مصوّر الحرامي المخلوع حسني مبارك يكشف خفايا جديدة في حياة الدكتاتور
نشرت صحيفة "ذي اندبندنت" البريطانية اليوم السبت تقريراً من مراسلها في القاهرة اليستر بيتش عن الرواية التي الفها احمد مراد المصور الشخصي الخاص للرئيس المصري السابق حسني مبارك. ويتساءل المراسل عن السبب الذي دفع مراد الى كتابة هذه الرواية التي تفضح اسوأ تجاوزات نظام مبارك. وهنا نص التقرير:
"في شتاء 2007، عندما بدا نظام حسني مبارك آمناً لا يمكن زعزعته، كان شخص يطمح الى ان يكون كاتباً جالساً في صالة احد افخم فنادق القاهرة عندما عصفت بدماغه موجة قدر لها ان تغير حياته. سأل نفسه كيف يمكن ان يكتب رواية تعري الجانب الخفي المشين للحياة السياسية المصرية بكل تفاصيلها القذرة؟.
بعد اشهر قليلة على ذلك كانت الطبعات الاولى من "فيرتيغو" تطبع وتجلد، وما مر وقت طويل حتى صارت في قمة قوائم الكتب الاكثر مبيعاً ووصفت بانها اول قصة مصرية عصرية مثيرة. ولكن كان هناك مأزق خفي – كان المؤلف هو المصور الشخصي لحسني مبارك: مساعد شخصي سافر الى انحاء العالم ليلتقط صوراً للدكتاتور العجوز.
ولكن احمد مراد، الرجل الذي جازف برزقه بالخوض في مستنقع الفساد السياسي الذي سمح رئيسه بنموه، يقول انه لم يكن امامه خيار آخر.
قال في مقابلة مع الـ"اندبندنت" وهو يجلس في نفس الصالة العلوية على سطح فندق "غراند نايل تاورز" حيث تفتق ذهنه عن فكرة الكتاب: "لو قلقت لما كنت قد نشرت الكتاب. هناك نقطة لا تستطيع العودة عندها"، شارحاً كيف تأثر وهو يؤلف هذا الكتاب - الذي عرض كمسلسل تلفزيوني من 30 حلقة خلال شهر رمضان على التلفزيون المصري – بسبب المشقات المتزايدة التي واجهها الناس العاديون وهم يئنون تحت وطأة دكتاتورية مبارك. وقال: "ما كنت لاغفر لنفسي".
من الامور التي لا تكاد تصدق ان مراد عاد الى العمل الآن – للرئيس الجديد محمد مرسي. وقال ان المسؤولين في القصر الرئاسي لم يستجوبوه قط عن الكتاب، وانه ببساطة واصل العمل من حيث تركه في اعقاب ثورة العام الماضي.
بعد "فيرتيغو" نشرت له رواية ثانية، ومن المقرر ان تنشر ثالثة في خريف هذه السنة. ولكن الرواية الاولى، المثيرة بجرأتها، والتي ما زالت في قمة افضل الكتب مبيعا في مصر، هي التي اشهرته. وتتركز القصة على مصور يشاهد حادث اغتيال ثم يستخدم صوره ليرشي سلسةة من الاشقياء الفاسدين.
واذا كان الكتاب جزئياً ترجمة ذاتية لسيرته – علماً ان بطله الذي يضع نظارات على عينيه ويصر اسنانه يشبه المؤلف نفسه شبها عجيباً – فانه لم يكن هناك شيء خيالي في الحياة غير العادية التي كان بوسع مراد ان يطلع عليها بفضل وضعه الخاص.
عندما لم يكن الرئيس يقضي فترة راحة في فيللته في شرم الشيخ خلال اشهر الشتاء، كان مراد يستدعى الى قصر مصر الجديدة، وهو المسكن الجمهوري الواسع المبني على الطراز المغربي الحديث في شمال شرقي القاهرة، ليلتقط صوراً لمبارك مجتمعاً مع مسؤولين. وقد سافر في كل انحاء العالم وقابل بعض اشهر القادة – ناهيك عن بعض اكثرهم اثارة للاشمئزاز. وقال مراد مبتسماً: "صافحت القذافي مرتين في خيمته".
