السبت، 3 مارس 2012

الحرية مفاهيم و تحليل

مفهوم الحرية ببساطة هو:
"الاستقلالية من القيود"
عندما ولدنا، ولدنا أحرارا، لدينا قدرات كبيرة على الدخول في المخاطرات و إحساس كبير بعدم الخوف من الفشل.
كان لدينا إستعداد عظيم لخوض التجارب الجديدة، كان الفضول يوقد فينا حب التعلم و محاولة تجربة أي شيء و العبث بكل شيء يحيط بنا. نلعب طوال اليوم و نستمتع بكل أوقاتنا كيفما إتفق، بأي طريقة للعب كانت و بأي أداة للهو توفرت لدينا في ذلك اليوم، في أي يوم. بالنسبة لنا الحياة كانت عبارة عن تجربة ليس لها بداية و ليس لها نهاية، الهدف منها هو اللهو و الإستمتاع.
و لكنها في الحقيقة لم تكن حياة لهو و لا محاولة للمتعة لأجل المتعة. بل كانت تجربة ساحرة.
كانت حياة نتعلم فيها الأشياء الجديدة بالفضول الغير محدود. كنا نجد متعة لانهائية في الإستكشاف و محاولة أشياء جديدة و العبث بكل ما يقع تحت أيدينا.
كانت حياة خالية من المسؤولية و بالتالي خالية من الهموم و من التخطيط و من التفكير بالغد.
كان يمضي اليوم كله في اللعب حتى ننهك و نخلد بالنوم.
كنا نخلد للنوم في نفس اللحظة التي نشعر فيها بأننا نريد النوم، هكذا و بدون أن نفكر قليلا قبل النوم، و بدون إستعراض لأحداث ذلك اليوم و بدون أن نجهد عقولنا بالتفكير في ما سنفعله غدا، فقط كنا نريد أن ننام.
مالذي يجعل تلك التجربة فريدة؟ و مالذي يجعلنا نشعر بأننا نعيش تلك الحرية المطلقة؟
كانت تلك هي أجمل الأيام لأننا لم نكن نعلم شيئا عن الحياة، الأشياء و الناس. هو شعور رائع الذي تقوم به بزيارة مكان جديد، كل الأشياء فيه أشياء لم يحدث و أن رأيتها من قبل، و أناس لم يحدث أن رأيتهم من قبل، بأشكال لم ترها من قبل. أناس، حيوانات، نباتات، زهور و فواكه و أشياء عديدة لا تحصى. ألوان و أصوات و أشكال في عالم سحري.
قبل ولادتنا، لم نكن بعد قد مررنا بتجربة مشابهة. كانت صرختنا عند الولادة هي إحتجاج على تغير العالم علينا، فنحن لا نريد الخروج من أرحام أمهاتنا لأننا تعودتنا على تلك التجربة و إرتحنا لها.
و كانت إغماضة أعيننا لعدة ساعات بعد الولادة هي شعورنا الأول و تجربتنا الأولى مع هذا العالم الجديد و كأننا لا نريد أن نراه خوفا منه. و كان النور هو أول شيء تراه أعيننا.
لتنطلق بعدها تجربة غريبة في عالم غريب و على كوكب غريب، من الوهلة الأولى من إنضمامنا لهؤلاء البشر.
ذلك هو شعورنا الحالم طوال فترة الطفولة، شعور الإكتشاف الإبتدائي و التجربة الأولى.
و لكن تأتي النهاية سريعة عندما نتعود على رؤية نفس الأشياء مرات عدة، عندما تبدأ الحياة بالنمطية و الأحداث بالتكرار، عندها نصل للقناعة بأننا لن نر أشياء جديدة بعد اليوم. نصل لقناعة مرعبة بأننا سنعيش غدا بنفس التجارب و نفس الأحداث و نفس الوجوه التي نعيش معها اليوم. لن يحدث شيء جديد بعد اليوم. هذه هي الفكرة التي سنعيش فيها حتى نموت. عندما نقع تحت ذلك الإحساس نكون قد فقدنا آخر أحاسيس الحرية. عندها نكون قد فقدنا إحساسنا بالحرية و إبتعدنا كثيرا عن ذلك العالم الرائع.
