الجمعة، 29 يناير 2010

حكم الإقامة في بلاد الكفار !

  • فضيلة العلامة المحدث محمد ناصر الدين الألباني : السائل : الإقامة في بلاد الكفر هذا هو السؤال .
  • يعني : سؤال عن هذا الأمر ، وزيادة عليه على : الناس الأمريكان في الأصل - ثم أمريكان مسلمين - هل يجب عليهم الهجرة من هناك !؟
  • الشيخ : وهل من شك في ذلك لهؤلاء .
  • قال الله تعالى : ( أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا ) . [ النساء : 97 ] .
  • نعم .
  • لكن قبل سؤالك الأخير - الشطر الأول منه - ما أدري أنت ثابت على سؤاله ، فنجيب عنه !؟السائل : أكون شاكر لو تجيب عنه .
  • بارك الله فيك .
  • الشيخ : أنا في اعتقادي : أن الشطر الأول من السؤال يفهم ضمنًا من الجواب على الشطر الثاني منه . لكن لعله من الأفضل بيان ما جاء في السنة من الأحاديث الصحيحة التي تحذر المسلم من أن يستوطن بلاد الكفر .
  • هناك في علم الفقه والأصول قياس يسمى بالقياس الأولوي .
  • إذا كان أهل البلد ولادة ووراثة إذا ما أسلموا وجب عليهم أن يهاجروا إلى بلاد الإسلام فمن باب أولى من كان على العكس من ذلك ولد في بلاد الإسلام ونشأ وتربى : أنه لا يجوز له أن يسافر ، ولا أقول : أن يهاجر إلى بلاد الكفر - هذا من باب أولى - ؛ لكن مع ذلك أقول الأحاديث جاءت تترًا لتنهى المسلم من أن يسافر إلى بلاد الكفر .
  • فمن ذلك الحديث الذي رواه الإمام أبو داوود في " سننه " عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال بأوجد عبارة : ( من جامع المشرك فهو مثله ) .
  • والمجامعة هنا المقصود : المخالطة ، أي : المساكنة .وجاءت أحاديث أخرى تؤكد هذا المعنى في أوضح عبارة ، فيقول - عليه الصلاة والسلام - : ( المسلم والمشرك لا تتراءى نارهما ) .
  • هذا كناية عن أنه يجب على المسلم أن يكون مسكنه بعيدًا عن مسكن المشرك لأن العرب من عادتهم أنهم كانوا يوقدون النار أمام دورهم ، أمام خيامهم فيترءى النار للقادم من بعيد ، فكأن الرسول - عليه السلام - يقول للمسلم : إبعد إبعد ما استطعت عن أن يرى نارك الكافر المشرك .
  • ( المسلم والمشرك لا تتراءى نارهما ) .يؤكد أيضًا هذا ، حديث ثالث ، وهو قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( أنا بريء من كل مسلم يقيم بين ظهراني المشركين ) .
  • هذه نصوص واضحة جدًا أنها تؤكد : أنه لا يجوز للمسلم أن يسكن بين ظهراني المشركين ، والحكمة من ذلك واضحة جدًا ليس من الناحية المنطقية ، أو العقلية ، أو التجربية ؛ لأن هذا الأمر ثانوي بالنسبة للنصوص النقلية ، فهناك بعض الأحاديث التي يمكن أن يُعتمد عليها لأخذ جواب .
  • سؤال قد يتبادر لبعض الأدهان حينما يسمعون تلك الأحاديث .
  • ما هو السر !؟ ما هي الغاية !؟ ما هي الحكمة من نهي الرسول - عليه السلام - من المسلم من مخالطة المشرك !؟
  • هناك حديثان من المناسب ذكرهما ؛ كجواب عن هذا التساؤل !؟الأول : قوله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - : ( مثل الجليس الصالح ؛ كمثل بائع المسك إما أن يحذيك ، وإما أن تشتري منه ، وإما أن تشم منه رائحة طيبة .
  • ومثل الجليس السوء ؛ كمثل الحداد إما أن يحرق ثيابك ، وإما أن تشم منه رائحة كريهة ) .
  • هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يضرب مثلاً في المجلس المصغر ، مجلس مصغر تجلس مع إنسان واحد ، فرد ، فيقول لك : إن كان صالحًا ؛ ( فمثله كمثل بائع المسك ) ... إلى آخر الحديث ، أو كان طالحًا ؛ فكالحداد ( إما أن يحرق ثيابك ، وإما أن تشم منه رائحة كريهة ) .
  • الحديث الثاني : الذي يؤكد الحديث الأول - والواقع أيضًا يزيده تأكيدًا - وهو ما رواه الإمام مسلم وربما البخاري أيضًا في " الصحيح " عن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - أنه قال : ( قتل رجل ممن قبلكم تسعة وتسعين نفسًا ثم أراد أن يتوب فسأل عن أعلم أهل الأرض فدُل على راهب فأتاه وقال له : أنا قتلت تسعة وتسعين نفسًا فهل لي من توبة !؟ قال : قتلت تسعة وتسعين نفسًا وتسأل هل لك من توبة !؟ لا توبة لك . فأكمل به عدد المئة .
  • ثم لم يزل يسأل حتى دُل على عالم ) . وهو من قبل دُل على راهب . أي : متعبد جاهل ؛ فأفتاه بجهله ، فكان عاقبة أمره أن ألحقه بالسابقين من القتلى .
  • في المرة الثانية دُل على عالم ؛ فجاءه قال له : ( أنا قتلت مئة نفس بغير حق ، فهل لي من توبة !؟ قال : ومن يحول بينك وبين التوبة !؟ ولكنك بأرض سوء ) .
  • هنا الشاهد ( بأرض سوء فأخرج منها إلى القرية الفلانية الصالح أهلها فانطلق إليهم ) ... إلى تمام الحديث . وهو معروف إن شاء الله . الشاهد : أن هذا الرجل العالم متفقه بفقه هذا الحديث أو هذه الأحاديث ، وهذا لا يمنع أنه هذه الأحاديث حدثنا بها الرسول - عليه السلام - ، لا يمنع أن يكون هذا من فقه الأنبياء من قبله - عليه السلام - ؛ لأنهم جميعًا كانوا يستقون من مشكاة واحدة .
  • فإذا هذا العالم فهم هذه الحقيقة : أن الجو الموجود فهو قد يعدي الشخص الصالح فيما إذا خالطه ، وهذا مثال ومن النواحي المادية المرضية ، الأمراض التي تتعدى ، ولذلك فجاء الحج الصح المعروف اليوم ، والرسول - صلى الله عليه وسلم - قد وضع قاعدته في الحديث المعروف : ( إذا وقع الطاعون بأرض وأنتم فيها فلا تخرجوا منها ، وإذا وقع الطاعون في أرض لستم فيها فلا تدخلوا إليها ) ، وهكذا .إذًا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حينما حرم على المسلمين : أن يستوطنوا بلاد الكفر إنما هو محافظة على عقيدتهم ، على عبادتهم ، على سلوكهم ؛ فلهذا أوجب ليس على المشركين ، هذا أمر مهم جدًا أيضًا ، وربما قل ما تعرضت له حينما نتكلم عن مثل هذه المسألة : الرسول - صلى الله عليه وسلم - ليس فقط أو الشارع الحكيم أوجب على المشركين إذا أسلموا أن يهاجروا إلى بلاد الإسلام بل أوجب على الأعراب أن يهاجروا من بداوتهم إلى حضرهم ؛ هذا فيه أيضًا مراعاة بعض نفس المعنى ؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول في بعض الأحاديث : ( من بدا جفا ) . فإذا عاش الأعرابي بعد أن تلقن التوحيد وتعلم ما يجب عليه لتصحيح إيمانه وإسلامه ثم رجع إلى باديته وعاش فيها ؛ فقد يتأثر بالجفاء الذي هو من طبيعة الأعراب .
  • فإذا كان الرسول - صلى الله عليه وسلم -حض الأعراب أولاً على أن يعودوا حضرًا ثم ربط بذلك حكمًا شرعيًا ، وهو أنهم ليس لهم حق في المغانم التي يغنمها المسلمون بسبب مقاتلة الكفار ، فأولى وأولى وأولى أن يوجب على المسلمين أن يلزموا ديارهم ، وأن لا ينتقلوا إلى بلاد الكفر ، والشرك ، والضلال ، وبخاصة في هذه الأيام . لأنكم تعلمون بأن اليهود والنصارى ، وإن كانوا ضالين - بسبب إنحرافهم أولاً عن التوحيد الذي بلغهم عن أنبيائهم ثم بسبب كفرهم بنبينا - صلى الله عليه وسلم - فهم مع ذلك كانوا على شيء من السلوك الحسن والأخلاق الطيبة ووو إلخ .