بعدها جاءت لقاءاته مع الرئيس السوري بشار الاسد. قال "التقينا مرتين في العام 2003 في قصره في دمشق. لم يبدُ لي انه مثل زعيم للبلاد، لكني استطيع القول انه كان عنيفا".
تردد مراد في الكشف عن الكثير من المعلومات المتعلقة برئيسه السابق. غير انه كشف عن شيء خفي في ما يتعلق بمبارك اذ قال: "انه رجل طيب. وعطوف. وما اقوله هو وجهة نظر شخصية".
وكان القضاء قد اصدر في حزيران (يونيو) حكما بالسجن مدى الحياة على الرئيس السابق لدوره في مقتل مئات من المحتجين خلال الانتفاضة المصرية. اما نجلاه – واحدهما جمال الذي كان كثيرون يعتقدون انه على شفا ان يرث الحكم من والده – فقد حصلا على قرار بالبراءة من تهمة الفساد.
وبالنسبة الى ملايين المصريين، كان مبارك كان طاغية لا يمكن المساس به تعايش مع سنوات من سوء الادارة الاقتصادية وسمح لثقافة وحشية الدولة ان تستشري.
غير أن مراد الذي عمل مصورا لمبارك لعشرات السنين، الى ان جاء اليوم الذي اطيح به في 11 شباط (فبراير) العام الماضي، يقول انه رأى جانبا آخر للزعيم المصري. "يمكنني ان افصل بين القضايا السياسية والشخصية. فهو لم يكن أدولف هتلر او دكتاتورا دمويا مثلما يظن الناس. كان رجلا عاديا، كبير السن. وعندما كنت اراه يداعب احفاده كان يبدو عاديا، يميل الى الفكاهة. وخلال السنوات العشر لم يسيء لي او يهينني".
وبنظرة مقربة من مبارك قال مراد انه شاهد تغييرات في السنوات الاخيرة من الطاغية مع كبر سنه. ومع بداية الحركة المنادية بالديمقراطية والمطالبة بالاصلاح منذ العام 2007 وما بعده، فان مبارك بدا منفصلاً عما يحدث.
عندما توفي حفيده الاكبر محمد (12 عاما) بدا مبارك، حسب قول مراد، مشتت الفكر. "في اعقاب الحادثة ظل ساكنا. كان عسكريا واعتقد انه كان يشعر دوما انه لا يليق به الحديث الى اي شخص عن هذه الامور".
وما أدهش مراد انه رغم انه بدأ كتابة اول كتاب له فيما كان لا يزال يقوم بزياراته اليومية الى القصر الجمهوري، فان ايا من المقربين من مبارك لم يذكر الكتاب له.
وفي 11 شباط (فبراير) 2011، وهو اليوم الذي اجبر فيه مبارك اخيرا على التخلي عن السلطة، لم يكن مراد يمارس اعماله، وقال انه كان لحظة محورية في حياته.
وقال: "شعرت بانني اعيش في فراغ. كل شيء توقف، كما لو انك كنت تسمع صوتا عاليا للغاية ثم توقف فجأة. وكان علي ان اتدبر الامر بتأن لمدة اسبوع لكي احدد طريقي في مستقبل الايام".
كان القرار بالنشر خطوة جريئة بحد ذاته، على اساس ان اسلوب الاثارة لم يكن شائعا كثيرا في ادبيات العالم العربي.
وقال مراد انه كان هناك تعطش ثقافي يشرحه على ضوء الظروف التي مر بها الطاغية مبارك: فالمصريون بشوارعهم التي تعج بالحركة ومشاداتهم مع وحشية الشرطة، كانوا يعيشون في اثارة يومية – ما الذي يدعوهم الى ممارسة المزيد منها فيوقت فراغهم؟
وشرح ذلك بقوله "ان اجمل شيء تكتب عنه شيء هو شيء غير موجود في المجتمع".
واضاف: "الحقيقة هي ان الاثارة كانت بالفعل جزءا من الحياة".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
السلام عليكم ضع تعليقك وأترك بصمتك علي الموضوع مع خالص أحترامي وتقديري