السبت، 8 أغسطس 2009

حركة فتح.. الطريق إلى الضياع!





  • غيوم كثيفة تنذر بعواصف جديدة تضرب الواقع الفتحاوي الراهن، فلا تكاد حركة فتح تخرج من أزمة حتى تقع في أختها، فقد أضحت الساحة الفتحاوية مرتعا خصبا لألوان شتى من الانتكاسات والارتكاسات، وبات الإصلاح أشد ما يكون افتراقا عن الحركة في ظل التحديات الداخلية والخارجية التي تعصف بكيانها ودورها الوطني.
    فبالرغم من الآمال العظام التي تعلّقها أوساط واسعة داخل فتح على عقد المؤتمر العام السادس للحركة في انتشالها من وهدتها السحيقة التي سقطت فيها بفعل جملة من الأسباب والاعتبارات، إلا أن كافة المؤشرات والوقائع الجارية تقطع بديمومة الانكفاء والارتداد إلى الخلف، وترسم صورة قاتمة لمستقبل الحركة التي تمر هذه الأيام بالمرحلة الأخطر في تاريخها.

    المؤتمر السادس.. قلب الأزمة
    "كثرة الآراء والتصورات، وتعدد المطامع والطموحات، واستشراء الأهواء والنزاعات، وتضارب الرؤى والأجندات، داخل الصف الفتحاوي، جعلت من بلوغ مقاربات موحدة وصيغ تنظيمية توافقية أمرا متعذرا للغاية، وأقرب إلى المحال"لعل متابعة لصيقة لمفاعيل التحضير للمؤتمر العام السادس لفتح، وأشكال التجاذبات الداخلية التي اكتنفت أروقة وكواليس اللجنة التحضيرية التي شكلتها الحركة، وقيادات نافذة ومؤثرة فيها، تفضي إلى الجزم بأن انعقاد المؤتمر في ظل المعطيات والظروف الراهنة سوف يشكل وبالا على فتح، ويمضي بها أكثر فأكثر على طريق التشتت والضياع.
    منذ عدة سنوات تحاول اللجنة التحضيرية تكريس مقاربات وسطية مقبولة لدى الوسط الفتحاوي عموما، ونسج حلول توافقية تجعل من انعقاد المؤتمر رافعة للحركة، وبوابة لتسكين آلامها وأوجاعها وهموم أبنائها، ومحطة لمراجعة بعض من سياساتها ومواقفها وسلوكياتها التي أثقلت كاهلها طيلة المرحلة الماضية، وحرمتها تنسّم عبير النصر والتقدم والارتقاء، تنظيميا ووطنيا، وغرست فيها بذور التصارع وتأجيج التناقضات.

