الجمعة، 17 فبراير 2012

مضيق هرمز.. والبديل


شهدت العقود الثلاثة الأخيرة تحولاً جذرياً في نظريات الجغرافيا السياسية، وخاصة ما يتعلق منها بقلب العالم، وبعد ان كان ينظر للقارة الأوربية في بداية القرن العشرين على أنها قلب العالم، أصبح الخليج العربي بنهاية القرن العشرين، هو قلب العالم، هذا المسطح المائي الذي تبلغ مساحته (233.100) كم2 ويتراوح عرضه بين (370) كم في حده الأقصى و(55) كم عند مضيق هرمز وعمقه لا يتجاوز (90) متراً، أما طوله من خليج عمان وحتى شط العرب في العراق فيبلغ حوالي (965) كم، ورغم هذه الأهمية الاستراتيجية، فانه اقرب للبحر المغلق، فليس له الا منفذ واحد يربطه بالمحيطات الكبرى هو مضيق هرمز الذي يشكل عنق الزجاجة للخروج والدخول الى الخليج العربي.
ومن هنا يُعد مضيق هرمز أحد أهم المضائق والممرات المائية في العالم، حيث يربط بين الخليج العربي من جهة، وخليج عمان وبحر العرب والمحيط الهندي من جهة أخرى، ولذلك يعتبر المنفذ البحري الوحيد للدول المطلة على الخليج العربي فقط، مثل العراق والكويت والبحرين وقطر، كما أنه المنفذ الرئيسي لكل من المملكة العربية السعودية التي تطل على الخليج من الشرق والبحر الأحمر من الغرب، وللامارات العربية المتحدة التي تطل على الخليج وخليج عمان، وسلطنة عُمان تطل على الخليج العربي وخليج عمان وبحر العرب، وايران التي تطل على الخليج العربي وخليج عمان وبحر العرب.

هرمز..وحقائقه الجغرافية والاستراتيجية

يبلغ عرض مضيق هرمز حوالي (55) كم، أما عند أضيق نقطة فيه فيبلغ عرضه نحو (34) كلم، ويضم المضيق عددا من الجزر أكبرها جزيرة «قشم» الايرانية، بجانب جزر لاراك، وهرمز، بالاضافة الى الجزر المتنازع عليها بين الامارات وايران وهي: طنب الكبرى، والصغرى، وأبوموسى.

وتنبع أهميته الاستراتيجية من كونه معبراً لنحو 35 الى %40 النفط المنقول بحراً على مستوى العالم.حيث تعبره يومياً ما بين (20) و(30) ناقلة تحمل ما يصل الى (18) مليون برميل من النفط، ويمر من المضيق نحو %90 من النفط السعودي و%98 من النفط العراقي و%99 من النفط الاماراتي و%100 من النفط الكويتي والقطري.وتعتمد اليابان على المضيق في وصول %85 من حاجتها من النفط، وكذلك تعتمد كل من كوريا الجنوبية والهند والصين على المضيق في وصول أكثر من %70 من حاجتها من النفط، بينما تعتمد عليه الولايات المتحدة في وصول %18 من احتياجاتها النفطية

هرمز وقناته الملاحية..عمان أولاً

يبلغ عرض القناة الملاحية في مضيق هرمز نحو 6 أميال (9.6 كم).ويحدد مسار «القناة الملاحية»بناء على اعتبارات فنية تمثل عادة المجرى الاعمق والأنسب للملاحة ضمن مياه المضيق.وتتوزع الأميال الستة المخصصة للقناة الملاحية الى ثلاثة اقسام متساوية، عرض كل جزء منها ميلين (2+2+2 ميل) بناء على النظام الدولي المعتمد باسم «نظام العزل المروري (Traffic Separation Scheme)، حيث تم تحديد قناة مخصصة للدخول الى مياه الخليج، وقناة مخصصة للخروج من منطقة الخليج، وقناة ثالثة تتوسط وتفصل بين مسار الدخول والخروج، لعزل أو فصل مسيرة السفن ومنع حوادث الاصطدام وتنظيم مسيرة الاتجاه الملاحي.

وتقع القناة الملاحية بشكل كامل ضمن المياه الاقليمية لسلطنة عُمان، ولا يقع أي جزء منها في المياه الاقليمية لايران، وتقوم السلطات العمانية بادارة حركة العبور وتنظيمها، من خلال موقع رادار خاص (Link Quality Indicator) في أعلى نقطة من شبه جزيرة «رأس مسندم» يتولى عملية مراقبة وتنظيم حركة المرور عبر المضيق.

وكون «القناة الملاحية» تقع ضمن المياه الاقليمية لسلطنة عُمان، فان أية محاولة لاغلاق أو عرقلة حرية الملاحة عبر المضيق، تستوجب اغلاق هذه القناة بشكل أساسي، وهذا يعني اختراق السيادة العمانية والقيام بأعمال عدوانية داخل المياه الاقليمية لدولة أخرى

التهديدات الايرانية في منظور القانون الدولي

بعد ان أطلقت الجمهورية الايرانية تهديداتها باغلاق مضيق هرمز في حال تعرضها لأي عمل عسكري تقوم به الولايات المتحدة الأمريكية أو حلفائها، اتجه البعض للتركيز على الأبعاد القانونية لهذه التهديدات، وذكر تيار من الفقهاء القانونيين انه وفقاً لقانون البحار الدولي الصادر عام 1982، يعد مضيق هرمز«ممراً مائياً دولياً»، وهذا التوصيف لا يمنح الدول المطلة على الممر المائي «المضيق» حقوق السيادة الكاملة.ولا تمتلك الدول المطلة حق اغلاق الممر المائي، أو التدخل في حرية الملاحة عبر مياهه، أو اعاقة ومنع السفن من استخدام الممر والملاحة بجميع أجزائه، بغض النظر عن هوية السفينة العابرة (علمها المرفوع) أو طبيعة مهمتها (عسكرية أو مدنية)، وتحت أي ظرف من الظروف.

