لا تمر فترة من الزمن إلا ونجد أعداءنا يشغلوننا بموضوع جديد. لم تكد
تنتهي مشكلة الرسوم المسيئة إلا
وبرز الفيلم المسيء. فهل الإساءة شيء جديد أم إنها
بدأت مع مطلع البعثة النبوية؟ نقرأ في القرآن الكريم
(ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ
وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَّجْنُونٌ)، (بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلامٍ بَلِ
افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ ا
لأَوَّلُونَ)... فهل استطاعوا أن
يضعوا من قدره وقد قال الله تعالى له (وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ)؟ ولذا قال الشاعر:
مَن كانَ فوقَ محلِّ الشمسِ موضِعُه فليسَ يرفعُه شيءٌ ولا
يَضعُ
وطمأنه الحق سبحانه فقال (إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ). ولذا فإن أسلافنا لم ينقلوا إلينا الهجاء الذي قيل
فيه،
فانقرض، في حين نقلوا لنا ما قيل في مدحه، كقصيدة البُردة لكعب بن زهير، وشعر
حسان بن ثابت، الذي
قال لمن هجا محمداً صلى الله عليه
وسلم:
هجَوْتَ مُحَمَّدًا فَأَجَبْتُ عَنْهُ وَعِنْدَ اللَّهِ فِي
ذَاكَ الْجَزَاءُ
هجَوْتَ مُبارَكاً بَراً حَنيفاً أمينَ الله شيمتُه
الوفاءُ
أتهجوهُ وَلَسْتَ له بِكُفْءٍ فَشَرُّكُما لِخَيْرِكُما
الفِداءُ
فَإِنَّ أَبِي وَوَالِدَهُ وَعِرْضِي لِعِرْضِ مُحَمَّدٍ مِنْكُمْ
وِقَاءُ
لِسانِي صارِمٌ لا عَيبَ فيهِ وَبَحرِي لا تُكَدِّرُهُ
الدِّلاءُ
وقال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم (إِنَّ شَانِئَكَ
هُوَ الأَبْتَرُ)، وجاء في تفسيرها: إن مبغضك ومبغض ما
جئت به من الهدى
والنور، هو المنقطع أثره، المقطوع من كل خير. وهذا وعد من الله، ألا يبقي له أثراً،
فهل
كلما نعق ناعق نعمل دعاية لقوله أو عمله؟ لقد جاء في كتاب حلية الأولياء عن عمر
بن الخطاب رضي الله
عنه قوله: (إِنَّ لِله عِبَادًا يُمِيتُونَ الْبَاطِلَ
بِهَجْرِهِ، وَيُحْيُونَ الْحَقَّ بِذِكْرِهِ)، فما أعظم هذا الفقه! وإذا أخذنا به
فعلينا أن نقوم بأعمال إيجابية تجاه رسولنا صلى الله عليه وسلم، بدلاً من الأعمال
السلبية التي تسيء إلينا
وتعمل دعاية للعمل الذي أردنا محارته.
إن حب المسلم لرسوله صلى الله عليه وسلم لابد أن يدفعه للغضب عند سماع
الإساءة، لكن رسول الله صلى
الله عليه وسلم وجّه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها
إلى خير من ذلك. إذ كان اليهود يقولون للرسول
صلى الله عليه وسلم (السام عليك) أي
الموت، لإيهامه أنهم يقولون (السلام عليك). ففي صحيح البخاري (أن
اليهودَ أتَوُا
النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقالوا: السامُ عليك، قال: وعليكم. فقالتْ عائشَةُ: السامُ عليكم، ولعَنَكمُ
اللهُ وغضِبَ عليكم، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: مَهلا يا عائشَةُ، عليكِ
بالرِّفقِ، وإياكِ والعُنفَ، أو
الفُحشَ. قالتْ: أو لم تسمَعْ ما قالوا؟ قال: أو لم
تسمعي ما قلتُ؟ ردَدْتُ عليهم، فيُستَجابُ لي فيهم، ولا
يُستَجابُ لهم
فِيَّ).
إن من الأعمال الإيجابية السعي الحثيث لتحسين الصورة الذهنية عن الإسلام
والمسلمين، وهذه مهمة شاقة
تتطلب منا أن نكون على خير ما يُرام من تطبيق الإسلام
على أنفسنا والتحلي بأخلاقه. فلقد أرسل اللهُ رسولَه
صلى الله عليه وسلم للناس
كافة، فكيف يكون للناس كافة إلى قيام الساعة وقد لحق بالرفيق الأعلى؟ لقد ترك
لأتباعه مهمة تبليغ الرسالة للأجيال، فعندما يسافر أي منا إلى أي بلد فليعلم أنه
حامل رسالة إلى أهلها
وليتصرف كما يليق. ثم إن ملايين الناس يأتون للعمل في بلاد
المسلمين، فهل يكون سلوكنا جاذباً إلى ديننا
أم
منفّراً؟
ولقد يسَّرت وسائل الاتصال الحديثة الوصول إلى الناس وهم جالسون في
بيوتهم. فليبدع كل واحد منا طرقاً
لإيصال الرسالة إلى الناس باستخدام هذه الوسائل
بدلاً من استخدامها فيما لا ينفع، لاسيما الذين يتقنون
لغات الأقوام
الأخرى.
وأخيراً هل نتعلم من غيرنا؟ لقد استطاع اليهود في بلدان عديدة في العالم
أن يستصدروا قوانين تجعل مجرد
التشكيك في المحرقة جريمة يعاقب المتلفظ بها،
ويتهمونه بمعاداة السامية. أولسنا نحن من سلالة سام
أيضاً؟ فهل سنعمل على استصدار
قوانين دولية تجعل الإساءة للإسلام ورسوله جريمة؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
السلام عليكم ضع تعليقك وأترك بصمتك علي الموضوع مع خالص أحترامي وتقديري