الجمعة، 28 أغسطس 2009

دعوة غربية للتعامل مع حماس

تل أبيب استخدمت الفسفور الأبيض ضد غزة إسرائيل اتبعت سياسة الأرض المحروقة في حربها على غزة


  • قال الكاتب الألماني ميشيل بروننغ إن صناع القرار في الغرب ما انفكوا منذ سنين ينظرون إلى حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على أنها منظمة "إرهابية" تسعى إلى تدمير إسرائيل، وأنه تبعا لذلك فإنها لن تقبل أبدا بحل يقوم على تنازلات في الأراضي عن طريق حل الدولتين.
    وأضاف الكاتب وهو مدير مكتب فرع القدس الشرقية التابع لمؤسسة فردريخ إلبرت ستفتنغ المعنية بالشؤون السياسية والمرتبطة بالحزب الديمقراطي الاشتراكي الألماني أن رئيس الوزراء الإسرائيلي
    بنيامين نتنياهو أكد على نفس وجهة النظر تلك في خطابه في14 يوليو/تموز في تل أبيب. ومضى بالقول إنه لمن سوء الحظ أيضا أن تلك هي الأسس التي تقوم عليها مقاربة الرئيس الأميركي باراك أوباما الجديدة فيما يتعلق بعملية صنع السلام في الشرق الأوسط.وأوضح بروننغ في مقال له نشرته مجلة "فورين بوليسي" الأميركية أنه بينما تجنب أوباما في خطابه في القاهرة وصف حماس "بالإرهابية" فإنه في الوقت ذاته حثها على إجراء "إصلاحات داخلية في سيبل المشاركة في تحقيق طموحات وآمال الشعب الفلسطيني، وأن الرئيس الأميركي صرح بأن على حماس أن تضع حدا للعنف وأن تعترف بالاتفاقيات السابقة وبحق إسرائيل في الوجود.
    رسالة أوباماوقال الكاتب إن رسالة أوباما كانت واضحة ومفادها أنه إذا أرادت حماس أن تكون جزءا من الحل السياسي للنزاع , فإن عليها التكيف مع الطرح السياسي الذي أعدته كل من إسرائيل والولايات المتحدة واللجنة الرباعية الخاصة بالشرق الأوسط.
    وأضاف بأنه هيمن اعتقاد في الغرب بأن حماس هي منظمة غير قادرة على المساومة والحل الوسط إزاء السياسات الغربية بشأن الشرق الأوسط لمدة تزيد عن عشرين عاما.ومضى إلى أن المراقبين الغربيين يبررون اعتقادهم ذاك بكون أي تقارب مع حماس ما هو إلا مجرد أوهام، في ظل كل من سجلها المتعلق بالهجمات الإرهابية وعقيدتها "المتطرفة".وقال إنه من أجل تعزيز موقفهم فإنهم يستشهدون بما جاء في ميثاق تأسيس الحركة في عام 1988 الذي يرون أنه يدعو إلى تبني عقيدة الكفاح والمقاومة المسلحة من أجل تحرير كامل أراضي فلسطين بالقوة.
    ويستطرد الكاتب بالقول إن تلك الانتقادات تغفل التغيرات الحالية التي تحصل داخل حماس, وإن ذلك الطرح لم يعد يلعب دورا مهما في أيديولوجية المنظمة, موضحا أن حماس بدأت منذ أوائل التسعينات في النأي بنفسها عن تلك الوثيقة التي أركنت على رف الإهمال منذ ذلك الحين.وأوضح أنه برغم أن حماس لم تشجب تلك الوثيقة، فإن كافة التصريحات الصادرة عنها مؤخرا خلت من أي إشارة إليها, بالإضافة إلى أن قياديي حماس من مثل سكرتير المجلس التشريعي الفلسطيني في رام الله محمود أحمد الرمحي بدؤوا مؤخرا في التقليل من أهمية الوثيقة، وخاصة عندما قال الرمحي"بأن الوثيقة يجب أن لا تتعارض مع أحكام القرآن الكريم".
