الأربعاء، 27 يناير 2010

من يحاكم فيلدرز المسلم؟

  • تطغى هذه الأيام على وسائل الإعلام والرأي العام الهولندي، قضية محاكمة خيرت فليدرز، ومهاجمته للإسلام والمسلمين، واستغلاله ذلك سياسيا، ولكن هل يمثل فيلدرز حالة خاصة، أم أنه يتبع نهجا ومجرد أنموذج لأشكال أخرى تعيش حتى في أوساط خصومه، من المسلمين، الذين يصفونه -عن حق- بالتطرف والعنصرية؟ وقف اليميني الهولندي خيرت فيلدرز، أمام قاضي محكمته الأسبوع الماضي في أمستردام، قائلا إنه «سيبذل ما تبقى من حياته -كما فعل في الماضي- من أجل حرية التعبير، والدفاع عن حق الحديث عن «حقيقة الإسلام».
  • وأمام قاعة المحكمة تجمّع حوالي 300 من أنصاره يحملون لافتات، تطالب بحرية التعبير، وتهاجم نخبة اليسار والإسلام باعتبارهم علامات قمع وديكتاتورية. لفيلدرز، ولا شك، منهجه وتكتيكاته، وبالتعرف إليها، يمكننا وبسهولة أيضا، التعرف إلى نظرائه في الصفوف المقابلة.. فيلدرز ونظائره من قومنا، يجدون في بعضهم البعض، الوقود والزخم اللازمين ليستمروا.. فلرغبته في إطالة أمد القضية وتحويلها إلى قضية رأي عام، طلب محامي فيلدرز استدعاء قائمة طويلة من الشهود، منهم «محمد البويري»، قاتل المخرج ثيو فان خوخ، باعتباره تمثيلا للإسلام الذي يهاجمه، والحقيقة التي يدافع عنها.
  • أول ملامح المنهج «الفيلدرزي» لعب دور الضحية، ولكنه ليس هو حصرا المقصود والمستهدف، وكل ما يحدث ضده ليس اعتراضا عليه بالذات، بل هو هدم لمبدأ دستوري وحق عام بحرية التعبير، يطالب فيلدرز بمنع الخطباء المسلمين من الحديث، لكنه يصبح ضحية، عندما يشن عليه خصومه هجوما، مطالبين باحترام الآخرين، وعدم قولبة وتنميط الفئات الاجتماعية. يرى فيلدرز أن المهاجرين والإسلام، ليسوا خطرا اجتماعيا او ظاهرة مجتمعية، بل هم آفة تريد تغيير وجه الحضارة الغربية، وبالتالي فهو في موقف دفاع، لا هجوم، هو ضحية وليس جلادا، بل هو أحد الضحايا... ولكنه أكثرهم جرأة ونبلا. ودور الضحية، يستند إلى تكتيك «الشيطنة» عندما ينصب الحديث عن كل مساوئ المهاجرين والمسلمين: «إرهاب الشوارع، البطالة، التسرب المدرسي، التشدد الديني، والإرهاب»... متناسيا أن هؤلاء يمثلون جزءا من كل، وظواهر سيئة، تقابلها ظواهر أعرض بكثير ايجابية ومثمرة ومندمجة في صلب المجتمع الهولندي والغربي.
  • الشيطنة هي اختزال الآخر في السوء والشر، ليصير كتلة من المرفوضات المحضة. قالت صحافية تمكنت من خداع حزب فليدرز، وعملت كمتدربة في الحزب، قبل كشفها هذا الشهر، إن التعليمات كانت واضحة: لا تتردي كثيرا في نقد الحكومة، ووصف مثالب المسلمين، ومهاجمة اليسار، أبحري في هذا العباب بلا تفكير!! ولتكملة المسار، يستعين فيلدرز بتكتيك «العمومية».
  • ففي البرلمان، مثلا، يتعب فيلدرز نظراءه النواب، بكونه لا يناقش التفاصيل، إلا حين يريد فيغرقهم فيها.. ماعدا ذلك يسعى دوما، للحديث العمومي، عن الحق، وثقافة الغرب، والتسامح المهدور لصالح الخوف على مشاعر الغرباء. لا يناقش فيلدرز طبيعة من يستهدفهم، بل يجعل خطابه غائما، مرنا يمكن تلبيسه أي لباس، بحسب ثقافة ووعي المستمع. فيصير الاعتراض قمعا، والمعارضة مصادرة للآراء.
  • ذات مرة، وفي مناقشة لميزانية الحكومة، انشغلت البلاد بهجوم فيلدرز على صحافية اختطفتها طالبان، وقالت في كتاب إنه تم اغتصابها، وأبدت تفهما لشعور خاطفيها، فهاجم فيلدرز يومها ميوعة اليسار المصابين بعقدة ستوكهولم، وصار هو حديث الرأي العام، لا اليسار، ولا ميزانية البلاد.
  • لكن هذا كله لا يجدي من دون تكتيك «التسييس»، أي من دون توظيفه، ومراكمته للبناء عليه لمكاسب حقيقية وواقعية.
  • فكل ما يفعله يتحول لإنجاز سياسي، بل حتى ما يفعله الآخرون كذلك، يصبح جزءا من أقواله، تم تنفيذه من دون نسبته إليه، فصارت الحكومة، لا تدافع عن قراراتها وصوابيتها، بل في كونها هي المصدر، وليس فيلدرز.
  • في حوار العام الماضي مع إذاعة هولندا العالمية، أصر رئيس الوزراء الهولندي، على أن مطالب فيلدرز، هي من صلب خطة الحكومة، وضاعت رغبة أحزاب اليسار، وحتى منظمات دولية مثل الهيومن رايتس ووتش، في مراجعة هذه القرارات، تحت مزايدة فيلدرز، واليمين عموما، الشعبوية على الحكومة، ورغبة الأخيرة في كبح صعوده في استبيانات الرأي بشكل دراماتيكي. الآن يمكنك أن تتبين أن فيلدرز الهولندي ليس وحيدا في الميدان. ثمة فيلدرز في كل مكان يعاني من أزمات. أمامنا الكثير ممن يلعب دور الضحية، ويتباكى على مذابح المبدأ، ويرمي خصومه بكل الموبقات والشرور، ويتكسّب من كل ذلك في مسار سياسي دنيوي، حتى وهو يرفع المقدس بكلتا يديه. ترى هل العنف الخطابي الفيلدرزي ضد الإسلام والمسلمين؟ لنتذكر أن فيلدرز لم يزد في فيلمه «فتنة» على تجميع مشاهد وخطابات وأقوال وتصرفات للمسلمين، وعممها، ليقنع الآخرين في الغرب بأنهم ضحايا للأخطبوط الإسلامي. أما نظراء فيلدرز في قومنا، فهم ضحايا الغرب الشيطاني، الذي سيسود عليه الإسلام يوما. يتوعد فيلدرز خصومه بالحضارة، ويتوعده نظراؤه بالمقدسات والوعد الحق، ويتغذّى كل طرف بمقولات الآخر. هولندا تحاكم اكبر زعيم معارض، فهل يمكننا أن نحاكم الكراهية بين صفوفنا، ونقدم نظراء فيلدرز للمحاكمة؟ من يجرؤ أن يتصدى للطرف الآخر من معادلة الكراهية... والأدلة لا تعوز الإدعاء قطعا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

السلام عليكم ضع تعليقك وأترك بصمتك علي الموضوع مع خالص أحترامي وتقديري