عن الجولة الأخيرة للطغيان كتب إلي صديق سوري يقول: حين ثرنا على الظلم دُمرت البلاد وأهلكت العباد. كانت البلد في الرمد فصارت في العمى! أليس الرمد أحسن من العمى؟ كنا مقبلين على نهضة اقتصادية والأمور في تحسن فدمرنا كل شيء!
أجبته: لو كان ما تفضلتَ به صحيحا لكنتَ أول العائدين للعمل هناك وحصد الرواتب العالية دون تغرب! فلماذا يعمل ملايين السوريين المغتربين في الخارج؟
أجاب: لم أقل أن سوريا أصبحت جنة لدرجة أن يعود المغتربون ولكنها تحسنت كثيرا عن قبل. ثم إن الإعلام لم ينقل سوى واحد في المائة مما يحدث من معاناة الناس هناك. لا بنزين ولا غاز ولا خبز ولا كهرباء ولا أمان! دُمرت البلاد وتحتاج خمسين سنة لترجع كما كانت!
وهنا تذكرت شخصاً قال كلاماً مماثلاً على إحدى القنوات، فسأله مقدم البرنامج: من الذي دمّر البلد بالطائرات؟ فلم يجب. أعاد عليه السؤال: هل الناس الثائرون من أجل حريتهم يدمرون بيوتهم، أم الطائرات التي تقذف قذف عشواء فتهلك الحرث والنسل؟ فما عاد يسمع.
تذكرت أيضاً أني عشت في بريطانيا في الفترة التي كان فيها الجيش الجمهوري الأيرلندي يوجّه ضربات موجعة لبريطانيا، لكن بريطانيا لم تحرق الأرض في شمال أيرلندا، ولم تقصفها من الجو والبر والبحر، ولم تدمر البنى التحتية، ولم تدمر المباني فوق رؤوس ساكنيها. لم تحاصرها ولم تقطع عنها الطعام والدواء والكهرباء. بل كان المسؤولون من الأيرلنديين من غير الجناح العسكري يظهرون على شاشة التلفاز البريطاني الرسمي ليعرضوا وجهة نظرهم.
ويتساءل كثير من الناس كيف نساعد الشعب السوري في محنته؟ وفي الحقيقة فهناك طرق عدة بدأتها المملكة بعمل إيجابي رائع من خلال حملة خادم الحرمين الشريفين لجمع التبرعات لإعانة الشعب السوري المنكوب.
والنصرة تكون حسب الاستطاعة، تكون مادية كما تكون معنوية، تكون ببذل المال، كما تكون ببذل النصيحة، كما تكون بالدعاء لهم بأن تزول محنتهم، وتنكشف شدتهم، وتنصلح أحوالهم، وأن يكون السداد حليفاً لأعمالهم وأقوالهم. أما الصمت على الجرائم أو تحميل الضحية وزر ما يقوم به الجلاد فهو مشاركة في الجريمة! وهل انطلت حيلة (الممانعة والمقاومة) على بعض الناس فصاروا لا يسمعون الصرخات ولا يرون الأشلاء؟
ومن لا يريد أن يصدق ما يُعرض على شاشات التلفزة من صور الهلاك والدمار فليستمع إلى أقوال كبار المنشقين والمعلومات التي أدلوا بها.
ومادام الحديث عن نصرة المظلومين فهناك خط أحمر. إذ غلب على ظن بعض الناس أن يساعدوا المهجرين في المخيمات على الحدود بأن يتزوجوا من بناتهم! يا سبحان الله! هل هذا وقت استغلال الناس بثمن بخس دراهم معدودة؟ أم وقت بذل المساعدات والمعونات لوجه الله؟ فمن أراد هذا الزواج فليراجع قلبه، وليتق الله ربه، وليخالف شيطانه، وليتذكر قول الله تعالى في قصة مشابهة حيث يقول (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَىٰ فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلاثَ وَرُبَاعَ). وفي تفسير السعدي: وإن خفتم ألا تعدلوا في يتامى النساء اللاتي تحت أيديكم بأن لا تعطوهن مهورهن كغيرهن، فاتركوهن وانكحوا ما طاب لكم من النساء من غيرهن: اثنتين أو ثلاثًا أو أربعًا.
وقد وصفت عائشة رضي الله عنها المقصود بالآية فقالت (هي اليتيمة تكون في حجر وليها، تشاركه في ماله. فيعجبه مالها وجمالها. فيريد وليها أن يتزوجها بغير أن يقسط في صداقها فيعطيها مثل ما يعطيها غيره. فنُهوا أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا لهن. ويبلغوا بهن أعلى سنتهن من الصداق. وأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء، سواهن). والعامل المشترك بين الحالة المذكورة في الآية وحالة المنكوبات في المخيمات هو عدم دفع المهر المكافئ لمثلها.
فمن أراد مساعدة إخوانه المنكوبين فليبذل لهم من ماله، وليؤمّن لهم ما يليق بهم من مسكن وطعام ولباس، ثم إن أراد الزواج بعد ذلك فليدفع المهر الذي يُدفع لمثيلاتهن في غير وقت المحنة، وإلا فإن عمله مدخول، ولْيَخَفِ أن يُفجع يوماً ما، فليراقب الله فيما يفعل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
السلام عليكم ضع تعليقك وأترك بصمتك علي الموضوع مع خالص أحترامي وتقديري