من قصص الفرج بعد الشدة
روى التنوخي في الفرج بعد الشدة عن بعض تجار الكرخ ببغداد قال: كنت أعامل رجلاً من الخراسانية، أبيع له في كل موسم متاعاً، فأنتفع من سمسرته بألوف الدراهم.
فلما كان سنة من السنين تأخر عني، فأثر ذلك في حالي، وتواترت علي محن، فأغلقت دكاني وجلست في بيتي، مستتراً من دين لحقني، أربع سنين.
فلما كان في وقت الحاج، تتبعت خبر الخراساني، طمعاً في إصلاح أمري به، فمضيت إلى سوق فلم أحصل له خبراً ، فرجعت وأنا تعب مغموم ، وكان يوماً حاراً، فنزلت إلى نهر دجلة، فتغسلت، وصعدت، فابتل موضع قدمي، فقلعت رجلي قطعة من الرمل، وانكشفت عن سير "خيط".
فلبست ثيابي، وجلست مفكراً أولع بالسير، فلم أزل أجره حتى ظهر لي هميان "ما يوضع فيه المال" موصول به، فأخذته، فإذا هو مملوء دنانير، فأخفيته تحت ثيابي، ووافيت منزلي، فإذا فيه ألف دينار.
ففرحت نفسي فرحة شديدة، وعاهدت الله عز وجل، أنه متى صلحت حالي، وعادت، أن (أعرف الهميان) فمن أعطاني صفته رددته عليه.
واحتفظت بالهميان، وأصلحت أمري مع غرمائي، وفتحت دكاني، وعدت إلى عملي في التجارة والسمسرة، فما مضت إلا ثلاث سنين حتى حصل في ملكي ألوف الدنانير.
وجاء الحج، فتتبعتهم لأعرف الهميان، فلم أجد من يعطيني صفته، فعدت إلى دكاني ، فبينما أنا جالس، إذا رجل قائم حيال دكاني، أشعث أغبر، وافي السبال، في خلقة فقراء الخراسانية وزيهم فظننته سائلاً، فأومأت إلى دريهمات لأعطيه، فاسرع الإنصراف، فارتبت به، فقمت، ولحقته، وتأملته، فإذا هو صاحبي الذي كنت أنتفع بسمسرته في السنة بألوف الدراهم ، فقلت له: يا هذا، ما الذي أصابك ؟ وبكيت رحمة له.
فبكى، وقال: حديثي طويل.
فقلت: البيت، وحملته إلى منزلي، فأدخلته الحمام، وألبسته ثياباً نظافاً، وأطعمته، وسألته عن خبره.
فقال: أنت تعرف حالي ونعمتي، وإني أردت الخروج إلى الحج في آخر سنة جئت إلى بغداد، فقال لي أمير البلد: عندي قطعة ياقوت أحمر كالكف، لا قيمة لها عظماً وجلالةً، ولا تصلح إلا للخليفة، فخذها معك، فبعها لي ببغداد، واشتر لي من ثمنها متاعاً طلبه، من عطر، وطرف، بكذا وكذا، وأحمل الباقي مالاً.
فأخذت القطعة ياقوت، وهي كما قال، فجعلتها في هميان جلد، من صفته كيت وكيت، ووصف الهميان الذي وجدته، وجعلت في الهميان ألف دينار عيناً من مالي، وحملته في وسطي.
فلما جئت إلى بغداد، نزلت أسبح عشياً في الجزيرة التي بسوق يحيى، وتركت الهميان وثيابي بحيث ألاحظها.
فلما صعدت من دجلة، لبست ثيابي عند غروب الشمس، وأنسيت الهميان، فلم أذكره إلى أن أصبحت، فعدت أطلبه، فكأن الأرض ابتلعته.
فهونت على نفسي المصيبة، وقلت: لعل قيمة الحجر ثلاثة آلاف دينار، أغرمها له.
فخرجت إلى الحج، فلما رجعت، حاسبتك على ثمن متاعي، واشتريت للأمير ما أراده، ورجعت إلى بلدي، فأنفذت إلى الأمير ما اشتريته، وأتيته، فأخبرته بخبري.
وقلت له: خذ مني تمام ثلاثة آلاف دينار، عوضاً عن الحجر.
فطمع فيّ، وقال: قيمته خمسون ألف دينار، وقبض علي، وعلى جميع ما أملكه من مال ومتاع، وأنزل بي صنوف المكاره، حتى أشهد علي في جميع أملاكي، وحبسني سبع سنين، كنت يردد علي فيها العذاب.
فلما كان في هذه السنة، سأله الناس في أمري، فأطلقني.