  • ومن كان في سني أو قريبًا منه فهو يعلم أن نساء النصارى في بلاد الإسلام كنا يتحجبن بحجاب أحسن من كثير من المسلمات اليوم ، ومعنى هذا الكلام أن أهل الكتاب ما كان انتشر فيهم الفسق والفجور والخلاعة ، الإنتشار الذي أخذ يشكو منه العقلاء - إن كان فيهم عقلاء - من هؤلاء الكفار في بلادهم .فلذلك كيف يجوز للمسلم أن يعرض نفسه لهذا المجتمع الموصوف بالتفسخ الخلقي والتحلل الخلقي !؟
  • هذا ما عندي جوابًا عن هذا السؤال .السائل : هذه الأحاديث هناك من يؤولها بأن هذه الأحاديث كلها نوع من الأمر بالهجرة إلى المدينة المنورة ، والهجرة كانت أمر من النبي - صلى الله عليه وسلم - للناس أن يهاجروا إليه ، للمسلمين أن يهاجروا إلى المدينة فالذين ما هاجروا كانوا قد اقترفوا هذا الإثم .فهذه الأحاديث تعني : إنما وجوب هجرة المسلم إلى دار الإسلام حينما يكون للمسلمين إمام يأمرهم بالهجرة إليه ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - نفسه لما فتحت مكة قال : ( لا هجرة بعد الفتح ) .
  • فأوقف هذه الهجرة . يعني : ما طلب من الناس الذين هم في ديار الشرك أن يأتونه لأنه قد قال : ( لا هجرة بعد الفتح ) .
  • وحديث : ( أنا بريء من كل مسلم يقيم بين ظهراني المشركين ) .
  • مرادف للآية : ( وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ ) . [ الأنفال : 72 ] .هذا معنى : أنا بريء ، أنا بريء يعني : أنهم ليس لهم حق المواطنة في المدينة المنورة ، في الدولة المسلمة لذلك هو بريء من دماءهم إن حصلت حرب بينه وبينهم وآتوا مع المشركين ، أو إذا غار على قوم مشركين ، وكانوا منهم وقتل منهم ؛ فكأنهم ما هاجروا ؛ كما في بعض الأحاديث : ( أن بعض المسلمين آتوا مع بعض المشركين في غزوة بدر فقتلوا وما علم المسلمين على قتلهم ) .
  • وفي نفس الحديث : ( أنا بريء من كل مسلم أقام بين ظهراني المشركين ) .
  • في تكملة في بدايته ونهايته : أن المسلمين أغاروا على قوم على قوم مشركين ، وكان فيهم مسلمون ؛ فالمسلمون اللي مع المشركين سجدوا حتى ينبهون المسلمين إلى أنهم مسلمون فأسرع فيهم القتل .
  • فالمسلمون شكوا في ذلك كيف قتلوا إخوانهم ، فقال - صلى الله عليه وسلم - : ( أنا بريء من كل مسلم يقيم بين ظهراني المشركين ) .فهذه الأحاديث إذا فسرت بأنها كانت أمر بالهجرة ، والهجرة يعني : هي أمر بالهجرة إلى دار الإسلام ، وليس أمر وزيد مشروط وجود إمارة ودولة مسلمة تأمر بالهجرة . حتى النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( لا هجرة بعد الفتح ) .
  • انتهى هذا الأمر ؛ فإن هذا التأويل لهذه الأحاديث وممكن ...الشيخ : أنا أعتقد ؛ كما يقال - ولا مؤاخذة - : لقد أبعدت النجعة .
  • ما أدري أنت تشعر معي : أنه نحن تطرقنا للجواب عن سؤالك ذي الشقين .أحدهما : يتعلق بالهجرة التي أنت - الآن - تدندن حولها .والأخر يتعلق بـ : - لا أقول مكررًا لما قلت آنفًا - لا أقول بـ : هجرة المسلم إلى بلاد الكافر ، وإنما بسفره إلى بلاد الكفر ، وأنا آراك - الآن - أنت تدندن حول ، ليس فقط الحديث أو الأحاديث التي تأمر الكافر بأن يهاجر من بلد الكفر إلى بلد الإسلام ؛ بل والآية التي - أنا - أشرت إليها آنفا .
