الجمعة، 2 أبريل 2010

القدس تنتظر الانتفاضه

  • في يوم غضبة الأقصى اجتاح الغضب معظم العواصم والمدن العربية والإسلامية استصراخًا للقادة العرب بالتحرُّك، والذَّوْد عن ثالث الحرمين الشريفين، ولو بأقل القليل من خلال علاقاتهم بأصدقائهم من قادة دول العالم، أو حتى أصدقاء البعض منهم للإسرائيليين للكفّ عن ثورة الجبروت التي تشعلها سلطات الاحتلال ضد المقدسيين، والمسجد المبارك.
    ولا شكّ أن كافة المؤشرات التي باتت تبرزُها سلطات الاحتلال وتعبر عنها من خلال ممارساتها في المدينة المقدسة والمسجد الأسير تؤكد كلها أن هناك بوادر لاشتعال انتفاضة ثالثة دفاعًا عن مسرى النبي محمد صلى الله عليه وسلم، واستصراخًا في العرب والمسلمين بحماية إخوانهم المقدسيين من عمليات التهجير التي صارت تنفذها إسرائيل بحقهم، وبناء المستوطنات على أنقاض منازلهم، لمحو وجودهم، وتغيير هويتهم.
    وفي الواقع فإن القرار الذي اتخذه وزير الداخلية الإسرائيلي بالسماح ببناء 1600 وحدة استيطانية في محيط القدس المحتلة، لا يخرج عن تربّص إسرائيلي جديد بأهل بيت المقدس، خاصة وأن القرار لم يكن قرارًا عشوائيًّا أو للاستهلاك الإعلامي داخل مجتمع الاحتلال.
    ويُضاف هذا القرار إلى آخر سبق أن اتخذه وزير الحرب الإسرائيلي ببناء 112 وحدة استيطانية في إطار القدس الكبرى، بهدف الانسجام مع سياسة واضحة تتخذها حكومة بنيامين نتنياهو المتطرفة بفرض المزيد من البؤر الاستيطانية في القدس والضفة.
    ويعكس ذلك رغبة من إسرائيل بالتأكيد على عدم الالتزام بأي ضوابط فيما يتصل بضرورة مواصلة وتسريع الاستيطان وتهويد القدس التي لن يسمح الكيان بإخضاعها لأية عملية تفاوضية.
    كل هذه الشواهد الإجرامية لجيش الاحتلال تعكس أن مواجهتها ستكون حتمًا بانتفاضة شعبية ثالثة في أرض الرباط، خاصة وأن هذه الجرائم أصبحت تمسّ أغلى ما لدى المقدسيين والعرب والمسلمين في شتى بقاع الأرض، وهو مسرى النبي محمد صلى الله عليه وسلم، فضلًا عما أصبحت تمسّه هذه البؤر الاستيطانية من تهديد واضح لمحو الهوية وانسلاخ المقدسيين من أرضهم وأماكن إقامتهم.
    ويذهب المحللون إلى أن قرار وزير الداخلية الإسرائيلي لم يكن قرارًا فرديًّا، طالما أنه يتفق والسياسة العامة المعتمدة لدولة الاحتلال، فضلًا عن أنه حصل على موافقة رئيس الحكومة المتطرف بنيامين نتنياهو.
    وفي المقابل فإن إسراع وزير الحرب إيهود باراك إلى الإعلان عن معارضته لقرار وزير الداخلية لم يكن يحمل سوى اعتراض على التوقيت، باعتبار أنه تسبب في إلحاق إهانة كبيرة بصديق الكيان، الولايات المتحدة الأمريكية.
    وعليه فإن هذا القرار لم يكن قرارًا تكتيكيًّا، طالما أنه يندرج في سياق سياسة عامة مدروسة للاحتلال، ويتم تطبيقها على الأرض، وهو ما استدعى حضورًا أمريكيًّا سريعًا وقويًّا عبر تزامن زيارة بايدن مع زيارة ميتشل، لحفظ ماء الوجه على الأقل، وليس لدعم الجانب الفلسطيني.