    أحكام سياسيةودعا الكاتب الدبلوماسيين الغربيين إلى الاعتراف بأن حماس قللت من سقف الطموحات والأيديولوجيات الفلسطينية بدلا من تركيزها على مواقف الحركة المتشددة, مضيفا بأن على صناع القرار السياسي الغربي إعادة النظر في مقارباتهم بدلا من إصدار أحكام سياسية بناء على أطروحات عفا عليها الزمن، وأن عليهم دراسة سياسات المنظمة الأخيرة وممارساتها على الأرض.
    وأضاف بأن حماس بدأت منذ عام 2006 في الدخول إلى المسرح السياسي لتكون حزبا معارضا فاعلا بعد أن كانت منظمة عقائدية فحسب، وأنه تبع ذلك تحولها من منظمة معارضة "راديكالية" إلى حزب الأغلبية النيابية في الأراضي الفلسطينية.وقال إن الحركة باتت تشكل الحكومة الشرعية بحكم الأمر الواقع في غزة منذ عام 2006, وإنها بدأت في تحول مثير للدهشة بتخليها عن الخطاب الديني بشكل كبير، وهو الخطاب الذي ينادي بتحرير فلسطين بالعنف، لصالح موقف علماني متزايد عبر تركيزها على مهمة بناء الدولة بشكل براغماتي.
    وأوضح أن حماس أجرت مراجعة شاملة لموقفها على الصعيد السياسي ولأول مرة بعد قرارها بالمشاركة في الانتخابات الفلسطينية في يناير/كانون الثاني عام 2006, مضيفا أنها لم تركز في حملتها على المقاومة المسلحة، بل وعدت بإجراء إصلاحات قضائية وتحسينات في مجال التعليم والإسكان وانتهاج سياسات صحية وبيئية أفضل، وأنها اكتسحت الانتخابات التي اعتبرت حرة ونزيهة وديمقراطية.
    وقال الكاتب إن حماس أعلنت بعد ذلك عن بيانها الحكومي التي شرح فيه رئيس الوزراء (في الحكومة المقالة)
    إسماعيل هنية مبادئ حركته بالتفصيل بوصفها حزبا حاكما.
    تحول حماس ومضى إلى أن ذلك البيان أوضح تحول حماس من حركة عسكرية "متطرفة" إلى حزب حاكم طموح، مشيرا إلى أنه لم يرد ذكر في البيان للمقاومة المسلحة أو للعبارات اللاسامية المعادية لإسرائيل، بل إن البيان ركز على بناء الدولة والسياسات الاقتصادية لدرجة أنه حدد الاستثمارات الدولية على أنها عمود رئيسي للتنمية المستدامة.
    وأضاف بروننغ أنه بعد انهيار حكومة الوحدة الوطنية في يونيو/حزيران عام 2007 وما تلا ذلك من "انقلاب" قامت حماس بدور السلطة الحاكمة في غزة، واصفا قمع حماس القاسي لقوات فتح وإزاحتها عن السلطة بأنه شكل حالة غير مسبوقة، موضحا أنه ولأول مرة في تاريخ الشرق الأوسط الحديث تنجح منظمة سنية أصولية بالسيطرة على أراض متواصلة ذات تركيبة سكانية متجانسة.
