نظرية التمتين وضعها نسيم الصمادي سنة 2007 واستمر يطورها حتى العام الماضي 2012. وهي نظرية خاصة بالتنمية البشرية، يرى فيها حلاً لمعظم مشكلاتنا الإدارية والاجتماعية والتربوية والاقتصادية والنفسية، فما هي؟
يقول أنه على مدى خمسة وثلاثين عامًا من القراءة والبحث والترجمة والتأليف والعمل في مجال التنمية البشرية والتدريب لاحظ أن قلة من برامج التدريب ومحاولات تغيير سلوك الناس تلاقي نجاحًا، في حين يُمنى معظمها بالفشل.
ويقول عن نفسه بأنه شارك متدربًا في عشرات البرامج وورش العمل، ولم يتغير. ثم إنه قدَّم مئات برامج التدريب وورش العمل في عشر دول عربية، وأثَّر في كثيرين، لكنه لم يغير أحدًا. وتأتيه رسائل من كثيرين يعترفون بأنه دفعهم إلى اتخاذ قرارات مصيرية في حياتهم لأنهم تغيروا، لكنه يقول لهم بأن ما حدث هو تأثر وتطوير واستثمار لقدرات وملكات ونقاط قوة كانت موجودة وكامنة لديهم، وليس تغييرًا في السلوك كما يدّعي المدربون والأخصائيون في مجالات الموارد البشرية وعلم النفس والتعليم.
يقول: التغيير ممكن في النفس البشرية الداخلية تفسيرًا لقوله تعالى: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)، وهو يرى أن هذا دليل على أن التغيير صعب، ولكنه ممكن، وقد أثبت العلم من خلال تصوير المخ أن أي تغيير في السلوك يلزمه أو يزامنه تغيير داخلي في خلايا المخ. وتغيير المخ يحدث كل لحظة عبر عمليات النمو والنضج والتطور، ولكنه مكلف ماديًا ونفسيًا، ويمكن أن يتحقق بالصدمات المفاجئة، والإفادة الراجعة المتواصلة، والاستبصار والفهم العميق المفاجئ، والنظر للأمور من زوايا متبدلة ومعاكسة. ولذا، فإن ما نستثمره في التدريب والتعليم
والإعلام لتغيير السلوكيات والاتجاهات، يحدث تغييرات طفيفة، ولكن تكاليفه مخيفة.
لقد طَوّر ما أَطلق عليه (سلم التغيير المتدرج)، وهو سلم تصاعدي لصعوبات التغيير يشبه هرم "ماسلو" ويشبه قوس قزح في تدرجه وتركيز ألوانه. ووفقًا لمعطيات السلم فإن التغيير يتدرج لدى كل الناس في صعوبته نزولاً من الأسهل إلى الأصعب. فتغيير المعارف والمعلومات سهل، يليه إمكانية تحسين المهارات، يتبعه في الصعوبة تبديل العادات، ثم استبدال وإحلال القيم، حتى نصل إلى المواهب التي يمكن تطويرها دون تغييرها، أما الدوافع الذاتية والداخلية فتغييرها شبه مستحيل، ولا يتم إلا داخل المخ، ويحتاج لأوقات طويلة واستثمارات علمية ومالية وبشرية هائلة.
مع اكتشاف منهجية التمتين أدرك أننا لسنا بحاجة إلى تغيير كبير. وفي بعض الشخصيات وفي كثير من الحالات لا نحتاج أن نغير أحدًا. والسبب أن كلاً منا ميسر لما خلق له. ولأن قيمة كل امرئ ما يحسنه. كما أن لكل منا بصمة ذكائه الخاصة مثل بصمة يديه وبصمة عينيه. ويتساءل: لماذا نغير ما خلقه الله مختلفًا؟ لقد خلقنا الله مختلفين. والتغيير من خلال التعليم والتدريب المتشابه يخلق التماثل والتشابه. وهذا ما ينتج طلابًا وموظفين ومديرين ضعفاء وعاديين ومتشابهين.
