الأربعاء، 5 أغسطس 2009

إعادة فتح الإسكندرية

  • عادة فتح الإسكندرية (25 هـ = 645 م)
    لم يكد عبد الله بن سعد بن أبي سرح يستقر في ولاية مصر حتى غدر الروم فيها، وكتب الروم من أهل الإسكندرية إلى الإمبراطور قسطنطين بن هرقل يصفون له ما كانوا عليه من الذلة، ويهونون عليه فتح الإسكندرية لقلة من كان بها من حامية المسلمين، فأنفذ قسطنطين قائده الأرمني "مَنَويل" إلى الإسكندرية على رأس جيش كثيف، فاستولى عليها، وأخذ هو وجنده، ومن انضم إليهم من الروم المقيمين في الوجه البحري يعيثون في هذه البلاد حتى بلغوا مدينة نقيوس، ولم يرحب القبط بعودة بلادهم إلى الروم يسومونهم الخسف لمظاهرتهم العرب المسلمين، ورضائهم عن حكمهم من جهة، ولما كان بينهم وبين الروم من الخلاف المذهبي من جهة أخرى، ولهذا كتب القبط إلى الخليفة عثمان يلحون في إسناد حروب الروم إلى عمرو بن العاص لما كسبه في حروبه معهم من خبرة، فولى عثمان عمرًا الإسكندرية وعهد إليه بحرب الروم، وإخراجهم من مصر، وفي مدينة نقيوس دار القتال بين جند عمرو، وجند مانويل في البر والنهر، وكثر الترامى بالنشاب حتى عقر فرس عمرو فنزل عنه ثم خرجوا من النهر فاجتمعوا هم والذين في البر، فنضحوا المسلمين بالنشاب فاستأخر المسلمون عنهم شيئًا، وحملوا على المسلمين حملة ولَّى المسلمون منها، وانهزم شريك بن سمى في خيله .
    شد المسلمون علي الروم فكانت هزيمتهم، فطلبهم المسلمون
    حتى ألحقوهم بالإسكندرية، ففتح الله عليهم وقتل مَنَويل الخَصِيّ ،وأمعن عمرو بن العاص - رضي الله عنه- في قتلهم، فكُلِّمَ في ذلك فأمر برفع السيوف عنهم، وبنى في ذلك الموضع الذي رفع فيه السيف مسجدًا،وهو المسجد الذي بالإسكندرية ويقال له: الرحمة، وإنما سُمِّيَ الرحمة لرفع عمرو بن العاص السيف هنالك..
    وكان فتح الإسكندرية الثاني عنوة قسرًا في خلافة عثمان بن عفان –رضي الله عنه – سنة 25هـ،أما فتحها الأول فقد كان في سنة 21هـ.
    وقد ارتبط بفتح الإسكندرية قضية حساسة أثارها بعض المتأخرين من المؤرخين ألا وهي إحراق مكتبة الإسكندرية.

    براءة المسلمين من تهمة إحراق مكتبة الإسكندرية
    لقد خاض بعض المتأخرين من المؤرخين في مسألة مكتبة الإسكندرية،وناقش هذه القضية كثير من المستشرقين مثل جبون وبتلر وسديولوت وغيرهم ولكنهم لم يجزموا فيها برأي، وارتاب بعضهم في صحة تهمة إحراق هذه المكتبة التي وُجِّهَت إلى عمرو بن العاص بأمر من الخليفة عمر بن الخطاب.
    ويجزم الدكتور جوستاف لوبون في "حضارة العرب" ص 213، بخرافة القصة :"وأما إحراق مكتبة الإسكندرية المزعوم، فمن الأعمال الهمجية التي تأباها عادات العرب والمسلمين، والتي تجعل المرء يسأل:كيف جازت هذه القصة على بعض العلماء الأعلام زمنًا طويلاً ؟! وهذه القصة دحضت فى زماننا فلا نرى أن نعود إلى البحث فيها، ولا شيء أسهل من أن نثبت بما لدينا من الأدلة الواضحة أن النصارى هم الذين أحرقوا كتب المشركين في الإسكندرية قبل الفتح الإسلامي".
    وكذلك جاك .س .ريسلر في ص 100، 101 من الحضارة العربية حيث اعتبر : حريق الإسكندرية أسطورة . وإذا رجعنا إلى المؤرخين المعاصرين للفتح الإسلامي لمصر مثل "أوتيخا" الذى وصف فتح مصر بإسهاب فلن نجد ذكرًا لهذه التهمة .
    كما أنهالم ترد في كتب الأقدمين : كاليعقوبي والبلاذرى، وابن عبد الحكم والطبري، والكندي، ولا في تاريخ من جاء بعدهم وأخذ منهم: كالمقريزي وأبي المحاسن، والسيوطي وغيرهم.
    وأول من نسب الحريق إلى عمرو بن العاص هو عبد اللطيف البغدادي (629هـ =1231م) ومن بعده ابن القفطي (646 هـ = 1248م) ثم أوردها أبو الفرج غريغوريوس الملطي "وهو ابن العبري " دون ذكر السند ودلل المؤرخون الذين أخذوا عن هؤلاء حديثًا للأمر بما يلي:
    الدليل الأول: بأن المسلمين كانت لهم رغبة عظيمة في محو كل كتاب غير القرآن والسنة.
    إن رواية الحريق لم يروها أبو الفرج فقط، بل رواها أيضا مؤرخان مسلمان: البغدادي وابن القفطي.
    أحرق الفاتحون كتب الفرس، كما ذكر حاجي خليفة في كتابه كشف الظنون.
    إن إحراق الكتب كان أمرًا معروفًا وشائعًا يتشفى به كل مخالف ممن خالفه في رأيه،كما عمل هولاكو التتري سنة 656هـ، بإلقاء خزائن الكتب في دجلة .