    لكن كثرة الآراء والتصورات، وتعدد المطامع والطموحات، واستشراء الأهواء والنزاعات، وتضارب الرؤى والأجندات، داخل الصف الفتحاوي، جعلت من بلوغ مقاربات موحدة وصيغ تنظيمية توافقية أمرا متعذرا للغاية، وأقرب إلى المحال.
    لم يكن غريبا أن تتألف تحالفات وتكتلات في سياق السعي لامتلاك وسائل القوة وأزمّة القرار، وتركيز أدوات النفوذ داخل فتح، إذ إن الانفتاح التنظيمي الذي يسمح باستيعاب الجميع، والفسيفساء التنظيمية وانعدام البعد الأيديولوجي الذي حرم الحركة هوية فكرية جامعة، كل ذلك شكل تربة خصبة لإنتاج مزيج من التناقضات التي أثرت في بنيان الحركة الداخلي، وجعلتها أشبه ما تكون بـ"كانتونات" تنظيمية مبعثرة، تدين كل منها بالولاء لحِلْف نافذ ذي أجندة خاصة.
    من هنا فإن الشأن الفتحاوي الداخلي تتنازعه ولاءات وتحالفات ومراكز قوى ونفوذ يصعب معها إحداث أي شكل من أشكال الضبط والاستقرار التنظيمي الداخلي، ولو في حده الأدنى، مما انعكس –تلقائيا- على اللجنة التحضيرية للمؤتمر العام السادس، وأدخلها في دوامة لا قرار لها من الرؤى المتضاربة والتصورات غير المتجانسة التي تُوّجت بإلغائها وإنهاء أعمالها وفقا لقرار أبي مازن الأخير الذي حدد بموجبه الأول من يوليو/تموز موعدا لعقد المؤتمر داخل الأراضي الفلسطينية خلافا لقرار اللجنة التحضيرية.
    ولعل قراءة متبصرة لتطورات الخلاف الفتحاوي الداخلي، وسبرا لغور قرار أبي مازن، وما أفرزه من تداعيات وردود، كان أبرزها اصطفاف اللجنة المركزية ضد القرار، ترصد في الأفق معالم تصعيد داخلي حافل بمزيد من الصراعات، وترسم ملامح مرحلة جديدة تبدو فيها فتح أشد ما تكون ترنّحا واهتزازا، وأكثر انسياقا في صحراء التيه التنظيمي والضياع الوطني.
    إن إشكاليات التحضير للمؤتمر العام السادس لفتح تنبع من كونها تقرر مصير الحركة، وتحدد مسارها ومستقبلها، وتحسم توازناتها ومراكز الثقل والقيادة والنفوذ فيها، مما يجعلها أم القضايا الفتحاوية في الوقت الراهن، وينفخ في أوارها روح التجاذب الحاد والصراع الملتهب الذي لا يقبل المساومة أو التنازلات.
    ومن هنا فإن السيرورة الفتحاوية الحالية تنطلق باتجاه أهداف مغايرة تماما لأهداف المؤتمر، وتقذف بالوضع الداخلي للحركة أمام خيارات بالغة الصعوبة والتعقيد إبان الأسابيع والأشهر القليلة القادمة.
    ولن نتجاوز الحقيقة بالقول إن استمرار فتح في التعاطي مع الترتيبات الخاصة بمؤتمرها السادس وفقا للنسق الراهن سوف يفجّر الوضع الفتحاوي الداخلي، ولربما انتهى إلى عقد مؤتمرين عامين للحركة على وقع انقسام المواقف والمعالجات، أحدهما في الداخل وفقا لرؤية أبي مازن وأنصاره، والآخر في الخارج وفقا لرؤية بعض أعضاء اللجنة المركزية وأنصارهم.
    "السيرورة الفتحاوية الحالية تنطلق باتجاه أهداف مغايرة تماما لأهداف المؤتمر، وتقذف بالوضع الداخلي للحركة أمام خيارات بالغة الصعوبة والتعقيد إبان الأسابيع والأشهر القليلة القادمة"ولا ريب في أن هذا السيناريو يعمق أزمات فتح، ويقسم شرعياتها القيادية إلى قسمين، ويضع تمثيلها ومستوى الالتزام بقراراتها وسياساتها في خطين تنظيميين متوازيين لا يلتقيان، و يؤجج فيها نيران التمزق والتفكك والصراع، ويلقي بها في أتون المجهول.
    والتماسا لمنع انفراط عقد الحركة، فإن جهودا قد تبذل من أجل تلافي الوصول إلى هذه المرحلة، والحفاظ على أدنى مستوى ممكن من العلاقات الداخلية بين الأطر القيادية والمؤسسات التنظيمية في الحركة، مما يعني أن المحاور والأوساط الفتحاوية النافذة قد تكون مضطرة لتجرّع صفقة مرّة يتأجل معها عقد المؤتمر إلى إشعار آخر ريثما يتوافق الفرقاء على صيغ توافقية جديدة.
    ولا يعني ذلك سوى تأجيل مرحلي لتفجّر الموقف، وإعادة شحذ كل طرف لأسلحته وأنصاره في مواجهة الطرف الآخر، مما سيُبقي الوضع الداخلي لفتح مُتقلبا على صفيح ساخن بلا أفق واعد أو رؤية موحدة أو وحدة تنظيمية جامعة.