  • أنت تدندن حول هذه النقطة بالذات .
  • وجوابًا على هذه الدندنة : أنا أقول : أعجبني منك حينما قلت : إن بعض الناس يتأولون هذه النصوص بهذا التأويل ؛ لكني خشيت أنك قد لا تعني بلفظة التأويل المعنى الإصطلاحي له ، لأن التأويل لغة : قد يأتي بمعنى التفسير ؛ فخشيت أن تعني بكلمة التأويل : هو التفسير .
  • وهذه الخشية بدت لي أخيرًا حينما استعملت التفسير لفظة التفسير ، فأظنك إذن لا تعني التأويل بمعنى التأويل الإصطلاحي ، وإنما التأويل بمعنى التفسير .
  • السائل : نعم .
  • الشيخ : طيب .الرسول - صلى الله عليه وسلم - ؛ كما ذكرت تمامًا أنه قال : ( لا هجرة بعد الفتح ) . هل هذا النص فيما تعلم هو عام أم خاص !؟السائل : عام في ماذا تقصد ، عفوا !؟الشيخ : يعني لا هجرة مطلقًا إلى أي بلد إسلامي من أي بلد كافر ، أم لا هجرة فقط إلى المدينة .
  • السائل : هو هذا السؤال المطروح يعني هذا السؤال : لا هجرة تعني : لا هجرة إلى المدينة المنورة ، أم أنه لا هجرة معناها : لا وجوب للهجرة إلى ديار المسلمين ، وإنما كان الأمر بالمجيء إلى دار المسلمين إنما هو أمر بالهجرة .الشيخ : أنا ما فهمت أنه كان هذا سؤالك ، فهمت أنه كان تفسيرك لتلك النصوص ، وحمل لها على الهجرة التي كانت من قبل واجبة ثم أصبحت منسوخة بقوله - عليه السلام - : ( لا هجرة بعد الفتح ، ولكن جهاد ونية ؛ وإذا استنفرتم فانفروا ) .
  • هكذا فهمت من كلامك .وما فهمت : أنك وجهت سؤالاً ، هذا السؤال الذي أنا وجهته إليك : قوله - عليه السلام - : ( لا هجرة بعد الفتح ) .
  • هل يعني لا هجرة مطلقًا ، أم هو يعني : لا هجرة إلى المدينة ؛ لأن الله - عز وجل - نصر نبيه ، وعز جنده ، ومكن لدينه في المدينة ، بعد ذلك لم يكن هناك حاجة بعد أن تمكن الإسلام والمسلمون في بلدهم وقامت دولتهم . ( لا هجرة بعد الفتح ) .
  • فأنا أقول جوابًا على هذا السؤال : الحديث - بارك الله فيك - ليس عامًا .
  • أي : هو لا ينفي استمرارية الهجرة من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام ، وإنما هو يعني لا هجرة بعد فتح مكة إلى المدينة ؛ لأن الرسول - عليه السلام - كان قد خطط بأمر من الله - عز وجل - أن يتجمع المسلمون ، وأن يتكتلوا في دار المدينة لتقوم دولتهم ، وليتجمعوا لمحاربة الكفار في مكة الذين استضعفوا المؤمنين وعذبوهم .
  • فلما نصر الله - عز وجل - نبيه ، وعز جنده ، وفتح مكة . قال : ( لا هجرة بعد الفتح ، ولكنه جهاد ونية ؛ وإذا استنفرتم فانفروا ) .
  • ولذلك أذَّكر هنا بقاعدة : إن ما نقلته - آنفًا - عن بعضهم معنى ذلك المصير إلى نسخ نصوص كثيرة وكثيرة جدًا .
  • أولها : الآية التي تقول : ( أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا ) . [ النساء : 97 ] . فأريد أن أذّ!كر : أن النسخ إنما يصار إليه حينما يتعارض نصان صحيحان تعارضًا متنافرًا كل التنافر لا يمكن التوفيق بينهما بوجه من وجوه التوفيق المعروفة عند العلماء ، والتي أوصلها بعضهم إلى أكثر من مئة وجه ، فحينما لا يمكن الجمع بين الوجه الأول والثاني .
