلك استقر عمرو بيه فى مكتبه، حيث حقق بنفسه مع شابين من حركة 6 أبريل كانا يدعوان المواطنين فى الشوارع إلى الخروج من أجل استقبال الدكتور محمد البرادعى فى المطار.. كان التحقيق سهلا فقد جاء الشابان إلى مكتبه منهكين تماما بعد أن ضربهما المخبرون وجلدوهما طوال الليل فلم يكن لدى عمرو بيه فى الواقع ما يفعله.. وجه إلى الشابين وابلا من الشتائم المعتادة وكاد يصرفهما، لكنه لاحظ أن أحدهما ينظر إليه بنوع من التحدى فقام من خلف مكتبه وصفعه عدة مرات على وجهه. كانت هذه إشارة للمخبرين فأطلقوا عليه وابلا جديدا من الركلات والصفعات وهنا صاح فيه عمرو بيه:
ــ وله.. قول «أنا مره» ياله..
ظل الضرب يشتد لكن الشاب رفض أن يقول «أنا مره».. هنا أمر عمرو بيه المخبرين فسحلوا الشاب من قدميه وظلت رأسه ترتطم بالأرض بينما هم يضربونه بأيديهم وأحذيتهم الغليظة حتى فقد الوعى.. كان هذا كل ما فعله عمرو بيه أثناء النهار. استرجعه فى ذهنه فلم يجد فيه شيئا غريبا أو غير مألوف. يوم عمل عادى تماما، فمن أين أتى هذا الدم الذى يلطخ يده؟!. وصل عمرو بيه فوجد مدير المستشفى فى انتظاره بنفسه. كشف عليه بعناية فائقة ثم أخذ عينة دم تم تحليلها فورا.. جلس عمرو بيه وزوجته نادية أمام مكتب مدير المستشفى الذى قرأ نتيجة التحليل أكثر من مرة ثم خلع نظارته الطبية وقال:
ــ بص يا سعادة الباشا.. الإنسان ينزف من كفه فى ثلاث حالات: إما بسبب جرح أو بسبب جرعة زائدة من أدوية السيولة أو لا قدر الله لو فيه مرض خبيث فى الدم.. سيادتك لا مجروح ولا أخذت أدوية سيولة وصورة الدم سليمة.. الحقيقة إن حالة سيادتك غريبة. خلينا ننتظر 24 ساعة وبإذن الله الدم يقف..
صرف له مدير المستشفى بعض الأدوية وأعطاه غيارات يضعها على يده لإيقاف الدم وطلب منه أن يمر عليه فى الصباح ليتابع الحالة..
لم ينم عمرو بيه طوال الليل وفى الصباح سمع صوت ابنته نورهان وهى تستعد للذهاب إلى المدرسة لكنه قرر ألا يخرج لرؤيتها حتى لا تفزع من منظر يده المغطاة بالدم.. ارتدى ملابسه بمساعدة زوجته التى اصطحبته من جديد إلى مدير المستشفى الذى فحصه من جديد وكرر بأسف انه لا يوجد تفسير طبى لهذا النزيف وطلب منه الاستمرار فى الأدوية والضمادات.
عاد عمرو بيه إلى بيته واتصل بالجهاز وأخبرهم أنه مريض ولن يعمل اليوم وقضى فى حجرته يوما آخر لم يأكل خلاله شيئا بالرغم من إلحاح زوجته ولم ينم إلا دقائق قليلة يستيقظ بعدها ليتطلع إلى يده فيجدها دائما ملوثة بالدم.. فى الصباح دخلت عليه زوجته فوجدته ممدا على الفراش وقد بدا عليه الإنهاك الشديد لكنها رأت على وجهه تعبيرا جديدا وغريبا.. تحامل عمرو بيه على نفسه ونهض ثم ارتدى ملابسه بمساعدة زوجته وطلب منها أن تصحبه إلى عمله وهناك توجه إلى مكتب سيادة اللواء مدير مباحث أمن الدولة وطلب مقابلته فتم إدخاله فورا.. رحب به سيادة اللواء وانزعج لما رأى الضمادات على يده اليمنى وقال:
ــ سلامتك يا عمرو.. مالك..؟
حكى له عمرو بيه ما حدث فقطب اللواء جبينه وقال:
ــ حكاية غريبة. عموما خد أجازة لغاية ما تخف بإذن الله..
لكن عمرو بيه ابتسم وقدم بيده اليسرى ورقة وضعها على المكتب أمام سيادة اللواء الذى قرأها بسرعة وصاح باستنكار:
ــ إيه ده.. أنت تجننت يا عمرو؟!.. فيه حد يسيب أمن الدولة.؟!.
ــ أرجوك يافندم.
ــ يابنى أعطى نفسك فرصة للتفكير.. أنت من أفضل الضباط فى الجهاز وقدامك مستقبل كبير.. تقدر تقول لى عاوز تسيب الجهاز ليه..؟
عندئذ، بدون أن يتكلم.. رفع عمرو بيه يده اليمنى المغطاة بالدم أمام سيادة اللواء.
الديمقراطية هى الحل.
الاثنين، 19 أبريل 2010
عمرو بيه الضابط فى أمن الدولة
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
السلام عليكم ضع تعليقك وأترك بصمتك علي الموضوع مع خالص أحترامي وتقديري