نفقد إحساسنا بالحرية عندما يبدأ المجتمع من حولنا بتعليمنا القيم و المبادئ. تلك القيم و المبادئ التي تتناقض مع قيمنا و مبادئنا عندما كنا صغارا. عندما كنا أحرار. نستبدل عندها قيم الأحرار بقيم المستعبدين، و مبادئ الأحرار بمبادئ المستعبدين.
عندما كنا صغارا، كنا نفرح بكل شئ مهما كان صغيرا و كانت لدينا القدرة على التعلم بسرعة بفضل جرأتنا على خوض التجربة الجديدة من دون مراقبة و دون خوف أن نفشل.
و كانت كلمات المديح البسيطة من آباءنا و ممن حولنا تشعرنا بالسعادة الكبيرة، كان الطفل المبدع الخارج عن النمطية هو الطفل المحبوب، و هو الأكثر شعبية.
و كانت عقولنا في منتهى الحرية و الإنطلاق في التفكير و التعبير و في طرح الأسئلة.
لم يكن للعقل حدود و كنا نتسائل عن كل الذي لا نعلمه و بكل أريحية و براءة عن الأفكار الجديدة.
و لكن كل ذلك، سيصل لنقطة و يتوقف.
توقف تلك الحرية و ذلك الإنطلاق الفكري، عندما بدأنا نكبر و بدأ المجتمع يعلمنا القيم الجديدة. فالمبدع و المنطلق هو شخص سيء، و الشخص الجيد هو الذي ”يسمع الكلام“ و ينقاد لأوامر والديه و لمن هو أكبر منه.
و هو الذي ينقاد للأنظمة و لأشخاص آخرين يملون عليه الأوامر.
كان هذا مفهوما صعبا جدا علينا في البداية، فلم تكن فطرتنا التي ولدنا بها لتتقبل هذه القيم الغريبة المتناقضة مع المنطق.
و لكن كان كل الناس من حولنا يسيرون بهذه القناعة و عاجلا أو آجلا سوف نضطر للإنقياد و للرضوخ.
تغيرت قيم التفوق، فالشخص المبدع هو الشخص الذي يبدع في التقليد و في التحصيل العلمي من خلال التلقين في المدارس و في حفظ الأنظمة ثم ترتيب حياته بحسب هذه الأنظمة.
لم يكن هذا سهلا علينا في البداية أيضا، و على الرغم من أن الكثير من الأطفال الآخرين إستطاعوا التأقلم.
بتغيير قناعاتهم الشخصية لنظام أشخاص آخرين معد مسبقا، إلا أنه كان ضربا من الخيال أن نقبل ذلك في أيامنا الأولى من الحرية.
كان إحساسنا بالحرية صغارا لا يقاوم و حتى لو إنهالت علينا الأوامر و التوبيخ فسرعان ما نعود لما كنا عليه و ننسى تلك الأوامر، لم يكن عصيانا لأوامر والدينا و لكنه إحساس بالحرية و عدم قناعة بما يحاول والدينا فعله و هما الذان يعيشان بقناعات مختلفة عنا، كانا يعيشان بقنعات المحرم و العيب و العادات و التقاليد و الخوف و الرهبة من الآخرين.
”لماذا لا تستمع للكلام، ألا ترى فلانا كيف هو مؤدب و ساكت و يسمع الكلام“ قالتها لي أمي و هي لا تدري أنها تلقنني أول دروس العبودية للآخرين، و تقولها كل أم في عالمنا الذي لم يورثنا من الإسلام الفكر و الحرية بل التعاليم الجافة الخالية من المعاني.