  • وحينها يقال هذا : ناسخ ، وهذا منسوخ أو العكس ، وهذا فيه شرط مهم جدًا ، وهو : أن يعرف المتقدم من المتأخر ؛ فالنسخ لا يصار إليه إلا بعد أن تسد كل الطرق للجمع بين النصوص ، وهنا لا ضرورة إطلاقًا - ولا حاجة ليس فقط ضرورة - لا حاجة للصيرورة إلى ادعاء نسخ الآية فضلاً عن الأحاديث التي ذكرناها آنفًا من أن الشارع الحكيم حضّ الأعراب : أن يهاجروا من باديتهم إلى حاضرتهم ليكون لهم ما للمسلمين عامة من الغنائم . نسخ هذه النصوص مع إمكان الجمع : بالمعنى الذي نعرفه عن العلماء قاطبة في تفسيرهم للحديث : ( لا هجرة بعد الفتح ) .
  • أي : لا هجرة إلى المدينة هذا الذي رفع .
  • أما الهجرة من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام فبابها مفتوح وماض إلى يوم القيامة ، وهذا مذكور في العقائد المتوارثة خلفًا عن سلفا ؛ كما أنهم يقولون : الجهاد ماض إلى يوم القيامة ؛ كذلك يقولون : الهجرة ماضية إلى يوم القيامة ، ولعل هناك حديث بهذا الخصوص ، لكن الآن لا أستحضره .
  • ما أدري إذا كان بعضكم يذكر هذا .الشاهد : لكن كل هذا الكلام - بارك الله فيك - ، الهجرة من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام يعني : أنه ليس منسوخًا هذا ، وإنما المنسوخ الهجرة فقط إلى المدينة .
  • بمعنى لو أن مسلمًا هاجر اليوم من المدينة إلى مكة ما أحد يقول له لماذا خالفت !؟ لا .
  • فضلاً ، هاجر من بلد آخر إلى مكة دون المدينة ما أحد ينكر هذا الشيء إطلاقًا .فالهجرة إذن ماضية إلى يوم القيامة من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام ، لكن نحن موضوعنا الهام في الحقيقة الذي يتعلق بالمسلمين الذين ابتلوا بالسفر من بلادهم إلى بلاد الكفر ، فهذه النصوص التي ذكرتها آنفًا لا يمكن تأويلها بالمعنى الإصطلاحي ولا أعني تفسيرها .
  • لا يجوز تأويلها بأنها أصبحت منسوخة ؛ لأن هذه ليس لها علاقة بقوله عليه السلام : ( لا هجرة بعد الفتح ) . ليس لها علاقة هذه عكس ما قدمنا آنفًا ، وقلنا : أنه هناك في الفقه الإسلامي قياس ، يسمى بالقياس الأولوي . فقلنا : إذا كان الشارع الحكيم أمر من كان مقيمًا في بلاد الكفر ، وقد هداه الله إلى الإسلام : أن يهاجر إلى بلد الإسلام . فكيف يأذن لمن كان مسلمًا أبا عن جد ويعيش في بلاد إسلامية كيف يسمح له بأن يذهب إلى بلاد الكفر ويستوطنها : ( ومن كثر سواد قوم فهو منهم ) .
  • ( من جامع المشرك فهو منهم ) .
  • على أننا نحن نقول : إذا لاحظنا المعنى الذي فهمناه من حديث الرجل الذي قتل مئة نفس بغير حق وذلك العالم الحكيم الطبيب قال له : ( أنت في أرض شر ، فاخرج منها ) .
  • فهذه هي الحكمة : أن يقال لمن يعيش في بلاد الفسق والفجور : أن يتطلب بلدًا أقل منه فسقًا وفجورًا فضلاً أن يكون أقل منه كفرًا وضلالاً وليس العكس تمامًا : أن يقال : أترك بلادًا أو بلدًا إسلاميًا وسافر إلى بلد كافر .
  • ثم ما الذي يحمل هؤلاء الناس على السفر إلى بلاد الكفر دون بلاد الإسلام الأخرى .
