يُعتبر الإخوان المسلمون أقدم تنظيم إسلامي سياسي ظهر في العصر الحديث، ولقد وجد الكثير من الاهتمام من جانب الباحثين والكُتَّاب، إلا أن غالبيَّة الاهتمام انصب على تناول نشأة الجماعة الأم في مصر، فيما لم تنل "الظاهرة" الإخوانية في الدول العربية والإسلامية التي توجد فيها جماعات أو أحزاب منتمية فكريًّا أو تنظيميًّا للإخوان المسلمين، ذات الاهتمام.
ومن بين هذه الحركات والأحزاب التي نالت اهتمامًا خجولاً من جانب الباحثين العاملين في حقل الإسلام السياسي والحركي "الإخوان المسلمون في دول الخليج العربي".
الكتاب
بين أيدينا كتاب يُعتبر من الأدبيات النادرة التي ترصد هذه التجربة، تجربة الإخوان المسلمين في الخليج العربي، بدءًا من ظهورهم، وتطور الفكر والممارسة لديهم، وتحولات خطابهم، وعلاقات التنظيمات المختلفة لهم على المستوى البيني، وعلاقاتهم مع التنظيمات الإسلاميَّة الأخرى، كالسلفية، وأبرز مفردات أجندتهم الإصلاحية.
يأتي الكتاب في ثمانية فصول، شارك في إعدادها مجموعة من الكُتَّاب الخليجيين والعرب، حيث وضع الفصل الأول من الكتاب، "الإخوان المسلمون والسعودية.. الهجرة والعلاقة" الباحث السعودي عبد الله بن بجاد العتيبي، أما الفصل الثاني "الإخوان المسلمون في الإمارات.. التمدد والانحسار" فوضعه الباحث السعودي منصور النقيدان.
والفصل الثالث "الإسلام السياسي في الخليج.. خطاب الأزمات والثورات" كتبه الباحث السوداني عمر البشير الترابي"، أما الفصل الرابع "الإخوان المسلمون في البحرين.. تحولات العقود السبعة" فوضعه الباحث والصحفي البحريني غسان الشهابي، ثم الفصل الخامس "من أجل الإمامة.. محاولات لتنظيم إسلامي في سلطنة عُمان" للباحث العُماني عامر الراشدي.
أما الفصل السادس "الوطن في فكر جماعة الإخوان المسلمين"، فللمفكر والأكاديمي الكويتي أحمد البغدادي، والفصل السابع "من الإسلام التقليدي إلى الإسلام السياسي في الكويت" للباحث الكويتي مشاري الذايدي، وأخيرًا، الفصل الثامن "التنوير الإسلامي في السعودية" للباحث السعودي يوسف الديني.
ويقدم الكتاب في هذا الإطار رصدًا تاريخيًّا لظهور وتطور الإخوان المسلمين في دول الخليج العربي، والذي ترجع جذوره إلى فترة الإمام الشهيد حسن البنا، الذي بدأ رحلة نشر الدعوة في الخليج والعالم الإسلامي بشكل عام، من المملكة العربية السعودية، انطلاقًا من فكرة توطدت لديه، وهي نقل المشروع الإسلامي من مصر إلى بلد آخر أقرب إلى الإسلام في الفكر والممارسة السياسية والاجتماعية، وصولاً إلى مرحلة ما بعد ربيع الثورات العربية.
وتنوعت الرؤى التي تناولها الباحثون والكُتَّاب المشاركون في الكتاب، حول القضية الرئيسية التي يتناولها، وهي واقع ومآلات الإخوان المسلمين كتيار وتنظيمات في دول الخليج العربي، إلا أنه على هذا التنوع؛ فقد كان هناك عدد من القواسم المشتركة فيما تناوله هؤلاء الكُتَّاب والباحثون.