    وبناء هذه المستوطنات تعدّ سياسة تقوم عليها السياسات الاستراتيجية التي تتبعها حكومة اليمين المتطرف في إسرائيل، تعمل خلالها بشكل حثيث على تدمير عملية السلام، وفرض رؤيتها من جانب واحد، وإن كانت المفاجأة تكمن في أن دولة الكيان استبقت بدء المفاوضات غير المباشرة بالإقدام على ما يؤدي إلى إفشالها، من دون انتظار أربعة أشهر من المفاوضات يرجّح كثيرون أنها لن تثمر شيئًا.
    وفي الوقت نفسه، فإن دولة الاحتلال باتت تدرك خطورة استمرار الوضع الحالي، وأنها لا تملك خيارات الضمّ الجماعي والترحيل الجماعي أيضًا، فضلًا عن رغبتها في استمرار السلطة ولا تعارض تحولها إلى دولة حتى تتجنب خطر الدولة الواحدة، ولكنها تريد للدولة الفلسطينية العتيدة أن تكون محميَّة إسرائيلية وألا تقوم على جميع الأراضي المحتلة عام 1967.
    ولذلك فإن أكبر دليل على الحاجة الإسرائيلية والدولية للسلطة الفلسطينية، هو أن إسرائيل لم تدفع إلى انهيارها بعد إعادة احتلالها للضفة الغربية بعد عملية السور الواقي في مارس 2002 وأن المساعدات الخارجية للفلسطينيين في فترة حكومة حماس التي تشكّلت عام 2006 كانت أكثر بنسبة 30% عن المساعدات التي قدمت للحكومة السابقة لها.
    ولكن في المقابل، لا يمكن إغفال أن السلطة وجدت لتكون وسيلة لإنهاء الاحتلال ومرحلة على طريق إقامة دولة فلسطينية مستقلّة ذات سيادة عاصمتها القدس على حدود 1967، وأصبحت غاية بحد ذاتها، إلا أنه إذا استمر الأمر على هذا الحال فستصبح السلطة عبئًا على الشعب الفلسطيني، خاصةً وأن ما حدث في الفترة الأخيرة، يؤكد أن هناك فساد في السلطة، مما أدى إلى أن معظم المساعدات التي كانت تقدّم لها مباشرةً تم تقديمُها للمنظمات الأهلية والقطاع الخاص.
    والواقع، فإنه إذا استمرت السلطة على حالها، راغبةً في الحفاظ على القيادة بأي ثمن، فإنها ستتنازل باستمرار ليس دفاعًا عن الحقوق الفلسطينية بل عن مصالح أفراد وشرائح ازدادت غنًى ونفوذًا في ظل هذا الواقع وتريد الاستمرار به على حساب المصلحة الوطنية.
    إزاء ذلك كله فإنه يفترض أن يكون الموقف الفلسطيني والعربي في حالة متابعة شديدة للهجوم السياسي الذي تمارسه سلطة الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني، ليس فقط لفضح السياسات والمقاصد الإسرائيلية على المستوى الدولي، ولكن لمطالبة الولايات المتحدة بالوفاء بما تعهدت به إزاء مَن يتحمل مسئولية.
    كما يجب على الفلسطينيين أن يضعوا جانبًا ولو لفترة مؤقتة، خلافاتهم، وانتصاراتهم على بعضهم بعضًا من أجل دحر السياسة الإسرائيلية، وعزلها، والانتقال إلى آليات جديدة لتقديم وضمان الحقوق الفلسطينية، علاوةً على تصعيد شرارة الانتفاضة لتنطلق لتكون معبّرة بحق عن جموع الشعب الفلسطيني، والتمسك العربي والإسلامي بالقدس والمدينة المقدسة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

السلام عليكم ضع تعليقك وأترك بصمتك علي الموضوع مع خالص أحترامي وتقديري