  • أنا كثيرًا ما أسمع من بعض الناس : إننا نحن مضطرون للسكن في هذه البلاد لأننا أخرجنا من ديارنا مُكرهين ، وهذه نحن نعرفها مع الأسف حقيقة مُرة ؛ لكن الذي أقوله لهم : لم تؤمروا أن تسافروا إلى الأرض التي أنتم الآن تستوطنونها ، أخرجتم من بلدكم ، بلد مسلم ثم اخترتم أنتم باختياركم المحض أن تقيموا في بلد الكافر ؛ كأمريكا ؛ كبريطانيا ؛ كألمانيا ؛ كفرنسا وغيرها فإذا هذا ليس عذرًا .
  • أنا أتصور : أن زيدًا من الناس أخرج من داره مكرهًا ، - وأنا من هؤلاء - لكن حينما اخترت بلدًا إسلاميًا اخترته بمحض اختياري ، فلماذا أولئك يختارون بلد الكفر والضلال !؟
  • لأن هناك المرابح المادية .إذن هم لم يسافروا هناك ؛ كما سافر بعض الضعفاء المرغومين من مكة إلى الحبشة المرة الأولى والثانية فرارًا من الظلم فقط وإلى أرض فيها الأمن ؛ كما جاء وصف ذلك في بعض الأحاديث .
  • ما سافروا لهذا لأنه بإمكانهم أن يجدوا هذا الأمن في بلد إسلامي ، وأن يجدوا العمل أيضًا الذي يعتاشون به وبرزق حلال مثل ذلك أو قريب من ذلك .
  • لكن الذي يجعلهم يؤثرون السفر إلى تلك البلاد : هو الربح المادي ، وهذه فتنة من زاوية أخرى ، وهي ما أشار إليه رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - في الحديث الصحيح المعروف : ( إنَّ لكل أمة فتنة ، وإن فتنة أمتي المال ، ما الفقر أخشى عليكم إنما أخشى عليكم أن تفتح عليكم الدنيا وزهرتها ) . أو ؛ كما قال - عليه الصلاة والسلام - .
  • وأنا أعرف ، أو ألمس تأثر المسلم بالجو الكافر وبذوقه من حيث يشعر أو لا يشعر .
  • وقعت لي القصة التالية - وفيها عبرة لكل من يعتبر - : قُدّر لي أن سافرت إلى أوروبا وبريطانيا منها ، وجلست هناك أيامًا ، وزرت بعض الدعاة الإسلاميين ، وكان الشهر : شهر رمضان ؛ فأنبئت بأحد الدعاة الأفاضل في قرية تبعد عن لندن بنحو مئة وعشرين كيلو مترًا بالسيارة ، فسافرنا ، وجلسنا على طعام الإفطار ، والداعي شاب في نحو الخامسة والثلاثين أو الأربعين .
  • وهو إما : باكستاني أو هندي - طبعا مسلم - ، ويتكلم اللغة العربية ببيان واضح ، ومتزي بالزي الإسلامي واللحية ؛ لكنه يلبس الجاكيت والبنطال ، زيادة على الجاكيت الكرافيت هذه .
  • فأنا من باب التناصح مع الرجل لاسيما وقد سمعت حوله ثناءً طيبًا ، بدأت أتكلم بموضوع : ( من تشبه بقوم فهو منهم ) .
  • وموضوع آخر يختلط أحيانًا على بعض الناس بالموضوع الأول ألا وهو مخالفة المشركين : الأحاديث التي تأمر المسلم بمخالفة المشرك ، فالأمر بمخالفة المشرك أهم من النهي عن التشبه بالمشرك ، وهذا واضح في مثل قوله - عليه السلام - ؛ كما في " صحيح البخاري " : ( إن اليهود والنصارى لا يصبغون شعورهم فخالفوهم ) .
  • الشيب : صبغة الله لا يملكه الإنسان مفروض على المسلم والكافر ، على الصالح والطالح ؛ مع ذلك قال - عليه السلام - : ( فخالفوهم ) ، أنت تشيب والكافر يشيب خالفه بأن تصبغ شعرك ، لحيتك ، تحدثت معه في هذا الموضوع ، ومن طيب نفسه : أنه استجاب فورًا وهذا نادرًا ما نجد مثل هذه الإستجابة السريعة ونحن على الطعام ، وافق قال : طيب .