    ونحن نجيب بأن:
    الدليل الأول: غير مُسَلَّم به، لأنه المعروف من أخلاق المسلمين أنهم كانوا يشجعون العلم، بدليل ما ذكره أبو الفرج من أن عمرو بن العاص كان يُصغِي إلى أقوال يوحنا النحوي.

    والدليل الثاني: وهو أن أبا الفرج لم يروِ هذه الرواية وحده، بل رواها أيضًا البغدادي وابن القفطي، وهما مؤرخان إسلاميان عظيمان، فيمكن دحضه بما سنورده بعد قليل في مناقشة ما ذكره أبو الفرج لأنهم عاشوا في عصر واحد، وروايتهم واحدة تقريبًا، ولا يبعد أن يكونوا قد أخذوا عن مصدر ضائع معادٍ للعرب والإسلام.

    والدليل الثالث: لم نَرَ من المؤرخين من ذكره إلا حاجي خليفة، ومثل هذا المؤرخ لا يُؤخَذُ بكلامه ولا يعول عليه في المسائل التاريخية المقدمة، لأنه توفي سنة (1067هـ = 1657 م) . فلو أن المسلمين أحرقوا هذه المكاتب لذكر ذلك المؤرخون الذين تقدموا حاجي خليفة .

    والدليل الرابع: لا يثبت دعواهم لأنه لا يقاس هولاكو بعمر بن الخطاب، ولا يقاس من جاء ليحصد الحضارات عامة، بمن قام بنشر الحضارة في العالم.
    وقد أسهب بعض المؤرخين المحدثين في تفنيد رواية الإحراق لا سيما رواية أبي الفرج، وذكروا ما يدل على أن عمرًا وعمر بريئان مما نسب إليهما، وهذه هي رواية أبي الفرج عن كيفية الحريق على يد عمرو بن العاص قال:
    "كان في وقت الفتح رجل اكتسب شهرة عظيمة عند المسلمين يسمى بيحيى المعروف عندنا "بغرماطيقوس" أي النحوي وكان إسكندريًا، وعاش إلى أن فتح عمرو بن العاص مدينة الإسكندرية، ودخل على عمرو وقد عرف موضعه من العلوم، فأكرمه عمرو وسمع من ألفاظه الفلسفية - التي لم تكن للعرب بها أنسة - ما هاله ففتن به.
    وكان عمرو عاقلاً حسن الاستماع صحيح الفكر، فلازمه وكان لا يفارقه، ثم قال له يحيي يومًا: إنك قد أحطت بحواصل الإسكندرية وختمت على كل الأشياء الموجودة بها، فما لك به انتفاع فلا أعارضك فيه، وما لا انتفاع لك به فنحن أولى به، فقال له عمرو: وما الذى تحتاج إليه
    ؟ قال: كتب الحكمة التي في خزائن الملوكية،فقال له عمرو: لا يمكنني أن آمر إلا بعد استئذان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب . وكتب إلى عمر وعرفه قول يحيي، فورد عليه كتاب عمر يقول فيه: وأما الكتب التي ذكرتها، فإن كان فيها ما يوافق كتاب الله، ففي كتاب الله عنه غنى، وإن كان فيها ما يخالف كتاب الله، فلا حاجة إليه فتقدم بإعدامها،فشرع عمرو بن العاص فى تفريقها على حمامات الإسكندرية وإحراقها في مواقدها فاستنفدت في ستة أشهر، فاسمع ما جرى واعجب "

