الأربعاء، 13 يناير 2010

بكاء من المساجد

  • خط الشيب رأس عبد الملك بن مروان مبكرا، وهو لا يزال في الثلاثين من عمره، فقيل له:ما هذا الشيب يا أمير المؤمنين؟
  • فقال كثرة صعود المنابر.
  • وفي إجابة الخليفة عبد الملك بن مروان حقيقة مخبأة، وهي أن صعود المنابر وارتجال الحديث للناس أمر في غاية الصعوبة والخشية مما يجعل المتحدث متخيرا الألفاظ التي تخرج من بين فكيه، هذا الهم اليومي يعجل بالشيب.
  • إلا أن من يصعد المنابر هذه الأيام لايلقي بالا لما يقول وما سوف يقول وأثر ما يقول على الناس.
  • فجلهم ينطلق وفق مقولة (طقها والحقها)، وفي ركضهم العشوائي هذا يثار الغبار وتقلع الحجارة ويضرب الرأس بالرأس.
  • كما أن هناك قاعدة معروفة عند العلماء لا تجيز الحديث عما لا يفقهه العامة.
  • وغالبا ما تدور نقاشاتهم العميقة بين الخاصة وعدم إفشائها لعابري السبيل ومتواضعي الإدراك.
  • هذه القاعدة كسرت في الوقت الراهن بسبب ثورة الاتصالات، وغدونا نسمع ونرى (غسل الملابس القذرة) في كل مكان.
  • ومن الخطورة على أي مجتمع تحريك الكراهية الطائفية، ودفع الناس للتناحر اللفظي في البدء ثم خلق ترسبات من التشاحن تفرز فيما بعد انشقاقا اجتماعيا لايمكن رأب صدعه.
  • وفي الأيام القليلة الماضية، كان الصراع الطائفي حاضرا بقوة بسبب الإذكاء الإعلامي من هنا وهناك، مما جعل العامة يخرجون مخزونهم من الأقوال المحفوظة عن غلاة هذه الطائفة وتلك وكل فئة تتطرف في اتهاماتها للفئة الأخرى من غير دراية معرفية حقيقية بالفوارق أو معرفة حقيقية بالأمور التي تجتمع عليها كل الطوائف المذهبية، ألا وهي التوحيد وبقية الأركان الأساسية، هذا التحريك الطائفي كانت شرارته منطلقة من شخص أو شخصين ارتجلا الحديث فوقعت الفأس في الرأس ليتم تناقل ذلك التحريض عبر وسائل الإعلام لتتحول إلى مادة للحديث في المجالس والمنتديات والمقاهي.
  • وما تم تناقله لايمت بصلة لأي مذهب، حيث كانت الشتائم هي الحاضرة، واتهامات بالكفريات على لسان كل متحدث من غير مراعاة لأي شعور أو احترام لقيمة إنسانية.
  • وهذا لم يكن ليحدث لولا جهالة من يصعد المنابر ويطلق الكلام جزافا، ومن الضرورة اللحاق بالكلمة الشاردة وإعادتها لجحرها كي لا يفتتن الناس بعضهم ببعض.
  • وهذا دور العقلاء من علماء الأمة بتثبيت المتفق عليه ونبذ المختلف وإعادة لحمة الناس بعضهم ببعض.
  • وغالبا مايكون المسجد منطلقا لمثل هذه الدعاوى فعلى الخطباء أن يتقوا الله في أمة الإسلام وأن لا يقطعوا أشلاءها أكثر مما هي عليه.
  • نقلا عن "عكاظ" السعودية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

السلام عليكم ضع تعليقك وأترك بصمتك علي الموضوع مع خالص أحترامي وتقديري