    مستقبل الصراع الداخلييبدو الخلاف والصراع داخل فتح أكبر وأعمق وأعقد مما يتصور الكثيرون، فما يجري داخل الحركة أشبه ما يكون بمعركة وجودية بين الفرقاء المتخاصمين والتيارات ذات الرؤى المتضاربة والمصالح المتناقضة، ومحاولة كل منها السيطرة على قرار الحركة ومقدراتها، ورسم خطواتها ومعالم سيرها إبان المرحلة المقبلة.
    وما دام تهديد كل طرف للآخر وجوديا قد يدفع به إلى طريق النفي والإلغاء من المعادلة الداخلية، أو تهميشه ووضعه في زوايا الإهمال وضعف التأثير على الأقل، فإن شعلة الصراع والتناحر الداخلي مرشحة لمزيد من التوهج والاتقاد خلال الفترة القريبة المقبلة.
    في ثنايا التنقيب عن محاور الخلاف والصراع تبرز شخصيات قوية وتيارات مؤثرة لا يُتوقع لها التراجع والانكفاء من الجولة الأولى، أو حتى في منتصف الطريق، وتستعد لمعركة "كسر عظام" طويلة الأمد لا تعرف حدودا للمبادئ أو الأخلاق.
    يحدث ذلك كله في وقت تفتقد فيه الحركة القائد "الأب" صاحب الكاريزما الذي يعلو فوق الجميع، ويستعلي على خلافات الجميع، ويشكل قاسما مشتركا للأطراف المتنافرة، وبؤرة تجميع وتوحيد للقدرات والطاقات المكنونة، وعنصر تهدئة وصمام أمان للوضع الداخلي برمته، لا يكون طرفا في معادلة الصراع الدائرة، ولا ينخرط في معمعة الاصطفافات ودوامة الاستقطابات التي تؤدي –قطعا- إلى التهلكة التنظيمية والانهيار الداخلي.
    "الحقيقة الصارخة التي لا يمكن تجاوزها تفيد أن الصراع الفتحاوي الداخلي لن يُحسم لصالح فئة على حساب فئة أخرى، وإن تفاوتت نسبة الغلبة لهذا أو ذاك، وأن الحركة بهيبتها ودورها ومكانتها ومقدراتها، ستكون الخاسر الأكبر دون جدال"ومما يفاقم الأزمة ويباعد من إمكانات التهدئة وتسكين الاحتقان المتصاعد، أن مفاعيل قضية انعقاد المؤتمر العام قد قسمت فتح إلى قسمين، وأن كلا منهما يلوذ ويستقوي بأطر ومؤسسات الحركة في محاولة للتغلب على خصمه، وحشد المستويات والقواعد الفتحاوية إلى جوار رؤيته وقراره، مما يعني افتقار الحركة إلى إطار أو مؤسسة تقف موقف الحياد، وتحاول جسر الفجوات وتقريب المسافات بين الطرفين.
    فالواضح أن أبا مازن يستعين ببعض أعضاء اللجنة المركزية، وعدد من القيادات وأعضاء المجلس الثوري الموالين له، وبالأقاليم الحركية في الضفة الغربية، في حين يستعين غالبية أعضاء اللجنة المركزية بأغلبيتهم المطلقة في اللجنة، وبالمستويات التنظيمية في إقليم الخارج، وذلك في إطار دائرة مفرغة لا تقود إلى أي فعل وحدوي أو نتيجة إيجابية موحدة تلمّ شعث الحركة وشتاتها التنظيمي.
    من المبكر وضع سيناريو قطعي لمآلات الأمور داخل فتح، إلا أن الحقيقة الصارخة التي لا يمكن تجاوزها تفيد أن الصراع الفتحاوي الداخلي لن يُحسم لصالح فئة على حساب الفئة الأخرى، وإن تفاوتت نسبة الغلبة لهذا أو ذاك، وأن الحركة بهيبتها ودورها ومكانتها ومقدراتها، ستكون الخاسر الأكبر دون جدال.
    ولن يشذّ عن إطار التوقعات المقترنة بالمستقبل القريب اجتراح البعض لمحاولات توفيقية تبغي رأب الصدع وإحداث مصالحات، ولو شكلية، بين طرفي الخلاف بشأن قضية المؤتمر العام بشكل خاص، وتيارات الخلاف والصراع داخل الحركة بشكل عام، غير أنها ستعجز عن تحقيق نقلة نوعية في مسار الخلاف، وستبقى قاصرة عن مداواة الجرح الفتحاوي الغائر الذي يشتد نزفه يوما بعد يوم.

