الأربعاء، 5 أغسطس 2009

الزحف إلى الإسكندرية، ومعاونة الأقباط للمسلمين!


  • بعد سقوط حصن بابليون في أيدي المسلمين أقاموا به، ثم كتب عمرو بن العاص إلى عمر بن الخطاب – رضي الله عنهما – يستأمره في الزحف إلى الإسكندرية فكتب إليه عمر يأمره بذلك . وقد استخلف عمرو بن العاص على ما فتح خارجةَ بن حذافة السهمي، وسار على رأس من معه.
    ثم حدث بعد ذلك أمران مهمان، وهما:
    - جاء إلى الروم إمدادات كثيرة .
    - أصبح للقبط موقف واضح ألا وهو تعاونهم مع المسلمين .
    خرج عمرو بن العاص بالمسلمين حين أمكنهم الخروج، وخرج معه جماعة من رؤساء القبط وقد أصلحوا لهم الطرق وأقاموا لهم الجسور والأسواق، وصارت القبط لهم أعوانًا على ما أرادوا من قتال الروم، وسمع بذلك الروم فاستعدوا واستجاشوا، وقدم عليهم مراكب كثيرة من أرض الروم فيها جموع كثيرة منهم بالعدة والسلاح، فخرج إليهم عمرو بن العاص من بابليون متوجها إلى الإسكندرية فلم يلقَ منهم أحدًا حتى بلغ ترنوط فلقي بها طائفة من الروم فقاتلوه قتالاً خفيفًا فهزمهم الله ومضى عمرو بن العاص بمن معه حتى لَقِيَ جمع الروم بكوم شريك، فاقتتلوا به ثلاثة أيام ثم فتح الله للمسلمين، وولى الروم مدبرين .
    وتجمع الروم والقبط دون الإسكندرية ببلدة كريون وفيهم من أهل سخا وبلهيت والخيس وسلطيس وغيرهم، وهذا يخالف الروايات الصحيحة التى ذكرت أن القبط كانوا أعوانًا للمسلمين مثل رواية ابن عبد الحكم في كتابه "فتوح مصر وأخبارها" ولذلك نذهب إلى أن أهل هذه القرى قام الروم بتجنيدهم وحشرهم ليقاتلوا معهم..وأثخن المسلمون الرومَ، وقتلوا منهم مقتلة عظيمة، وطاردوهم حتى بلغوا الإسكندرية فتحصنوا بها.
    وكانت عليهم حصون لا تُرَامُ: حصن دون حصن، فنزل المسلمون ما بين حلوة إلى قصر فارس إلى ماوراء ذلك ومعهم رؤساء القبط يمدونهم بما احتاجوا إليه من الأطعمة والعلوفة.
    وقد ذكرنا من قبل أن فتح بابليون كان يوم الجمعة 29 من ذي الحجة 20 هـ / 7 ديسمبر 641 م، وتقول الروايات إن عمرو بن العاص ظل أمام الإسكندرية مُحاصِرا لها ثلاثة أشهر، وتعنى هذه الروايات أن المسلمين قطعوا ما بين بابليون حتى الإسكندرية في ستة أشهر، ثم أقاموا أمامها ثلاثة أشهر، وعلى ذلك يكون وصول المسلمين إلى الإسكندرية كان نحو 19 من جمادى الآخرة 21 هـ / 23 مايو 642 م، ويكون فتحها حدث نحو 19 رمضان 21 هـ / 19 أغسطس 642 م، وقد ذكر خليفة بن خياط في تاريخه أن فتحها كان سنة 21 هـ على يد عمرو بن العاص – رضي الله عنه-
    إحكام الحصار على حصن كريون
    فر الرومان نحو الإسكندرية، وكان حصن كريون آخر سلسلة الحصون قبل الإسكندرية وقد اعتصم به "تيودور" قائد الجيش البيزنطي مع حامية قوية، وبعد أن تمكن المسلمون من اقتحامه فَرَّ "تيودور" وبعض أفراد حاميته إلى الإسكندرية.
    وقد أدرك عمرو – رضي الله عنه – فور وصوله إلى الإسكندرية ودراسته للوضع الميداني أن المدينة حصينة إذ يحيط بها سوران محكمان، ولها عدة أبراج، ويحيط بها خندق يُمْلأُ من ماء البحر عند الضرورة للدفاع، وتتألف أبوابها من ثلاث طبقات من الحديد، ويوجد مجانيق فوق الأبراج، ومكاحل وقد بلغ عدد جنود حاميتها بعد الإمدادات التي أرسلها الإمبراطور البيزنطي خمسين ألف جندي، ويحميها البحر من الناحية الشمالية، وهو تحت سيطرة الأسطول البيزنطي، الذي كان يمدها بالمؤن والرجال، والعتاد، وتحميها قريوط من الجنوب ومن المتعذر اجتيازها، وتلفها ترعة الثعبان من الغرب، وبذلك لم يكن للمسلمين طريق إليها إلا من ناحية الشرق وهو الطريق الذي يصلها بكريون، وكانت المدينة حصينة من هذه الناحية، ومع ذلك لم ييأس ووضع خطة عسكرية ضمنت له النصر في النهاية، قضت بتشديد الحصار على المدينة حتى يتضايق المدافعون عنها ويدب اليأس في نفوسهم، فيضطرون للخروج للاصطدام بالمسلمين لتخفيف وطأة الحصار، وهكذا يستدرجهم ويحملهم على الخروج من تحصيناتهم ثم ينقض عليهم