فلم يمكنني المقام ببلدي، وتحمل شماتة الأعداء، فخرجت على وجهي، أعالج الفقر، بحيث لا أعرف، وجئت مع الحج الخراساني، أمشي أكثر الطريق، ولا أدري ما أعمل، فجئت إليك لأشاورك في معاش أتعلق به.
فقلت: قد رد الله عليك بعض ضالتك، هذا الهميان الذي وصفته، عندي، وكان فيه ألف دينار أخذتها، وعاهدت الله تعالى، أنني ضامنها لمن يعطيني صفة الهميان، وقد أعطيتني أنت صفته، وعلمت أنه لك، وقمت، فجئته بكيس فيه ألف دينار.
وقلت له: تعيش بهذا في بغداد، فإنك لا تعدم خيراً إن شاء الله.
فقال لي: يا سيدي الهميان بعينه عندك، لم يخرج عن يدك ؟ قلت: نعم.
فشهق شهقة، ظننت أنه قد مات معها، وغشي عليه، فلما أفاق بعد ساعة، قال لي: أين الهميان؟ فجئته به، فطلب سكيناً، فأتيته بها، فخرق أسفل الهميان، وأخرج منه حجر ياقوت أحمر، أشرق منه البيت، وكاد يأخذ بصري شعاعه، وأقبل يشكرني، ويدعو لي.
فقلت له: خذ دنانيرك.
فحلف بكل يمين، لا يأخذ منها إلا ثمن ناقة، ومحمل، ونفقة تبلغه، فبعد كل جهد أخذ ثلثمائة دينار، وأحلني من الباقي، وأقام عندي، إلى أن عاد الحجاج، فخرج معهم.
فلما كان العام المقبل، جاءني بقريب مما كان يجيئني به سابقاً من المتاع.
فقلت له: أخبرني خبرك.
فقال: مضيت، فشرحت لأهل البلد خبري، وأريتهم الحجر، فجاء معي وجوههم إلى الأمير، وأعلموه القصة، وخاطبوه في إنصافي ، فأخذ الحجر، ورد علي جميع ما كان أخذه مني، من متاع، وعقار، وغير ذلك، ووهب لي من عنده مالاً.
وقال: اجعلني في حل مما عذبتك وآذيتك، فأحللته.
وعادت نعمتي إلى ما كانت عليه، وعدت إلى تجارتي ومعاشي بفضل الله تعالى.
وكان يجيئني بعد ذلك، حتى مات.
روى التنوخي في الفرج بعد الشدة عن بعض تجار الكرخ ببغداد قال: كنت أعامل رجلاً من الخراسانية، أبيع له في كل موسم متاعاً، فأنتفع من سمسرته بألوف الدراهم.
فلما كان سنة من السنين تأخر عني، فأثر ذلك في حالي، وتواترت علي محن، فأغلقت دكاني وجلست في بيتي، مستتراً من دين لحقني، أربع سنين.
فلما كان في وقت الحاج، تتبعت خبر الخراساني، طمعاً في إصلاح أمري به، فمضيت إلى سوق فلم أحصل له خبراً ، فرجعت وأنا تعب مغموم ، وكان يوماً حاراً، فنزلت إلى نهر دجلة، فتغسلت، وصعدت، فابتل موضع قدمي، فقلعت رجلي قطعة من الرمل، وانكشفت عن سير "خيط".
فلبست ثيابي، وجلست مفكراً أولع بالسير، فلم أزل أجره حتى ظهر لي هميان "ما يوضع فيه المال" موصول به، فأخذته، فإذا هو مملوء دنانير، فأخفيته تحت ثيابي، ووافيت منزلي، فإذا فيه ألف دينار.
ففرحت نفسي فرحة شديدة، وعاهدت الله عز وجل، أنه متى صلحت حالي، وعادت، أن (أعرف الهميان) فمن أعطاني صفته رددته عليه.
واحتفظت بالهميان، وأصلحت أمري مع غرمائي، وفتحت دكاني، وعدت إلى عملي في التجارة والسمسرة، فما مضت إلا ثلاث سنين حتى حصل في ملكي ألوف الدنانير.
وجاء الحج، فتتبعتهم لأعرف الهميان، فلم أجد من يعطيني صفته، فعدت إلى دكاني ، فبينما أنا جالس، إذا رجل قائم حيال دكاني، أشعث أغبر، وافي السبال، في خلقة فقراء الخراسانية وزيهم فظننته سائلاً، فأومأت إلى دريهمات لأعطيه، فاسرع الإنصراف، فارتبت به، فقمت، ولحقته، وتأملته، فإذا هو صاحبي الذي كنت أنتفع بسمسرته في السنة بألوف الدراهم ، فقلت له: يا هذا، ما الذي أصابك ؟ وبكيت رحمة له.
فبكى، وقال: حديثي طويل.