القاسم الأول هو التركيز على التحولات التي عرفتها الساحة الإخوانية الخليجية، مع اختلاف مآلاتها، وهذه التحولات ارتبطت بشكل أو بآخر بعاملَيْن رئيسيَّيْن؛ الأول يتعلق بالتحولات التي شهدتها الساحة الإخوانية نفسها، سواء على المستوى الفكري أو الحركي، في البلد الأم، مصر، أو على مستوى إخوان الخليج، أو فيما يتعلق بدعوة الإخوان المسلمين بشكل عام.
العامل الثاني، يتصل بالتحولات التي شهدتها البيئة السياسية في هذه البلدان، والتي ارتبطت، خصوصًا في الحالة السعودية، بشخص الحاكم، وكذلك التحولات التي صاحبت الطفرة النفطية، وما أدت إليه من تحديث في البنية الاجتماعية والثقافية في دول الخليج العربي.
وهذه التحولات، سواء على المستوى الإخواني، أو على مستوى البلدان المعنية في الخليج العربي، كان لها أبلغ الأثر على العديد من الأمور فيما يخص وجود الإخوان المسلمين هناك.
ففي كثير من الحالات ساعدت البيئة الاجتماعية والسياسية الإخوان المسلمين، تنظيمًا وفكرًا وحركة، على الظهور والازدهار، كما في فترة حكم الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود، في الستينيات والسبعينيات الميلادية الماضية، فيما شهدت فترات أخرى تالية على حكم الملك فيصل في المملكة الكثير من التضييق على حركة الإخوان المسلمين، وحد ذلك بالتالي من انتشار أفكارهم.
الواقع نفسه ينطبق على الإمارات والبحرين؛ حيث إن حركة الإخوان المسلمين في البداية استفادت من البيئة المحافظة التي كانت سائدةً هناك، والتي أفرزت نوعيات من الحكام والمجتمعات التي سمحت بازدهار جمعيات الإصلاح الاجتماعي، وهي مسمى الإخوان المسلمين في كل من الإمارات والبحرين والكويت، وبينما كلما تقدم بنا الزمن، واجه الإخوان بعض الصعوبات، قد تصل إلى حد المنع والاعتقال للرموز كما في الحالة الإماراتية.
وفي حقيقة الأمر، فإنه يجب عدم تحميل الإطار السياسي القائم في دول الخليج العربي وحده مسؤولية توسيع أو تضييق المجال على الإخوان المسلمين، حيث إن هناك عوامل أخرى سياسية عديدة ساهمت في ذلك، من بينها طبيعة التحولات التي شهدها العالم في مرحلة ما بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، والتي أثرت على واقع الحركة الإسلامية في العالم بأسره، وبكل أطيافها، وليس الإخوان المسلمين فحسب.
انتماء وطني أم أممي؟!
ومن بين العوامل الأخرى التي أثرت على الواقع الإخواني في بلدان الخليج العربي، نظرة إخوان الخليج لأنفسهم باعتبار أنهم جزء من النسيج الاجتماعي للبلدان والمجتمعات التي ينتمون إليها.
وبالتالي، فإن لهم الحق في أن يكون لهم تمثيل في مختلف أركان ومفاصل الدولة ومؤسساتها، وكذلك الأنشطة والحضور الاجتماعي، وهو ما تسبب لهم في مشكلات عديدة لدى الأنظمة الحاكمة في البلدان التي ينتمون إليها، مع توجس هذه الأنظمة من أن يحتل الإخوان المسلمون مكانهم في الحكم.
ولقد اعتمد الإخوان المسلمون في تطورهم داخل المجتمعات الخليجية على أساليب العمل الدعوي والاجتماعي، مع تقديمهم لخطاب إسلامي وسطي استقطب الكثيرين في مجتمعات الخليج.