    ونتيجة لاشتداد الصراع في القسطنطينية بين أركان الحكم انقطعت الإمدادات البيزنطية عن الإسكندرية، إذ لم يعد أحد منهم يفكر في الدفاع عنها، مما أَثَّرَ سلبًا على معنويات المدافعين عنها فرأوا أنفسهم معزولين ولا سند لهم، ومما زاد من مخاوفهم ما كان يقوم به المسلمون من غارات على قرى الدلتا والساحل فإذا سيطروا عليها فسوف يقطعون الميرة عنهم.
    وكان عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – فى المدينة ينتظر أنباء فتح مصر، وهو أشد ما يكون استعجالاً لنبأ سقوط الإسكندرية في أيدي المسلمين، ولكن هذا النبأ أبطأ عنه أشهرًا، فذهب يبحث عن السبب وهو لم يقصر عن إمداد عمرو بما يحتاج إليه من المساندة التى تكفل له النصر، وخشي أن تكون خيرات مصر قد غَرَّت المسلمين فتخاذلوا،وقال لأصحابه :" ما أبطأوا بفتحها إلا لما أحدثوا" – أى لما أحدثوا من ذنوب – وكتب إلى عمرو بن العاص:
    "أما بعد فقد عجبتُ لإبطائكم عن فتح مصر، إنكم تقاتلونهم منذ سنتين، وما ذاك إلا لما أحدثتم وأحببتم من الدنيا ما أحب عدوكم، وإن الله تبارك وتعالى لا ينصر قومًا إلا بصدق نيّاتهم وقد كنت وجهت إليك أربعة نفر، وأعلمتك أن الرجل منهم مقام ألف رجل على ما كنت أعرف، إلا أن يكونوا غيَّرَهم ما غيّر غيرهم،فإذا أتاك كتابي هذا فاخطب الناس، وحُضَّهم على قتال عدوهم، وَرَغِّبْهم فى الصبر والنية، وقَدِّم أولئك الأربعة فى صدور الناس، ومُرِ الناس جميعًا أن يكون لهم صدمة كصدمة رجل واحد، وليكن ذلك عند الزوال يوم الجمعة،فإنها ساعة تنزل الرحمة، ووقت الإجابة، وليعج الناسُ إلى الله ويسألوه النصر على عدوهم "
    وعندما أتى عَمْرًا الكتابُ جمعَ الناسَ، وقرأ عليهم كتاب عُمَرْ، ثم دعا أولئك النفر، فقدمهم أمام الناس وأمر الناس أن يتطهروا، ويصلوا ركعتين، ثم يرغبوا إلى الله عز وجل ويسألوه النصر؛ ففعلوا ففتح الله عليهم ويقال: إن عمرو بن العاص استشار مسلمة بن مخلد فى قتال الروم بالإسكندرية، فقال له مسلمة : أرى أن تنظر إلى رجل له معرفة وتجارب من أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فتعقد له على الناس،فيكون هو الذى يباشر القتال ويكفيك، قال عمرو : ومن ذلك ؟ قال: عبادة بن الصامت، فدعا عمرو عبادة فأتاه وهو راكب فرسه، فلما دنا منه أراد النزول، فقال له عمرو : عزمت عليك لا تنزل؛ فَنَاوِلْنِي سِنَانَ رُمحِك فناوله إياه، فنزع عمرو عمامته عن رأسه وعقد له، وولاه قتال الروم، فتقدم عبادة مكانه، فقاتل الروم حتى فتح الله على يديه الإسكندرية من يومهم ذلك . يقول جنادة بن أبي أمية: دعاني عبادة بن الصامت يوم الإسكندرية، وكان على قتالهم فأغار العدو على طائفة من الناس ولم يأذن لهم بقتالهم، فسمعني فبعثني أحجز بينهم، فأتيتهم فحجزت بينهم، ثم رجعت إليه، فقال: أَقُتِلَ أَحَدٌ من الناس هنالك؟ قلت: لا . فقال: الحمد لله الذي لم يقتلْ أحدًا منهم عاصيًا..
    لقد عانت الإسكندرية من الحصار،وأَدَّى ذلك إلى هبوط معنويات الجند والقادة، خاصة بعد وفاة هرقل، فأسرع المقوقس بالسفر إلى مصر على رأس لتسليم المدينة، ورافقه عدد من القساوسة..وبذلك فتح الله الإسكندرية على المسلمين..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

السلام عليكم ضع تعليقك وأترك بصمتك علي الموضوع مع خالص أحترامي وتقديري