  • لكنه قال - وليته ما قال هنا الشاهد ، قال - : والله أنا ما وضعت هذه الكرافيت إلا لأنه هنا الإنكليز ينظرون إلى إخواننا الفلسطنيين الذين من عادتهم ( كما أنت فاعل يا دكتور ) .
  • قميص بدون كرافيت مفكوك الزر ؛ فينظرون إليهم يعني نظرة انكار ، أو استكراه ، أو ما شابه ذلك ، قلت : ولهذا أنت وضعتها ، ليتك ما قلت هذا الكلام .
  • أنت تهتم بهذه النظرة الإنكليزية لإخوانك المسلمين ؛ فتريد أن لا تشاركهم في هيئتهم ، حتى الإنكليز يحسن الظن بك و، يظلون يسيؤون الظن بإخوانك الفلسطنيين ، قصدي هذا رجل فاضل وداعية فتأثر بالجو البريطاني الذي ينظر إلى بعض المسلمين تلك النظرة ، فرأى أن ينجو من مثلها بأن يتزي بزيهم وهذا قليل من الجلّ ؛ مما يتأثر به كثير من الشباب المسلم حينما يستوطنون بلاد الكفر ، ولذلك أنا صار من عادتي - وقد بليت ، وأرجو إن شاء الله أن أكون بليت بالخير ، بهذا الهاتف - ؛ فكل ليلة تأتيني أسئلة من مختلف البلاد حتى هذه البلاد التي نحذر المسلمين من استيطانها .
  • في الأمس القريب - ما أدري من كان هنا من إخواننا - ، واحد اتصل من بلد نسيت اسمه ، والله نادرًا ما يتصلوا من هناك .
  • يقول لي : أنا أكلمك من أمريكا ، من بريطانيا ، أنا من هنغاريا ، أنا من ألمانيا ... إلخ . أقول له : أرجو الله أنه ينجيك فورًا من بلاد الكفر ، هنا يصير فيه حديث مع كثيرين منهم ، بعضهم والله - وهذا من فضل الله علينا وعلى الناس - يقولون نحن سمعنا أشرطتك واقتنعنا ، ولمسنا ضرر الإقامة في هذه البلاد ؛ لكن الخلاص منها ليس بالأمر السهل ويحتاج إلى استعدادات .
  • أحدهم راجعني ثلاث مرات بواسطة الهاتف . يقول : أنا علي ديون كذا ألف .
  • ما أدري دينار ، أو قال : شيء آخر ، وأنا - الآن - ما أستطيع أن أرجع إلى بلدي وإلا أسجن ، حتى أجمع هذا المال ، وأستطيع أن أخلص ذمتي ... من هذا الكلام يعني . فالشاهد :
  • ( الدين النصيحة
  • الدين النصيحة . الدين النصيحة )
  • ، لا يجوز للمسلم : أن يدع بلده المسلم ، وأنا أعني البلد المسلم باللغة الشرعية ، وليس باللغة الإقليمية .
  • أي : بلاد الإسلام كلها ، وأنا أعرف - مع الأسف الشديد - : أن الكثير منها لا يستطيع المسلم أن يدخلها وإذا استطاع دخولها فهو لا يستطيع الإقامة فيها .
  • أنا أعرف هذا لكن ليست كلها بمثابة واحدة من حيث التضييق ، ولذلك هذا من باب : ( الدين النصيحة ) .وضف على هؤلاء المسلمين الذين استوطنوا في بلاد الكفر : أن يعودوا إلى بلاد الإسلام بأي طريقة كانت : فقر ، صبر .
  • هذا هو يعني : الأمر الطبيعي بالنسبة للمسلم ( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمْوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ . الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ . أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ) . [ البقرة : 155 - 157 ] .لكن ، أنا أقول : مشكلة المسلمين - اليوم - : أنهم يفقدون ركيزتين هامتين جدًا نحن دائمًا ندندن حولهما : [ التصفية والتربية ] : " تصفية الإسلام " مما دخل فيه مما هو غريب عنه ، و " التربية " على هذا الأساس .
  • اليوم تربية على الحياة الضنك وعيشة الفقر ، أكثر الناس لا يعرفونه ولذلك يصورون لأنفسهم : أن يهاجروا إلى بلاد الكفر من أجل الحصول على المال ؛ ثم يعللون لأنفسهم أنهم سيعودون يومًا ما إلى بلادهم بعد أن يكونوا جاءوا بالمال .
