الاثنين، 12 يوليو 2010

أدمغة الثدييات والطيور متشابهة

اعتقد علماء الأعصاب لأكثر من قرن أن أدمغة البشر والثدييات الأخرى تختلف عن أدمغة غيرها من الأحياء كالطيور, باعتبارها أرقى وأشد تعقيدا وتطورا سواء من الناحية التشريحية أو الوظيفية.
وقد استند ذلك الاعتقاد جزئيا إلى البنية المادية البيّنة للقشرة المخية الحديثة لدى الثدييات، وهي منطقة بالدماغ مسؤولة عن السلوكيات المعرفية المركبة.
لكن دراسة جديدة لباحثين بقسم علوم الأعصاب بكلية طب جامعة كاليفورنيا في سان دييغو, وجدت أن المنطقة المعنية بتحليل المدخلات السمعية (الأصوات) بدماغ الدجاجة مخلوقة بطريقة تشبه نظيرتها لدى الثدييات، وفقا لتقرير سكوت لافي المنشور بموقع الجامعة.
ويرى هارڤي كارتن الأستاذ بقسم الأعصاب والمؤلف الأول لحصيلة الدراسة المنشورة إلكترونيا بـ"وقائع أكاديمية العلوم الوطنية" أن هذه النتائج من شأنها أن تنهي دعوى فرادة وتميز الثدييات.
تنوع الخلايا
ولطالما افترض عموما أن أدمغة الثدييات أرقى وأكثر تطورا من أدمغة الحيوانات الأخرى جزئيا على أساس البنية المتميزة لمقدمة الدماغ (الجبهة) والقشرة المخية الحديثة، وهما جزء من طبقة الدماغ الخارجية حيث تتركز الوظائف المعرفية والإدراكية المركبة.
وتحتوي القشرة المخية الحديثة تحديدا على طبقات الخلايا (المغلفة) والمترابطة بواسطة أعمدة مصفوفة من خلايا أخرى، بحيث تشكل وحدات وظيفية تتسم بأنواع خلايا ووصلات عصبية معينة.
علما بأن الدراسات المبكرة للمناطق المتناظرة في أدمغة غير الثدييات لم تجد ترتيبات (بنيوية) متماثلة، مما أدى لافتراض أن خلايا القشرة المخية والدوائر العصبية للثدييات فريدة بطبيعتها.

بيد أن كارتن وزملاءه عكفوا على مدى أربعة عقود على نقض هذا التفكير، واستخدموا في دراساتهم تقنيات تصوير متطورة كالتتبع بالغ الحساسية، لرسم خارطة لمنطقة بدماغ الدجاجة المماثلة للقشرة السمعية بدماغ الثدييات، وهما مسؤولتان عن السمع.

الإدراك والتحليل
واكتشف الباحثون أن قشرة دماغ الطيور تتألف أيضا من طبقات مغلفة من الخلايا المترابطة بواسطة أعمدة ضيقة من خلايا أخرى، مع وصلات كثيفة بينها تشكل دوائر دقيقة تماثل افتراضيا نظيراتها في قشرة أدمغة الثدييات.
وتشير هذه النتائج إلى أن خصائص خلايا التغليف وخلايا أعمدة الربط بالقشرة المخية لا تقتصر على الثدييات، وقد تكون في الواقع تطورت عن خلايا ودوائر لدى فقاريات أقدم بكثير.
ومن هنا، يلفت كارتن إلى أن الاعتقاد بأن الدوائر (العصبية) القشرية الدقيقة سمة فريدة لأدمغة الثدييات, كان يستند أساسا إلى افتقاد أدمغة الأنواع الأخرى الواضح للخلايا المغلفة، وشيوع المفهوم القائل بأن الفقاريات -من غير الثدييات- غير قادرة على إجراء معالجات إدراكية وتحليلية مركبة للمعلومات الحسية كالتي تحدث في القشرة المخية الحديثة بأدمغة الثدييات، وبالتالي اعتبار حيوانات كالطيور منظومات تعمل بطريقة آلية جميلة قادرة على أداء نشاطات نمطية فقط.
عقبة منهجية

يمثل هذا النوع من التفكير مشكلة خطيرة للبيولوجية العصبية الهادفة لمعرفة الأصول التي تطورت عنها قشرة المخ لدى الثدييات، أي من أين جاءت كل هذه الدوائر العصبية المركبة ومتى بدأت تتطور؟
بدايات الإجابة تقدمها أبحاث كارتن بالقول بوجود سلف مشترك بين الثدييات والطيور، يعود تاريخه إلى 300 مليون سنة على الأقل.
ويشير المؤلف إلى أن للأبحاث الجديدة مغزى معاصرا وعمليا. فتماثل القشرة المخية للثدييات والطيور يدعم الاستفادة من نماذج الطيور في مختلف دراسات الدماغ المقارنة.
وبحسب كارتن، تُظهر الدراسات أن الدوائر العصبية الدقيقة الكامنة وراء السلوكيات المركبة شائعة لدى فقاريات كثيرة، لتدعم القبول المتنامي بفكرة استقرار
الدوائر خلال التطور ودور العوامل الوراثية في إنتاج أنماط مستقرة منها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

السلام عليكم ضع تعليقك وأترك بصمتك علي الموضوع مع خالص أحترامي وتقديري