    وقال إن حماس شرعت في مساعي بناء الدولة بعد أن باتت تسيطر على ثلث الشعب الفلسطيني، مثل جمع الضرائب والسيطرة على الحدود وإعادة تشكيل الأجهزة الأمنية, وإنه عند إضراب العاملين المدنيين لم يلجأ زعماء الحركة إلى حل البنية الحكومية من أجل إقامة شكل من أشكال الحكم الإسلامي التقليدي، بل عينت طاقما جديدا للمؤسسات الفلسطينية في غزة من الموالين لها.وأوضح الكاتب أن حماس نأت بنفسها عن الحركات السلفية "المتطرفة" كتلك التي في الصومال أو كحركة طالبان العسكرية في أفغانستان, مشيرا إلى أن سنوات حكم طالبان الخمس في أفغانستان أدت إلى غياب الحكومة المركزية وغياب الحد الأدنى من النشاطات الاقتصادية، باستثناء مكاتب إدارية بدائية.وأضاف أن حماس على النقيض من ذلك اختارت التكيف مع المؤسسات الموجودة وشكلت نظاما للسلطة يعتمد على سلطة المؤسسات، وأنها قامت بقمع نشطاء فتح بلا رحمة ومعهم كذلك منافسيها من الحركات الدينية مثل
    حركة الجهاد الإسلامي وكذلك العصابات "الإجرامية".
    إدارة وإنصاف وقال إنه برغم أن حماس تتولى الإدارة المدنية وتديرها بإنصاف في غزة, إلا أن ذلك لن يطمس الأوجه المقلقة لنظام حكمها والتي تبقى توصف بأنها مستبدة وتنتهك حقوق الإنسان بشكل عام، في ظل كبحها لحرية التعبير عن الرأي في غزة.
    ومضى إلى أنه كان لمشاركة حماس في الانتخابات الفلسطينية عام 2006 وتداعيات تولي مقاليد الحكم في غزة أثره في تليين لهجة الحركة من الناحية الأيديولوجية، وخاصة فيما يتعلق بحل الدولتين، مضيفا أنه في أبريل/نيسان عام 2006 أعرب وزير الخارجية الفلسطيني
    محمود الزهار عن تحول كبير في سياسة الحركة عبر موافقته المبهمة على حل الدولتين في رسالة بعث بها إلى الأمين العام للأمم المتحدة السابق كوفي عنان، وأنه في الوقت الحالي أو بعد عامين من المقاطعة السياسية لحماس فها هي رسالته حماس تصل إلى الخارج.
    وأشار إلى أنه وردا على خطاب كل من أوباما وبنيامين نتنياهو, فقد ألقى رئيس المكتب السياسي لحماس
    خالد مشعل خطابا في دمشق في يونيو/حزيران الماضي عبر فيه عن تحول عن موقف المواجهة الصلب التاريخي، وذلك حين أعلن فيه عن مطالب حماس الدنيا، والمتمثلة في قيام دولة فلسطينية على كامل الأراضي في حدود عام 1967 وعاصمتها القدس وإزالة الحواجز ونقاط التفتيش وتحقيق حق العودة، وأن هنية سبق خطاب مشعل في الدعوة إلى قيام دولة فلسطينية في حدود 1967 أيضا.وقال إن أهمية ذلك التحول في الموقف السياسي الفلسطيني تبرز لدى مقارنته بالخطاب المتصلب المناهض للسامية الوارد في البند الذي ينادي بتحرير كافة أراضي فلسطين.
    ومضى إلى أن كلا من مشعل وهنية ابتعدا عن الموقف القديم، مما يعكس تحولا رئيسيا داخل حماس مبنيا على إجماع واسع, وأن الانتقاد الوحيد للتحول إنما جاء من جانب حزب التحرير، وهي مجموعة دينية "متطرفة" تحظى بدعم هامشي بسيط في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة.وأضاف أنه برغم إصرار مشعل على حق العودة الذي يبدو غير متفق مع المواقف الإسرائيلية من تقسيم القدس، فإن تصريحاته الأخيرة يمكن أن تمهد الطريق أمام تسوية تاريخية بخصوص الأراضي.