وهو يرى أن المطلوب هو أن نحافظ على الاختلاف والتنوع والتفرد والتجدد والتعدد من خلال تمتين نقاط القوة المختلفة في كل منا، بدلاً من العزف على أوتار التشابه الضعيفة، وأن الاختلاف أغنى وأثرى وأعلى وأعمق من التشابه، فلماذا نبحث عن المفقود ونترك الموجود؟ فما دام لكل منا سمته وبصمته وقوته، فلماذا نعيد خلق الذي قد كاد يكتمل؟ هذا فضلاً عن أن التغيير والتطوير والتدريب والتجريب لم ولن يحقق النتائج المرجوة مقارنة بالتكاليف.
إن كل من يحتاج للتغيير لا يستطيعه، لأنه لو استطاعه لما احتاجه. فنحن نحاول التغيير ونستثمر فيه ومحاولاتنا لم تؤت أكلها. ومن ثَمَّ فإن العائد على الاستثمار في التغيير والتدريب يبقى ضعيفًا وأقل من حجم الاستثمار، ما لم ننظر له من زاوية التمتين.
التمتين في اللغة يعني (تقوية القوي) وقد استخدمه الصمادي ليعني (وضع كل إنسان وكل فعل وكل شيء في مكانه المناسب). وفي رأيه هذا هو التغيير المطلوب، وهو ليس تغييرًا في الناس، بل تغيير للناس، بما يريدونه ويطلبونه ويستطيعونه، ويتم على أساس قوي ومتين وجميل ونبيل وسليم وصحي ومعافى. فالتمتين يعني أن نستثمر فيما هو جميل ونبيل وقوي وإيجابي وموهوب وجيد ورائع ومعطاء.
ولا بد لكل فرد من اكتشاف معادلة قوته ومنظومة أدائه السلوكية النموذجية. والصمادي هنا يتفق مع ستيفن كوفي الذي يطلب من كل إنسان ينشد العظمة والتميز والتأثير في الآخرين، أن يكتشف صوته الداخلي، ويلهم الآخرين ليكتشفوا أصواتهم. وهذا ما يسميه الصمادي بموطن القوة أو نقطة القوة. وهو مزيج مركب ومعقد من المهارات والمعارف والدوافع والنوازع والمواهب والقدرات، وما يستطيع أن يلهمنا هو صوتنا الداخلي فقط، وليس أصوات الآخرين القادمة من الخارج.
وأضيف أنا إلى ما أخذته من الصمادي بأن من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يضع الشخص في مكانه المناسب، وربما طلب منه أن يتطور ولم يطلب منه أن يتغير، فطلب من حسان أن يجاهد بشعره، وعيّن خالداً قائداً للجيش، وقال (الناسُ معادنٌ، خيارُهم في الجاهليةِ خيارُهم في الإسلامِ، إذا فَقِهُوا)، ودعا (اللهمّ أعزّ الإسلامَ بأحبِّ هذين الرجلين إليك بأبي جهلٍ أو بعمرَ بنِ الخطابِ) وذلك للصفات التي كانا يتصفان بها، وقال لأبي ذر (يا أبا ذر! إني أراكَ ضعيفاً. وإنّي أحبّ لكَ ما أحِبّ لنفسي. لا تأمرَنّ على اثنينِ. ولا تَولينّ مالَ
يتيمٍ)...
وهذا التنوع في الناس فيه حكمة، ولو كان كل الناس يستطيعون أن يتغيروا ليصبحوا قادة مثلاً فمن يكون جندياً، وفي التنزيل الكريم (وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا)، أي ليكون بعضهم مسخّراً لبعضٍ في المعاش، فهذا حداد، وذاك معلم، والآخر مهندس...
فهل يستفيد المربون والمعلمون والمديرون والقادة من هذه النظرية؟ أم يريدون أن يكون الناس في صفاتهم كأسنان المشط؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
السلام عليكم ضع تعليقك وأترك بصمتك علي الموضوع مع خالص أحترامي وتقديري