  • هل كان السلف الصالح - هكذا - ، أم صبروا صبر أيوب - عليه السلام - حتى فتح الله عليهم البلاد ، ويعجبني بهذه المناسبة : أن أبا هريرة الذي كان من أهل الصفة ينام في المسجد ليس له مأوى ، ليس له زوجة ، فيما بعد تزوج إمرأة في قصة بديعة بس ما أحد منكم يذكرها لعله كان يخدمها ، أو أي شيء بعدين صارت زوجته .
  • مش هذا المهم ، كان أمير في بلد ما طلع منديل وامتخط فيه ؛ فقال : كخ كخ أبو هريرة يتمخط في المنديل ؛ فانظروا إليه ، وإلى الوضع السابق .
  • الله أكبر .لكن الحقيقة : أن الصبر هو مفتاح الفرج ، لكن المسلمون بحاجة إلى تربية ، ولذلك الذين يسافرون إلى تلك البلاد ؛ إما أن يكون فيهم نقص في فهمهم للإسلام ، وهذا غالب على الناس ، أو فيهم نقص تربية إسلامية صحيحة ، وهذا أغلب على الناس ، ولذلك فنحن ننصح بأن يعودوا إلى بلدهم .هنا شبهة - لابد من ذكرها بهذه المناسبة - ، وهي شبهة غرَّارة يغتر بها الكثير من الشباب .
  • يقولون : - والله يا شيخ - نحن هنا واخذين حريتنا الدينية أكثر من بلدنا ، وهذا من بعض الجوانب صحيح ، لكن أنا أفجأهم بحقيقة هم يعيشونها .
  • أقول لهم : هل تستطيعون أن ترفعوا أصواتكم بالأذان ، يقولوا : لا .
  • أقول لهم : إيه الحرية التي تدعونها . ثم أذكرهم بالمدى البعيد : أنتم إذا كنتم تفرون بدينكم - زعمتم - إلى بلاد الكفر ، هل بإمكانكم : أن تتصوروا أنكم تستطيعون : أن تقيموا دولة الإسلام حيث أنتم في أمريكا ، في فرنسا ... إلخ .
  • إلا بعد قرون وقرون طويلة .
  • أي الأمرين أقرب : أن تعودوا إلى بلادكم ، وأن تتعاونوا مع إخوان لكم هناك لتحققوا أولاً المجتمع الإسلامي ، والحياة الإسلامية التي منها ينبع إقامة دولة الإسلام ، والحكم بالإسلام أم هناك أقرب !؟
  • لا والله ... يقولون : في بلادنا أقرب ؛ لأنه لإعادة تلك البلاد الكافرة إلى مثل ما هو الوضع في البلاد الإسلامية يحتاج إلى قرون .
  • فلذلك أنتم تعيشون في أوهام ، تقولون : نحن نعيش في حرية أكثر من بلاد الإسلام ، هذا وهم ، هذا خيال ، نعم تصلون وبتصوموا ... إلخ ؛ لكن أكثر صيامكم ، أكثر صلاتكم ليس على الوجه الشرعي ثم دعوا هذا الجانب .
  • تسمع هناك مشاكل يتعرض لها الشباب من حيث الزواج ببعض الكتابيات - زعموا - والتوالد اللي يحصل بعد ذلك ، والنزاع إذا المرأة طلقته - مش هو طلقها - فيبقى ولده ، أو ابنته معها وليس معه ... إلخ .مشاكل يعني دائمًا نُسأل عنها ، هذه ما تقع في بلاد الإسلام .
  • لذلك تكون الحقيقة التي لا شك فيها ولا ريب : أنه لا يجوز للمسلم - اليوم - أن يعيش في بلاد الكفر ؛ فإذا أخرج من بلده ، من مسقط رأسه ، فيسعه : أن ينتقل إلى بلاد آخر من بلاد الإسلام ، هذا ما يحضرني ذكره ، أو رأيت من الضروري ذكره بمناسبة البحث في هذه المسألة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

السلام عليكم ضع تعليقك وأترك بصمتك علي الموضوع مع خالص أحترامي وتقديري