(وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ)
سورة يوسف من الآية 100
الزعيم النازي هتلر..
دخل السجن و مضى فيه فترة قصيرة...فنظم أفكاره و رتب أهدافه..فخرج و أصبح القائد الأول في المانيا..ومن أشهر الزعماء في العالم ...نظم الجيوش ورتب الصفوف وقاد الحرب العالمية الثانية..
***
الرئيس الأسبق لجمهورية جنوب أفريقيا و أشهر سجين في العالم نيلسون مانديلا
مكث في السجن 28 عام لأجل ثباته على مبادئة ورفضه التمييز العنصري ...فخرج بعد ذلك من السجن ليصبح أول رئيس أسود لجنوب أفريقيا وحاز على جائزة نوبل للسلام..وأصبح من أشهر زعماء العالم...ورمزاً عالميا ضد العنف والتمييز العنصري ..وسفيراً في الأمم المتحدة للنوايا الحسنة
***
زعيم تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين أبو مصعب الزرقاوي
دخل السجن الأردني ومكث فيه خمس سنوات ...فأعاد تكوين نفسه و ترتيب نشاطاته...ليخرج من هناك ويصبح أخطر القادة العسكرين في الشرق الأوسط...فقد أشادت به وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس وبمهاراته العسكرية ووضعته في مصاف أعظم جنرالي الجيش الأمريكي...وأختارته مجلة تايم الأمريكية واحداً من مئة شخصية الأكثر تأثيراً في العالم..
****
بعض العلماء و الدعاة السعوديين أمثال الشيخ سلمان العودة و الشيخ عائض القرني
دخلوا السجن ومكثوا فيه فترة من الزمن...والآن هم من أكثر الأشخاص شهرة ليس في الساحة السعودية فقط....بل في العالم العربي و الأسلامي..
****
إنه أقسى و سيلة عقاب عرفتها البشرية منذ فجر التاريخ ؛ ذلك الموت البطيء لحياةٍ توقف عندها الزمن أو كاد , فاليوم مثل الأمس و الغد لا يحمل جديدًا , سوى التفكير في يوم الخروج الذي لا يكاد يأتي !
إنه السجن يا سادة...
هذا المكان المقيت الذي يُكسر فيه كبرياء أعتى الرجال و تتحطّم آمالهم , و يفنى فيه شبابهم و تذبل بداخله نفوسهم , و لا تغرّنكم المقولة الكاذبة "السجن للجدعان" , أكاد أجزم بأن من قالها لم يدخل سجنًا في حياته أو ذاق طعم الحبوس يومًا ما , فهذا الحطيئة الشاعر الهجَّاء العضَّاب , لم يحتمل ظلمة السجون و وحشة الزنازين و قال مستعطفًا الفاروق رضي الله عنه :
مَاذَا تقول لأِفْراخٍ بذي مَرَخٍ .... حمرِ الحواصل لا ماءٌ ولا شجرُ
غَيَّبْتَ كَاسِبَهُمْ في قَعْرِ مُظْلِمَة ٍ .... فاغْفِرْ عَلَيْكَ سلامُ اللّه ياعُمَرُ
و كما لكل قاعدة استثناء , فهناك من تمت ولادته من جديد في في هذا المكان الكئيب , الذي هو بمثابة الشرنقة التي تحتضن روحه المعذبة البائسة , هذه الروح التي تخرج كالفراشة الزاهية , تحلق بعيدًا في سماوات الأدب و الفكر ....
مثال ذلك المفكِّر الشهيد سيد قطب - رحمه الله - الذي أتم سِفره الجميل في ظلال القرآن و هو تحت رحمة السجّان , ثم أعاد صوغه في الطبعة الثانية بما يتلاءم على ما انتهى إليه من آراء ومواقف حدّيّة حازمة , و ختم حياته بمؤلفّه "معالم في الطريق" الذي حمّله عصارة فكره و لبابُ آراءه في الحياة و نظرته للمجتمع المسلم .
و لكن للأسف , يأبي السجن إلا و أن يضع بصمته و ينشب مخالبه في روحه , فنجد لديه نظرة تشاؤمية مظلمة , كفرت بالحاكم و أدانت المحكوم و وصفت المجتمع بالجاهلية , و تعسّفت في تأويل العقيدة , و يبقى "سيد قطب" الأديب المصقع دليلاً للجمال و العذوبة , و "سيد قطب" المفسِّر رمزًا للشطط و التجنِّي , و لكأن الأول خارج السجن و الثاني داخله !
و سجينٌ آخر , قلما يجود الزمان بمثله , الطود الشامخ و العالِم الجليل , غرّة الدهر و تاج الفخر , شيخ الإسلام أحمد بن تيمية الحراني.
هذا الشيخ الجليل الذي كاد له خصومه و مبغضوة و ألبوا عليه السلطان و غُيِّب في قاع السجن مرارًا , حتى سجن أخيرًا في قلعة دمشق بعد أن زوّر عنه الوشاة كلامًا منكرًا و فتوى لا تصدر عن عامي فضلاً عن عالم جليل , و أشتدت محنته رحمه الله , حتى أُخرج ما كان عند الشيخ من الكتب و الأوراق و الأقلام , و حُبِس عن ملاقاة الناس و مُنِع من الكتابة و التأليف , حتى توفي رحمه الله في محبسه , أنزل الله عليه شآبيب مغفرته و رحمته.
شيخ الإسلام الذي قيل فيه:
ماذا يقول الواصفون له .... وصفاته جلّت عن الحصر
هو حجـة لله قاهـرة .... هو بيننـا أعجوبة الدهـر
هو آية للخـلق ظاهرة .... أنوارها أربـت على الفجر
و هو القائل في ثبات عجيب و إيمان راسخ :
"ماذا يصنع أعدائي بي؟ جنتي في صدري، لا يستطيعون أن ينزعوها مني، فإن نفوني فنفيي سياحة، وإن حبسوني فحبسي خلوة، وإن قتلوني فقتلي شهادة، في صدري كتاب الله وسنة رسوله."
رحمك الله يا شيخ الإسلام....
اسكنه الله في الجنان ولا .... زال علياً في أجمل الخـلع
مضى ابن تيمية وموعده .... مع خصمه يوم نفخة الفزع
هذا هو السجن ..... غالبًا ما يكسرالإنسان و أحيانًا في حالات خاصة يثبّت الإيمان أو يحرر الأذهان.
وأكبر سجن معروف هو سجن الدنيا
فهي جنة الكافر وسجن المؤمن
رحم الله الإمام أحمد بن حنبل ......
صدع بالحق أمام السلطان الجائر , و لم يدع للوثوب عليه أو نقض بيعته أو هيّج العوام عليه , و كان بمقدوره ذلك بإشارة منه تلميحًا لا تصريحًا .....
و لكنه نظر للمفسدة المترتبة و خشي الفتنة و قدّم المصلحة و درأ المفسدة و نصح ثم صفح .....
لم يبع دينه بدنياه وكذلك لم يجر الوبال على المسلمين و الويلات على الموحدين.
أمر بالمعروف و نهى عن المنكر , و لم يكن شيطانًا أخرسًا أو عالم يميل مع العامة و أهواءهم و السلاطين و نزواتهم , و في المقابل لم يكن داعية فتنة و عصيان مادام الحاكم لم يقارف في عامة شئونه ما يخرجه من الإسلام أو يمنع الأحكام.
هذا هو الفرق بين العالم الرباني و الرويبضة ......
و ما أكثرهم في هذا الزمان و الله المستعان.......
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
السلام عليكم ضع تعليقك وأترك بصمتك علي الموضوع مع خالص أحترامي وتقديري