    تفنيد الحجج حول رواية الإحراق
    - هذه الرواية أشبه بالخرافة، فقد ذكر فيها ابن العبري أن كتب المكتبة كفت أربعه آلاف حمَّام – وهى عدد حمامات الإسكندرية كما ذكرها ابن العبري – لمدة ستة أشهر، وهذا غير معقول فضلاً أن عمرًا لو قصد تدمير المكتبة لأحرقها فى الحال ولم يتركها تحت رحمة أصحاب الحمامات، وإلا لتمكن يوحنا النحوي الذي بنى ابن العبري روايته عليه من أخذ ما يلزم من هذه الكتب بثمن بخس، ولتسرب قسم كبير من الكتب ليظهر فيما بعد، وهذا ما لم يحدث.
    - كما ذكر "بتلر" أن يوحنا هذا مات قبل الفتح الإسلامي لمصر بثلاثين أو أربعين سنة .
    - لو كانت هذه الرواية صحيحة لتعرض لها المتقدمون من قريب أو بعيد ولو تليمحًا.
    - إن هذه المكتبة أصابها الحريق مرتين: الأولى سنة 48 ق.م. على أثر إحراق أسطول يوليوس قيصر، والثانية في عهد القيصر تيودوسيس وذلك عام 391 م .فنسجت هذه الحكاية على منوال الحريقين السابقين .
    - زار "أورازيوس " الإسكندرية في أوائل القرن الخامس الميلادي، فذكر أن رفوف المكتبة خالية من الكتب عند زيارته، وعلى ذلك فإن الكتب التي كانت بالمكتبة من عهد البطالمة لم يبق لها أثر منذ أواخر القرن الرابع الميلادي، أي منذ عهد الإمبراطور تيودوسيس . أى الحريق الثاني – كما أنه لم يرد لها ذكر في الآداب في القرنين السادس والسابع، ومن المعلوم أن حالة مصر قبيل الفتح الإسلامي – أى منذ أيام "دقلديانوس" – كانت حالة تأخر الزراعة والصناعة والعلوم والمعارف والآداب، فمن البعيد إذن أن يهتم الناس بإعادة هذه المكتبة إلى عهدها الأول .
    - إن التعاليم الإسلامية تخالف رواية القصة لأنها تحرم الكتب الدينية – اليهودية والمسيحية – وكذا غيرها لأنه يجوز أن ينتفع المسلمون بها، فالرواية مخالفة لعادات المسلمين الذين عرف عنهم عدم التعرض لما فيه ذكر الله .
    - ولو فرضنا أن هذه المكتبة بقيت إلى الفتح الإسلامي، ولم يكن هناك ما يمنع من نقلها إلى القسطنطينية على أيدي الروم في أثناء الهدنة التي عقدت مع المسلمين، وقد أجاز لهم عمرو عهد الصلح أن يحملوا كل ما يقدرون عليه، وكان لديهم من الوقت ما يمكنهم من نقل مكتبات لا مكتبة واحدة.
    - وقد أنهى أبو الفرج روايه بقوله: " فاسمع ما جرى واعجب " وهذا يعنى أنه أراد أن يدعونا إلى إحكام العقل بأنه ليس من الممكن أن يفعل عمر وعمرو هذا "اسمع واعجب"وهذا ما لا يريده.
    فكأنما يوحي لنا بكذب الخبر وإن لم يكن كذلك فلم يقول: اسمع واعجب؟!
    هذه فكرة، وفكرة أخرى يحملها المعنى،وهى أن يكون في نفس المؤلف ضغينة على عمر وعمرو فنسب إليهما هذه الفرية، وهو يدعونا إلى التعجب من شدة هذا الأمر .
    وعلى كلا الأمرين فإن إثارة العجب والدعوة إلى الاستماع فيها شيء من الإيحاء وعدم النزاهة، ويجعل ما سبق من الخبر فرية لا صحة لها

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

السلام عليكم ضع تعليقك وأترك بصمتك علي الموضوع مع خالص أحترامي وتقديري