انشغل المثقف دون غيره في ذكرى الثورة الليبية الأولى بالأسئلة القلقة والمحورية حول الواقع بعد إسقاط نظام معمر القذافي، ودخول البلاد مرحلة انتقالية بكافة تعقيداتها وإشكالياتها السياسية والأمنية والعسكرية.
لكن رغم إنجاز حريات التعبير والكلام، تحتاج ليبيا إلى حالة من الهدوء التام لوضع أساسات الانطلاق إلى مراحل التشكيل المؤسساتي لأركان دولةٍ ظلت منهارة على مدار أربعة عقود.
بنبرة قلقة تعبر رئيسة تحرير صحيفة أطياف الشاعرة فريال الدالي عن الواقع السياسي، وتقول إنه فوضى، لتداخل اختصاصات المجلس الانتقالي والحكومة الانتقالية، وهي بوادر تجعلها تتشاءم من سير الانتخابات المقبلة بطريقة نزيهة.
|
ليبيون يتحلقون حول مدفع غنمه الثوار في بدايات الثورة |
مشوشة ونزيهة
وتحدثت فريال الدالي في عدة ملفات قالت إنها مشغولة بها، من أزمة السيولة في جيوب الليبيين وحفظ الأمن بالدرجة الأولى إلى إجراء أول انتخابات نزيهة.
وقالت إن الأمن لا يزال مهددا "حتى لو اعتبرنا أن التصرفات التي تحدث هي ترجمة لسلوك فردي من بعض الأفراد، أو حتى المجرمين الفارّين".
ترسم فريال صورة مشوشة، فهي ترى أن الأمل الوحيد في النفق الحالي هو قانون الانتخابات الجديد، لكنها تتساءل "كيف للانتخابات أن تكون عادلة ونزيهة في ظل جهلنا لاتجاه الأموال التي تدخل علينا يومياً وانتشار السلاح؟".
وترى أن الأموال المجهولة الاتجاه ستُستخدم في شراء الأصوات، وربما تزوير مباشر للانتخابات.. وهذا لا يبشر بخير،على حد تعبيرها.
وتقول إن وجود السلاح والمال لدى جهات تأمل الترشّح للمؤتمر الوطني سيهدد أمن البلاد.
وهي لا تتحدث عن حرب أهلية، لأن ذلك في اعتقادها مستحيل، لكن عن حالة الفوضى المسلحة بين بعض الأطراف المتنازعة على السلطة.
انتشار السلاح
وفي رأي الشاعر رامز النويصري فإن مشكلة ليبيا الأولى بعد الثورة هي انتشار السلاح. يقول النويصري "ليس من السهل على الثوار التخلي عن السلاح طالما يشعرون بعدم الآمان على ثورتهم، كونهم أمناء عليها حد التعصب"، إلى جانب غياب آلية تنسيق حكومية.
ورغم ذلك، يرى النويصري أن الأمور تسير باتجاه الحل وإن كانت الطريق وعرة، مؤكدا أن الأهم عند الحديث في ذكرى الثورة هو "هل نجحت في تحقيق ما خرجت من أجله قبل عام؟".
|
القاص حسن بوسيف: بعد الثورة لا مكان للصمت بيننا |
دور النخبة
بدوره يقول القاص حسن بوسيف إن الثورة حققت كل ما تحتاج إليه النخب (بكافة أطيافها) لتحسين صورة الحياة أمام المواطن الذي دِيس لأكثر من أربعة عقود، وعندما قرر التحقق من وجوده على هذه الأرض، قدّم كل ما يملك دفعة واحدة، وعلى النخبة المثقفة الآن الأخذ بيده.
وبلغة السرد يقول "إننا قريبون من بعضنا، وقادرون على تلمس الأعذار. في الماضي الظلامي كان الأكثرُ مهارة بيننا هو من يفعل الأشياء الخطأ بطريقة صحيحة، وكنا نشاركه فرحة الإنجاز بالصمت. بعد الثورة لا مكان للصمت بيننا. اكتسبنا ما نحتاجه لنسير إلى مقعدنا وسط الأمم".
أحلام الناس
وقال إنه بإمكان النخب أن تبادر بأخذ دورها في هذه المرحلة، لصياغة أحلام الناس في رؤى واضحة، ليصبح المتميز هو من يفعل الأشياء الصحيحة بطريقة صحيحة.
ويرى الشاعر الشاب عبد الباسط أبو بكر أن ثورتهم تحتاج فهما عميقا، وقال إنها نجحت في استئصال نظام كامل، وهي بحاجة الآن إلى نضال فكري ونقاش في ظل حرية كاملة غير مشروطة.
وذكّر بأن الثورة تتحرك نحو الدولة، لكن بخطوات مشوبة بكثير من القلق والارتباك، مشيرا إلى أن الجزء العسكري نجح بشكل مذهل، لكن الشق الفكري يحتاج جهدا كبيرا.
وقال إنه عندما يرى المواطن يحترم إشارة المرور سنصل إلى تغيير فكري مناسب، فهو لا يود رؤية دكتاتور جديد، بل يحب أن يرى ليبيا على وفاق ولو كانت على اختلاف.
ألوان الحرب
وتروي الفنانة التشكيلية سلوى التاجوري لحظات الوصول إلى ليبيا الجديدة بعد عدة سنوات خارج الوطن.
تتحدث عن تجربة المشاركة في دعم الثورة ضد نظام القذافي بتحويل سيارة مكشوفة إلى لعبة تخفف بها عن الأطفال وطأةَ الحرب.
قالت إنها تجولت بالسيارة الملونة لإدخال الفرحة على أبناء الشعب، وتتمنى أن تشاهد ليبيا أخرى دون تعصب أو تطرف سلطوي أو سياسي أو ديني.
|
لوحة استعراضية قرب البيضاء شرقي ليبيا في الذكرى الأولى للثورة |
وتقول الفنانة سعاد خليل من جهتها إن أكبر إنجاز للثورة إسقاط نظام القذافي. أما بناء الدولة الديمقراطية الدستورية فيحتاج وقتا.
وتدعو سعاد المثقفين للانخراط في تأسيس المجتمع المدني، مؤكدة أن الجميع (من فنانين ورجال دين وشيوخ) ساهموا في دعم الثورة مع اندلاعها، وعليهم الآن الترفع عن الأحقاد والفتن والالتفاف على مبدأ التسامح.
وسعاد خليل ليست فنانة فقط، لكنها أمٌّ دفعت بعدة أبناء إلى جبهات القتال في البريقة ورأس لانوف.
تقول إن أجمل لحظة في حياتها كانت حينما رأت الأبناء عائدين من الحرب يحملون شارات النصر.
تعليق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
السلام عليكم ضع تعليقك وأترك بصمتك علي الموضوع مع خالص أحترامي وتقديري