يمثل تولي الرئيس الألماني الجديد يواخيم جاوك رسميا لمهام منصبه يوم الجمعة القادم حالة استثنائية في ألمانيا الحديثة، حيث يعتلي بذلك سدة أعلى منصبين بروتوكولي وتنفيذي في البلاد شخصيتان تنتميان للمذهب البروتستانتي، وتعود جذورهما إلى جمهورية ألمانيا الشرقية السابقة هما جاوك والمستشارة أنجيلا ميركل.
ورغم طابع الحياد الديني للدولة الألمانية المنصوص عليه بدستورها فإن مؤسستها السياسية حرصت على التوازن المذهبي في شغل منصبي رئيس الجمهورية والمستشارية، وراعت جعل المنصب الأول لشخصية كاثوليكية والثاني لشخصية بروتستانتية.
ومثل هذا العرف اتفاقا غير مكتوب سرى طوال العقود الماضية مع استثناءات قليلة كان آخرها تولي يوهانس راو -الذي عمل واعظا بروتستانتيا مثل يواخيم جاوك- منصب رئيس الجمهورية أوائل الألفية الجديدة بجوار مستشار بروتستانتي هو غيرهارد شرودر.
وأمضي الرئيس الألماني الجديد أربعين عاما متصلة في العمل الكنسي، واشتهر بأنشطته الحقوقية ومشاركته أواخر الثمانينيات في الحركات المعارضة المنظمة للثورة السلمية، التي أسقطت سور برلين وأزالت جمهورية ألمانيا الديمقراطية قبل توحيد الألمانيتين عام 1990.
ولد جاوك في 24 يناير/ كانون الثاني عام 1940 بمدينة روستوك الساحلية بشرق ألمانيا، وعايش في طفولته عنفوان الحرب العالمية الثانية وإمطار الحلفاء لألمانيا النازية بالقنابل، وعاني في سن الحادية عشرة من نفي النظام الشيوعي الحاكم بألمانيا الديمقراطية لوالده إلى معسكرات الاعتقال بسيبيريا بسبب اتهامه بمناهضة الشيوعية والتحريض على الاتحاد السوفياتي السابق.
وتسبب عدم انتماء الرئيس الألماني الجديد في صباه لمنظمة الشبيبة الألمانية الحرة التابعة للحزب الشيوعي في حرمانه من دراسة اللغة الألمانية وآدابها والتاريخ بالجامعة، واتجاهه بدلا من ذلك إلى دراسة علم اللاهوت البروتستانتي.
وإثر الاحتجاجات المصاحبة لسقوط جدار برلين برز جاوك متحدثا باسم منتدى رستوك المعارض، وتولى في يونيو/ حزيران 1990 رئاسة لجنة أوكل إليها برلمان ألمانيا الشرقية الأخير مهمة حل وزارة الأمن القومي، المشرفة على أجهزة النظام السابق وجهاز استخباراته شتازي ذي السمعة السيئة.
ووجهت ليواخيم جاوك بعد الإعلان عن ترشيحه لمنصب رئيس الجمهورية انتقادات من بعض رفاقه السابقين الذين اعتبروه غير جدير بمنصب الرئيس وشككوا في كونه ناشطا حقوقيا بألمانيا الشرقية، واتهم قس من قادة المعارضة بألمانيا الشرقية جاوك بركوب موجة الاحتجاجات الشعبية والبروز بعد سقوط سور برلين وليس قبله، واعتبر آخر وزير داخلية لألمانيا الشرقية "أن الرئيس الألماني الجديد تمتع بمزايا لو تمتع بها كل مواطني ألمانيا الشرقية لما قامت الثورة ولما سقط سور برلين".
وإضافة إلى هذه الانتقادات هاجمت التيارات اليسارية الألمانية مواقف سابقة لجاوك هاجم فيها الأخير "حركة احتلوا" المناهضة للنظام الرأسمالي ووصفها بالغباء الشديد وتوقع اندثارها، ولفت منتقدو الرئيس الألماني الجديد إلى "انتقاده لمتلقي المساعدات الاجتماعية ووصفه الدعوة لإلغاء سلطات الأسواق المالية العالمية بالحلم الخيالي، واعتباره أن الرأسمالية هي وحدها التي نجحت في إقامة نظام اجتماعي جيد".
ورأى المدون اليساري فولفغانغ ليب أن الفضل في شعبية جاوك وترشيحه للرئاسة يعود لمجموعة شبرنغر فيرلاغ الإعلامية العملاقة المعروفة بتوجهاتها اليمينية المحافظة، وصلاتها الوثيقة بدوائر المحافظين الجدد بالولايات المتحدة ودفاعها عن إسرائيل.
كما توجست الأقلية الألمانية المسلمة خوفا من الرئيس الجديد بسبب جملة من مواقفه المعلنة من بينها مرافقته في سبتمبر/ أيلول 2010 للمستشارة أنجيلا ميركل خلال تقليدها وسام الاستحقاق للرسام الدانماركي كورت فيسرغارد صاحب الرسوم المسيئة للنبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وكان الرئيس السابق كريستيان فولف الذي اعتبر أن الإسلام يمثل جزءا من المجتمع الألماني قد رفض حضور هذه المناسبة مراعاة لمشاعر مسلمي البلاد.
ولفت الإعلام التركي بألمانيا إلى مدح يواخيم جاوك لكتاب "ألمانيا تدمر نفسها" الذي كال فيه مؤلفه الاقتصادي السابق تيلو تسارسين الاتهامات والأوصاف السلبية للأتراك والعرب، وذكّرت صحف تركيا بمقابلة أجراها الرئيس الألماني الجديد قبل عامين من انتخابه مع التلفاز السويسري، وعبر فيها عن تفهمه لعدم راحة المواطنين الأوربيين تجاه المسلمين الموجودين ببلادهم، وكان جاوك قد قال في هذه المقابلة "الناس في كل مكان بأوروبا وليس في ألمانيا وحدها لديهم حساسية شديدة إذا شاهدوا شيئا غريبا ينمو فوق الأراضي الدينية لأوروبا".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
السلام عليكم ضع تعليقك وأترك بصمتك علي الموضوع مع خالص أحترامي وتقديري