    ومضى يقول إنه وعلى نقيض مما توقعه زعماء حماس, جاء الرد الغربي على خطاب مشعل فاترا بسبب استمرار رفض حماس الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود، وإن المراقبين الغربيين يرون فيه خطابا تكتيكيا متناقضا، وعليه فهم يرفضون الاعتراف بوجود تغير في الحركة.وأما حماس فأبدت موقفا إستراتيجيا غامضا من حيث اعترافها بإسرائيل كأمر واقع من جانب ورفض منحها الشرعية من جانب آخر, وهو أمر في قمة الأهمية، فحماس تريد أن تحتفظ بموقف غامض قبل الانتخابات القادمة من أجل الاحتفاظ بشرعيتها كحركة مقاومة فلسطينية في غزة والضفة الغربية.
    اعتراف ومخاطريقول الكاتب إن اعتراف حماس بإسرائيل كدولة يهودية لن يلحق الضرر بالتأييد الشعبي لها بين الفلسطينيين فحسب، ولكنه يضعف من موقفها التفاوضي مع تل أبيب في المستقبل، مضيفا أنه جاء في رسالة الزهار "أن اعتراف منظمة التحرير بإسرائيل في العام 1993 لم يقابله اعتراف مساو بالدولة الفلسطينية والحقوق الوطنية للفلسطينيين، وأن تلك كانت لعبة قذرة لن نكررها".
    ويمضي ليقول إن رفض حماس الاعتراف بإسرائيل وموقفها الغامض يجب أن لا يحول دون الحوار الدبلوماسي معها, فعادة ما تكون التنازلات السياسية مقدمة لتحولات أيديولوجية كما كان حال العديد من المنظمات "المتطرفة" بما فيها الحركات الاجتماعية الأوروبية في القرن العشرين، التي بقيت مخلصة لالتزامها التاريخي بالصراع الطبقي والثورة بعدما فقدت انتفاضات اللينينيين العنيفة مقومات وجودها من ناحية عملية, وهو ما ينطبق على جمهورية الصين الشعبية التي أوجدت مناطق اقتصادية خاصة لتجسيد التطور الرأسمالي في نفس الوقت الذي بقيت وفية للشيوعية كعقيدة رسمية للدولة.
    لقد توقفت حماس عن كونها مجرد منظمة "إرهابية" وأظهرت قدرتها على التطور السياسي والواقعية الأيديولوجية، وهو تحول يحظى بدعم كافة الجهات في حماس سواء المتشددين في دمشق ممثلين في مشعل أو المعتدلين في القيادة في غزة ممثلين في هنية.
    ردود فعل وأضاف بروننغ بأنه مما يدعو للأسف فإن ردود الفعل الأميركية الأخيرة غير مشجعة، حينما رفض الناطق بلسان وزارة الخارجية توم كيسي اعتبار خطاب مشعل بمثابة انطلاقة قائلا: "لم يحدث تغيير أساسي على موقف حماس من إسرائيل ومن عملية السلام في المنطقة" مركزا على مواقف حماس النظرية وذهب للقول: "حماس ما زالت تؤمن بتدمير دولة إسرائيل ورفض حقها في الوجود".
    ومضى إلى أنه على السياسيين الغربيين أن يكفوا عن الاستمرار في المواقف البالية الداعية إلى مقاطعة حماس والاعتراف بدلا من ذلك بالتطورات المحبذة التي تحصل على أرض الواقع.
    واختتم الكاتب بالقول إنه إذا أبدت الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون إشارات تنم عن قبولهم لحكومة فلسطينية تشارك فيها حماس, فذلك من شأنه أن يشجع الحركة على مزيد من التحديث والتغيير ويزيد فرص تحقيق مصالحة فلسطينية.واستطرد أنه في نهاية المطاف، فإن الحوار بدون شروط مسبقة هو وحده الكفيل بحل الاستعصاء الأيديولوجي وبتمهيد الطريق أمام حل الدولتين وتحقيق السلام الإسرائيلي الفلسطيني الدائم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

السلام عليكم ضع تعليقك وأترك بصمتك علي الموضوع مع خالص أحترامي وتقديري