    تحديات كبرى وملفات بلا حسملا تتمثل هموم وتحديات فتح في بلوغ ميقات المؤتمر العام السادس بأمان وبأقل قدر ممكن من الخلافات والصراعات، وتجاوز التحديات الداخلية فحسب، بل تمتد وتتشعب لتستغرق الفضاء الفلسطيني الواسع، وتطول آفاق العلاقة مع الاحتلال والمحيط الإقليمي والدولي.
    فلا يمكن –بحال- توهّم أن مجرد إدراك المؤتمر وعقد جلساته وفعالياته كفيل بإعادة الوحدة والحيوية إلى الواقع الفتحاوي، واسترجاع الريادة المفقودة والمجد الغابر، فالواقع أن فتح تتهرب –رسميا- من مواجهة التحديات الثقال التي تواجهها، وتترك الملفات الأساسية التي ترتبط بدورها ومستقبلها الوطني دون أي حسم، مما يجعل من مؤتمرها المرتقب محطة لإعادة توزيع واقتسام مراكز القوى والنفوذ فيها بعيدا عن إحداث أي مراجعات حقيقية تلامس أدواء وإخفاقات الحركة، وسبل بعثها واستنهاضها من جديد.
    ابتداء، لا تتوفر حتى الآن أي نية فتحاوية جدية لمراجعة السياسة وآفاق العلاقة مع الاحتلال، ولن يطرأ أي تحول جوهري حول استمراء أسلوب المفاوضات والالتزام باتفاق أوسلو وتوابعه إلى الأبد، بموازاة ترسيخ سياسة التنسيق والتعاون الأمني، في ظل البرنامج السياسي الراهن لحكومة نتنياهو الأكثر إنكارا للحق الفلسطيني.
    ولا تتوفر –أيضا- أي نية حقيقية لفتح الخيارات السياسية في مواجهة سياسة العدوان والاستيطان المتصاعدة، والإعلان الصريح عن حق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال بكافة الأساليب المشروعة، بما فيها أسلوب المقاومة المسلحة، حتى تحقيق الحرية والاستقلال وتقرير المصير، بل حملت الأنباء المؤكدة رغبة العديد من الأوساط النافذة في فتح، وعلى رأسها أبو مازن، في شطب حق المقاومة من أدبيات فتح، وعدم الإشارة إليها تماما في سياق طرح البرنامج السياسي للحركة أمام المؤتمر.
    كما لا تتوفر نية واضحة لمراجعة شروط ومحددات العلاقة مع المحيط الإقليمي والدولي، وخاصة فيما يخص الارتهان لشروط اللجنة الرباعية إزاء تحقيق التوافق الفلسطيني الداخلي، وتغليب الاستجابة للتدخل الخارجي على حساب المصلحة الوطنية العليا للشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية.
    "بمعزل عن تجليات الجدل والتجاذبات الحاصلة بشأن المؤتمر العام السادس لفتح ونتائجه في حال انعقاده، فإن تطورات وتفاعلات الصراع داخل الحركة بشكل عام تؤشر إلى فقدان البوصلة التنظيمية والوطنية، والإصرار على السير في طريق التشتت والضياع!"ولا تبدو في الأفق أي نية صريحة لإعادة تقييم العلاقة مع عناصر المعادلة الفلسطينية الداخلية على أسس سليمة وموضوعية، وانتهاج سياسة وطنية ترتكز على الشراكة الحقّة، والتحلل من النزعة الحزبية في إدارة السلطة ومقدراتها، بما يجنب الشعب الفلسطيني ألوان الفتن والمحن، ويمنحه مناعة داخلية في وجه التحديات والمخططات الخارجية.
    فوق ذلك، لا تتوفر أي نية –مهما كانت- من أجل تنقية صفوف الحركة من الفاسدين والطامعين الذين لوثوا صورتها وشوهوا سمعتها وأنزلوها منازل الانحدار طيلة المراحل الماضية من عمر الحركة، والمبادرة إلى فتح صفحة نظيفة خالية من كل أشكال الفساد بأشكاله المختلفة.
    ولا حاجة للإشارة إلى مستوى الخلاف الجدي وطبيعة الشرخ العميق داخل الصف الفتحاوي الذي تتمايز وجهته ومواقفه تجاه هذه القضايا والملفات، ولا يستقر على رأي موحد بشأنها.
    كل ذلك لا يوحي بأن شيئا إيجابيا قد يطرأ على بنية الفكر والسياسة والسلوك والواقع التنظيمي الخاص بحركة فتح، فلا يمكن تصوّر استنشاق عبق الإصلاح على وقع تجاهل الملفات الأساسية المرتبطة بمصير الحركة وعافيتها الوطنية، وتجذير مواقف ورؤى وسياسات ثبت فشلها في إعادة قطار الحركة إلى سكّته الطبيعية.
    باختصار، وبمعزل عن تجليات الجدل والتجاذبات الحاصلة بشأن المؤتمر العام السادس لفتح ونتائجه في حال انعقاده، فإن تطورات وتفاعلات الصراع داخل الحركة بشكل عام تؤشر إلى فقدان البوصلة التنظيمية والوطنية، والإصرار على السير في طريق التشتت والضياع!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

السلام عليكم ضع تعليقك وأترك بصمتك علي الموضوع مع خالص أحترامي وتقديري