ومن هنا فان الممر المائي الدولي يعد ملكاً للمجتمع الدولي ومسؤولية ضمان حرية الملاحة من خلاله هي مسؤولية دولية، بالتعاون مع الدول المطلة عليه.لذا فان محاولة اغلاق «ممر مائي دولي» أو التدخل بحرية وأمن الملاحة عبر مياهه، تعد من الأفعال التي تهدد الأمن والاستقرار الدوليين، وتقع تحت طائلة الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة، الذي تمت صياغته تحت عنوان «فيما يتخذ من الأعمال في حالات تهديد السلم والاخلال به ووقوع العدوان».وتؤكد المادة (39) من الفصل السابع على مسؤولية مجلس الأمن الدولي في التعامل مع الأفعال التي تعد خرقا ماديا وتهديدا للسلام الدولي، حيث نصت على: «يقرر مجلس الأمن ما اذا كان قد وقع تهديد للسلم أو اخلال به أو كان ما وقع عملاً من أعمال العدوان، ويقدم في ذلك توصياته أو يقرر ما يجب اتخاذه من التدابير طبقاً لأحكام المادتين 41 و42 لحفظ السلم والأمن الدولي أو اعادته الى نصابه».

وتنص المادة (41) على: «لمجلس الأمن ان يقرر ما يجب اتخاذه من التدابير التي لا تتطلب استخدام القوات المسلحة لتنفيذ قراراته، وله ان يطلب الى أعضاء «الأمم المتحدة» تطبيق هذه التدابير، ويجوز ان يكون من بينها وقف الصلات الاقتصادية والمواصلات الحديدية والبحرية والجوية والبريدية والبرقية واللاسلكية وغيرها من وسائل المواصلات وقفا جزئيا أو كليا وقطع العلاقات الدبلوماسية».

بينما تنص المادة (42) على: «اذا رأى مجلس الأمن ان التدابير المنصوص عليها في المادة 41 لا تفي بالغرض أو ثبت أنها لم تف به، جاز له ان يتخذ بطريق القوات الجوية والبحرية والبرية من الأعمال ما يلزم لحفظ السلم والأمن الدولي أو لاعادته الى نصابه.ويجوز ان تتناول هذه الأعمال المظاهرات والحصر والعمليات الأخرى بطريق القوات الجوية أو البحرية أو البرية التابعة لأعضاء «الأمم المتحدة».

ولكن..!!

عندما تقع الكارثة، ويتم ضرب ايران، وترد ايران بتنفيذ تهديداتها، لن يكون القانون الدولي مجدياً بشكل أمثل للتعامل مع الازمة، فالقانون في معظم الحالات، ان لم يكن في كل الحالات يتسم بالبطء والعجز عن صون الحقوق بالسرعة المناسبة، وتعويض المتضررين عن خسائرهم، والتي ستقدر بمئات المليارات ليس فقط في الدول الواقعة على شطآن الخليج، ولكن في كل الأطراف المعتمدة على نفط الخليج بشكل مباشر أو غير مباشر.وهنا تأتي أهمية التفكير ليس فقط في الأبعاد القانونية، ولكن بالدرجة الأولى في البدائلالاستراتيجية للدول الخليجية للتعامل مع مثل هذه الأزمة

هرمز..والبحث عن بدائل استراتيجية

كانت المملكة العربية السعودية، في مقدمة الدول الخليجية التي اهتمت بتوفير بدائل استراتيجية لنقل نفطها، بعيداً عن هرمز، على الرغم من تعدد موانئها البحرية شرقاً وغرباً مقارنة بالدول الخليجية الأخرى، وكانت البداية مع توجيه الملك عبدالعزيز، مؤسس المملكة، بانشاء «خط التابلاين» الذي يربط المنطقة الشرقية من المملكة بساحل البحر الأبيض المتوسط في مدينة صيدا اللبنانية، مروراً بالأراضي السورية وذلك بطول (1664)كم وتكلفة قدرها (150) مليون دولار آنذاك، وانتهى العمل به فعلياً عام (1950)، وظل يعمل حتى عام (1967)، عندما قامت اسرائيل باحتلال مرتفعات الجولان السورية.

وخلال الحرب العراقية الايرانية، وتحديداً عام 1982، قامت المملكة بانشاء خطيْ أنابيب «شرق غرب»، اللذين يربطان المنطقة الشرقية بمدينة ينبع على ساحل البحر الأحمر بطول (1200)كلم، وقد خصص أحدهما لنقل الزيت الخام والآخر لنقل الغاز المسال، وتمت توسعة هذين الخطين عام (1992) بعد حرب تحرير الكويت لتبلغ الطاقة الاستيعابية لهما (4.5) ملايين برميل يومياً، وتبلغ الطاقة التخزينية في مدينة ينبع ما يقارب (12.5) مليون برميل في اليوم، بالاضافة الى القدرة على تخزين وتصدير الغاز المسال.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

السلام عليكم ضع تعليقك وأترك بصمتك علي الموضوع مع خالص أحترامي وتقديري