غير أنه، وبجانب العوامل السياسية الداخلية والخارجية، تراجعت شعبية الإخوان المسلمين في الكثير من الأماكن داخل بلدان الخليج العربي، مع فشلهم -كما يقول الترابي- في النجاح في التجربة العملية، وفي شغل ذات المساحة الفكرية التي كانوا يشغلونها في السابق، والتي تحولت -مع الطابع المحافظ الذي ظلت عليه الكثير من المناطق داخل النطاقات الجغرافية لدول الخليج العربي- إلى تبني الفكر السلفي.
وارتباطًا بذلك، يناقش الكتاب مجموعة من المنطلقات الفكرية والأسس التي قامت عليها دعوة الإخوان المسلمين، والتي صاغها البنا، ومن بين هذه المنطلقات فكرة الوطن.
وفي هذا الإطار، يقدم أحمد البغدادي رؤية حول فكرة الوطن في المشروع الإخواني، ويشير إلى أن الوطن كفكرة، غير متبلورة في مشروع الإخوان المسلمين، الذي ينطلق من مرجعيات أساسية، هي القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، والتي لم يرد فيها ذكر كلمة "الوطن" بالمعنى القُطْري الضيق، وكذلك انطلاقًا من واقع تاريخي كانت الأمة فيه في غالبية وقتها هي البوتقة التي جمعت الشعوب العربية والإسلامية.
ويشير إلى أن الوطن أو الدولة القومية بمعناها الحديث هي المرحلة الأولى التي ينطلق منها مشروع الإخوان المسلمين، نحو تحقيق الغاية الأساسية للمشروع الإخواني، وهو استعادة الخلافة الإسلامية
ربيع الثورات العربية
جانب آخر من العوامل التي أثرت على أوضاع الإخوان المسلمين في الخليج العربي، وهو حدث تاريخي كان -ولا يزال- له تأثيراته الضخمة على البيئة السياسية الإقليمية والدولية، تمامًا مثل أحداث 11 سبتمبر، وهو ذلك المتعلق بثورات الربيع العربي، والصعود الكبير الذي حققته الأحزاب والقوى الإسلامية، وبخاصة تلك المنتمية إلى تيار الإخوان المسلمين حركيًّا أو فكريًّا، سواء في مصر وتونس أو في المغرب، وبلدان أخرى لم تشهد بعد ربيعها الثوري.
هذا الصعود -كما كان له تأثيرات إيجابية على الفكرة والدعوة حركيًّا داخل المجتمعات- فإنه أيضًا كان له جوانب وتأثيرات سلبية؛ حيث إن تخوفات الأنظمة الحاكمة في الكثير من المجتمعات الخليجية من الوجود الإخواني فيها، وإمكانية طرح الإخوان هناك لخطاب إصلاحي ذي طرح شعبي، أدى إلى الكثير من التوجس من جانب هذه الأنظمة من فقدانها لعروشها، وهو ما يفسر إلى حد كبير الأزمة الحالية التي يواجهها الإخوان المسلمون في الإمارات على سبيل المثال.
وختامًا، فإن هناك العديد من الملاحظات على الكتاب، من بينها أنه قدم رؤية أحادية الاتجاه حول التيار الذي تناوله، فلم يكن هناك "ممثلون" للإخوان المسلمين في الكُتَّاب الذين اختارهم مركز المسبار للكتابة في هذا الموضوع.
كما كان هناك الكثير من التحامل من جانب بعض الكُتَّاب المعروف عنهم معارضتهم للتيار الإسلامي بشكل عام في بلدانهم، على الإخوان المسلمين، كما بدا في الفصل الذي وضعه الكاتب الكويتي أحمد البغدادي حول فكرة الوطن والمواطنة لدى الإخوان المسلمين حيث أكد بعض الأفكار التي ينال منها أعداء المشروع الإسلامي من التيارات العلمانية وغيرها، ومن بينها أن الإسلاميين لا يضعون لفكرة الوطن مكانتها اللائقة في تفكيرهم وحراكهم!
موضوع ممتاز جدا شكرا لكم
ردحذف