و لم يورثنا من عروبتنا الحرية و الكرامة و عزة النفس و الإعتزاز بالذات و بالشخصية المتميزة عن الآخرين بل ورثنا عروبة الإنقياد كالقطيع و المجتمع المتلاوم المترصد لكل من يخرق قوانينه الصارمة.
أصبح القدوة عندنا هو الشخص المطيع المنقاد، المقلد، الذي يحاول بقدر ما يستطيع أن يكون نسخة مشابهة لذلك الشخص المثالي الذي رسخه آباءنا فينا، فأصبحنا مجتمعا هزيلا و أفرادا مستنسخين. إن أبشع أنواع الإستنساخ هو الإستنساخ الروحي. و ليس الإستنساخ الجسدي. و المجتمع المثالي هو المجتمع الذي لا يوجد أي فرد مثالي.
عندما نمر بهذه الصدمة القاسية، نعيش عدة سنوات من الضياع، لا نحب ما نحن فيه، و نتوق لأيام الحرية. في تلك السنوات القلائل ينمو لدينا شعور غريب بحبنا لأن نكبر بسرعة. ظهور ذلك الشعور هو شئ طبيعي لفقداننا للحرية. و إحساسنا بحاجتنا لأن نكبر بسرعة لإعتقادنا بأننا إن كبرنا سنحصل على حريتنا.
تلك هي أصعب المراحل، مرحلة الإحساس المقيت بالوقوع تحت الوصاية و بالشعور بالإحتواء داخل منظومة غير متوافقة مع فطرتك التي بدأت بالإحتضار في ذلك الوقت، و هذا الإحساس المر هو إحساس الفطرة بالمنازعة في أيامها الأخيرة.
نكبر و تبقى تلك الأفكار الخاطئة فينا، نفقد حريتنا شيئا فشيئا حتى نصبح طلابا و موظفين و مواطنين صالحين. نستمع للكلام و نطيع الأوامر. حتى من يظن أنه ذو منصب و مال، هو مستعبد للمنصب أو للمال، يجري حيث يريد المال له أن يجري و يعيش خلف أسوار لا يختلط بالناس.
لماذا؟
لأنه تعلم في مرحلة فقدان الحرية أنه يجب عليه أن يكون أفضل من غيره و أن يحصل على أكبر كمية من المال لأنه لا يوجد ما يكفي منه، و بأن السعادة هي في جمع المال حتى يكون الإنسان ثريا، و عندما يصبح ثريا فسيستطيع من شراء أي شئ.
فيذهب في رحلة لا نهائية من البحث خلف المال.
رحلة الخوف من نقص المال و يلقي في تلك الرحلة تلك القيم و المباديء حتي يستطيع أن يلحق بركب الباحثين عن المال.
و في النهاية فإنه لن يجمع أبدا ما يكفي، لأنه لا يوجد ما يقنع الإنسان.
أكثر الناس سعادة هم أولئك الناس الذين إستطاعت أرواحهم من البقاء طوال تلك الفترة و إستطاعوا الإبقاء على جزء بسيط من حرية عقولهم خلال هذه المرحلة العسيرة و على الرغم من أن كثيرا من الناس قد تم غسل أدمغتهم بالأفكار الجديدة و لم يستطع أحد منهم المقاومة بالصمود للوقت الكافي، فإن هؤلاء الأحرار الباقون لازال لديهم القدرة على العودة من جديد للحرية الأولى. فطرة الله التي فطر الناس عليها.
لا تزال لديهم شعلة صغيرة لم تنطفأ.
أعتقد كثيرا أنك من هؤلاء.
لأنك تقرأني الآن، أنت تبحث عن مفهوم الحرية، لأن تلك الشعلة لديك بدأت بالإتقاد من جديد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

السلام عليكم ضع تعليقك وأترك بصمتك علي الموضوع مع خالص أحترامي وتقديري