ليست السوق السوداء في الجزائر ظاهرة جديدة، فقد نمت وبرزت خاصة في عهد النظام الاشتراكي الذي تبنته الحكومات المتعاقبة بعد الاستقلال قبل خمسين عاما، الا انها لم تصل الى هذا الحجم والانتشار كما شهدته في السنوات الاخيرة.
فاحدث التقديرات تشير الى ان حجمها تجاوز العام الماضي 40 بالمئة من الناتج المحلي الاجمالي ما اثار تساؤلات حول ما تمثلها من تهديد حقيقي للاقتصاد والامن الوطنيين.
خسائرموضوعات ذات صلة افريقيا
يكلف النشاط الاقتصادي الموازي خزينة الدولة 4 مليارات دولار سنويا، وتمثل هذه خسارة كبيرة لحكومة لا تتجاوز ايراداتها من العملة الصعبة 70 مليار دولار تشكل عائدات المحروقات 98 بالمئة منها.
لكن يبدو انه مع ارتفاع اسعار النفط والغاز ازداد اعتماد الجزائر عليها كممول رئيسي لموازناتها العامة، وفي وقت اقترب حجم احتياطاتها من العملة الصعبة مائتي مليار دولار فان هذه الخسائر يمكن تحملها في اقتصاد ريعي يعتمد على النفط والغاز.
فكبرى الشركات العاملة في البلاد مثل سوناطراك و سونالغاز هي مملوكة للدولة ولا يملك مديروها اي هامش لتسييرها على حسب مقتضيات السوق، كما ان معظم الشركات غير معرضة لقوى السوق، وفي غياب المنافسة وازدهار الفساد والمحسوبية تراجع اداؤها وادى الى ارتفاع اسعار السلع والخدمات للمستهلكين وضيق افق خياراتهم.
السوق السوداء ...خير ام شروحتى الاصلاحات التي نفذتها الحكومة في سنوات الحرب الاهلية والتي كانت تهدف الى استقطاب الرأسمال الاجنبي وفتح المجال امام نمو القطاع الخاص كانت نتائجها محدودة خاصة على سوق العمل بسبب توقف الاصلاحات والتراجع عن بعضها في السنوات الاخيرة.
فمعدلات البطالة استقرت عند مستويات مرتفعة، تجاوزت نسبتها 20 بالمئة وسط الشباب، ودفعت عشرات الآلاف منهم الى احضان السوق السوداء التي وفرت لهم ملجأ للاعتماد على انفسهم في كسب رزقهم والتخفيف من وطأة الفقر في ظروف اقتصادية صعبة.
وغضت الحكومة ومؤسساتها البيروقراطية غضت الطرف عن هذه النشاطات التي رأت فيها اداة لامتصاص غضب جيوش من العاطلين، ولاشاعة السلم الاجتماعي.
ويبدو ان السوق الموازية اصبحت ضرورية للنشاط الاقتصادي ومكملة لما عجزت عن توفيره السوق الرسمية في مجالي العمل والسلع والخدمات.
ويعترف وزير التجارة مصطفى بن بادة بان معظم المتعاملين الاقتصاديين المسجلين في سجلات وزارته يلجأون الى السوق السوداء بشكل او باخر، ويضيف قائلا ''خمسون في المئة من ايراداتهم مصدرها السوق السوداء''.
لكن مع توسع حجم السوق وامتدادها الى كل القطاعات، بدأت السلطات تفقد سيطرتها عليها، ويرى خبراء جزائريون ان أحداث العنف التي هزت البلاد في بداية العام الماضي فيما اصطلح على تسميته بـ''احتجاجات السكر والزيت'' كانت اسبابها رفض ''لوبيات السوق الموازية'' الخضوع لعدد من القوانين التي سنتها الحكومة بهدف بسط سيطرتها على القطاع.
وفي محاولة لتأمين السلم الاجتماعي من خطر انتقال احتجاجات الربيع العربي الى الشارع الجزائري، اقدم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة على تبني سياسات اقتصادية رأها عدد من المحللين انها تشجع السوق الموازية ولا تحفز على العمل المنتج.
وأدت هذه السياسات إلى تطور الاقتصاد الموازي بسرعة كبيرة، فقد تمكن من ان يوفر لنفسه نوعا من الحصانة كما نسج علاقات قوية مع الشبكات الأجنبية.
ورأت تقارير متشائمة أن التوجهات الحكومية في السنوات الأخيرة صبت مباشرة في صالح الاقتصاد الموازي، هذا إذا لم تكن هذه التوجهات استجابة مقصودة لضغوط ''لوبيات'' تنشط في السوق الجزائرية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
السلام عليكم ضع تعليقك وأترك بصمتك علي الموضوع مع خالص أحترامي وتقديري