فقلت: البيت، وحملته إلى منزلي، فأدخلته الحمام، وألبسته ثياباً نظافاً، وأطعمته، وسألته عن خبره.
فقال: أنت تعرف حالي ونعمتي، وإني أردت الخروج إلى الحج في آخر سنة جئت إلى بغداد، فقال لي أمير البلد: عندي قطعة ياقوت أحمر كالكف، لا قيمة لها عظماً وجلالةً، ولا تصلح إلا للخليفة، فخذها معك، فبعها لي ببغداد، واشتر لي من ثمنها متاعاً طلبه، من عطر، وطرف، بكذا وكذا، وأحمل الباقي مالاً.
فأخذت القطعة ياقوت، وهي كما قال، فجعلتها في هميان جلد، من صفته كيت وكيت، ووصف الهميان الذي وجدته، وجعلت في الهميان ألف دينار عيناً من مالي، وحملته في وسطي.
فلما جئت إلى بغداد، نزلت أسبح عشياً في الجزيرة التي بسوق يحيى، وتركت الهميان وثيابي بحيث ألاحظها.
فلما صعدت من دجلة، لبست ثيابي عند غروب الشمس، وأنسيت الهميان، فلم أذكره إلى أن أصبحت، فعدت أطلبه، فكأن الأرض ابتلعته.
فهونت على نفسي المصيبة، وقلت: لعل قيمة الحجر ثلاثة آلاف دينار، أغرمها له.
فخرجت إلى الحج، فلما رجعت، حاسبتك على ثمن متاعي، واشتريت للأمير ما أراده، ورجعت إلى بلدي، فأنفذت إلى الأمير ما اشتريته، وأتيته، فأخبرته بخبري.
وقلت له: خذ مني تمام ثلاثة آلاف دينار، عوضاً عن الحجر.
فطمع فيّ، وقال: قيمته خمسون ألف دينار، وقبض علي، وعلى جميع ما أملكه من مال ومتاع، وأنزل بي صنوف المكاره، حتى أشهد علي في جميع أملاكي، وحبسني سبع سنين، كنت يردد علي فيها العذاب.
فلما كان في هذه السنة، سأله الناس في أمري، فأطلقني.
فلم يمكنني المقام ببلدي، وتحمل شماتة الأعداء، فخرجت على وجهي، أعالج الفقر، بحيث لا أعرف، وجئت مع الحج الخراساني، أمشي أكثر الطريق، ولا أدري ما أعمل، فجئت إليك لأشاورك في معاش أتعلق به.
فقلت: قد رد الله عليك بعض ضالتك، هذا الهميان الذي وصفته، عندي، وكان فيه ألف دينار أخذتها، وعاهدت الله تعالى، أنني ضامنها لمن يعطيني صفة الهميان، وقد أعطيتني أنت صفته، وعلمت أنه لك، وقمت، فجئته بكيس فيه ألف دينار.
وقلت له: تعيش بهذا في بغداد، فإنك لا تعدم خيراً إن شاء الله.
فقال لي: يا سيدي الهميان بعينه عندك، لم يخرج عن يدك ؟ قلت: نعم.
فشهق شهقة، ظننت أنه قد مات معها، وغشي عليه، فلما أفاق بعد ساعة، قال لي: أين الهميان؟ فجئته به، فطلب سكيناً، فأتيته بها، فخرق أسفل الهميان، وأخرج منه حجر ياقوت أحمر، أشرق منه البيت، وكاد يأخذ بصري شعاعه، وأقبل يشكرني، ويدعو لي.
فقلت له: خذ دنانيرك.
فحلف بكل يمين، لا يأخذ منها إلا ثمن ناقة، ومحمل، ونفقة تبلغه، فبعد كل جهد أخذ ثلثمائة دينار، وأحلني من الباقي، وأقام عندي، إلى أن عاد الحجاج، فخرج معهم.
فلما كان العام المقبل، جاءني بقريب مما كان يجيئني به سابقاً من المتاع.
فقلت له: أخبرني خبرك.
فقال: مضيت، فشرحت لأهل البلد خبري، وأريتهم الحجر، فجاء معي وجوههم إلى الأمير، وأعلموه القصة، وخاطبوه في إنصافي ، فأخذ الحجر، ورد علي جميع ما كان أخذه مني، من متاع، وعقار، وغير ذلك، ووهب لي من عنده مالاً.
وقال: اجعلني في حل مما عذبتك وآذيتك، فأحللته.
وعادت نعمتي إلى ما كانت عليه، وعدت إلى تجارتي ومعاشي بفضل الله تعالى.
وكان يجيئني بعد ذلك، حتى مات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
السلام عليكم ضع تعليقك وأترك بصمتك علي الموضوع مع خالص أحترامي وتقديري