''لقد خلقنا الله أحرارا و لم يخلقنا تراثا أو عقارا.. والله لن نستعبد بعد اليوم''.. لعل هذه أبرز عباراته الذي سجلها التاريخ في وقفته الشهيرة على جواده أمام قصر عابدين بطوله وضخامة جسده وشاربه الكبير، مرتديا الطربوش، يلتف بالجيش والشعب المصري أمام الخديوي ''توفيق'' وحاشيته التي أوحلت البلاد 74 عاما تحت ذل الاحتلال الإنجليزي.
اليوم 21 سبتمبر تمر ذكرى وفاة الزعيم ''أحمد عرابي''، الذي توفى في 1911؛ ولد ''عرابي'' في 31 مارس 1841 في ''هرية رزنة - الشرقية''، حفظ القرآن الكريم وأرسله والده ''عمدة القرية'' للالتحاق بالمدرسة الحربية في سن ''14 سنة''، وأصبح عرابي ''أميرلاي - عميد'' في سن العشرين.
شارك عرابي في فتوحات الخديوي إسماعيل في بلدان منابع النيل، عندما تولى ''الخديوي توفيق'' حكم مصر ورأى كيف ساءت أحوال الجيش والشعب في عهد ''نظارة رياض باشا''، أرسل ''عرابي'' نيابة عن مجموعة من ضباط الجيش مطالبهم للخديوي بعزل ''وزارة رياض'' وترقية الضباط وزيادة عدد الجيش، والذي أصدر ''توفيق'' مرسوما في العام اللاحق ''يلغي فيه جيش مصر''.
رفض ''توفيق'' هذه المطالب وسعى للقبض على ''عرابي'' وزملاؤه، مما دفع عرابي لأخذ زمام المبادرة والتعجيل بالمواجهة، وشهد يوم 9 سبتمبر 1881 ''وقفة عرابي'' كأول ثورة شعبية في تاريخ مصر الحديث، طلب فيها إلغاء ''قانون التصفية'' الذي خصص نصف إيرادات مصر لتسديد الديون، وإلغاء المراقبة الأجنبية وتشكيل ''مجلس شورى النواب''.
إلا أن ''الخديوي'' رد: ''كل هذه الطلبات لا حق لكم فيها.. وأنا ورثت ملك هذه البلاد عن آبائي وأجدادي.. وما أنتم إلا عبيد إحساننا''، فكان رد ''عرابي'' الذي سجله التاريخ'': ''لقد خلقنا الله أحرارا ولم يخلقنا تراثا أو عقارا.. والله لن نستعبد بعد اليوم''.
وبفعل الضغط الشعبي تشكلت أول وزارة وطنية في تاريخ مصر برئاسة شريف باشا بعد ''أربعة أيام فقط'' من ''هوجة عرابي''، وجيئ بـ''محمود سامي البارودي'' ناظرا للجهادية ''الدفاع حاليا''، وتشكل الدستور وعرض على مجلس النواب، إلا أن الدول الدائنة تدخلت مرة أخرى لإخضاع ''الخزانة'' لإشرافها، وأصبحت وزارة ''شريف'' في مأزق أمام الشعب، فقدمت استقالتها 2 فبراير 1882؛ لتتشكل وزارة'' البارودي'' ويأتي ''عرابي'' ناظرا للجهادية.
أضمر ''الخديوي'' الشر للبارودي بسبب معارضته تنفيذ بعض الأحكام العسكرية بحق ضباط الجيش، واستغلت انجلترا الموقف وادعت تعرض قناة السويس ''طريق مواصلاتها لمستعمرة الهند'' للخطر، وحركت أسطولها لشاطئ الإسكندرية، وفي نفس الوقت ذهب ''توفيق للاحتماء بقصر ''رأس التين''.
أعلنت ''حامية الإسكندرية'' ولائها لعرابي في مقاومة الإنجليز، وأبلت بلاءً حسناَ، إلا أنهم اضطروا للتراجع لـ''كفر الدوار''؛ حيث هزموا الإنجليز، وتحرك الأسطول الإنجليزي ناحية القناة.
وتأتي ''خيانة دليسيبس'' لتضع مسمارا في ''نعش الثورة''؛ حين أقنع عرابي بحيادية القناة وسلمها ليلا للأسطول الإنجليزي، و قبض على عرابي، وأصبح الإحتلال الإنجليزي واقعا استمر 74 عاما.
عاد ''الخديوي'' لعابدين، وتشكلت محاكمة عسكرية حكم فيها على ''عرابي و زملاؤه'' بالإعدام، وخفف الحكم للنفي المؤبد لجزيرة ''سرنديب'' سريلانكا حاليا.
عاش عرابي في منفاه عشرين عاما، أدخل فيها الإسلام للجزيرة، وعلم أهلها القرآن وعاد في 1903 لمصر حين اشتد عليه المرض، جالبا معه ''بذور المانجو'' لأول مرة في مصر.
ويرحل ''عرابي'' في 21 سبتمبر 1911، وفي 1983 تقرر سريلانكا تحويل بيته إلى ''مركز ثقافي'' يعرض مقتنياته، وأقاموا له ''تمثالا'' على مدخل الفيلا مرفوع بجانبه ''علم مصر''.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
السلام عليكم ضع تعليقك وأترك بصمتك علي الموضوع مع خالص أحترامي وتقديري