قبل أيام حين اقتربت قوات معمر القذافي من مدينة بنغازي استحضر عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، ونيس المبروك، صبر الفلسطينيين في غزة، ليثبّت الليبيين ويؤكد لهم حتمية التمكين.
وهنا يتحدث محللون عن تأثير التجربة الفلسطينية وتضحيات الفلسطينيين من أجل التحرر والعيش بكرامة، في إحياء روح الثورة لدى الشعوب العربية، وكسر حاجز الخوف من الزعيم والدبابة والسلاح في سبيل الحرية.
كما يشير من تحدث منهم إلى حالة الغليان التي انتابت الشعوب بعد احتضان واستضافة زعماء عرب لقادة إسرائيل قبل وخلال وبعد الحرب على غزة، وفي المقابل نبذ قيادات فلسطينية فازت في انتخابات نزيهة عام 2006، وخاصة إسماعيل هنية رئيس الحكومة التي شكلتها حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في حينه.
التواطؤ والظلم
يلخص مدير مركز رام الله لدراسات حقوق الإنسان إياد البرغوثي التأثير الفلسطيني على الثورات العربية في دورين أساسيين: الأول المحور الزمني حيث كشف مرور الوقت عن تواطؤ كثير من الأنظمة مع إسرائيل، "ليس عند حد المعاهدات والاتفاقيات فقط، بل إلى درجة الحب والود"، الأمر الذي أثار الجماهير العربية "لأن قضية فلسطين تعد قضية ضمير بالنسبة للشعوب العربية وكثير من شعوب العالم".
أما الشكل الثاني للتأثير، فأوضح البرغوثي أنه يتمثل في الظلم الذي وقع على الفلسطينيين لعشرات السنين، ومع ذلك لم يقبلوا به أو يستسلموا له بشكل نهائي، رغم ما قد يظهر أنه استسلام، مما ألهم كثيرا من الشعوب لرفض الاستسلام للواقع. ولفت إلى تأثير صورة البطل على الفلسطينيين، رغم أنه مبالغ فيها أحيانا، وصبرهم أمام قوة لا تقارن مع قوتهم، مما جعل منهم نموذجا يحتذى به للباحثين عن الحرية في العالم.
وأضاف البرغوثي أن الانتفاضة الأولى والمقاومة في لبنان وانتصار دولة صغيرة على قوة إسرائيل الكبيرة كسر حاجز الخوف لدى الشعوب.
في السياق ذاته، يرى المحلل السياسي هاني المصري أن الثورات العربية تتشابه في كثير من أشكالها مع الانتفاضات الفلسطينية، التي باتت عاملا أساسيا في بث روح التحدي لدى الشعوب. ويبين أن المواطن العربي أصبح الآن يخيف الحكام ويقلقهم ويهدد أنظمتهم، بعد أن خافهم وضرب لهم ألف حساب لعشرات السنين، وهذا يفتح أفقا جديدا ومختلفا للعرب والفلسطينيين.
غياب القضية
مقابل استلهام روح الثورة من الفلسطينيين فإن القضية الفلسطينية تبدو غائبة عن المشهد في كثير من البلدان، وإن حضرت في بعضها، وفق المحللين، ومع ذلك يرى هؤلاء أن القضية ستظل مركزية بالنسبة للشعوب التي يرون أنها ستقرّب الفرج للقضية عند تحقيق شعارات ثوراتها.
وهنا يوضح البرغوثي أن الشعوب منشغلة الآن بشعارين أساسيين: الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، ممزوجين بالكرامة الوطنية، و"هذا في النهاية -إذا ما تحقق- يصب في صالح القضية الفلسطينية، لأن الشعوب بالتأكيد هي مع الفلسطينيين".
أما المصري فيقول إن الوضع الفلسطيني والظلم الإسرائيلي الواقع عليه لم يظهر مباشرة في الثورات العربية، لكن هذا لا يعني غيابهما في خلفية هذه المظاهرات، مبينا أن ظاهر مطالب الثوار الآن هو الكرامة والحرية والديمقراطية والدستور وقضايا حقوق الإنسان وغيرها، وبالتالي فإن هذه القضايا تشغل المتظاهرين بشكل كبير.
ويعتبر المحلل السياسي أنه من الطبيعي التركيز على القضايا الداخلية، ومع ذلك شدد على أن الشعب الفلسطيني يأمل مواقف معلنة من الثوار تجاه قضيته، ومما يجري وما يتعرض له، بدل الانكباب التام على الشأن الداخلي.
وخلص إلى أن الثورات العربية تساعد على تقريب الحرية للشعب الفلسطيني، وأن الشعوب الحرة الديمقراطية لا تفقد الآمال، وأن الماضي لن يعود كما كان، لأن أسوأ نظام سيأتي، مهما كان، لن يضغط على الفلسطينيين كما في السابق.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
السلام عليكم ضع تعليقك وأترك بصمتك علي الموضوع مع خالص أحترامي وتقديري