الجمعة، 8 يناير 2010

في مصر .. انت معارض للحكومة .. اذن انت خائن وعميل ومتآمر

  • صورة لقوات الامن المصرية فى مواجهة متظاهرين شاهدت وسمعت بنفسي حين كنت صغيراً عدداً من المواقف لمصريين تنفر عروقهم وتحمر أعينهم ويجهرون بالصوت إذا ما مس أي شخص من دولة أخرى حكومة دولته أو أحد رموزها بنقد او تقريع.
    حين كنت صغيراً كنت اعتقد ان من يفعل هذا فهو يقطر وطنية وغيرة على بلده .. ولكن مع الوقت وبتعدد القراءات والاطلاع والمواقف التي عاينتها اكتشفت أن الأمر غير ذلك تماماً.
    نجحت الحكومات المتعاقبة من "ثورة" 1952 في شخصنة الدولة وقصرها وحصرها في شخص رجل واحد او مجموعة تحكم الدولة - مثلما كانت روسيا ستالين وفلبين ماركوس و زوجته
    وليبيا الاخ العقيد وكوريا كيم جونج ايل- وهذا أمر في غاية الخطورة وهو خاطئ تماماً، فالدولة تتمثل في مواطنيها وثقافتها وحضارتها وتاريخها واسهامها الفني والعلمي والثقافي في محيطها الاقليمي والدولي ، وهو الأمر الذي يعد بطبيعة الحال في نظر حزب يحكم لعقود متواصلة مجرد شعارات لا طائل من وراءها ولا تقدم او تؤخر في تطور الدولة ولا تعدو كونها "جعجعة مثقفين"
    والمشكلة أنه بسبب هذا المخطط تشبعت عقول أغلب المصريين بأن من يهاجم أو يعارض فهو شخص له مصالح شخصية أو أهداف سياسية أو مادية و يجب الابتعاد عنه وكأن ما به مرض خطير ينبغي الفرار منه خوفاً من العدوى او أن يتسبب لهم في جلب الأذي على أيدي من لا يرحم .. بل ولا بد ان يعالج هذا الشخص.. وما اكثر مراكز العلاج في مصر. ما أريد اقوله هو أنه يجب ان يتوقف هذا الأمر تماماً وان نعي ان الحكومة ليست هي مصر انما هم مجرد افراد -يفترض أنهم- من حزب منتخب شرعيا ويمثل جموع الشعب الذي يطمح في غد مشرق وحياة أرغد وأن نوقن بأن الحكومة "خيار شعبي" المفروض أنه قابل للسحب والتغيير والسقوط في الانتخابات لا الاستمرار في حكم دولة لثلاثين عاماً لا زلنا بعدها نتحدث عن مشروعات البنية التحتية والمجاري والطرق والتليفونات ومياه نظيفة رأينا المواطنين يذوقون الأمرين للحصول عليها
    ليست الحكومة هي الوطن او البلد او الدولة وليس من يعارض الحكومة وسياساتها بالضرورة خائن وعميل ومتآمر ويطمح في القفز على الحكم، ففي الدول الشمولية والديكتاتورية و القمعية فقط يعتبر كل من يعمل بالعمل السياسي السلمي للوصول الى الحكم خائن وعميل ويجب اعتقاله وتعذيبه وقتله وتشريد أهله.. رغم ان تداول السلطة أمر دستوري وديمقراطي يجب أن نوقن بأنه ليس من حق حكومة او حزب حاكم ان يعطي صكاً بالوطنية لمن يوافقها أو أن تسحبه ممن يعارضها، فمصر الوطن أكبر من المواطن ومن الحكومة ولا يجب ابدا ان يحتكر حزب او نظام في العالم حكم وطن لنفسه وللابد
    ويدور في ذهني حقيقة سؤال محير: لماذا لا تتهم المعارضة في إسرائيل او انجلترا أو أمريكا بالخيانة والعمالة لإيران او سوريا ولا يعد الحديث عن الحكومة بالنقد أمر يسيء إلى الدولة وهيبتها ومكانتها بين الأمم؟ وعلى الجانب الآخر.. لماذا يعد نقد السياسة او مواقف الحكومة المصرية في نظرها اساءة الى مصر؟ ولماذا يجب ان يكون رأي المواطن طوال فترة حياته على أرض هذا الوطن هو نفسه رأي حكومته - حتى وإن افترضنا أنه انتخبها في وقت ما بكامل حريته ؟ أقول إن افترضنا .. أليس من الممكن ان يغير المواطن رأيه في حكومته بعد وقت ما اذا ما شعر بأنها لا تعمل لما فيه صالحه؟ .. هل مطلوب من كل الناس ان تنساق خلف رؤى وقرارات وتخيلات الحكومة وتقول آمين وإلا فهو خائن ولديه أجندة منفصلة عن الوطن و تموله جهات خارجية
    حين تتصل قوى المعارضة بدول أخرى فهي تستعين وتستقوي بالخارج على حكومة دولتها طلبا للدعم ... وحين تتحاور حكومات الدول مع الخارج لمساندتها في قرار سيرفضه شعبها فلا غضاضة في ذلك .. فأي ازدواجية تلك التي نعيش فيها؟
    ولا أجد ما أختم به سوى كلمات رائعة من مقال نشره الاستاذ فهمي هويدي معلقا على ما قاله الاخ العقيد معمر القذافي في القمة العربية التي انعقدت بالدوحة مؤخراً لعل المعنى يصل:
    " الحالة تستحق الدراسة، من حيث إنها تبرز كيف أن الحاكم في العالم العربي يبدأ إنسانا يمشي مع الناس على الأرض، ثم ينتهي إلها يخاطب الآخرين من فوق سماوات عُلا، بعد أن يطول به المقام في منصبه، ويرى
    مواكب الخاضعين والمنافقين والمداحين تنحني أمامه كل يوم وهي تتعبد له وتلهج بالثناء عليه، في حين تحمل المباخر حوله طوال الوقت. وذلك ينطبق على الجميع دون استثناء. والفرق بين القذافي وغيره أنه أفصح عن ألقابه "الحسنى" في حين أن الآخرين لا يتحدثون عن أنفسهم بذات الدرجة من الصراحة، ولكنهم يمارسون "الإلوهية" بصور شتى، بينها أنهم لا يُسألون عما يفعلون .. ويرسلون ولا يستقبلون .. ويعتبرون أن الكل فانٍ وهم مخلدون.. وحِّدُوه!"

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

السلام عليكم ضع تعليقك وأترك بصمتك علي الموضوع مع خالص أحترامي وتقديري